الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث من القسم الرابع من الفن الثانى فى الزهد والتوكل
وهذا الباب- وفّقنا الله وإياك لقصدنا، وألهمنا سلوك سبيل رشدنا؛ واستعملنا فى مراضيه، وجنّبنا عن الالتفات بالقول والفعل إلى معاصيه- من هذا الفنّ هو واسطة عقده، وعضد زنده، وقائم مرهفه وحدّ فرنده؛ وشبا سنانه، ومثنى عناته، وإنسان حدقته، وحدقة إنسانه؛ وكيف لا وهو للنفس درّة تاجها، وطبيب علاجها، وواضح منهاجها؛ ودليلها المرشد إذا ضلّ الدليل، ومنجيها من الهول الأعظم إذا فرّ المرء من الأخ والأمّ والأب والابن والصاحبة والخليل. فتأمله أيها المطالع بعين قلبك قبل ناظرك، واتخذه من أحصن جنتّك وأعدّ عددك وأنفس ذخائرك؛ ورض به نفسك إذا جمحت، وسكّن به آمالك إذا مالت إلى المطالع وجنحت. واعلم أن الدنيا ظلّ زائل، وعدوّ قد نصب لك الشّباك ومدّ الحبائل، وأنك لا بدّ مسئول عما اكتسبته منها، فليت شعرى ما أعددت لجواب المسائل؟
فهى العدوّ الذى أشبه بالصديق، والغادر الماكر الذى ما أخوفنى أنّ مكره بى وبك سيحيق. فاقتصر على القليل منها، واعلم أنك سترحل فى غد عنها؛ وأن الموت نازل بك فلا ينفعك ما جمعته من مال وخول، ولا يصحبك من الدنيا إلا ما قدّمته لآخرتك من صالح العمل؛ وأنّ مالك سيقتسمه من لعلّه لا يشكرك عليه، وماذا ينفعك شكره أن لو فعل! وغاية ما ينالك من دنياك، وإن بلغت منها مناك، وطال بها مداك؛ أن تتمتّع بزهرتها، وتنال من لذّتها؛ وقد علمت بالمشاهدة من حالك وحال غيرك ما يؤول أمر ملاذّها إليه فى العاجل، وما يتوقّع لمن اقتصر من دنياه عليها فى الآجل؛ فالمأكل والمشرب صائران إلى ما علمته وإنما تحصل اللذّة