الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال حجظة: وكانت وفاة أبى حشيشة بسرّ من رأى. وسببها أنه اصطبح عند قلم غلام الفضل بن كاوش فى يوم بارد؛ فقال له: أنا لا آكل إلا طعاما حارّا، فأتاه بفجليّة باردة وقال: تساعدنى وتأكل معى، فأكل منها فحمد قلبه فمات.
ذكر أخبار القيان
وأوّل من غنّى من النساء ومن اشتهر بالغناء منهنّ فى الإسلام قالوا: أوّل من غنّى الغناء العربىّ جرادتا ابن جدعان. قال أبو الفرج الأصفهانىّ:
قال ابن الكلبىّ: كان لابن جدعان أمتان يسمّيان الجرادتين يغنّيان فى الجاهليّة، وسمّاهما جرادتى عباد [1] ؛ ووهبهما عبد الله بن جدعان لأميّة بن أبى الصّلت الثّقفىّ وكان قد امتدحه. وابن جدعان هو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب. كان سيّدا جوادا؛ فرأى أميّة ينظر الى الجرادتين وهو عنده فأعطاه إياهما. وقد قيل فى سبب إعطائه إياهما: إن أميّة بن أبى الصّلت قدم عليه؛ فقال له عبد الله: أمر ما أتى بك! فقال أميّة: كلاب غرماء قد نجتنى ونهشتنى. فقال له عبد الله: قدمت علىّ وأنا عليل وحقوق لحقتنى ولزمتنى، فأنظرنى قليلا وقد ضمنت قضاء دينك فلا أسألك عن مبلغه، قال: فأقام أميّة أياما ثم أتاه فقال:
أأذكر حاجتى أم قد كفانى
…
حياؤك إنّ شيمتك الحياء
وعلمك بالأمور وأنت قرم
…
لك الحسب المهذّب والسّناء
كريم لا يغيّره صباح
…
عن الخلق الكريم ولا مساء
تبارى الريح مكرمة ومجدا
…
إدا ما الكلب أحجره الشّتاء
[1] فى الأغانى: «جرادتى عاد» .
إذا أثنى عليك المرء يوما
…
كفاه من تعرّضه [1] الثناء
إذا خلّفت عبد الله فاعلم
…
بأنّ القوم ليس لهم جزاء
فأرضك كلّ مكرمة بنتها
…
بنو تيم وأنت لهم سماء
وهل تخفى السماء على بصير!
…
وهل بالشمس طالعة خفاء!
فلمّا أنشده أميّة هذا الشعر كانت عنده قينتان، فقال لأميّة: خذ أيّتهما شئت، فأخذ إحداهما وانصرف [2] ؛ فمرّ بمجلس من مجالس قريش فلاموه على أخذها، وقالوا له: لقد ألفيته عليلا، فلو رددتها عليه، فإن الشيخ محتاج إلى خدمتها، كان [3] ذلك أقرب لك عنده وأكثر من كل حقّ ضمنه. فوقع الكلام من أميّة موقعا وندم؛ فرجع إليه ليردّها عليه. فلما أتاه بها، قال ابن جدعان: لعلك إنما رددتها لأن قريشا لاموك على أخذها؛ وذكر لأميّة ما قال القوم. فقال أميّة: والله ما أخطأت يا أبا زهير.
قال: فما الذى قلت فى ذلك؟ فقال:
عطاؤك زين لامرئ إن حبوته
…
ببذل وما كلّ العطاء يزين
وليس بشين لامرئ بذل وجهه
…
إليك كما بعض السؤال يشين
فقال عبد الله لأمية: خذ الأخرى؛ فأخذهما جميعا وخرج. فلما أن صار إلى القوم بهما أنشأ يقول:
ومالى لا أحيّيه وعندى
…
مواهب قد طلعن من النّجاد
لأبيض من بنى عمرو بن تيم
…
وهم كالمشرفيّات الحداد
لكلّ قبيلة هاد ورأس
…
وأنت الرأس تقدم كلّ هاد
[1] فى الأصل: «تعرّضه» .
[2]
كذا بالأغانى. وفى الأصل: «قال لأمية: خذ إحداهما أيهما شئت فأخذها وانصرف الخ» .
[3]
كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «فكان
…
» بزيادة الفاء.
عماد الخيف قد علمت معدّ
…
وإنّ البيت يرفع بالعماد
له داع بمكّة مشمعلّ
…
وآخر فوق دارته ينادى
إلى ردح من الشّيزى ملاء
…
لباب البرّ يلبك بالشّهاد
وكان سبب قول أميّة بن أبى الصلت هذا الشعر أنّ عبد الله بن جدعان وفد على كسرى فأكل عنده الفالوذ؛ فسأل عنه فقيل له: هذا الفالوذ. قال: وبم يصنع؟
قيل: لباب البرّ يلبك مع عسل النحل. قال: أبغونى غلاما يصنعه؛ فأتوه بغلام يصنعه فابتاعه، ثم قدم به مكة؛ فأمره أن يصنع الفالوذ ففعل، ثم وضع الموائد من الأبطح إلى باب المسجد، ثم نادى مناديه: ألا من أراد الفالوذ فليحضر، فحضره الناس. وكان فيمن حضر أميّة بن أبى الصلت فقال الأبيات. وقال فيه أيضا:
ذكر ابن جدعان بخي
…
ر كلّما ذكر الكرام
من لا يخون ولا يعقّ
…
ولا يبخّله الأنام
يهب النجيبة والنجي
…
ب له الرّحالة والزّمام
وابن جدعان ممن ترك شرب الخمر فى الجاهليّة، وقد تقدّم ذكره. وهجاه دريد ابن الصّمّة بشعر؛ فلقيه بعد ذلك عبد الله بسوق عكاظ، فحيّاه وقال: هل تعرفنى يا دريد؟ قال لا. قال: فلم هجوتنى؟ قال: ومن أنت؟ قال: عبد الله بن جدعان. قال: هجوتك لأنك كنت أثرا كريما فأحببت أن أضع شعرى موضعه.
فقال له عبد الله: لئن كنت هجوت لقد مدحت؛ وكساه وحمله على ناقة برحلها، فقال دريد:
إليك ابن جدعان أعملتها
…
مخفّفة للسّرى والنّصب
فلا خفض حتى تلاقى امرأ
…
جواد الرّضا وحليم الغضب
وجلدا إذا الحرب مرّت به
…
يعين عليها بجزل الحطب