الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْجِزْيَةِ
تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَقْدِ وَالْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَعَقِبُهَا لِلْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ مُغَيَّا بِهَا فِي الْآيَةِ الَّتِي هِيَ كَأَخْذِهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهَا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَغَيْرِهِمْ.
الْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] إذْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ عِصْمَتِهِمْ مِنَّا وَسُكْنَاهُمْ فِي دَارِنَا فَهِيَ إذْلَالٌ لَهُمْ لِتَحَمُّلِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا سِيَّمَا إنْ خَالَطُوا أَهْلَهُ وَعَرَفُوا مَحَاسِنَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ تَقْرِيرِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَشْرُوعِيَّتُهَا مُغَيَّاةٌ بِنُزُولِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم فَلَا تُقْبَلُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ مِنْهُمْ شُبْهَةٌ بِحَالٍ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ وَهَذَا مِنْ شَرْعِنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهِ مُتَلَقِّيًا لَهُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَوْ عَنْ اجْتِهَادٍ مُسْتَمَدٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِي زَمَنِهِ لَا يُعْمَلُ مِنْهَا إلَّا بِمَا يُوَافِقُ مَا يَرَاهُ، إذْ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَاجْتِهَادُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُخْطِئُ.
وَلَهَا أَرْكَانٌ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ وَعَلَيْهِ وَمَكَانٌ وَصِيغَةٌ وَبَدَأَ بِهَا اهْتِمَامًا بِهَا فَقَالَ (صُورَةُ عَقْدِهَا) مَعَ الذُّكُورِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (أُقِرُّكُمْ) أَوْ أَقْرَرْتُكُمْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَاسْتُحْسِنَ عَلَى الْأَوَّلِ لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ غَيْرَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْحَالُ مَعَ الِاسْتِقْبَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ يَكُونُ لِلْحَالِ، وَبِأَنَّهُ يَأْتِي لِلْإِنْشَاءِ كَأَشْهَدْ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ أَنْ أُؤَدِّيَ الْمَالَ أَوْ أُحْضِرَ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ ضَمَانًا وَلَا كَفَالَةً، وَفِي الْإِقْرَارِ أَنْ أُقِرَّ بِكَذَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ؛ لِأَنَّ شِدَّةَ نَظَرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ لِحَقْنِ الدَّمِ اقْتَضَى عَدَمَ النَّظَرِ لِاحْتِمَالِهِ لِلْوَعْدِ (بِدَارِ الْإِسْلَامِ) غَيْرِ الْحِجَازِ لَكِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْصِيصُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَالَ الْعَقْدِ اكْتِفَاءً بِاسْتِثْنَائِهِ شَرْعًا وَإِنْ جَهِلَهُ الْعَاقِدَانِ فِيمَا يَظْهَرُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ أَصْلِهِ قَدْ لَا يُشْتَرَطُ فَقَدْ نُقِرُّهُمْ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ أَذِنْت فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا) أَيْ تُعْطُوا (جِزْيَةً) فِي كُلِّ حَوْلٍ، نَعَمْ يَتَّجِهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْجِزْيَةِ (قَوْلُهُ: تُطْلَقُ) أَيْ شَرْعًا (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ) خَبَرُ هِيَ (قَوْلُهُ: قَوْله تَعَالَى) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ إلَخْ أَوْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ الْأَصْلُ الْوَاقِعُ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ هِيَ، وَقَوْلُهُ كَأَخْذِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ هِيَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْ شَرْعِنَا إلَخْ) أَيْ كَوْنُهَا مُغَيَّاةً بِنُزُولِ عِيسَى (قَوْلُهُ مَعَ الذُّكُورِ) وَسَيَأْتِي مَعَ غَيْرِهِمْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَاسْتُحْسِنَ عَلَى الْأَوَّلِ) قَدْ يُرَجَّحُ صَنِيعُ الْمُصَنِّفِ بِاشْتِمَالِهِ عَلَى إفَادَةِ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ الَّتِي يُتَوَهَّمُ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِهَا مَعَ فَهْمِ مَا بِالْمُحَرَّرِ بِالْأَوْلَى، بِخِلَافِ مَا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ) أَيْ الْمُضَارِعُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِقْرَارِ) أَيْ وَلَا مَا فِي الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: عَلَى إخْرَاجِهِ) أَيْ الْحِجَازِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا) بَابُهُ نَصَرَ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ حَوْلٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْجِزْيَةِ]
(قَوْلُهُ: وَاجْتِهَادُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُخْطِئُ) أَيْ فَهُوَ كَالنَّصِّ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَهُ (قَوْلُهُ: اهْتِمَامًا بِهَا) قَدْ يُقَالُ وَلِمَ اهْتَمَّ بِهَا. وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَلِأَهَمِّيَّتِهَا بَدَأَ بِهَا (قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ إلَخْ) أَيْ فَالْمُصَنِّفُ أَرَادَ إفَادَةَ ذَلِكَ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: لِلْحَالِ) أَيْ كَالِاسْتِقْبَالِ (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ) الْبَاءُ فِيهِ سَبَبِيَّةٌ فَهُوَ عَطْفٌ
عَدَمُ اعْتِبَارِ ذِكْرِ كَوْنِهَا أَوَّلَ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ، فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ بِذِكْرِ ذَلِكَ عَلَى الْأَكْمَلِ (وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) أَيْ لِكُلِّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ غَيْرَ نَحْوِ الْعِبَادَاتِ مِمَّا لَا يَرَوْنَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَا كَشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَنِكَاحِ الْمَجُوسِ لِلْمَحَارِمِ، وَمِنْ عَدَمِ تَظَاهُرِهِمْ مِمَّا يَعْتَقِدُونَ إبَاحَتَهُ، وَفَسَّرَ الصَّغَارَ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لِهَذَا مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَقْدِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْجِزْيَةِ عِوَضٌ عَنْ تَقْرِيرِهِمْ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِنَفْيِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى قِتَالِنَا كَمَا أُمِّنُوا مِنَّا خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ لِدُخُولِهِ فِي الِانْقِيَادِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ قَوْلِ الْكَافِرِ، أَقِرُّونِي بِكَذَا إلَى آخِرِهِ فَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ أَقْرَرْتُكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ صُورَةَ عَقْدِهَا الْأَصْلِيِّ مِنْ الْمُوجِبِ، أَمَّا النِّسَاءُ فَيَكْفِي فِيهِنَّ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لِانْتِفَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْهُنَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ صَرَاحَةً هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَأَنَّهُ لَا كِنَايَةَ هُنَا لَفْظًا، وَلَوْ قِيلَ إنَّ كِنَايَاتِ الْأَمَانِ لَوْ ذُكِرَ مَعَهَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا إلَى آخِرِهِ تَكُونُ كِنَايَةً هُنَا لَمْ يَبْعُدْ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ ذِكْرِ قَدْرِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَسَيَأْتِي أَقَلُّهَا.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ وَيَنْزِلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْأَقَلِّ (لَا كَفُّ اللِّسَانِ) مِنْهُمْ (عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَدِينِهِ) بِسُوءٍ فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِدُخُولِهِ فِي الِانْقِيَادِ
(وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ) لِلْجِزْيَةِ مُعَلَّقًا وَلَا (مُؤَقَّتًا)(عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ لَا يُؤَقَّتُ فَلَا يَكْفِي أُقِرُّكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» فَلِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ، وَكَذَا مَا شِئْتُ أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، بِخِلَافِ مَا شِئْتُمْ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَتِنَا وَجَوَازِهَا مِنْ جِهَتِهِمْ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يَصِحُّ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ
(وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ لِمَا أَوْجَبَهُ الْعَاقِدُ وَلَوْ بِنَحْوِ رَضِيتُ وَبِإِشَارَةِ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٍ وَبِكِنَايَةٍ بَيِّنَةٍ، وَمِنْهَا الْكِتَابَةُ، وَيُشْتَرَطُ هُنَا أَيْضًا سَائِرُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ نَحْوِ اتِّصَالِ قَبُولٍ بِإِيجَابٍ وَتَوَافُقٍ فِيهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَأُفْهِمَ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا، ثُمَّ عَلِمْنَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، بِخِلَافِ مَنْ سَكَنَ دَارًا مُدَّةً غَصْبًا؛ لِأَنَّ عِمَادَ الْجِزْيَةِ الْقَبُولُ، وَلَوْ فَسَدَ عَقْدُهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَزِمَ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَطَلَ كَأَنْ صَدَرَ مِنْ الْآحَادِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ لَنَا مَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ سِوَى الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ
(وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَنَّ الْأَكْمَلَ أَنْ يَقُولَ أَوَّلَ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ (قَوْلُهُ لَا كَشُرْبِ الْمُسْكِرِ) أَيْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ عَدَمِ تَظَاهُرِهِمْ) لَعَلَّهُ عَطَفَ عَلَى مِنْ أَحْكَامٍ بِجَعْلِ مِنْ فِيهِ بَيَانِيَّةً لَا تَبْعِيضِيَّةً لِتَعَذُّرِهَا هُنَا أَوْ تَبْعِيضِيَّةً بِجَعْلِ الْمُبَعَّضِ مِنْهُ مَجْمُوعَ أَحْكَامِهِ وَعَدَمَ التَّظَاهُرِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُصَنِّفَ (قَوْلُهُ: إنَّمَا أَرَادَ صُورَةَ عَقْدِهَا) قَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ مِنْ صُوَرِ الْأَصْلِيِّ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَقَدُّمَ الْإِيجَابِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
يُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ هَذَا جَوَابٌ عَنْ الْإِيرَادِ بَلْ هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْجَوَابِ، نَعَمْ يُمْكِنُ دَفْعُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّهُ إنْ جَعَلَهُ صُورَةَ عَقْدِهِ الْأَصْلِيِّ مِنْ الْمُوجِبِ وَهَذَا لَيْسَ هَذَا أَصْلِيًّا بِالنِّسْبَةِ لَهُ (قَوْلُهُ: لَفْظًا) أَيْ بِخِلَافِهِ فِعْلًا فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ كَالْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ إذَا فَهِمَهَا الْفَطِنُ دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَقَلِّ) وَهُوَ دِينَارٌ
(قَوْلُهُ: كَانَ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ) أَيْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ إقْرَارَهُمْ لَا إلَى غَايَةٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ) يَنْبَغِي أَوْ مِنْ وَكِيلِهِمْ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: سِوَى الْأَرْبَعَةِ) وَهِيَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَى لِأَنَّ إلَخْ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ اللَّامَ (قَوْلُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) أَيْ تَرْكِهِمَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ عَدَمِ تَظَاهُرِهِمْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مِمَّا يَرَوْنَهُ إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ كَمَا لَا يَخْفَى فَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الشِّهَابِ ابْنِ قَاسِمٍ لَهُ مَعْطُوفًا عَلَى مِنْ أَحْكَامِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا النِّسَاءُ) أَيْ الْمُسْتَقِلَّاتُ (قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ فِي الْإِيجَابِ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: بِسُوءٍ)
تَعَالَى أَوْ لِأُسْلِمَ أَوْ لِأَبْذُلَ جِزْيَةً (أَوْ) دَخَلْتُ (رَسُولًا) وَلَوْ بِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ لَنَا (أَوْ) دَخَلَتْ (بِأَمَانِ مُسْلِمٍ) يَصِحُّ أَمَانُهُ (صُدِّقَ) وَحَلَفَ نَدْبًا إنْ اُتُّهِمَ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، نَعَمْ إنْ أُسِرَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَفِي الْأُولَى يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَحُضُورِ مَجَالِسِ الْعِلْمِ قَدْرًا تَقْضِي الْعَادَةُ بِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ فِيهِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِسُهُولَتِهَا، وَرُدَّ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِهِ أَوْ بِنَحْوِهِ
(وَيُشْتَرَطُ لِعَقْدِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) الْعَامُّ، أَوْ فِي عَقْدِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعِظَامِ فَاخْتَصَّتْ بِذِي النَّظَرِ الْعَامِّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ أَحَدِهِمَا (الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوهَا) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُشْتَرَطْ هُنَا مَصْلَحَةٌ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ (إلَّا) أَسِيرًا أَوْ (جَاسُوسًا) مِنْهُمْ، وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ، بِخِلَافِ النَّامُوسِ فَإِنَّهُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ (نَخَافُهُ) فَلَا تَجِبُ إجَابَتُهَا بَلْ لَا تُقْبَلُ مِنْ الثَّانِي لِلضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا لَوْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ طَلَبَهُمْ لَهَا مَكِيدَةٌ مِنْهُمْ لَمْ يُجِبْهُمْ
(وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) وَصَابِئَةٍ وَسَامِرَةٍ لَمْ تُعْلَمْ مُخَالَفَتُهُمْ لَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فِي آيَتِهَا (وَالْمَجُوس)«لِأَخْذِهِ لَهَا صلى الله عليه وسلم مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَقَالَ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ (وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ) أَوْ مَعَهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبَدَّلَ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ حِلِّ نِكَاحِهِمْ وَذَبِيحَتِهِمْ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْمَيْتَاتِ التَّحْرِيمُ، بِخِلَافِ وَلَدِ مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا نَاسِخَةٌ، أَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَاكْتِفَاؤُهُمْ بِالْبَعْثَةِ وَإِنْ كَانَ النَّسْخُ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا لِكَوْنِهَا مَظِنَّتَهُ وَسَبَبَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُضِرَّ دُخُولُ كُلٍّ مِنْ أَبَوَيْهِ بَعْدَ النَّسْخِ لَا أَحَدِهِمَا.
وَهُوَ الْأَوْجَهُ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ بِدَلِيلِ عَقْدِهَا لِمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَثَنِيٌّ كَمَا يَأْتِي (أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ) أَيْ التَّهَوُّدِ أَوْ التَّنَصُّرِ أَكَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَمْ بَعْدَهُ تَغْلِيبًا لِلْحَقْنِ أَيْضًا، وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِكَذِبِهِمْ، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ قِتَالَهُمْ إنْ بَانَ كَذِبُهُمْ اغْتَالَهُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ كَذَلِكَ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا وَإِطْلَاقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَتَقْيِيدِهِ أَوْلَادَهُمْ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الْأَصْلِيِّينَ الَّذِينَ لَا انْتِقَالَ لَهُمْ هُمْ الْأَصْلُ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الِانْتِقَالَ عَبَّرَ فِيهِ بِالْأَوْلَادِ، وَمُرَادُهُ بِهِمْ الْفُرُوعُ وَإِنْ سَفَلُوا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ وَبِضَمِّ مَا هُنَا إلَيْهَا تَصِيرُ خَمْسَةً
(قَوْلُهُ: يَصِحُّ أَمَانُهُ) هَلْ يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِهَذَا (قَوْلُهُ: أَيْضًا يَصِحُّ أَمَانُهُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَلَا عِبْرَةَ بِأَمَانِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ اهـ.
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُوجِبُ تَبْلِيغَ الْمَأْمَنِ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي الرَّوْضِ فِي بَابِ الْأَمَانِ إنْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ وَنَحْوُهُ فَظَنَّ صِحَّتَهُ بَلَّغْنَاهُ مَأْمَنَهُ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَوْلُهُ هَلْ يَجِبُ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَبْذُهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوْلَى) أَيْ سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: أَوْ بِنَحْوِهِ) كَالْتِزَامِ الْجِزْيَةِ أَوْ كَوْنِهِ رَسُولًا
(قَوْلُهُ: إلَّا أَسِيرًا) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَإِنْ بَذَلَهَا: أَيْ الْجِزْيَةَ أَسِيرٌ كِتَابِيٌّ حُرِّمَ قَتْلُهُ لَا إرْقَاقُهُ وَغُنِمَ مَالُهُ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: وَسَامِرَةٍ لَمْ تُعْلَمْ مُخَالَفَتُهُمْ) أَيْ بِأَنْ عَلِمْنَا مُوَافَقَتَهُمْ أَوْ شَكَكْنَا فِيهَا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهَا نَاسِخَةٌ) أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ) يُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَنْ تَهَوَّدَ كَمَا يَصْدُقُ بِكُلٍّ يَصْدُقُ بِالْأَحَدِ، فَمِنْ أَيْنَ الِاقْتِضَاءُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ كَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِكَذِبِهِمْ) أَيْ وَقَدْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مِمَّنْ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ بِكَوْنِ أُصُولِهِمْ تَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ قَبْلَ النَّسْخِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُتَعَلَّقٍ إذْ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِكَفٍّ كَأَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ ذُكِرَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَنْ
(قَوْلُهُ: يَصِحُّ أَمَانُهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَنْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ وَنَحْوُهُ وَظَنَّ صِحَّتَهُ يُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ لَا انْتِقَالَ لَهُمْ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِرَاضَيْنِ الْآتِيَيْنِ نَصُّهَا: وَيَرِدُ
لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الِانْتِقَالَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ طُرُوُّ الْبَعْثَةِ، وَذَلِكَ قَدْ انْقَطَعَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَوْلَادُ الْمُنْتَقِلِينَ فَذَكَرَهُمْ ثَانِيًا، فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ لَكَانَ أَوْلَى، وَدَعْوَى أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ الْفَسْخِ يُعْقَدُ لِأَوْلَادِهِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُعْقَدُ لَهُمْ إنْ لَمْ يَنْتَقِلُوا عَنْ دِينِ آبَائِهِمْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ مَرْدُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَوْلَادٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ انْتِقَالٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ إلَى آبَائِهِمْ وَجْهٌ (وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ) عَلَى نَبِيّنَا وَ (عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ) وَصُحُفِ شِيثٍ وَهُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى كُتُبًا فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29] (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ) وَلَوْ الْأُمَّ اخْتَارَ الْكِتَابِيَّ أَمْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا، وَفَارَقَ كَوْنَ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا اخْتِيَارَهَا الْكِتَابِيَّ بِأَنَّ مَا هُنَا أَوْسَعُ، وَمَا أَوْهَمَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مِنْ أَنَّ اخْتِيَارَ ذَلِكَ قَيْدٌ هُنَا أَيْضًا غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِتَسْمِيَتِهِ كِتَابِيًّا لَا لِتَقْرِيرِهِ (وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ فِي الْأَوْلَى أَصَحُّ وَجْهَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِي الثَّانِيَةِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَقَوْلٌ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِمُقَابِلِهِ، نَعَمْ لَوْ بَلَغَ ابْنُ وَثَنِيٍّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ وَتَدَيَّنَ بِدِينِ أَبِيهِ لَمْ يُقَرَّ جَزْمًا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي كَوْنِهِمْ مِمَّنْ يُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ، إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ غَالِبًا إلَّا مِنْهُمْ، وَالْأَوْجَهُ اسْتِحْبَابُ تَحْلِيفِهِمْ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ عَقْدِهَا لِغَيْرِ الْمَذْكُورِينَ كَعَابِدِ شَمْسٍ أَوْ مَلِكٍ أَوْ وَثَنٍ وَأَصْحَابِ الطَّبَائِعِ وَالْمُعَطِّلِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ ابْنِ حَزْمٍ فِيهِ (وَخُنْثَى) لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، فَلَوْ بَذَلَاهَا أَعْلَمْنَاهُمَا بِعَدَمِ لُزُومِهَا لَهُمَا، فَإِنْ رَغِبَا بِهَا فَهِبَةٌ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ) كَأَنْ يَقُولَ وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ وَأَوْلَادِهِمْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ إلَى آبَائِهِمْ وَجْهٌ) هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ لَهُ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لَهُمْ احْتِرَامٌ بِكَوْنِ انْتِقَالِهِمْ قَبْلَ النَّسْخِ سَرَى الِاحْتِرَامُ لِأَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ انْتَقَلُوا تَبَعًا لَهُمْ فَتَأَمَّلْهُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَفَارَقَ كَوْنُ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمَا حَلَّتْ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي فَصْلِ يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا عَنْ الشَّيْخَيْنِ عَنْ النَّصِّ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِتَحْرِيمِهَا وَهُوَ أَوْجَهُ اهـ (قَوْلُهُ: اخْتِيَارَهَا الْكِتَابِيَّ) أَيْ دِينَهُ (قَوْلُهُ: لَا لِتَقْرِيرِهِ) أَيْ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يُخْتَارَ دِينُ الْوَثَنِيِّ مَثَلًا (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ بَلَغَ) هَذَا يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِيَارِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ السَّابِقُ اخْتَارَ الْكِتَابِيَّ إلَخْ مَحَلُّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَهُوَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ وَيَدِينُ بِدِينِ أَبِيهِ اُنْظُرْ إذَا بَلَغَ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَدَيُّنٌ بِوَاحِدٍ مِنْ الدِّينَيْنِ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَرُّ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَالِغِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِيَارِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَتَدَيَّنَ بِدِينِ أَبِيهِ) وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ اسْتِحْبَابُ تَحْلِيفِهِمْ) أَيْ بِاَللَّهِ وَإِذَا أُرِيدَ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِمْ غُلِّظَ عَلَيْهِمْ بِمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَأَخْرَجَ النَّبَاتِ (قَوْلُهُ: وَالدَّهْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ) أَيْ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِدِينِ مَنْ تُعْقَدُ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ
(قَوْلُهُ فَهِبَةٌ) أَيْ لِجِهَةِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَانَ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا الْأَصْلَ وَهْم الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْأَصْلِيُّونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ الِانْتِقَالُ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الِانْتِقَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ كَوْنَ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا اخْتِيَارُهَا الْكِتَابِيَّ) الَّذِي قَدَّمَهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ اعْتِمَادُ حُرْمَةِ نِكَاحِهَا مُطْلَقًا اخْتَارَتْ أَمْ لَمْ تَخْتَرْ، وَهُوَ تَابِعٌ هُنَا لِابْنِ حَجَرٍ وَهُوَ جَارٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ ثُمَّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ بَلَغَ ابْنُ وَثَنِيٍّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْمَارِّ اخْتَارَ الْكِتَابِيُّ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ عَكْسِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ
ذَكَرًا أُخِذَ مِنْهُ عَمَّا مَضَى، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي حَرْبِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ بِأَنَّ صُورَةَ مَا هُنَا فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ حَالَ خُنُوثَتِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى (وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَهُوَ مُبَعَّضٌ لِنَقْصِهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ بِسَبَبِهِ وَخَبَرُ «لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ» لَا أَصْلَ لَهُ (وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا (فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ) وَنَحْوِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةٍ (لَزِمَتْهُ) وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُهُ بِأَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُ الْجُنُونِ فِي السَّنَةِ لَوْ لُفِّقَتْ لَمْ تُقَابَلْ بِأُجْرَةٍ غَالِبًا، وَقَدْ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ (أَوْ) تَقَطَّعَ (كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَصَحُّ تَلْفِيقُ الْإِفَاقَةِ) إنْ أَمْكَنَ (فَإِنْ)(بَلَغَتْ) أَيَّامُ الْإِفَاقَةِ (سَنَةً وَجَبَتْ) الْجِزْيَةُ لِسُكْنَاهُ سَنَةً بِدَارِنَا وَهُوَ كَامِلٌ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْجُنُونِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الْمُتَّجِهُ، وَكَذَا لَوْ قَلَّتْ بِحَيْثُ لَا يُقَابَلُ مَجْمُوعُهَا بِأُجْرَةٍ، وَطُرُوُّ جُنُونٍ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ كَطُرُوِّ مَوْتٍ أَثْنَاءَهُ.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ. وَالثَّالِثُ يَجِبُ كَالْعَاقِلِ.
وَالرَّابِعُ يُحْكَمُ بِمُوجَبِ الْأَغْلَبِ، فَإِنْ اسْتَوَى الزَّمَانَانِ وَجَبَتْ
(وَلَوْ)(بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ) أَوْ أَفَاقَ أَوْ عَتَقَ قِنٌّ ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ (وَلَمْ يَبْذُلْ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ يُعْطِ (جِزْيَةً)(أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ) وَلَا يُغْتَالُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَمَانِ أَبِيهِ أَوْ سَيِّدِهِ تَبَعًا (فَإِنْ بَذَلَهَا) وَلَوْ سَفِيهًا (عُقِدَ لَهُ) عَقْدُ جِزْيَةٍ لِاسْتِغْلَالِهِ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ عَلَيْهِ كَجِزْيَةِ أَبِيهِ) وَيُكْتَفَى بِعَقْدِ مَتْبُوعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَبِعَهُ فِي أَصْلِ الْأَمَان تَبِعَهُ فِي أَصْلِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ عَلَيْهِمْ مُدَّةٌ بِلَا عَقْدٍ لَزِمَتْهُمْ أُجْرَةُ مِثْلِ سُكْنَاهُمْ بِدَارِنَا، إذْ الْمُغَلَّبُ فِيهَا مَعْنَى الْأُجْرَةِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهَا هُنَا أَقَلُّ الْجِزْيَةِ
(وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى)(زَمِنٍ وَشَيْخٍ وَهَرِمٍ) لَا أَرَى لَهُمَا (وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ) لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ فَلَمْ يُفَارِقْ الْمَعْذُورُ فِيهَا غَيْرَهُ.
أَمَّا مَنْ لَهُ رَأْيٌ فَتَلْزَمُهُ جَزْمًا (وَفَقِيرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ) أَصْلًا أَوْ يَفْضُلُ بِهِ عَنْ مُؤْنَتِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ آخِرَ الْحَوْلِ مَا يَدْفَعُهُ فِيهَا، وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْخُنْثَى (قَوْلُهُ: أُخِذَ مِنْهُ عَمَّا مَضَى) هَلْ يُطَالَبُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ أَوْ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْفَعْ؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَمَا يَدْفَعُهُ يَقَعُ جِزْيَةً.
هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ الْأَوَّلَ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ قَالَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُعْطِي هِبَةً لَا عَنْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: حَالَ خُنُوثَتِهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ، وَمَضَى عَلَيْهِ مُدَّةٌ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ شَيْءٍ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ كَالْحَرْبِيِّ إذَا أَقَامَ بِدَارِنَا بِلَا عَقْدٍ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (قَوْلُهُ لَا أَصْلَ لَهُ) أَيْ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى الْعَبْدِ، وَيُسْتَدَلُّ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ لِنَقْصِهِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَتْ أَيَّامُ الْإِفَاقَةِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَهُوَ صَادِقٌ بِسِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ (قَوْلُهُ: أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْجُنُونِ) أَيْ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَطُرُوُّ جُنُونٍ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ) أَيْ مُتَّصِلٌ فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِنْ كَانَ مُتَقَطِّعًا فَيَنْبَغِي أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنْ تُلَفَّقَ الْإِفَاقَةُ وَيُكَمَّلُ مِنْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ سَنَةً اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: مَوْتٍ أَثْنَاءَهُ) أَيْ فَيَجِبُ اللَّقْطُ كَمَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ: أَوْ عَتَقَ قِنٌّ ذِمِّيٌّ) وَفِي نُسْخَةٍ قِنُّهُ بِالضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلذِّمِّيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ، وَمَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْأَوْلَى لِإِفَادَتِهِ أَنَّ عَتِيقَ الْمُسْلِمِ إنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ أُقِرَّ، وَإِلَّا بَلَغَ الْمَأْمَنَ، وَلَا يُنَافِي تَبْلِيغُهُ الْمَأْمَنَ مِنْ أَنَّ عَتِيقَ الْمُسْلِمِ لَا يُرَقُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَبْلِيغِ الْمَأْمَنِ الْإِرْقَاقُ (قَوْلُهُ: عَقْدَ جِزْيَةٍ) نُسْخَةُ عَقْدٍ جَدِيدٍ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ عَقْدِ أَبِيهِ، وَمَا فِي الْأَصْلِ أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِلتَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ: لَوْ مَضَتْ عَلَيْهِمْ مُدَّةٌ بِلَا عَقْدٍ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ فِي حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا وَلَمْ نَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ حَيْثُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَخَبَرُ «لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ» لَا أَصْلَ لَهُ) أَيْ فَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِهِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا) أَيْ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: لَمْ تُقَابَلْ بِأُجْرَةٍ) لَعَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَجْمُوعِ الْمُدَّةِ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لَهَا إذْ يُتَسَامَحُ فِي نَحْوِ الْيَوْمِ بِالنَّظَرِ لِمَجْمُوعِ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَالْيَوْمُ وَنَحْوُهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) لَعَلَّهُ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ أَوْقَاتُهُ مُنْضَبِطَةً
(قَوْلُهُ أَيْ يُعْطَ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الْبَذْلِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لُغَةً، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ بِالْبَذْلِ هُنَا الِانْقِيَادُ كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ أَوْ يُفَضَّلُ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ وَكَانَ
(فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ) تَبْقَى حَوْلًا فَأَكْثَرَ (حَتَّى يُوسِرَ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ
(وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ اسْتِيطَانِ الْحِجَازِ) يَعْنِي الْإِقَامَةَ بِهِ، وَلَوْ بِلَا اسْتِيطَانٍ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ الْآتِي، وَقِيلَ لَهُ الْإِقَامَةُ إلَى آخِرِهِ. وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ شِرَاءِ أَرْضٍ فِيهِ لَمْ يَقُمْ بِهَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لَكِنَّ الصَّوَابَ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَاكَ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْحِجَازِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَفِي رِوَايَةٍ «آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ صلى الله عليه وسلم: أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ» وَفِي أُخْرَى «أَخْرِجُوا يَهُودَ الْحِجَازِ وَأَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ جَمِيعَهَا بَلْ الْحِجَازُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ مِنْهُ وَأَقَرَّهُمْ بِالْيَمَنِ مَعَ أَنَّهُ مِنْهَا، إذْ هِيَ طُولًا مِنْ عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ، وَعَرْضًا مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى الشَّامِ.
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِحَاطَتِهِ بَحْرِ الْحَبَشَةِ وَبَحْرِ فَارِسَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ الْحِجَازُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ (مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ) مَدِينَةٌ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَمَرْحَلَتَيْنِ مِنْ الطَّائِفِ، وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّائِفِ مَرْحَلَةٌ وَاحِدَةٌ.
سُمِّيَتْ بِاسْمِ الزَّرْقَاءِ الَّتِي كَانَتْ تُبْصِرُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَقُرَاهَا) أَيْ الثَّلَاثَةُ كَالطَّائِفِ وَجُدَّةَ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعِ (وَقِيلَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ الْمُمْتَدَّةِ) بَيْنَ هَذِهِ الْبِلَادِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْتَدَّ فِيهَا، نَعَمْ الَّتِي بِحَرَمِ مَكَّةَ يُمْنَعُونَ مِنْهَا قَطْعًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي، وَلَا يُمْنَعُونَ رُكُوبَ بَحْرٍ خَارِجَ الْحَرَمِ، بِخِلَافِ جَزَائِرِهِ الْمَسْكُونَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِهَا لِلْغَالِبِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمَقَامِ فِي الْمَرْكَبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْبَرِّ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ وَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ
(وَلَوْ)(دَخَلَ) كَافِرٌ أَيْ الْحِجَازَ (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ) مِنْهُ لِتَعَدِّيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَهِلَ ذَلِكَ فَيُخْرِجُهُ وَلَا يُعَزِّرُهُ (فَإِنْ اسْتَأْذَنَ) فِي دُخُولِهِ (أَذِنَ لَهُ) حَتْمًا كَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُ لَكِنْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ جَائِزٌ فَقَطْ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ (إنْ كَانَ دُخُولُهُ مَصْلَحَةً
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا الْقَوْلُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ تَابِعًا لِأَمَانِ أَبِيهِ نَزَلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَنْزِلَةَ مَنْ مَكَثَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: أَقَلُّ الْجِزْيَةِ) أَيْ دِينَارٌ
. (قَوْلُهُ: لَمْ يَقُمْ بِهَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ) نُسْخَةٌ فِيهَا: قِيلَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لَكِنَّ الصَّوَابَ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ مَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ حُرِّمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَاكَ، وَإِنَّمَا مُنِعَ إلَخْ، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الْأَقْرَبُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى) أَيْ فِي شَأْنِهِمْ (قَوْلُهُ: أَجَلَاهُمْ) أَيْ أَخْرَجَهُمْ (قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْجَزِيرَةِ (قَوْلُهُ سُمِّيَتْ) أَيْ الْمَدِينَةُ (قَوْلُهُ: كَالطَّائِفِ) هُوَ تَمْثِيلٌ لِقُرَى الثَّلَاثِ، لَكِنْ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمَامَةَ لَيْسَ لَهَا قُرًى.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ قُرَى الْمَجْمُوعِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ قُرًى (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ جَزَائِرِهِ) أَيْ الَّتِي بِالْحِجَازِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يُعَزِّرُهُ) وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الْجَهْلَ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالْأَمَانِ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُهُ أَذِنَ لَهُ حَتْمًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
الظَّاهِرُ يُفَضَّلُ مِنْهُ
(قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ ذَاكَ) أَيْ مِنْ الِاتِّخَاذِ الْمَمْنُوعِ أَيْ لِأَنَّ اتِّخَاذَ ذَاكَ يَجُرُّ إلَى اسْتِعْمَالِهِ، بِخِلَافِ هَذَا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ الرَّادُّ (قَوْلُهُ: مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ) لَعَلَّهُ بَيَانٌ لِمَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَنْ فِيهِ ابْتِدَائِيَّةً كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْنَعُونَ رُكُوبَ بَحْرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: فَرْعٌ: لَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ بَحْرِ الْحِجَازِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي سَوَاحِلِهِ الْمُمْتَدَّةِ وَجَزَائِرِهِ الْمَسْكُونَة (قَوْلُهُ: إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ) أَيْ أَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ رُكُوبِ
لِلْمُسْلِمِينَ كَرِسَالَةٍ وَحَمْلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ) كَثِيرًا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَكَإِرَادَةِ عَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ لِمَصْلَحَةٍ، وَهُنَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِهِ.
أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فَيَمْتَنِعُ الْإِذْنُ كَمَا لَا يَخْفَى (فَإِنْ كَانَ) دُخُولُهُ وَلَوْ امْرَأَةً (لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ) كَعِطْرٍ (لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِذْنُ فِي دُخُولِهِ (إلَّا) إنْ كَانَ ذِمِّيًّا كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ (بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَتَاعِهَا: أَيْ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ فَيُمْهِلُهُمْ لِلْبَيْعِ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ فِي دَاخِلِ دَارِنَا لِتِجَارَةٍ لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا، وَشُرِطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا جَازَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ عُشْرَ الثَّمَنِ أُمْهِلُوا إلَى الْبَيْعِ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ لَا يُكَلِّفُونَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَحِينَئِذٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَدَلُهُ إنْ رَضُوا، وَإِلَّا فَبَعْضُ أَمْتِعَتِهِمْ عِوَضًا عَنْهُ، وَيُجْتَهَدُ فِي قَدْرِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ سِوَى مَرَّةً كَالْجِزْيَةِ (وَلَا يُقِيمُ) بِالْحِجَازِ حَيْثُ دَخَلَهُ وَلَوْ بِتِجَارَتِهِ وَلَوْ الْمُضْطَرَّ إلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي دُخُولِهِ (إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ) غَيْرَ يَوْمَيْ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ رضي الله عنه فَإِنْ أَقَامَ بِمَحَلٍّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ بِآخَرَ مِثْلِهَا وَهَكَذَا لَمْ يُمْنَعْ إنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ مَحَلَّيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ
(وَيُمْنَعُ) كُلُّ كَافِرٍ (دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ) وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] أَيْ الْحَرَمَ بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا) لِمَنْ بِالْحُرُمِ مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ (خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِيَسْمَعَهُ) وَيُخْبِرَ الْإِمَامَ، فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا إلَّا مُشَافَهَةً تَعَيَّنَ خُرُوجُ الْإِمَامِ إلَيْهِ لِذَلِكَ، أَوْ مُنَاظِرٌ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَخْرَجُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِكُفْرِهِمْ عُوقِبَ جَمِيعُ الْكُفَّارِ بِمَنْعِهِمْ مِنْهُ مُطْلَقًا وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ كَمَا فِي الْأُمِّ، وَبِهِ يَرِدُ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ: يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَطَبِيبٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ لَهُ عَلَى مَا إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ (فَإِنْ)(مَرِضَ فِيهِ) أَيْ الْحَرَمِ (نُقِلَ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ) بِالنَّقْلِ لِظُلْمِهِ بِدُخُولِهِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ (فَإِنْ)(مَاتَ) وَهُوَ ذِمِّيٌّ (لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ) تَطْهِيرًا لِلْحَرَمِ عَنْهُ (فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ) ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا، نَعَمْ لَوْ تَقَطَّعَ تُرِكَ وَلَا يَلْحَقُ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِحَرَمِ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا لِأَفْضَلِيَّتِهِ وَتَمَيُّزِهِ بِمَا لَمْ يُشَارَكْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِذْنُ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ وَدَخَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ مَالًا (قَوْلُهُ: لَا يُكَلِّفُونَهُ) أَيْ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ سِوَى مَرَّةٍ) ظَاهِرَةٌ وَإِنْ تَكَرَّرَ الدُّخُولُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْأَصْنَافُ الَّتِي يَدْخُلُونَ بِهَا، وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ عَدَدِ مَرَّاتِ الدُّخُولِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ مَا عَدَاهَا أَوْ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ فَلْيُرَاجَعْ، وَلَوْ قِيلَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ جَاءُوا بِهِ، وَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُمْ بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بَيْعِهِمْ عَلَيْنَا وَدُخُولِهِمْ بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمُضْطَرَّ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُضْطَرَّ أَوْ هِيَ الْمُضْطَرَّ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ أَمَّا لَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى دُخُولِهِ كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ بِنَاؤُهَا إلَّا كَافِرٌ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ إلَخْ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا يَأْتِي عَلَى حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ يُمْكِنُ قِيَامُ غَيْرِ الْكَافِرِ بِهَا أَوْ لَا يَحْصُلُ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهَا خَلَلٌ قَوِيٌّ كَهَذِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا) أَيْ الرِّسَالَةَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْبَحْرِ فَضْلًا عَنْ الْإِقَامَةِ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْمَفْهُومِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: وَيُخْبَرُ الْإِمَامُ) فِيهِ إخْرَاجُ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ إذْ الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْخَارِجِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَهَذَا يُعَيِّنُ كَوْنَهُ لِلنَّائِبِ، ثُمَّ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِنَائِبِهِ نَائِبُهُ فِي خُصُوصِ الْخُرُوجِ وَالسَّمَاعِ وَهَلَّا كَانَ الْمُرَادُ نَائِبَهُ الْعَامَّ، وَالْمَعْنَى خَرَجَ الْإِمَامُ إنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَنَائِبُهُ (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ الْعِبَارَةُ (قَوْلُهُ: لِأَفْضَلِيَّتِهِ) عِلَّةٌ لِانْتِفَاءِ الْإِلْحَاقِ فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِحَرَمِ مَكَّةَ.