الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما ورد فى التوكل من فضيلته وحقيقته
أمّا فضيلته فقد قال الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
، وقال الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
. وقال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
. وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
؛ وناهيك بذلك مقاما.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أريت الأمم فى الموسم فرأيت أمّتى قد ملئوا السهل والجبل فأعجبتنى كثرتهم وهيئتهم فقيل لى أرضيت قلت نعم قال ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب قيل من هم يا رسول الله قال هم الذين لا يكتوون ولا يتطيّرون ولا يسترقون وعلى ربّهم يتوكّلون»
. وقال صلى الله عليه وسلم: «من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله تعالى مئونة رزقه [1] من حيث لا يحتسب ومن انقطع الى الدنيا وكله الله اليها»
. وأمّا حقيقة التوكل فقد قال الغزالىّ رحمه الله: التوكّل مشتقّ من الوكالة يقال: وكل أمره إلى فلان أى فوّضه إليه واعتمد عليه [فيه [2]] . ويسمّى الموكول [3] إليه وكيلا، ويسمّى المفوّض اليه متّكلا عليه ومتوكّلا عليه مهما [4] اطمأنت إليه نفسه ووثق به ولم يتّهمه فيه [بتقصيره ولم يعتقد فيه عجزا ولا قصورا [5]] . ثم قال بعد أن ضرب لذلك أمثلة يطول شرحها: واعلم أن حالة التوكّل فى القوّة والضعف ثلاث درجات:
الأولى: أن يكون حاله فى حقّ الله تعالى والثقة بكفالته وعنايته كحاله فى الثقة بالوكيل.
[1] فى الإحياء (ج 4 ص 242) : «كفاه الله كل مئونة ورزقه
…
» .
[2]
الزيادة عن الإحياء.
[3]
كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «الموكل اليه
…
» .
[4]
كذا فى الأصل والإحياء. ولعلها: «ما اطمأنت
…
» .
[5]
زيادة عن الإحياء.
الثانية وهى أقوى: أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل فى حق أمّه فإنه لا يعرف غيرها ولا يفزع إلى سواها ولا يعتمد [1] إلا إياها؛ فإن رآها تعلّق فى كلّ حال بها، وإن نابه أمر فى غيبتها كان أوّل سابق إلى لسانه: يا أمّاه، وأوّل خاطر يخطر على قلبه أمه لوثوقه بكفالنها وكفايتها وشفقتها.
الثالثة وهى أعلاها: أن يكون بين يدى الله تعالى فى حركاته وسكناته مثل الميّت بين يدى الغاسل يقلّبه كيف أراد لا يكون له حركة ولا تدبير. قال: وهذا المقام فى التوكل يثمر ترك الدعاء والسؤال منه ثقة بكرمه وعنايته، وأنه يعطى ابتداء أفضل مما يسأل. وقد تكلّم المشايخ فى التوكّل وبيان حدّه واختلفت عباراتهم وتكلّم كلّ واحد عن مقام نفسه وأخبر عن حدّه.
قال أبو موسى الدّيلى: قلت لأبى يزيد: ما التوكل؟ فقال: ما تقول أنت؟
قلت: إن أصحابنا يقولون: لو أن السباع والأفاعى عن يمينك ويسارك ما تحرّك لذلك سرّك. فقال أبو يزيد: نعم هذا قريب، ولكن لو أن أهل الجنة فى الجنّة يتنّعمون، وأهل النار فى النار يعذبون، ثم وقع بك تمييز عليهما خرجت من جملة التوكّل. وسئل أبو عبد الله القرشىّ عن التوكّل فقال: التعلّق بالله تعالى فى كلّ حال. فقال السائل: زدنى؛ فقال: ترك كلّ سبب يوصّل إلى سبب حتى يكون [الحق [2]] هو المتولّى لذلك. وهذا مثل توكّل إبراهيم الخليل عليه السلام إذ قال له جبريل: ألك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا؛ إذ كان سؤاله يفضى الى سبب فترك ذلك ثقة بأن الله يتولّى ذلك.
[1] كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «يغتنم» .
[2]
زيادة عن الإحياء.
قال أبو سعيد الخرّاز: التوكّل اضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب.
أشار بالأوّل إلى فزعه إلى الله تعالى وابتهاله وتضرّعه بين يديه كاضطراب الطفل بيديه إلى أمّه؛ وبالثانى إلى سكون القلب إلى الوكيل وثقته به [1] . وقال أبو علىّ الدقّاق: التوكّل على ثلاث درجات: التوكّل ثم التسليم ثم التفويض، فالمتوكّل يسكن إلى وعده، وصاحب التسليم يكتفى بعلمه، وصاحب التفويض يرضى بحكمه.
وقال: التوكّل بداية، والتسليم وسائط، والتفويض نهاية. وقال: التوكّل صفة المؤمنين، والتسليم صفة الأولياء، والتفويض صفة الموحّدين.
وسئل ابن عطاء عن حقيقة التوكّل فقال: ألّا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدّة فاقتك إليها، ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحقّ مع وقوفك عليها.
وقال أبو نصر السرّاج: شرط التوكّل ما قاله أبو تراب النّخشبىّ وهو طرح البدن فى العبودية وتعلّق القلب بالربوبيّة والطّمأنينة إلى الكفاية، فإن أعطى شكر [2]، وإن منع صبر. وكما قال ذو النّون: التوكّل ترك تدبير النفس والانخلاع من الحول والقوّة. وقال أبو بكر الدقّاق: التوكّل ردّ العيش إلى يوم واحد وإسقاط همّ غد.
وسئل ذو النون: ما التوكّل؟ فقال: خلع الأرباب، وقطع الأسباب. فقال السائل: زدنى؛ فقال: إلقاء النفس فى العبودية وإخراجها من الرّبوبيّة. وقال مسروق: التوكّل الاستسلام لجريان [3] القضاء والأحكام. وقال أبو عثمان: التوكّل الاكتفاء بالله مع الاعتماد عليه. وقيل: التوكل الثقة بما فى يد الله واليأس مما فى يد الناس. وقيل: التوكّل فراغ السرّ عن التفكّر فى التقاضى فى طلب الرزق.
[1] كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «وبالثانى الى سكون القلب الى التوكل وثقة به» .
[2]
فى الأصلين: «سكن» والسياق يقتضى ما أثبتناه.
[3]
فى الأصل: «بجريان» بالباء ولم نجد هذا الفعل يتعدى بالباء