الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحك! أتزوّجها مغنّية وعندى بنت طلحة بن عبيد الله! لا! ولكن ارجع إليها فقل لها: تختلف إلىّ أردّد بصرى فيها لعلّى أسلو، فرجعت إليها فأبلغتها الرسالة فضحكت وقالت: أمّا هذا فنعم، لسنا نمنعه.
ذكر أخبار متيّم الهشاميّة
قال أبو الفرج: كانت متيّم مولّدة صفراء من مولّدات البصرة، وبها نشأت وتدرّبت [1] وغنّت. وأخذت عن إسحاق وأبيه قبله وعن طبقتهما من المغنّين. وكانت من تخريج بذل وتعليمها. واشتراها علىّ بن هشام بعد ذلك فازدادت أخذا ممن كان يغشاه من أكابر المغنّين. وكانت من أحسن الناس وجها وغناء وأدبا. وكانت تقول:
الشعر ليس مما يستجاد ولكنه يستحسن من مثلها. وحظيت عند علىّ بن هشام حظوة شديدة، وتقدّمت جواريه جمع عنده، وهى أمّ ولده كلهم.
حكى أبو الفرج قال: كان عند علىّ بن هشام برذون أشهب قرطاسىّ فى نهاية الحسن والفراهة وكان به معجبا، وكان إسحاق بن إبراهيم يشتهيه شهوة شديدة ويعرّض لعلىّ مرارا فى طلبه فلم يسمح به. فسار إسحاق إلى علىّ يوما وقد صنعت متيم:
فلا زلن حسرى ظلّعا، لم حملنها
…
إلى بلد ناء قليل الأصادق
فاحتبسه علىّ وبعث إلى متيّم يأمرها أن تجعل صوتها فى صدر غنائها ففعلت، فأطربت إسحاق إطرابا شديدا، وجعل يستعيده ويستوفيه ليزيد فى طربه [2] وهو يصغى إليه ويتفهّمه حتى صحّ له. ثم قال لعلىّ: ما فعل البرذون الأشهب؟ قال: على ما عهدت من حسنه وفراهته. قال: اختر الآن منّى خلّة من اثنتين: إمّا أن
[1] فى الأغانى: «وتأدّبت» .
[2]
عبارة الأغانى: «وجعل يسترده فترده وتستوفيه ليزيد فى إطرابه إسحاق وهو يصغى
…
» .
طبت لى نفسا [به [1]] وحملتنى عليه، وإمّا أن أبيت فأدّعى والله هذا الصوت [لى [1]] وقد أخذته، أفتراك تقول: إنه لمتيّم وأقول: إنه لى، فيؤخذ قولك ويترك قولى؟
فقال: لا والله ما أظنّ هذا ولا أراه؛ يا غلام، قد البرذون إلى منزل إسحاق، لا بارك الله لك فيه!.
وحكى أن علىّ بن هشام مولاها كلّمها بشىء فأجابته جوابا لم يرضه، فدفع [يده] فى صدرها، فغضبت ونهضت وتثاقلت عن الخروج إليه. فكتب إليها:
فليت يدى بانت غداة مددتها
…
إليك ولم ترجع بكفّ وساعد
فإن يرجع الرحمن ما كان بيننا
…
فلست إلى يوم التّنادى بعائد
قال: وعتبت عليه مرّة فتمادى عتبها، فترضّاها فلم ترض، فكتب إليها: الإدلال يدعو إلى الملال، وربّ هجر دعا إلى صبر، وإنما سمّى القلب قلبا لتقلّبه؛ وقد صدق عندى العباس بن الأحنف حيث يقول:
ما أرانى إلا سأهجر من لي
…
س يرانى أقوى على الهجران
ملّنى [2] واثقا بحسن وفائى
…
ما أضرّ الوفاء بالإنسان
قال: فخرجت إليه من وقتها ورضيت.
وروى عن يحيى المكّى قال: قال لى علىّ بن هشام: لمّا قدمت جدّتى شاهك من خراسان، قالت: اعرض جواريك علىّ؛ فعرضتهن عليها. ثم جلسنا على الشراب وغنّتنا متيّم، فأطالت جدّتى الجلوس، فلم أنبسط إلى جوارى كما كنت أفعل، فقلت هذين البيتين:
أنبقى على هذا وأنت قريبة
…
وقد منع الزّوّار بعض التكلّم
سلام عليكم لا سلام مودّع
…
ولكن سلام من حبيب متيّم
[1] زيادة عن الأغانى.
[2]
فى الأغانى:
قد حدا بى إلى الجفاء وفائى
وكتبت بهما فى رقعة ورميتها إلى متيّم؛ فأخذتها ونهضت لصلاة الظهر، ثم عادت وقد صنعت فيه لحنا فغنّته. فقالت شاهك: ما أرانا إلا قد ثقّلنا عليكم اليوم؛ وأمرت الجوارى فحملوا محفّتها، وأمرت للجوارى بجوائز ساوت بينهن، وأمرت لمتيّم بمائة ألف درهم.
قال: ومرّت متيّم فى نسوة وهى متخفّية بقصر على بن هشام بعد أن قتله المأمون. فلما رأت بابه مغلقا لا أنيس به وقد علاه التراب والغبرة وطرحت فى أفنيته المزابل وقفت عليه وتمثّلت:
يا منزلا لم تبل أطلاله
…
حاشى لأطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك لكنّنى
…
بكيت عيشى فيك إذ ولّى
قد كان لى فيك هوى مرّة
…
غيّبه الترب وما ملّا
فصرت أبكى بعده جاهدا [1]
…
عند ادّكارى حيث قد حلّا
والعيش أولى ما بكاه الفتى
…
لا بدّ للمحزون أن يسلى
قال: ثم بكت حتى سقطت من قامتها، وجعل النسوة يناشدنها [ويقلن [2]] :
الله الله فى نفسك! فإنك الآن تؤخذين. فبعد لأى مّا احتملت تتهادى بين امرأتين حتى جاوزت الموضع.
وحكى عنها قالت: بعث إلىّ المعتصم بعد قدومه بغداد؛ فلما دخلت أمر بالعود فوضع فى حجرى، وأمرنى بالغناء فغنّيت:
هل مسعد لبكائى
…
بعبرة أو دماء
وذاك شىء قليل
…
لسادتى النّجباء
- وهذا الشعر لمراد جارية علىّ بن هشام ترثيه- فقال: اعدلى عن هذا الصوت؛ فغنيّت:
ذهبت عن الدنيا وقد ذهبت عنّى
فدمعت عيناه وقال: غنّى غير هذا؛ فغنيّت:
أولئك قومى بعد عزّ وثروة [1]
…
تفانوا فإلّا تذرف العين أكمد
فبكى بكاء شديدا، ثم قال: ويحك! لا تغنّى فى هذا المعنى شيئا. فغنيّته:
لا تأمن الموت فى حلّ وفى حرم
…
إنّ المنايا بجنبى [2] كلّ إنسان
واسلك طريقك هونا غير مكترث
…
فسوف يأتيك ما يمنى لك المانى
فقال: والله إنى لأعلم أنك إنما أردت بما غنيّت ما فى قلبك لصاحبك [وأنّك] لم تريدينى، ولو أعلم أنك تريديننى لقتلتك، ولكن خذوها! فأخذوا بيدى فأخرجت.
وهذه متيّم هى التى كان يهواها عبد الصمد بن المعذّل، وأظنّ ذلك قبل اتصالها بعلىّ بن هشام، وهى إذ ذاك عند رجل من وجوه البصرة.
قال: وكانت لا تخرج إلا متنقّبة. فحكى المبرّد وغيره: أنها قدمت يوما إلى ابن عبيد الله بن الحسين العنبرىّ القاضى، فآحتاج إلى أن يشهد عليها، فأمر بها أن تسفر ففعلت. فقيل لعبد الصمد: لو رأيت متيّم وقد أسفرها القاضى لرأيت شيئا عجيبا! فقال:
ولمّا سرت عنها القناع متيّم
…
تروّح منها العنبرىّ متيّما
رأى ابن عبيد الله وهو محكّم
…
عليها لها طرفا عليه محكّما
[1] فى الأغانى: «ومنعة» .
[2]
فى الأغانى: «تغشى» .