الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أحمد بن سعيد المالكىّ: إن إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ خالف بذلا فى نسبة صوت غنّته بحضرة المأمون؛ فأمسكت عنه ساعة ثم غنّت ثلاثة أصوات فى الثقيل الثانى واحدا بعد واحد، وسألت إسحاق عن صانعها فلم يعرفه. فقالت للمأمون: هى والله لأبيه أخذتها من فيه، فإذا كان لا يعرف غناء أبيه فكيف يعرف غناء غيره! فاشتدّ ذلك على إسحاق حتى رئى ذلك فيه.
وقال حماد بن إسحاق: غنّت بذل بين يدى أبى:
إن ترينى ناحل البدن
…
فلطول الهمّ والحزن
كان ما أخشى بواحدتى
…
ليته والله لم يكن
قال: فطرب أبى طربا شديدا وشرب رطلا وقال لها: أحسنت يا بنتى، والله لا تغنّين صوتا إلا شربت عليه رطلا.
انتهت أخبار بذل.
ذكر أخبار ذات الخال
قال أبو الفرج الأصبهانىّ: واسم ذات الخال خشف، وكانت لأبى الخطّاب النحاس المعروف بقرين مولى العبّاسة بنت المهدىّ. وكانت ذات الخال من أجمل النساء وأكملهنّ، وكان لها خال فوق شفتها العليا، وقيل: على خدّها. وكان إبراهيم الموصلى يتعشّقها، وله فيها أشعار كثيرة كان يقولها ويغنّى فيها حتى شهرها بشعره وغنائه. واتصل خبرها بالرشيد، فاشتراها بسبعين ألف درهم. فقال لها ذات يوم:
أسألك عن شىء، فإن صدقتنى وإلا صدقنى غيرك وكذّبتك. قالت: أصدقك.
قال: هل كان بينك وبين إبراهيم الموصلىّ شىء قط؟ وأنا أحلّفه أن يصدقنى.
قال: فسكتت ساعة ثم قالت: نعم! مرّة واحدة؛ فأبغضها. وقال يوما فى مجلسه:
أيّكم لا يبالى أن يكون كشخانا [1] حتى أهبه ذات الخال؟ فبدر حمويه الوصيف فقال:
أنا؛ فوهبها له. ثم اشتاقها الرشيد يوما فقال: ويلك يا حمويه! وهبنا لك الجارية على أن تسمع غناءها وحدك! فقال: يا أمير المؤمنين، مر فيها بأمرك. قال: نحن عندك غدا. فمضى فآستعدّ لذلك واستعار لها من بعض الجوهريين بدنة [2] وعقودا ثمنها اثنا عشر ألف دينار، فأخرجها إلى الرشيد وهى عليها. فلما رآه أنكره وقال:
ويلك يا حمويه! من أين لك هذا؟! ما ولّيتك عملا تكسب فيه مثله ولا وصل إليك منّى هذا القدر! فصدقه عن أمره، فبعث الرشيد إلى أصحاب الجوهر، فأحضرهم واشترى الجوهر منهم ووهبه لها، وحلف ألّا تسأله فى يومه ذلك حاجة إلّا قضاها؛ فسألته أن يولّى حمويه الحرب والخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك وكتب له عهده بذلك، وشرط على ولىّ العهد أن يتممها له إن لم تتمّ فى حياته.
قال الأصفهانىّ: ولإبراهيم الموصلىّ فى ذات الخال شعر كثير غنّى فيه.
فمنه قوله:
أذات الخال قد طال
…
بمن أسقمته الوجع
وليس إلى سواكم فى الّ
…
ذى يلقى له فزع
أما يمنعك الإسلا
…
م من قتلى ولا الورع
وما ينفكّ لى فيك
…
هوى تغترّه خدع
ومنها:
جزى الله خيرا من كلفت بحبّه
…
وليس به إلا التّموّه [1] من حبّى
وقالوا قلوب الغانيات رقيقة
…
فما بال ذات الخال قاسية القلب
[1] الكشخان: الديوث.
[2]
البدنة: قميص لا كمين له تلبسه النساء.
[1]
فى الأغانى (ج 15 ص 83 طبع بولاق) : «اتموّه» .