الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها عيبا لا تصيبها العين، فأوقعوا بخنصر رجلها فى ظفره شيئا. قال: وأولدها الرجل الذى اشتراها ولدين، ثم خرج بها الى خراسان فمات هناك وماتت بعده.
ذكر أخبار شارية جارية إبراهيم بن المهدىّ
قال أبو الفرج: كانت شارية مولّدة من مولّدات البصرة. يقال: إنّ أباها كان من بنى سامة بن لؤىّ المعروفين ببنى ناجية، وإنه جحدها. وكانت أمّها أمة، فدخلت فى الرقّ. وقيل: إن أمّها كانت تدّعى أنها بنت محمد بن زيد من بنى سامة ابن لؤىّ، وقيل: إنها كانت تدّعى أنها من بنى زهرة، وقيل: بل سرقت فبيعت، فاشترتها امرأة من بنى هاشم فأدّبتها وعلّمتها الغناء، ثم اشتراها إبراهيم بن المهدىّ، فأخذت عنه غناءه كلّه أو أكثره. وبذلك يحتجّ من يقدّمها على عريب ويقول:
إنّ إبراهيم خرّجها، وكان يأخذها بصحة الأداء لنفسه وبمعرفة ما يأخذها به؛ ولم تلق عريب ذلك، لأن المراكبىّ لم يكن يقارب إبراهيم فى العلم ولا يقاس به فى بعضه فضلا عن سائره.
قال: ولما عرضتها مولاتها الهاشميّة للبيع ببغداد عرضت على إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ فأعطى فيها ثلاثمائة دينار، ثم استغلاها بذلك ولم يردها. فجىء بها الى ابراهيم بن المهدىّ فساوم بها؛ فقالت له مولاتها: إن إسحاق بن إبراهيم أعطى بها ثلاثمائة دينار وأنت أحقّ بها. فقال: زنوا لها ما قالت فوزن لها. ثم دعا بقيّمته فقال: خذى هذه الجارية ولا تزيّنيها سنة، وقولى للجوارى يطرحن عليها. فلما كان بعد سنة أخرجت إليه، فنظر إليها وسمع منها؛ فأرسل إلى إسحاق بن إبراهيم؛ فلما أتاه أراه إيّاها وأسمعه غناءها، وقال: هذه جارية تباع، فبكم تأخذها لنفسك؟
قال إسحاق: آخذها بثلاثة آلاف دينار وهى رخيصة بها. فقال له إبراهيم: أتعرفها؟
قال لا. قال: هذه الجارية التى عرضتها الهاشميّة بثلاثمائة دينار فلم تقبلها. فعجب إسحاق من حالها وما صارت إليه.
وقد حكى عن هبة الله بن إبراهيم بن المهدىّ أنها عرضت ببغداد على إبراهيم فأعجب بها إعجابا كبيرا، [فلم يزل يعطى بها حتى [1]] بلغت ثمانية آلاف درهم. قال:
ولم يكن عند أبى درهم ولا دانق؛ فقال لى: ويحك! قد والله أعجبتنى هذه الجارية إعجابا شديدا، وليس عندنا شىء. فقلت له: بع ما تملكه حتى الخزف وتجمع ثمنها. فقال لى: [قد تذكّرت فى شىء [1]] ، اذهب إلى علىّ بن هشام فأقرئه منّى السلام، وقل له: قد عرضت على جارية وقد أخذت بمجامع قلبى، وليس عندى شىء، فأحبّ أن تقرضنى عشرة آلاف درهم. فقلت: إن ثمنها ثمانية آلاف درهم، فلم نكثر على الرجل بعشرة آلاف درهم! فقال: إذا اشتريتها بثمانية آلاف درهم فليس لنا بدّ من أن نكسوها ونقيم لها ما تحتاج إليه. قال: فصرت إلى علىّ بن هشام وأبلغته الرسالة؛ فدعا بوكيل له وقال: ادفع إلى خادمه عشرين ألف درهم، وقل له: أنا لا أصلك، ولكن هى لك حلال فى الدنيا والآخرة.
قال: فصرت إلى أبى بالدراهم، فلو طلعت عليه بالخلافة لم تكن تعدل عنده تلك الدراهم. قال: وكانت أمّها خبيثة، وكانت كلما لم يعط إبراهيم ابنتها ما تشتهى ذهبت إلى عبد الوهاب بن علىّ، ودفعت إليه رقعة يوصلها إلى المعتصم تسأله أن تأخذ ابنتها من إبراهيم.
وحكى عن يوسف بن إبراهيم المصرىّ صاحب إبراهيم بن المهدىّ أنّ إبراهيم وجّه به إلى عبد الوهاب بن علىّ فى حاجة كانت له. قال: فلقيته وانصرفت من عنده؛ فلم أخرج من دهليز عبد الوهاب حتى استقبلتنى امرأة؛ فلما نظرت فى وجهى
[1] زيادة عن الأغانى. وفى الأصل: «إعجابا كبيرا فبلغت» .
سترت وجهها، فأخبرنى شاكرىّ أن المرأة امّ شارية جارية إبراهيم. فبادرت إلى إبراهيم وقلت له: إنى رأيت أمّ شارية فى دار عبد الوهاب، وهى من تعلم، وما يفجؤك إلا حيلة قد أوقعتها. فقال لى: اشهدك أنّ جاريتى شارية صدقة على ميمونة بنت إبراهيم بن المهدىّ، ثم أشهد ابنه هبة الله على مثل ما أشهدنى، وأمرنى بالركوب إلى ابن أبى دواد وإحضار من قدر عليه من الشهود المعدّلين عنده؛ فأحضر أكثر من عشرين شاهدا. وأمر بإخراج شارية فاخرجت. فقال لها: استرى وجهك؛ فجزعت من ذلك، فأعلمها أنما أمرها بذلك لخير يريده لها ففعلت. فقال لها:
تسمّى؛ فقالت: أنا أمتك. فقال لهم: تأمّلوا وجهها ففعلوا. ثم قال: فإنى أشهدكم أنها حرّة لوجه الله تعالى، وأنى قد تزوّجتها وأصدقتها عشرة آلاف درهم؛ يا شارية أرضيت؟ قالت: نعم يا سيّدى، قد رضيت، والحمد لله تعالى على ما أنعم به علىّ. فأمرها بالدخول، وأطعم الشهود وطيّبهم وانصرفوا. قال: فما أحسبهم تجاوزوا دار ابن أبى دواد حتى دخل علينا عبد الوهاب بن علىّ، فأقرأ عمّه سلام المعتصم، ثم قال له: يقول لك أمير المؤمنين: من المفترض علىّ طاعتك وصيانتك عن كلّ ما يسوءك، إذ كنت عمّى وصنو أبى. وقد رفعت [امرأة [1]] إلىّ قصّة ذكرت فيها أن شارية ابنتها، وأنها امرأة من قريش من بنى زهرة، واحتجّت بأنه لا تكون بنت امرأة من قريش أمة. فإن كانت هذه المرأة صادقة فى أنّ شارية بنتها، وأنها من بنى زهرة، فمن المحال أن تكون شارية أمة.
والأشبه بك والأصلح إخراج شارية من دارك وتصيّرها عند من تثق به من أهلك، حتى يكشف عما قالته هذه المرأة. فإن ثبت ذلك أمرت من جعلتها عنده بإطلاقها، وكان فى ذلك الحظ لك فى دينك ومروءتك. وإن لم يصح ذلك
[1] التكملة عن الأغانى (ج 14 ص 110 طبع بولاق) .
أعيدت الجارية إليك وقد زال عنك القول الذى لا يليق بك ولا يحسن. فقال إبراهيم: فديتك، هب شارية بنت زهرة بن كلاب، أينكر على [ابن [1]] العباس بن عبد المطلب أن يكون بعلا لها؟! فقال عبد الوهاب لا. فقال: أبلغ أمير المؤمنين- أبقاه الله- السلام، وأخبره أنّ شارية حرّة، وأنى قد تزوّجتها بشهادة جماعة من العدول. وقد كان الشهود أعلموا ابن أبى دواد بالقصة، فركب إلى المعتصم وحدّثه بالحديث معجبا له منه؛ فقال: ضلّ سعى عبد الوهاب. ثم دخل عبد الوهاب على المعتصم. فلما رآه يمشى فى صحن الدار سدّ المعتصم أنفه وقال: يا عبد الوهاب، أنا أشمّ رائحة صوف محرق، وأحسب عمّى لم يقنعه ردّك على أذنك صوفة حتى أحرقها، فشممت رائحتها منك. فقال: الأمر على ما ظنّ أمير المؤمنين وأسمج.
قال: ثم ابتاع إبراهيم من بنته ميمونة شارية بعشرة آلاف درهم وستر ذلك عنها؛ فكان عتقه إياها وهى فى ملك غيره، ثم ابتاعها من ميمونة فحلّت له، فكان يطؤها بملك اليمين وهى تتوهّم أنها زوجته. فلما توفّى طلبت شارية مشاركة أمّ محمد بنت خالد زوجة إبراهيم فى الثّمن، فأظهرت خبرها؛ فأمر المعتصم بابتياعها من ميمونة بخمسة آلاف وخمسمائة دينار فحوّلت الى داره، وكانت فى ملكه حتى توفّى. وقال ابن المعتز: وقد قيل: إنّ المعتصم ابتاعها بثلاثمائة دينار؛ وملكها إبراهيم ولها سبع سنين وربّاها تربية الولد.
قال: وحدّثت شارية أنها كانت مع إبراهيم فى حرّاقة قد توسّط بها دجلة فى ليلة مقمرة، فاندفعت فغنّت:
لقد حثّوا الجمال ليه
…
ربوا منّا فلم يئلوا
[1] زيادة عن الأغانى.
فوثب إليها فأمسك فاها فقال: أنت والله أحسن من الغريض وجها وغناء، فما يؤمننى عليك! أمسكى.
ويقال: إنها لم تضرب بالعود إلا فى أيام المتوكل لمّا اتّصل الشرّ بينها وبين عريب، فصارت تقعد بها عند الضرب، فضربت بعد ذلك.
قال ابن المعتز: وحدّث محمد بن سهل بن عبد الكريم المعروف بسهل الأحول، وكان قاضى الكتّاب فى زمانه، كان يكتب لإبراهيم وكان ثقة، قال: أعطى المعتصم إبراهيم بشارية سبعين ألف دينار، فامتنع من بيعها. قال: فعاتبته على ذلك، فلم يجبنى بشىء. ثم دعانى بعد أيام وبين يديه مائدة لطيفة، فأحضر الغلام سفّودا فيه ثلاثة فراريج، فرمى إلىّ بواحدة فأكلتها وأكل اثنتين، ثم شرب رطلا وسقانى؛ ثم أتى بسفّود آخر ففعل كما فعل وشرب [كما شرب [1]] وسقانى؛ ثم ضرب ستر إلى جانبه فسمعت حركة العيدان؛ ثم قال: يا شارية تغنّى، فسمعت شيئا ذهب بعقلى.
فقال: يا سهل، هى التى عاتبتنى فى أن أبيعها بسبعين ألف دينار، لا والله ولا هذه الساعة الواحدة بسبعين ألف دينار! وحكى عن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال: أمرنى المعتز بالله ذات يوم بالمقام عنده فأقمت، ومدّت الستارة وخرج من كان يغنّى وراءها وفيهنّ شارية، ولم أكن سمعتها قبل ذلك فاستحسنت ما سمعت منها؛ وقال لى المعتز: يا عبيد الله، كيف ما تسمع منها عندك؟ فقلت: حظ العجب من هذا الغناء أكثر من حظ الطرب؛ فاستحسن ذلك، وأخبرها به فاستحسنته.
قالوا: وكانت شارية أحسن الناس غناء منذ توفّى المعتصم إلى آخر خلافة الواثق. وقيل: إن إبراهيم بن المهدىّ لم يطأ شارية، وإن الذى افتضّها المعتصم.
وكان إبراهيم يسمّى شارية بنتى.
[1] زيادة عن الأغانى.
وقال يعقوب بن بيان: كانت شارية لصالح بن وصيف. فلما بلغه رحيل موسى بن بغا من الجبل يريده بسبب قتل المعتز، أودع شارية جوهره، فظهر لها جوهر كثير بعد ذلك. فلما أوقع موسى بصالح استترت شارية عند هارون بن شعيب العكبرىّ، وكان أنظف خلق الله طعاما وأسراهم مائدة، وأوسخهم كلّ شىء بعد ذلك، وكان له بسرّ من رأى منزل وفيه بستان كبير، وكانت شارية تسمّيه أبى، وتزوره فى منزله فتحمل معها كل شىء تحتاج إليه حتى الحصير تقعد عليه.
وكانت من أكرم الناس. عاشرها أبو الحسن علىّ بن الحسين عند هارون هذا، ثم أضاق [1] فى وقت فاقترض منها على غير رهن عشرة آلاف دينار فأقرضته، ومكثت أكثر من سنة ما أذكرته بها ولا طالبته بردّها.
قال يعقوب بن بيان: وكان الناس بسرّ من رأى متحازبين، فقوم مع شارية، وقوم مع عريب، لا يدخل أصحاب هذه فى هؤلاء، ولا أصحاب هذه فى هؤلاء.
وكان [أبو الصقر [2]] إسماعيل بن بلبل عريبيّا؛ فدعا علىّ بن الحسين يوم جمعة أبا الصقر وعنده عريب وجواريها. فاتصل الخبر بشارية فبعثت بجواريها إلى علىّ ابن الحسين بعد يوم أو يومين، وأمرت إحداهنّ- قال: وما أدرى [من [2]] هى:
مهرجان أو مطرب أو قمرية، إلا أنها إحدى الثلاث- أن تغنّيه:
لا تعودنّ بعدها
…
فترى كيف أصنع
فلما سمع الغناء ضحك وقال: لست أعود.
قال: وكان المعتمد قد وثق بشارية فلم يكن يأكل إلا طعامها؛ فمكثت دهرا تعدّ له كلّ يوم جونتين، فكان طعامه منهما فى أيام المتوكل.
[1] يقال: أضاق الرجل اذا ذهب ماله وافتقر.
[2]
زيادة عن الأغانى.