الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِبَيِّنَةٍ، قَالَ: بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إنْ لَمْ تَقْدَحْ فِيهِ حَيْثُ لَمْ تَظْهَرْ لِلْحَاكِمِ صِحَّةُ الدَّعْوَى صِيَانَةً عَنْ ابْتِذَالِهِ بِالدَّعَاوَى وَالتَّحْلِيفِ انْتَهَى.
وَفِيهِ مَا مَرَّ وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُهُ بِقَاضٍ حَسَنِ السِّيرَةِ ظَاهِرِ الدَّيَّانَةِ وَالْعِفَّةِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الدَّعْوَى عَلَى مُتَوَلٍّ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ عِنْدَ قَاضٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا فَلَا تُسْمَعُ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَبِخِلَافِ الْمَعْزُولِ فَتُسْمَعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَلَا يَحْلِفُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فَمَا مَرَّ فِي الْمَعْزُولِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ هَذَا.
(فَصْلٌ) فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا
(لِيَكْتُبْ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ كَالْقَاضِي الْكَبِيرِ نَدْبًا (لِمَنْ يُوَلِّيهِ) كِتَابًا بِالتَّوْلِيَةِ وَمَا فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقَاضِي وَيُعَظِّمُهُ فِيهِ وَيَعِظُهُ وَيُبَالِغُ فِي وَصِيَّتِهِ بِالتَّقْوَى وَمُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْوَصِيَّةِ بِالضُّعَفَاءِ «اتِّبَاعًا لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَمَّا وَلَّاهُ الْيَمَنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً» ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَاقْتَصَرَ فِي مُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَيْهَا عَلَى الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ (وَيُشْهِدُ بِالْكِتَابِ) يَعْنِي لَا بُدَّ إنْ أَرَادَ الْعَمَلَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ أَنْ يُشْهِدَ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْلِيَةِ (شَاهِدَيْنِ) بِصِفَاتِ عُدُولِ الشَّهَادَةِ (يَخْرُجَانِ مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ) أَيْ مَحَلِّ التَّوْلِيَةِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا (يُخْبِرَانِ بِالْحَالِ) لِتَلْزَمَ طَاعَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يَشْهَدَانِ بِهِ لَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا التَّوْلِيَةَ مِنْ الْمُوَلِّي، وَإِذَا قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ فَلْيَعْلَمَا أَنَّ مَا فِيهِ هُوَ الَّذِي قُرِئَ لِئَلَّا يَقْرَأَ غَيْرَ مَا فِيهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ أَدَّيَا عِنْدَهُ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِشُرُوطِهِ وَإِلَّا كَفَى إخْبَارُهُمَا لِأَهْلِ الْبَلَدِ: أَيْ لِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الِاكْتِفَاءُ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِهَا عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَى مَا يَشْهَدَانِ بِهِ، فَقَوْلُهُمْ بِصِفَاتِ عُدُولِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى إنْ كَانَ ثَمَّ قَاضٍ، وَاخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدٍ (وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الشَّهَادَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَةِ مَنْزِلِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُ وَجَوْرُهُ وَعُلِمَتْ خِيَانَتُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةِ كَلَامِ السُّبْكِيّ (قَوْلُهُ: فَلَا تُسْمَعُ) أَيْ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْت فَالدَّعْوَى مَعَ قَبُولِ قَوْلِهِ تُخِلُّ بِمَنْصِبِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ فَلَا فَائِدَةَ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى إذْ غَايَتُهَا إقَامَةُ بَيِّنَةٍ (قَوْلُهُ: مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ هَذَا) أَيْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا.
(فَصْلٌ) فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَإِذَا قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ) أَيْ حَضْرَةِ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ: أَدَّيَا عِنْدَهُ) أَيْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدٍ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ) أَيْ فِي لُزُومِ الطَّاعَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُ وَجَوْرُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا) أَيْ جَوْرًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا) أَيْ الَّذِي هُوَ صُورَةُ الْمَتْنِ الْمَارَّةُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَتُسْمَعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى) أَيْ بِالْجَوْرِ (قَوْلُهُ: فَمَا مَرَّ فِي الْمَعْزُولِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ هَذَا) مُرَادُهُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ هُنَا تَحْلِيفَ الْمَعْزُولِ وَتَصْحِيحِهِ فِي الرَّوْضَةِ عَدَمَ تَحْلِيفِهِ.
[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا]
(قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا بُدَّ إنْ أَرَادَ الْعَمَلَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا فَالْمَدَارُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا عَلَى الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ) أَيْ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: وَلِيَقْرَآهُ عَلَيْهِ: أَيْ الشَّاهِدَانِ أَوْ يَقْرَأَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قَرَأَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ عَلَيْهِمَا فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّاهِدَانِ فِيهِ انْتَهَتْ.
فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلْيَعْلَمَا: أَيْ بِالنَّظَرِ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَقْرَأَ) أَيْ الْقَارِئُ
وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إشْهَادٌ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ عَقْدٌ وَالْعُقُودُ لَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْوَكَالَةِ (لَا مُجَرَّدُ كِتَابٍ) فَلَا يَكْفِي (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ وَإِنْ حَفَّتْ الْقَرَائِنُ بِصِدْقِهِ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُ الْقَاضِي لِاتِّهَامِهِ، فَإِنْ صَدَّقُوهُ لَزِمَهُمْ طَاعَتُهُ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ (وَيَبْحَثُ) بِالرَّفْعِ (الْقَاضِي) نَدْبًا (عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ) أَيْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (وَعُدُولِهِ) إنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ قَبْلَ دُخُولِهِ، فَإِنْ تَعَسَّرَ فَعَقِبَهُ لِيُعَامِلَهُمْ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ (وَيَدْخُلُ) وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَالْأَوْلَى دُخُولُهُ (يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) صَبِيحَتَهُ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَدِينَةَ فِيهِ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى» ، فَإِنْ تَعَسَّرَ فَالْخَمِيسُ ثُمَّ السَّبْتُ، وَوَرَدَ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تَحَرِّيهَا لِفِعْلِ وَظَائِفِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فِيهَا وَبِقَصْدِ الْمَسْجِدِ عَقِبَ دُخُولِهِ لِيُصَلِّيَ بِهِ رَكْعَتَيْنِ وَيَأْمَرُ بِقِرَاءَةِ الْعَهْدِ وَيُنَادِي مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ لِيَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ وَيَسْتَحِقَّ الرِّزْقُ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ وَقْتِ التَّوْلِيَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَيَنْزِلُ) إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَحَلٌّ مُهَيَّأٌ لِلْقَضَاءِ (وَسَطَ) بِفَتْحِ السِّينِ فِي الْأَشْهَرِ (الْبَلَدِ) لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ (وَيَنْظُرُ أَوَّلًا) نَدْبًا بَعْدَ تَسَلُّمِهِ دِيوَانَ الْحُكْمِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَوْرَاقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّاسِ، وَأَنْ يُنَادِيَ فِي الْبَلَدِ مُتَكَرِّرًا إنَّ الْقَاضِيَ يُرِيدُ النَّظَرَ فِي الْمَحْبُوسِينَ يَوْمَ كَذَا فَمَنْ كَانَ لَهُ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ (فِي أَهْلِ الْحَبْسِ) إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَهَمُّ مِنْهُمْ هَلْ يَسْتَحِقُّونَهُ أَوْ لَا؟ لِأَنَّهُ عَذَابٌ وَيَبْدَأُ بِقُرْعَةٍ فَمَنْ حَضَرَتْ لَهُ أَحْضَرَ خَصْمَهُ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا (فَمَنْ قَالَ حُبِسَتْ بِحَقٍّ أَدَامَهُ) إلَى وَفَائِهِ أَوْ ثُبُوتِ إعْسَارِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنَادَى عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ لَهُ وَلَا يُحْبَسُ حَالَ النِّدَاءِ وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ بَلْ يُرَاقَبُ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَدًّا أَقَامَهُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ أَوْ تَعْزِيرًا وَرَأَى إطْلَاقَهُ فَعَلَ (أَوْ) قَالَ حُبِسْت (ظُلْمًا فَعَلَى خَصْمِهِ حَجَّةٌ) إنْ كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ أَقَامَهَا أَدَامَهُ وَإِلَّا حَلَّفَهُ وَأَطْلَقَهُ بِلَا كَفِيلٍ إلَّا أَنْ يَرَاهُ فَحَسَنٌ (فَإِنْ كَانَ) خَصْمُهُ (غَائِبًا) عَنْ الْبَلَدِ (كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ) لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا أَوْ يُوَكِّلَ لِأَنَّ الْقَصْدَ إعْلَامُهُ لِيَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ.
فَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يُوَكِّلْ حَلَفَ وَأُطْلِقَ لِتَقْصِيرِ الْغَائِبِ حِينَئِذٍ (ثُمَّ) فِي الْأَوْصِيَاءِ وَكُلِّ مُتَصَرِّفٍ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِمْ عِنْدَهُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِكِ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِمَالِهِ فَنَابَ الْقَاضِي عَنْهُ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ الْعَامُّ إنْ كَانَ بِبَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لِحَاكِمِ بَلَدِ الْمَالِكِ (فَمَنْ ادَّعَى وِصَايَةً سَأَلَ) النَّاسَ (عَنْهَا) أَلَهَا حَقِيقَةٌ؟ وَمَا كَيْفِيَّةُ ثُبُوتِهَا؟ (وَعَنْ حَالِهِ) هَلْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ (وَتَصَرُّفِهِ فَمَنْ) قَالَ فُرِّقْت
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ صَدَّقُوهُ لَزِمَهُمْ) أَيْ كُلَّهُمْ وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ مُتَدَاعِيَانِ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ لَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَلْوَانِ يُمْكِنُ تَغَيُّرُهَا بِغَيْرِهَا بِخِلَافِ السَّوَادِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَحَرِّيهَا) أَيْ الْبُكُورِ (قَوْلُهُ: فَمَنْ كَانَ لَهُ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ) نَدْبًا عَنْ اجْتِمَاعِ الْخُصُومِ، فَلَوْ حَضَرُوا مُتَرَتِّبِينَ نَظَرَ وُجُوبًا فِي حَالِ كُلِّ مَنْ قَدِمَ أَوَّلًا وَلَا يَنْتَظِرُ حُضُورَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ خِيفَ هَرَبُهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ الْآنَ ثُبُوتَ حَقٍّ عَلَيْهِ حَتَّى يُحْبَسَ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَصْدَ إعْلَامُهُ لِيَلْحَنَ) أَيْ يُفْصِحَ بِهَا، وَقَوْلُهُ حَلَفَ: أَيْ وُجُوبًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِالرَّفْعِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: كَأَنَّهُ احْتَرَزَ عَنْ الْجَزْمِ بِالْعَطْفِ عَلَى لِيَكْتُبَ لَكِنْ مَا الْمَانِعُ اهـ (قَوْلُهُ: قَبْلَ دُخُولِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَبْحَثُ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُنَادِيَ) مَعْطُوفٌ عَلَى تَسَلُّمِهِ: أَيْ وَبَعْدَ تَسَلُّمِهِ وَبَعْدَ مُنَادَاتِهِ، لَكِنْ عِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ أَنْ يَتَسَلَّمَ فَالْعَطْفُ فِيهَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ لَهُ) أَيْ غَرِيمٍ هُوَ مَحْبُوسٌ لَهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَادَاةِ عَلَى كُلِّ غُرَمَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا لَهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَغَيْرُهُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: حَلَّفَهُ) أَيْ الْمَحْبُوسُ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مُتَصَرِّفٍ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ بِوِلَايَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ نَحْوَ الْوَكِيلِ وَعَامِلَ الْقِرَاضِ
الْوَصِيَّةُ أَوْ صُرِفَتْ لِلْمُوصَى عَلَيْهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ إنْ وَجَدَهُ عَدْلًا وَإِنْ (وَجَدَهُ فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ) وُجُوبًا (مِنْهُ) إنْ كَانَ بَاقِيًا وَغَرَّمَهُ بَدَلَ مَا فَوَّتَهُ وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَالَتِهِ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، قَالَ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمَا وَالْجُمْهُورِ، وَإِنْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافَهُ، أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّكُّ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ لِاتِّحَادِ الْقَضِيَّةِ، وَبِهِ فَارَقَ شَاهِدَ أُزْكِيَ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ طُولِ الزَّمَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِزْكَائِهِ (أَوْ) وَجَدَهُ (ضَعِيفًا) عَنْ قِيَامِهِ بِهَا مَعَ أَمَانَتِهِ (عَضَّدَهُ بِمُعِينٍ) وَلَا يَنْتَزِعُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ يَنْظُرَ بَعْدَ الْأَوْصِيَاءِ فِي أُمَنَاءِ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِينَ عَنْ الْأَطْفَالِ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا، نَعَمْ لَهُ عَزْلُهُمْ وَلَوْ بِلَا سَبَبٍ وَتَوْلِيَةُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُوَلَّوْنَ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ. وَلَيْسَ لَهُ الْكَشْفُ عَنْ أَبٍ وُجِدَ مُتَصَرِّفًا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ قَادِحٍ عِنْدَهُ فِيهِ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ وَمُتَوَلِّيهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَعَنْ الْخَاصَّةِ لِأَنَّهَا تَئُولُ لِمَنْ لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَيَنْظُرُ هَلْ آلَتْ إلَيْهِمْ وَهَلْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ مِنْهُمْ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ فِي أَمْرِ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ يَجُوزُ وَلَمْ يَخْتَرْ تَمَلُّكَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، ثُمَّ فِي الضَّوَالِّ فَيَحْفَظُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُفْرَدَةً عَنْ أَمْثَالِهَا وَلَهُ خَلْطُهَا بِمِثْلِهَا حَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَلِكَ، فَإِذَا ظَهَرَ الْمَالِكُ غَرِمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَهُ بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا.
(وَيَتَّخِذُ) نَدْبًا (مُزَكِّيًا) بِصِفَتِهِ الْآتِيَةِ وَأَرَادَ بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ الْجِنْسَ إذْ لَا يَكْتَفِي بِوَاحِدٍ (وَكَاتِبًا) لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ، «وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ كُتَّابٌ فَوْقَ أَرْبَعِينَ» ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا رُزِقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يُنْدَبْ اتِّخَاذُهُ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ كَالْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ وَالْمُتَرْجِمِ وَالْمُسَمِّعِ وَالْمُزَكِّي لِئَلَّا يُغَالُوا فِي الْأُجْرَةِ، وَلِلْقَاضِي وَإِنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ أَخْذُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَغَيْرَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إلَّا إنْ تَعَيَّنَ لِلْقَضَاءِ وَوَجَدَ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ لِلْمَكْفِيِّ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ صَالِحٌ لَهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَا يُرْزَقُ مِنْ خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ أَوْ الْآحَادِ وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ وَلَوْ قَاضِيًا وَثَمَنُ وَرِقِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ وَنَحْوِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ اُحْتِيجَ لِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى مَنْ شَاءَ الْكِتَابَةَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ خَيْلٍ وَغِلْمَانٍ وَدَارٍ وَاسِعَةٍ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَغَرَّمَهُ بَدَلَ مَا فَوَّتَهُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِصَرْفِهِ فِي طَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَلَا تَغْرِيمَ (قَوْلُهُ: عَنْ الْأَطْفَالِ) أَيْ لِلتَّصَرُّفِ عَنْهُمْ وَلَوْ عَبَّرَ بِعَلَى لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْخَاصَّةِ) كَالْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ مَثَلًا.
(قَوْلُهُ: وَعِيَالَهُ نَفَقَةً) هَلْ الْمُرَادُ مِنْهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ أَوْ كُلُّ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مُرُوءَةً كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ مَثَلًا فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا اعْتَمَدَهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ يُقَالُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إنَّهُ يَأْخُذُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَوْ لِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ قَدْ يَقْطَعُهُ عَنْ الْكَسْبِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لِمَحْضِ الْمُوَاسَاةِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ لِلْمَكْفِيِّ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُرْزَقُ مِنْ خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ أَوْ الْآحَادِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ خَاصِّ مَالِهِ وَلَا عَلَى الْآحَادِ، أَمَّا لَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا تَبَرُّعًا لَمْ يَمْتَنِعْ قَبُولُهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: أَوْ صُرِفَتْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: تَصَرَّفَتْ
(قَوْلُهُ: إذْ لَا يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ) . فِيهِ تَغْلِيبٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَاتِبِ فَمَعْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يُرْزَقُ مِنْ خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَجَّحَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ جَوَازَهُ، وَأَجَابَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي الْمُحْتَاجِ وَمَا هُنَا فِي غَيْرِهِ.
وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ كَالصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَيَرْزُقُ مِنْهُمْ أَيْضًا كُلَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَمِيرِ وَالْمُفْتِي وَالْمُحْتَسِبِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ لِلصَّلَاةِ وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْكَاتِبِ حُرًّا ذَكَرًا (مُسْلِمًا عَدْلًا) لِتُؤْمَنَ خِيَانَتُهُ (عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ) وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يَتَرَادَفَانِ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِهِمَا عَلَى مُطْلَقِ الْمَكْتُوبِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْحُكْمِيَّةِ لِإِفْسَادِ الْجَاهِلِ بِذَلِكَ مَا يَكْتُبُهُ (وَيُسْتَحَبُّ) فِيهِ (فِقْهٌ) فِيمَا يَكْتُبُهُ: أَيْ زِيَادَتُهُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي مَعْرِفَةِ الشُّرُوطِ وَمَوَاقِعِ اللَّفْظِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الْمُوهِمِ وَالْمُحْتَمَلِ لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ الْجَهْلِ وَمَنْ اشْتَرَطَ فِقْهَهُ أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ وَعِفَّةٍ عَنْ الطَّمَعِ لِئَلَّا يُسْتَمَالَ بِهِ (وَوُفُورُ عَقْلٍ) اكْتِسَابِيٍّ لِيَزْدَادَ ذَكَاؤُهُ وَفِطْنَتُهُ فَلَا يُخْدَعُ (وَجَوْدَةُ خَطٍّ) وَإِيضَاحُهُ مَعَ ضَبْطِ الْحُرُوفِ، وَتَرْتِيبِهَا، وَتَضْيِيقِهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا إلْحَاقٌ وَتَبْيِينُهَا لِئَلَّا يَشْتَبِهَ نَحْوُ سَبْعَةٍ بِتِسْعَةٍ وَمَعْرِفَتُهُ بِحِسَابِ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَفَصَاحَتُهُ وَعِلْمُهُ بِلُغَاتِ الْخُصُومِ.
(وَ) يُتَّخَذُ نَدْبًا أَيْضًا (مُتَرْجِمًا) لِأَنَّهُ قَدْ يَجْهَلُ لِسَانَ الْخُصُومِ أَوْ الشُّهُودِ، وَالْمُرَادُ بِاِتِّخَاذِهِ كَوْنُهُ عَارِفًا بِاللُّغَاتِ الْغَالِبِ وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ لُغَةَ الْخُصُومِ لَمْ يَتَّخِذْهُ (وَشَرْطُهُ عَدَالَةٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَدٌ) أَيْ اثْنَانِ وَلَوْ فِي زِنًا، وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ كُلُّهُمْ أَعْجَمِيِّينَ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ إلَى الْقَاضِي قَوْلًا لَا يَعْرِفُهُ فَأَشْبَهَ الْمُزَكِّيَ وَالشَّاهِدَ، بِخِلَافِ الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا، نَعَمْ يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِمَا، وَقِيسَ بِهِمَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِنَّ، وَأُسْقِطَ مِنْ الْأَصْلِ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ لِدُخُولِهِ فِي الْعَدَالَةِ.
وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ انْتِفَاءَ التُّهْمَةِ فَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا.
وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ التَّرْجَمَةُ عَنْ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ أَوْ عَنْ الْخَصْمِ بِمَا يَتَضَمَّنُ حَقًّا لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيمَا يَتَضَمَّنُ حَقًّا عَلَيْهِمَا لَمْ يَظْهَرْ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ، وَيَكْفِي اثْنَانِ عَنْ الْخَصْمَيْنِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ، وَعُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ اشْتِرَاطُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ أَعْمَى) لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ تَفْسِيرُ لَفْظٍ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُكَلِّفُ الْقَاضِي مَنْ حَضَرَ السُّكُوتَ لِئَلَّا يَتَكَلَّمَ غَيْرُ الْخَصْمِ وَالثَّانِي لَا كَالشَّاهِدِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَغْلِيبُهُمْ شَائِبَةَ الرِّوَايَةِ إذْ هِيَ شَهَادَةٌ إلَّا فِي هَذَا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَطِ لَهُ الْإِبْصَارُ هُنَا (وَ) الْأَصَحُّ (اشْتِرَاطُ عَدَدٍ) وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى هُنَا أَيْضًا (فِي إسْمَاعِ قَاضٍ بِهِ صَمَمٌ) لَمْ يَبْطُلْ سَمْعُهُ كَالْمُتَرْجِمِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ عَيْنَ اللَّفْظِ كَمَا أَنَّ ذَاكَ يَنْقُلُ مَعْنَاهُ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمُسَمِّعَ لَوْ غَيَّرَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ وَالْحَاضِرُونَ بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ وَشَرْطُهُمَا مَا مَرَّ فِي الْمُتَرْجِمِينَ، وَخَرَجَ بِإِسْمَاعِ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ إسْمَاعُ الْخَصْمِ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي أَوْ خَصْمَهُ فَيَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيُرْزَقُ مِنْهُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمَكْفِيِّ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِالْعَمَلِ غَيْرُهُ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَهُ وَيُرْزَقُ مِنْهُ: أَيْ وَإِنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، فَلَوْ لَمْ يُعْطَ رُبَّمَا تَرَكَ الْعَمَلَ فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالشَّرْعِ فَيَشْمَلُ الْفِقْهَ وَالْحَدِيثَ وَالتَّفْسِيرَ وَمَا كَانَ آلَةً لَهَا (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ الْجَهْلِ) أَيْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الْخَلَلُ مِنْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِطْنَتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ) لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي التَّرْجَمَةِ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ فِي نَقْلِ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ، حَتَّى لَوْ نَقَلَ اثْنَانِ كَلَامَ الْخَصْمِ لِلْقَاضِي وَنَقَلَ وَاحِدٌ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ) أَيْ الزِّنَا (قَوْلُهُ لَمْ يَظْهَرْ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ يَكْتُمُ شَيْئًا مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: اشْتِرَاطُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِي نَقْلِهِ كَلَامُ الْخَصْمِ لِلْقَاضِي إذْ الشَّهَادَةُ تَكُونُ عِنْدَهُ، أَمَّا فِي نَقْلِهِ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ فَفِيهِ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ إذْ هِيَ شَهَادَةٌ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ حَتَّى يَتَأَتَّى الِاسْتِثْنَاءُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا إلَخْ) اُنْظُرْ مِنْ أَيْنَ عُلِمَ
(وَيَتَّخِذُ) نَدْبًا (دِرَّةً) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (لِلتَّأْدِيبِ) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ رضي الله عنه، نَعَمْ مَنَعَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ نُوَّابَهُ مِنْ ضَرْبِ الْمَسْتُورِينَ بِهَا لِأَنَّهُ صَارَ مِمَّا يُعَيَّرُ بِهِ ذُرِّيَّةُ الْمَضْرُوبِ وَأَقَارِبُهُ، بِخِلَافِ الْأَرْذَالِ وَلَهُ التَّأْدِيبُ بِالسَّوْطِ (وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَتَعْزِيرٍ) كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ رضي الله عنه بِدَارٍ اشْتَرَاهَا بِمَكَّةَ وَجَعَلَهَا سِجْنًا وَإِذَا هَرَبَ الْمَحْبُوسُ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ طَلَبُهُ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ هَرَبِهِ فَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِعْسَارٍ لَمْ يُعَزِّرْهُ، وَإِلَّا عَزَّرَهُ، وَلَوْ أَرَادَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ مُلَازَمَتَهُ بَدَلًا عَنْ الْحَبْسِ مُكِّنَ مَا لَمْ يَقُلْ تَشُقُّ عَلَيَّ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ مَعَ مُلَازَمَتِهِ وَيَخْتَرْ الْحَبْسَ فَيُجِيبُهُ، وَأُجْرَةُ السِّجْنِ عَلَى الْمَسْجُونِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ الَّذِي شَغَلَهُ، وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ مَجْلِسِهِ) الَّذِي يَقْضِي فِيهِ (فَسِيحًا) لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ الْخُصُومُ (بَارِزًا) أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ كُلُّ أَحَدٍ،
وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَاجِبٍ لَا مَعَ زَحْمَةٍ أَوْ فِي خَلْوَةٍ (مَصُونًا مِنْ أَذَى) نَحْوِ (حَرٍّ وَبَرْدٍ) وَرِيحٍ كَرِيهٍ وَغُبَارٍ وَدُخَانٍ (لَائِقًا بِالْوَقْتِ) أَيْ الْفَصْلِ كَمَهَبِّ الرِّيحِ وَمَوْضِعِ الْمَاءِ فِي الصَّيْفِ وَالسَّكَنِ فِي الشِّتَاءِ وَالْخُضْرَةِ فِي الرَّبِيعِ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا نَفْسَ الْمَصُونِ كَمَا صَنَعَهُ أَصْلُهُ بَلْ غَيَّرَهُ كَأَنَّهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَغَايُرِهِمَا كَانَ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الْمُؤْذِي وَالثَّانِي لِتَحْصِيلِ التَّنَزُّهِ وَدَفْعِ الْمُكَدِّرِ عَنْ النَّفْسِ، فَانْدَفَعَ دَعْوَى أَنَّ عِبَارَةَ أَصْلِهِ أَحْسَنُ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ وَحَصَلَ زِحَامٌ اتَّخَذَ مَجَالِسَ بِعَدَدِ الْأَجْنَاسِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ اُتُّخِذَتْ ثَلَاثَةُ مَجَالِسَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاضِي (وَ) لَائِقًا بِوَظِيفَةِ (الْقَضَاءِ) الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْمَنَاصِبِ وَأَجَلُّ الْمَرَاتِبِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْجَلَالَةِ وَالْأُبَّهَةِ، فَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ دَاعِيًا بِالْعِصْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ مُتَعَمِّمًا مُتَطَيْلِسًا عَلَى مَحَلٍّ عَالٍ بِهِ فُرُشٌ وَوِسَادَةٌ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِلْحَاجَةِ إلَى قُوَّةِ الرَّهْبَةِ وَالْهَيْبَةِ، وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ جُلُوسُهُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْبَةِ (لَا مَسْجِدًا) أَيْ لَا يَتَّخِذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ عَادَةً، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ الْمَجَانِينَ وَالصِّغَارَ وَالْحُيَّضَ وَالْكُفَّارَ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ فِيهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، نَعَمْ إنْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورِهِ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يُكْرَهْ فَصْلُهَا، وَكَذَا إنْ احْتَاجَ لِجُلُوسِهِ فِيهِ لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ جَلَسَ لَهُ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ عَدَمِهَا مُنِعَ الْخُصُومُ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهَا وَيَقْعُدُونَ خَارِجَهُ، وَيَنْصِبُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَا يَكْفِي، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ قِيَاسَ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ هُنَا الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُجَرَّدٌ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ، وَعَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَرْجِمِ وَالْمُسَمِّعِ بِأَنَّ الْمُسَمِّعَ لَوْ غَيَّرَ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي عِنْدَ تَبْلِيغِهِ لِلْخَصْمِ سَمِعَهُ الْقَاضِي وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ فَإِنَّهُ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ اللُّغَةَ الَّتِي يُتَرْجِمُ بِهَا فَرُبَّمَا غَيَّرَ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ طَلَبُهُ) أَيْ وَلَا السَّجَّانَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا عَزَّرَهُ) وَمِثْلُهُ فِي التَّعْزِيرِ مَا لَوْ طَلَبَهُ ابْتِدَاءً لِأَصْلِ الدَّعْوَى فَامْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ أُجْرَةِ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَاجِبٍ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي مِنْ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُمَكِّنُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ عَامَّةَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُمَكِّنُ عُظَمَاءَهُمْ أَوْ مَنْ يَدْفَعُ لَهُ رِشْوَةً لِلتَّمْكِينِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ (قَوْلُهُ: مَعَ الْخُصُومِ) أَيْ وُجُوبًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ) أَيْ أُجْرَةِ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحُرْمَةِ) الضَّمِيرُ فِي يَكُونُ لِلْقَاضِي بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ
وَأُلْحِقَ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ بَيْتُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ تَحْتَشِمُ النَّاسُ دُخُولَهُ بِأَنْ أَعَدَّهُ مَعَ حَالَةِ يُحْتَشَمُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ لِأَجْلِهَا أَمَّا إذَا أَعَدَّهُ وَأَخْلَاهُ مِنْ نَحْوِ عِيَالِهِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَشِمُهُ أَحَدٌ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِلْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشِبَعٍ مُفْرَطَيْنِ وَكُلِّ حَالٍ يَسُوءُ خُلُقُهُ) فِيهِ كَمَرَضٍ وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ وَشِدَّةِ خَوْفٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ سُرُورٍ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الْغَضَبِ وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي وَلِاخْتِلَالِ فَهْمِهِ وَفِكْرِهِ بِذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ يَنْظُرُ فِيهِ بِعَدَمِ أَمْنِ التَّقْصِيرِ فِي مُقَدِّمَاتِ الْحُكْمِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَضَبِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رحمه الله تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَلَوْ قَضَى حَالَ غَضَبِهِ وَنَحْوِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ. (وَيُنْدَبُ أَنْ يُشَاوِرَ) عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَاخْتِلَافِ الْآرَاءِ (الْفُقَهَاءَ) الْعُدُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ، وَلَا يُشَاوِرُ غَيْرَ عَالِمٍ وَلَا عَالَمًا غَيْرَ أَمِينٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُضِلُّهُ، وَإِذَا حَضَرُوا فَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ مَا عِنْدَهُمْ إذَا سَأَلَهُمْ، وَلَا يَبْتَدِرُونَ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يَجِبُ نَقْضُهُ كَمَا يَأْتِي، وَشَمَلَ ذَلِكَ مُشَاوِرَةَ مَنْ هُوَ دُونَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الْمَفْضُولِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْفَاضِلِ، وَتَحْرُمُ الْمُبَاحَثَةُ إنْ قَصَدَ بِهَا إينَاسَهُ وَإِلَّا فَلَا (وَأَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ) أَوْ يُعَامَلَ مَعَ وُجُودِ مَنْ يُوَكِّلُهُ (بِنَفْسِهِ) فِي عَمَلِهِ فَيُكْرَهُ لَهُ لِئَلَّا يُحَابِيَ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى بَيْعُهُ مِنْ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ، وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ، وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَلَا أَمْرِ ضَيْعَتِهِ بَلْ يَكِلُ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ (وَلَا يَكُونُ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ) لِئَلَّا يُحَابِيَ أَيْضًا، فَإِنْ عُرِفَ وَكِيلُهُ اسْتَبْدَلَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا عَقَدَ بِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ وَقَعَتْ خُصُومَةٌ لِمُعَامِلِهِ أَنَابَ فِي فَضْلِهَا.
(فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ) أَوْ وَهَبَهُ أَوْ ضَيَّفَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ وَأُلْحِقَ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي اتِّخَاذِهِ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مَعَ حَالَةٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَصْحُوبًا بِحَالَةٍ يُحْتَشَمُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: نَفَذَ قَضَاؤُهُ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَمَعَ ذَلِكَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشَاوِرُ غَيْرَ عَالِمٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَتَحْرُمُ الْمُبَاحَثَةُ) أَيْ مَعَ غَيْرِ الْأَمِيرِ (قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ بِهَا إينَاسَهُ) أَيْ إينَاسَ الْفَاسِقِ وَفِي نُسْخَةٍ امْتِحَانَهُ، وَعَلَيْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ رَاجِعًا لِلْفَاسِقِ (قَوْلُهُ: لَا يَنْظُرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَتْ خُصُومَةٌ لِمُعَامِلِهِ) أَيْ مَنْ عَقَدَ مَعَهُ بِنَفْسِهِ لِئَلَّا يُتَّهَمَ بِمُحَابَاتِهِ، وَقَوْلُهُ أَنَابَ: أَيْ نَدْبًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ ضَيْفُهُ) وَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي مِمَّنْ حَضَرَ ضِيَافَتَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِيهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ بِأَكْلِ الْحَاضِرِينَ مِنْ ضِيَافَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَحْضَرَهَا لِلْقَاضِي، وَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي سَائِرِ الْعُمَّالِ، وَمِنْهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ إحْضَارِ طَعَامٍ لِشَادِّ الْبَلَدِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُلْتَزِمِ أَوْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
اللَّائِقُ إبْدَالَ الْبَاءِ فِي بِأَنَّ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْكَرَاهَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ آخِرَ السِّوَادَةِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلْكَرَاهَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ سُرُورٍ) فِي هَذَا الْعَطْفِ تَسَاهُلٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى حَالَ غَضَبِهِ وَنَحْوِهِ نَفَذَ) تَقَدَّمَ هَذَا (قَوْلُهُ: الْمَعْلُومِ بِنَصٍّ) أَيْ وَلَوْ نَصَّ إمَامِهِ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ السَّلَمُ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا فِي حَلِّ الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ) سَيَأْتِي فِي هَذَا كَلَامُ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ
أَوْ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِأَنَّهُ سَيُخَاصِمُ وَلَوْ بَعْضًا لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ (أَوْ) مَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ وَ (لَمْ يُهْدِ) إلَيْهِ شَيْئًا (قَبْلَ وِلَايَتِهِ) أَوْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِهْدَاءِ لَهُ وَزَادَ عَلَيْهَا قَدْرًا يُحَالُ عَلَى الْوِلَايَةِ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ أَوْ صِفَةً فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ (قَبُولُهَا) وَلَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمَيْلَ إلَيْهِ فِي الْأُولَى وَيُحَالُ سَبَبُهَا عَلَى الْوِلَايَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ «هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» وَإِنَّمَا حَلَّتْ لَهُ صلى الله عليه وسلم الْهَدَايَا لِعِصْمَتِهِ، وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ أَحَلَّهَا لِمُعَاذٍ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ حَمَلَهَا إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي عَمَلِهِ، فَلَوْ جَهَّزَهَا لَهُ مَعَ رَسُولٍ وَلَا خُصُومَةَ لَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْحُرْمَةُ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ مَا لَمْ يَسْتَشْعِرْ بِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ لِخُصُومَةٍ، وَمَتَى بُذِلَ لَهُ مَالٌ لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ حُكْمٍ بِحَقٍّ فَهُوَ الرِّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا بِمَالٍ لَكِنَّهُ أَقَلُّ إثْمًا، «وَقَدْ لَعَنْ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» وَفِي رِوَايَةٍ:«وَالرَّائِشَ، وَهُوَ الْمَاشِي بَيْنَهُمَا» .
وَمَحَلُّهُ فِي رَاشٍ لِبَاطِلٍ.
أَمَّا مَنْ عَلِمَ أَخْذَ مَالِهِ بِبَاطِلٍ لَوْلَا الرِّشْوَةُ فَلَا ذَمَّ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ الرَّائِشِ حُكْمُ مُوَكِّلِهِ، فَإِنْ تَوَكَّلَ عَنْهُمَا عَصَى مُطْلَقًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ أَقَلَّ إثْمًا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَطَلَبُ أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ فَقَطْ وَإِلَّا جَازَ لَهُ طَلَبُهَا وَأَخْذُهَا عِنْدَ كَثِيرِينَ وَامْتَنَعَ عِنْدَ آخَرِينَ.
قِيلَ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَحْوَطُ (وَإِنْ كَانَ) مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ (يُهْدِي) إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ وَتَرَشُّحِهِ لَهَا لِنَحْوِ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُمْ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَانَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّكْرَارِ غَيْرَ مُرَادٍ (وَلَا خُصُومَةَ) لَهُ حَاضِرَةً وَلَا مُتَرَقَّبَةً (جَازَ) قَبُولُ هَدِيَّتِهِ إنْ كَانَتْ (بِقَدْرِ الْعَادَةِ) قِيلَ كَالْعَادَةِ لِيَعُمَّ الْوَصْفَ أَيْضًا أَوْلَى اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَدْرَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْكَيْفِ كَالْكَمِّ وَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهَا بَعْدَ التَّرَشُّحِ، أَوْ مَعَ الزِّيَادَةِ فَيَحْرُمُ قَبُولُ الْجَمِيعِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْوَصْفِ كَأَنْ اعْتَادَ إهْدَاءَ كَتَّانٍ فَأَهْدَى حَرِيرًا، فَإِنْ كَانَ فِي الْقَدْرِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا حَرُمَ الزَّائِدُ فَقَطْ، وَجَوَّزَ السُّبْكِيُّ فِي حَلَبِيَّاتِهِ قَبُولَ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ وَلَا عَادَةَ، وَخَصَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ بِمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْمُتَصَدِّقُ بِأَنَّهُ الْقَاضِي وَعَكْسُهُ، وَاعْتَمَدَهُ وَلَدُهُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِلَّا لَأَشْكَلَ بِمَا يَأْتِي فِي الضِّيَافَةِ، وَبَحَثَ غَيْرُهُ الْقَطْعَ بِحِلِّ أَخْذِهِ لِلزَّكَاةِ، وَيُتَّجَهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا ذُكِرَ، وَأَلْحَقَ الْحُسْبَانِيُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَنَافِعَ الْمُقَابَلَةَ بِمَالٍ عَادَةً كَسُكْنَى دَارٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَاسْتِعَارَةِ كِتَابِ عِلْمٍ وَأَكْلِهِ طَعَامَ بَعْضِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ ضَيْفًا كَقَبُولِ هَدِيَّتِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
وَأَمَّا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ عَمَلِهِ فَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهِ السُّبْكِيُّ وَالْمُتَّجَهُ فِيهِ وَفِي النَّذْرِ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ وَشَرَطْنَا الْقَبُولَ كَانَ كَالْهَدِيَّةِ لَهُ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى تَدْرِيسٍ هُوَ شَيْخُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْكَاتِبِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ لِخُصُومَةٍ) أَيْ فَيَحْرُمُ قَبُولُهَا وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ (قَوْلُهُ: وَتُرَشِّحُهُ) أَيْ تُهَيِّئُهُ (قَوْلُهُ: قِيلَ كَالْعَادَةِ) أَيْ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِهِ وَإِسْقَاطُ قَوْلِهِ بِقَدْرِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَتَمَيَّزْ فَكَذَلِكَ) أَيْ يَحْرُمُ الْجَمِيعُ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ الْقَاضِي وَعَكْسُهُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُنَا الْقَبُولُ) مُعْتَمَدٌ فِي الْوَقْفِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ) هَلَّا قِيلَ بِمِثْلِ هَذَا فِيمَا مَرَّ فِي مُعَامَلَتِهِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ أَقَلَّ إثْمًا إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ خَلَلٌ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: تَنْبِيهٌ مَحَلُّ قَوْلِنَا لَكِنَّهُ أَقَلُّ إثْمًا مَا إذَا كَانَ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَطَلَبُ أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ فَقَطْ جَازَ لَهُ طَلَبُهَا وَأَخْذُهَا عِنْدَ كَثِيرِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُجَابُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةَ، إذْ حَاصِلُهُ إنَّمَا هُوَ تَصْحِيحُ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: وَخَصَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ تَفْسِيرِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَدِّقُ عَارِفًا بِأَنَّهُ الْقَاضِي وَلَا الْقَاضِي عَارِفًا بِعَيْنِهِ فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ انْتَهَتْ
فَإِنْ عُيِّنَ بِاسْمِهِ امْتَنَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ عَنْ دَيْنِهِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا أَدَاؤُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، بِخِلَافِهِ بِإِذْنِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ الرُّجُوعِ.
وَبَحَثَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ أَنَّ خُلَعَ الْمُلُوكِ الَّتِي مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَيْسَتْ كَالْهَدِيَّةِ بِشَرْطِ اعْتِيَادِهَا لِمِثْلِهِ وَأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِهَا قَلْبُهُ عَنْ التَّصْمِيمِ عَنْ الْحَقِّ وَسَائِرُ الْعُمَّالِ مِثْلُهُ فِي نَحْوِ الْهَدِيَّةِ لَكِنَّهُ أَغْلَظُ، وَلَا يُلْتَحَقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذُكِرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ وَمُعَلِّمُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ، وَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ مِنْ الْإِفْتَاءِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ لِيَكُونَ عَمَلُهُمْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِمْ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ فَالْأَوْلَى الْقَبُولُ.
وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ لِيُرَخِّصَ فِي الْفَتْوَى فَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ بَاطِلٍ فَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ يُبَدِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَشْتَرِي بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً (وَالْأَوْلَى) لِمَنْ جَازَ لَهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ (أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا) أَوْ يَرُدَّهَا لِمَالِكِهَا أَوْ يَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَسَدُّ بَابِ الْقَبُولِ مُطْلَقًا أَوْلَى حَسْمًا لِلْبَابِ.
(وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) وَلَا سَمَاعُهُ شَهَادَةً (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ تَعْزِيرُ مَنْ أَسَاءَ أَدَبَهُ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ كَحَكَمْتَ عَلَيَّ بِالْجَوْرِ لِئَلَّا يُسْتَخَفَّ وَيُسْتَهَانَ بِهِ فَلَا يُسْمَعُ حُكْمُهُ، وَلَهُ الْحُكْمُ لِمَحْجُورِهِ وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ تَضَمَّنَ حُكْمُهُ اسْتِيلَاءَهُ عَلَى الْمَالِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَتَصَرُّفَهُ فِيهِ، وَكَذَا بِإِثْبَاتِ وَقْفٍ شُرِطَ نَظَرُهُ لِقَاضٍ هُوَ بِصِفَتِهِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ حُكْمُهُ وَضْعَ يَدِهِ عَلَيْهِ وَبِإِثْبَاتِ مَالٍ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ يُرْزَقُ مِنْهُ، وَإِفْتَاءُ الْعَلَمِ الْبُلْقِينِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمُ بِمَا أَجْرُهُ هُوَ أَوْ مَأْذُونُهُ مِنْ وَقْفٍ هُوَ نَاظِرُهُ يُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فَصَّلَهُ الْأَذْرَعِيُّ حَيْثُ قَالَ: الظَّاهِرُ مَنْعُهُ لِمَدْرَسَةٍ هُوَ مُدَرِّسُهَا، وَوَقْفٍ نَظَرُهُ لَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَيَكُونُ كَالْوَصِيِّ، وَرَدَّ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَاضِي أَوْلَى مِنْ الْوَصِيِّ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
دُونَ النَّذْرِ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ) أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْعُمَّالِ) وَمِنْهُمْ مَشَايِخُ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ وَمُبَاشَرَةُ الْأَوْقَافِ وَكُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْلِمِينَ.
(قَوْلُهُ: وَإِفْتَاءُ الْعِلْمِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَرَدَّ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ) هُوَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ) أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْغَايَةِ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ وَقْفٍ هُوَ نَاظِرُهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ بِأَنَّ هَذَا مُتَبَرِّعٌ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ مُتَبَرِّعًا أَيْضًا صَحَّ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: شَرَطَ نَظَرَهُ لِقَاضٍ هُوَ بِصِفَتِهِ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: يَخْرُجُ مَا لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لَهُ بِخُصُوصِهِ، قَالَ: وَيُنَاسِبُهُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ الْآتِي وَوَقْفُ نَظَرِهِ لَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا فَصَّلَهُ الْأَذْرَعِيُّ) عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: هَلْ يُحْكَمُ لَهُ لِجِهَةِ وَقْفٍ كَانَ نَاظِرَهَا الْخَاصَّ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَلِمَدْرَسَةٍ هُوَ مُدَرِّسُهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ تَفَقُّهًا لَا نَقْلًا الْمَنْعُ إذْ هُوَ الْخَصْمُ وَحَاكِمٌ لِنَفْسِهِ وَشَرِيكُهُ، فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالنَّظَرِ فَكَوَلِيِّ الْيَتِيمِ انْتَهَتْ.
فَقَوْلُهُ إذْ هُوَ الْخَصْمُ تَعْلِيلٌ لِمَسْأَلَةِ النَّظَرِ وَقَوْلُهُ وَحَاكِمٌ لِنَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ تَعْلِيلٌ لِمَسْأَلَةِ التَّدْرِيسِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ كَالْوَصِيِّ) أَيْ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ مُدَرِّسًا أَوْ نَاظِرًا قَبْلَ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَرَدَّ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ) أَيْ إفْتَاءَ الْعَلَمِ الْبُلْقِينِيِّ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ الْحَمْلِ الْمَارِّ نَصُّهَا: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ رَدِّ بَعْضِهِمْ لِكَلَامِ الْعَلَمِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الرَّدَّ يُشِيرُ لِتَفْصِيلِ الْأَذْرَعِيِّ لَا مُخَالِفَ لَهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ كَالتُّحْفَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا رَدَّ إفْتَاءَ الْعَلَمِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ النَّظَرُ لِلْقَاضِي بِوَصْفِ الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى الْوَقْفِ بِجِهَةِ الْقَضَاءِ تَزُولُ بِانْعِزَالِهِ، فَهَذَا الرَّادُّ مُوَافِقٌ لِلْعِلْمِ عَلَى الْمَنْعِ فِيمَا الْقَاضِي نَاظِرٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ.
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْأَذْرَعِيِّ وَمَسْأَلَةِ الْعَلَمِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَلَمِ حَاكِمٌ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ مَأْذُونِهِ وَهُوَ الْإِيجَارُ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَذْرَعِيِّ، وَقَدْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ نَفْسَهُ قُبَيْلَ مَا مَرَّ عَنْهُ عَنْ شَرْحِ الرُّويَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي الْوَصِيُّ لِلطِّفْلِ مَثَلًا بِدَيْنٍ كَانَ لِأَبِيهِ فَيَصِحُّ، وَبَيْنَ
وِلَايَتَهُ عَلَى الْوَقْفِ بِجِهَةِ الْقَضَاءِ تَزُولُ بِانْعِزَالِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَالتُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ أَقْوَى، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَهِدَ الْقَاضِي بِمَالٍ لِلْوَقْفِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ قُبِلَ أَوْ الْوَصِيُّ بِمَالٍ لِمُوَلِّيهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ (وَرَقِيقُهُ) لِذَلِكَ نَعَمْ لَهُ الْحُكْمُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ قَبْلَ رِقِّهِ بِأَنْ جَنَى مُلْتَزِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ ثُمَّ حَارَبَ وَأُرِقَّ وَيُوقَفُ مَا ثَبَتَ لَهُ حِينَئِذٍ إلَى عِتْقِهِ، فَإِنْ مَاتَ قِنًّا صَارَ فَيْئًا، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، قَالَ: وَكَذَا لِمَنْ وَرِثَ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ الْحُكْمُ بِكَسْبِهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَشَرِيكُهُ) أَوْ شَرِيكُ مُكَاتَبِهِ (فِي الْمُشْتَرَكِ) لِذَلِكَ أَيْضًا، نَعَمْ لَوْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِهِ جَازَ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ وَإِلَّا فَالتُّهْمَةُ مَوْجُودَةٌ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ وَهِيَ كَافِيَةٌ (وَكَذَا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ) وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ فَكَانُوا كَنَفْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ لَهُمْ قَطْعًا.
أَمَّا حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ فَيَجُوزُ عَكْسُ الْعَدُوِّ، وَحُكْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارٌ لَا حُكْمٌ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ وَلَهُ تَنْفِيذُ حُكْمِ بَعْضِهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَنْفُذُ لِأَنَّ الْقَاضِي أَسِيرُ الْبَيِّنَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِيهِ تُهْمَةٌ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ (وَيَحْكُمُ لَهُ وَلِهَؤُلَاءِ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ) مُسْتَقِلٌّ إذْ لَا تُهْمَةَ (وَكَذَا نَائِبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) كَبَقِيَّةِ الْحُكَّامِ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ مِنْ نَائِبِهِ لِلتُّهْمَةِ.
(وَإِذَا) ادَّعَى عِنْدَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ (أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي) أَوْ أَوْ حَلَفَ مِنْ غَيْرِ نُكُولٍ بِأَنْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ لِنَحْوِ لَوْثٍ أَوْ إقَامَةِ شَاهِدٍ مَعَ إرَادَةِ الْحَلِفِ مَعَهُ (وَسَأَلَ) الْمُدَّعِي (الْقَاضِيَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ أَوْ يَمِينِهِ أَوْ) سَأَلَ (الْحُكْمَ) لَهُ عَلَيْهِ (بِمَا ثَبَتَ وَالْإِشْهَادَ بِهِ)(لَزِمَهُ) إجَابَتُهُ لِمَا ذُكِرَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْإِشْهَادَ لِيَكُونَ حُجَّةً لَهُ فَلَا يُطَالِبُهُ مَرَّةً أُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ بَعْدُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ لِنَحْوِ نِسْيَانِ الْقَاضِي أَوْ انْعِزَالِهِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ وَسَأَلَهُ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ بِقَبُولِهَا لَزِمَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتَ حَقِّهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ سَأَلَ مَا إذَا لَمْ يَسْأَلْهُ لِامْتِنَاعِ الْحُكْمِ لِلْمُدَّعِي قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ فِيهِ كَامْتِنَاعِهِ قَبْلَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إلَّا فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ وَصِيغَةُ الْحُكْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي هُوَ الْإِلْزَامُ النَّفْسَانِيُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الْوِلَايَةِ حَكَمْت أَوْ قَضَيْت لَهُ بِهِ أَوْ أَنَفَذْت الْحُكْمَ بِهِ أَوْ أَلْزَمْت خَصْمَهُ الْحَقَّ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا عُدِّلَتْ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ إلَّا بِطَلَبِ الْمُدَّعِي، فَإِذَا طَلَبَهُ قَالَ لِخَصْمِهِ أَلَك دَافِعٌ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَوْ قَادِحٌ، فَإِنْ قَالَ لَا أَوْ نَعَمْ وَلَمْ يُثْبِتْهُ حَكَمَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا أَوْ صَحَّ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مُتَوَقِّفًا عَلَى الدَّعْوَى سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّابِتُ الْحَقَّ أَمْ سَبَبَهُ، فَإِنْ صَرَّحَ بِالثُّبُوتِ كَانَ حُكْمًا بِتَعْدِيلِهَا وَسَمَاعِهَا فَلَا يَحْتَاجُ حَاكِمٌ آخَرُ إلَى النَّظَرِ فِيهَا، وَأَفَادَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي وَقْفُ هَذَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَمُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ حَارَبَ) أَيْ الذِّمِّيُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ الْكَسْبَ الْحَاصِلَ قَبْلَ الْعِتْقِ لِلرَّقِيقِ وَالْكَسْبَ الْحَاصِلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالْحُكْمِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مَا لَوْ حَكَمَ لَهُ بِدَيْنٍ ثَبَتَ بِمُعَامَلَتِهِ فَلَا يَصِحُّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَالتُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ) أَيْ الْوَصِيِّ أَقْوَى: أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّحْنَا حُكْمَهُ فَالْقَاضِي الْمَذْكُورُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لِمَنْ وَرِثَ مُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ إلَخْ) أَيْ لِقَاضِي وَرِثَ عَبْدًا مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ لِآخَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِالْكَسْبِ فَمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ كَمَا تَقَرَّرَ مَعْمُولٌ لِوَرِثَ (قَوْلُهُ: وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ.
(قَوْلُهُ: كَامْتِنَاعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ الَّذِي هُوَ الْإِلْزَامُ النَّفْسَانِيُّ) أَخَذَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ تَفْسِيرِ الْحُكْمِ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِنَفْسِهِ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِنَقْضِ الْمُخَالِفِ.
قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَعْدَ حُكْمِ الْمُخَالِفِ يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ.
قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَشْهَدَ بِهِ قَبْلَ حُكْمِ الْمُخَالِفِ لَمْ يُعْتَدَّ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ وَإِلَّا اعْتَدَّ بِهِ اهـ.
فَالشِّهَابُ مُوَافِقٌ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَأْثِيرِ الْحُكْمِ النَّفْسَانِيِّ فِي رَفْعِهِ الْخِلَافَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَظَرَ فِي كَلَامِهِ مِنْ جِهَةِ قَبُولِ قَوْلِ الْقَاضِي حَكَمْتُ فِي نَفْسِي مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ (قَوْلُهُ: حَكَمَ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ وَجَدَ فِيهَا رِيبَةً لَيْسَ لَهَا مُسْتَنَدٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي التُّحْفَةِ
عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ الشَّاهِدِ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ سَبَبِهِ كَوَقْفِ فُلَانٍ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى نَظَرٍ آخَرَ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِي شُرُوطِهِ، وَيَجُوزُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَلَا حَلِفٍ فِي نَحْوِ غَائِبٍ، بِخِلَافِ تَنْفِيذِ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ فِيهَا فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْأَقْرَبُ جَوَازُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَنْفِيذَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْ الْمُنَفِّذِ إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحُكْمِ عِنْدَنَا وَإِلَّا كَانَ إثْبَاتًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي بَابِ الْهِبَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَالْأَوَّلُ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ الْمَوْجُودَةَ وَالتَّابِعَةَ لَهَا: بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ فَقَطْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِمِلْكِ الْعَاقِدِ مَثَلًا، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَذَا إلَّا بِحُجَّةٍ تُفِيدُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَلَوْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ اسْتَنَدَ لِحُجَّةٍ أَوْ لَا حَمَلْنَا حُكْمَهُ عَلَى الِاسْتِنَادِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي قَاضٍ مَوْثُوقٍ بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ كَكُلِّ حُكْمٍ أُجْمِلَ وَلَمْ يُعْلَمْ اسْتِيفَاؤُهُ لِشُرُوطِهِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا مِمَّنْ ذُكِرَ (أَوْ) سَأَلَهُ الْمُدَّعِي وَمِثْلُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ (أَنْ يَكْتُبَ لَهُ) بِقِرْطَاسٍ أَحْضَرَهُ مِنْ عِنْدِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (مَحْضَرًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ (بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَوْ سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ اُسْتُحِبَّ إجَابَتُهُ) لِأَنَّهُ يَذْكُرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِالشُّهُودِ دُونَ الْكِتَابِ (وَقِيلَ يَجِبُ) تَوْثِقَةً لِحَقِّهِ، نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَتْ الْحُكُومَةُ بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَجَبَ التَّسْجِيلُ جَزْمًا، وَأَلْحَقَ بِهِمَا الزَّرْكَشِيُّ الْغَائِبَ وَنَحْوَ الْوَقْفِ مِمَّا يُحْتَاطُ لَهُ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَحْضَرَ مَا تُحْكَى فِيهِ وَاقِعَةُ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ وَسَمَاعُ الْبَيِّنَةِ بِلَا حُكْمٍ، وَالسِّجِلُّ مَا تَضَمَّنَ إشْهَادَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا أَوْ نَفَّذَهُ (وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ) أَيْ كِتَابَتُهُمَا (إحْدَاهُمَا) تُدْفَعُ (لَهُ) بِلَا خَتْمٍ (وَالْأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ) مَخْتُومَةً وَيُكْتَبُ عَلَيْهَا اسْمُ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ طَرِيقُ التَّذَكُّرِ لَوْ ضَاعَتْ تِلْكَ.
(وَإِذَا)(حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ (ثُمَّ بَانَ) كَوْنُ مَا حَكَمَ بِهِ (خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ) الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ الْآحَادِ (أَوْ) بَانَ خِلَافَ (الْإِجْمَاعِ) وَمِنْهُ مَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ (أَوْ) خِلَافُ (قِيَاسٍ جَلِيٍّ) وَهُوَ مَا يَعُمُّ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِيَ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَوْ خَالَفَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ: أَيْ قَطْعًا، فَلَا نَظَرَ لِمَا بَنَوْهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النَّقْضِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ قَالَ بِهَا غَيْرُهُمْ بِأَدِلَّةٍ عِنْدَهُمْ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: أَوْ خَالَفَ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ لِأَنَّهَا كَالْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ (نَقَضَهُ) وُجُوبًا أَيْ أَظْهَرَ بُطْلَانَهُ وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ (هُوَ وَغَيْرُهُ) بِنَحْوِ نَقَضْته أَوْ فَسَخْته أَوْ أَبْطَلْته (لَا) مَا بَانَ خِلَافَ قِيَاسِ (خَفِيٍّ) وَهُوَ مَا لَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ كَقِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ فَلَا يَنْقُضُهُ بِاحْتِمَالِهِ (وَالْقَضَاءُ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ، بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ تَنْفِيذًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ كَاذِبَيْنِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ بَاطِنًا لِمَالٍ، وَلَا لِبَضْعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ الْوَقْفِ) كَالْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ) أَيْ أَقْدَرَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ حُكْمًا) أَيْ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ (قَوْلُهُ: كَوَقْفِ فُلَانٍ) هُوَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: أَوْ فَائِدَتُهُ تَأْكِيدُ حُكْمِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْ الْمَنْفَذِ) أَيْ وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ تَقَدُّمُ دَعْوَى (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحُكْمِ) أَيْ بِأَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَعْوَى وَطَلَبٌ مِنْ الْخَصْمِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ) أَيْ بِالصِّحَّةِ
(قَوْلُهُ: فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً بِأَنْ كَانَ إمْضَاءً لِمَا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ (قَوْلُهُ: أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ) أَيْ أَبْلَغُ وَأَعْلَمُ
لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» وَخَبَرُ «أُمْرِنَا بِاتِّبَاعِ الظَّوَاهِرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» لَكِنْ قَالَ الْمِزِّيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ: لَا أَعْرِفُهُ، وَيَلْزَمُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ كَاذِبٍ الْهَرَبُ، بَلْ وَالْقَتْلُ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ كَالصَّائِلِ عَلَى الْبَضْعِ، وَلَا نَظَرَ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَتَهُ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الصَّبِيِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ.
أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلُّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ كَالتَّسْلِيطِ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ كَشَهَادَةِ زُورٍ فَكَالْأَوَّلِ أَوْ صَادِقٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ نَفَذَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَالْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ نَفَذَ ظَاهِرًا قَطْعًا وَبَاطِنًا عَلَى الْأَصَحِّ، نَعَمْ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَمُدَّةِ الْعِدَّةِ أَوْ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَنَفْيِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَمَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْمُثَقَّلِ وَصِحَّةِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَصِحَّةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ وَتَوْرِيثٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أَوْ بِاسْتِحْسَانِ فَاسِدٍ اسْتِنَادًا لِعَادَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ نُقِضَ قَضَاؤُهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ.
وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(وَلَا يَقْضِي) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ (بِخِلَافِ عِلْمِهِ) أَيْ ظَنِّهِ الْمُؤَكَّدِ (بِالْإِجْمَاعِ) كَمَا لَوْ شَهِدَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ بِرِقٍّ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ مَنْ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ أَوْ بَيْنُونَتَهَا أَوْ عَدَمَ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ بِبُطْلَانِ الْحُكْمِ بِهِ حِينَئِذٍ، وَالْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعِلْمِهِ لِمُعَارَضَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ مَعَ عَدَالَتِهَا ظَاهِرًا (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ وُجُوبًا الظَّاهِرُ التَّقْوَى وَالْوَرَعُ نَدْبًا (يَقْضِي بِعِلْمِهِ) إنْ شَاءَ: أَيْ بِظَنِّهِ الْمُؤَكَّدِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَفَادَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ كَأَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَهُ بِمَالٍ وَقَدْ رَآهُ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ أَوْ سَمِعَهُ يُقِرُّ بِهِ لَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ الْإِبْرَاءَ وَغَيْرَهُ، وَلَوْ سَمِعَ دَائِنًا أَبْرَأَ مَدِينَهُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ مَعَ إبْرَائِهِ دَيْنُهُ بَاقٍ عَلَيَّ عَمِلَ بِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْعِلْمِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْإِبْرَاءِ رَافِعٌ لَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُصَرِّحَ بِمُسْتَنَدِهِ فَيَقُولُ عَلِمْت أَنَّ لَهُ عَلَيْك مَا ادَّعَاهُ وَقَضَيْت أَوْ حَكَمْت عَلَيْك بِعِلْمِي، فَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ عُلِّلَ بِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ قَطْعًا، وَكَذَا عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِمَجْلِسِهِ: أَيْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ، لَكِنَّهُ قَضَاءٌ بِالْإِقْرَارِ دُونَ الْعِلْمِ، فَإِنْ أَنْكَرَ كَانَ قَضَاءً بِالْعِلْمِ، وَلَوْ رَأَى وَحْدَهُ هِلَالَ رَمَضَانَ قَضَى بِهِ قَطْعًا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ بِوَاحِدٍ، أَمَّا قَاضِي الضَّرُورَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ قَضَيْت بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ بِذَلِكَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بَلْ وَالْقَتْلُ) وَمِثْلُهُ مَنْ عَرَفَتْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْخَلَاصُ مِنْهُ (قَوْلُهُ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ بِسُمٍّ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا (قَوْلُهُ: فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ كَالْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ الَّذِي يَنْقُضُهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَضَى قَاضٍ) كَانَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقُولَ: وَمِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ الْحُكْمُ لِمُخَالَفَتِهِ مَا مَرَّ مَا لَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بَاقٍ عَلَيَّ عَمَلٌ بِهِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَأَقَرَّ الدَّائِنُ بِوُصُولِ حَقِّهِ لَهُ مِنْ الْمَدِينِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ بَلَغَ الْمَدِينَ ذَلِكَ فَقَالَ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَإِنَّهُ أَقَرَّ تَجَمُّلًا مَعَ بَقَاءِ حَقِّهِ بِذِمَّتِي وَأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنِّي شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَدِينِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الدَّائِنِ وَصَلَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى رَسْمِ الْقُبَالَةِ مَثَلًا، أَوْ إنْ وَصَلَنِي عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ وَعَدَ بِالْإِيصَالِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: رَافِعٌ لَهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلِاعْتِرَافِ مِنْ الْمَدِينِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عَلَيَّ:
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ إنْشَاءً كَالتَّسْلِيطِ عَلَى الشُّفْعَةِ الْآتِي (قَوْلُهُ: ثَانِيًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُقْسِمُ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَفَادَهُ) أَيْ الْعِلْمَ (قَوْلُهُ أَبْرَأَ مَدِينَهُ) وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْهُ شَيْخُنَا فِي حَادِثَةٍ حَكَاهَا فِي حَوَاشِيهِ (قَوْلُهُ: فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ) لَعَلَّهُ مِثَالٌ (قَوْلُهُ رَافِعٌ لَهُ) قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلِاعْتِرَافِ مِنْ الْمَدِينِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عَلَيَّ: أَيْ نَظِيرُهُ بِأَنْ تَجَدَّدَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَالْبَرَاءَةُ بَعْدَ وُقُوعِهَا لَا تَرْتَفِعُ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ) يَعْنِي مُطْلَقَ قَاضٍ فِي أَيِّ حُكْمٍ كَانَ كَمَا مَرَّ
وَطُلِبَ مِنْهُ بَيَانُ مُسْتَنَدِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ امْتَنَعَ رَدَدْنَاهُ وَلَمْ نَعْمَلْ بِهِ كَمَا أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) كَحَدِّ زِنًا وَمُحَارَبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبٍ، وَكَذَا تَعَازِيرُهُ لِسُقُوطِهَا بِالشُّبْهَةِ مَعَ نَدْبِ سَتْرِهَا فِي الْجُمْلَةِ، نَعَمْ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ مَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا عَزَّرَهُ وَإِنْ كَانَ قَضَاءً بِالْعِلْمِ، وَقَدْ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، كَمَا إذَا عَلِمَ مِنْ مُكَلَّفٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ أَظْهَرَ الرِّدَّةَ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمُوجِبِ ذَلِكَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَمَا إذَا اعْتَرَفَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِمُوجِبِ حَدٍّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ فَيَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ، وَكَمَا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، أَمَّا حُدُودُ الْآدَمِيِّينَ فَيَقْضِي فِيهَا سَوَاءٌ الْمَالُ وَالْقَوَدُ وَحَدُّ الْقَذْفِ.
(وَلَوْ)(رَأَى) إنْسَانٌ (وَرَقَةً فِيهَا حُكْمُهُ أَوْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَهِدَ) عَلَيْهِ أَوْ أَخْبَرَهُ (شَاهِدَانِ أَنَّك حَكَمْت أَوْ شَهِدْت بِهَذَا)(لَمْ يَعْمَلْ بِهِ) الْقَاضِي (وَلَمْ يَشْهَدْ) بِهِ الشَّاهِدُ أَيْ لَا يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ (حَتَّى يَتَذَكَّرَ) الْوَاقِعَةَ مُفَصَّلَةً، وَلَا يَكْفِيهِ بِذِكْرِهِ هَذَا خَطُّهُ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ وَالْغَرَضُ عِلْمُ الشَّاهِدِ وَلَمْ يُوجَدْ وَخَرَجَ بِيَعْمَلُ بِهِ عَمَلَ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ بِحُكْمِهِ (وَفِيهِمَا وَجْهٌ) إذَا كَانَ الْحُكْمُ وَالشَّهَادَةُ مَكْتُوبَيْنِ (فِي وَرَقَةٍ مَصُونَةٍ عِنْدَهُمَا) وَوَثِقَ بِأَنَّهُ خَطُّهُ وَلَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ فِيهِ رِيبَةٌ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَرْقِ لِاحْتِمَالِ الرِّيبَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله عَلَى جَوَازِ اعْتِمَادِهِ لِلْبَيِّنَةِ فِيمَا لَوْ نَسْي نُكُولَ الْخَصْمِ، لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَصْفِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالنُّكُولِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَأَفَادَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ قَضَائِهِ يَكْتُبُ عَلَى مَا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ مَالِكُهُ وَيَأْمُرْ بِأَنْ لَا يُعْطَى لَهُ بَلْ يَحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ لِيَرَاهُ كُلُّ قَاضٍ.
(وَلَهُ)(الْحَلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ حَقٍّ أَوْ أَدَائِهِ اعْتِمَادًا عَلَى) إخْبَارِ عَدْلٍ وَعَلَى (خَطِّ) نَفْسِهِ عَلَى الْمُرَجَّحِ وَعَلَى نَحْوِ خَطِّ مُكَاتَبِهِ وَمَأْذُونِهِ وَوَكِيلِهِ وَشَرِيكِهِ وَ (مُورَثِهِ إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ) بِحَيْثُ انْتَفَى عَنْهُ احْتِمَالُ تَزْوِيرِهِ (وَأَمَانَتِهِ) بِأَنْ عَلِمَ مِنْهُ عَدَمَ التَّسَاهُلِ فِي شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اعْتِضَاضًا بِالْقَرِينَةِ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مِثْلَهُ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيَّ كَذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِدَفْعِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ عَلَى نَفْيِهِ وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ خَطَرَهُمَا عَامٌّ بِخِلَافِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِنَفْسِهِ (وَالصَّحِيحُ جَوَازُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِخَطٍّ) كَتَبَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ قِرَاءَةً وَلَا سَمَاعًا وَلَا إجَازَةً (مَحْفُوظٍ عِنْدَهُ) أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ لِأَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ وَلِهَذَا عَمِلَ بِهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَلَوْ رَأَى خَطَّ شَيْخِهِ لَهُ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَعَرَفَهُ جَازَ اعْتِمَادُهُ أَيْضًا.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ كَالشَّهَادَةِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ نَظِيرُهُ بِأَنْ تَجَدَّدَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَالْبَرَاءَةُ بَعْدَ وُقُوعِهَا لَا تَرْتَفِعُ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ) أَيْ عِلْمُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعَ) أَيْ مِنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ نَعَمْ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ إلَخْ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ تَعْزِيرُ مَنْ أَسَاءَ أَدَبَهُ عَلَيْهِ إلَخْ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ تَكْرَارًا لِأَنَّ مَا هُنَا قَصَدَ بِهِ بَيَانَ الْحُكْمِ وَمَا تَقَدَّمَ سِيقَ لِمُجَرَّدِ الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: وَكَمَا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ مُوجِبُ الْحَدِّ كَأَنْ شَرِبَ خَمْرًا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ: يَكْتُبُ عَلَى مَا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ) أَيْ فَيَنْبَغِي لِمَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ الْقُضَاةِ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهُ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى خَطِّ نَفْسِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ (قَوْلُهُ بِأَنَّ خَطَرَهُمَا عَامٌّ) أَيْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ الْحَلِفُ عَلَى إلَخْ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ مَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا عَزَّرَهُ) ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّ هَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: وَكَمَا إذَا ظَهَرَ) أَيْ مُوجِبُ الْحَدِّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ) لَكِنَّ الْحُكْمَ هُنَا لَيْسَ بِالْعِلْمِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ قَرِيبًا
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ شَهِدْت بِهَذَا) أَيْ تَحَمَّلْتُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى.