الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسْرِ وَأَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ
(نِسَاءُ الْكُفَّارِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِتَابٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، أَوْ كُنَّ حَامِلَاتِ مُسْلِمٍ، وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُرْتَدَّاتِ (وَصِبْيَانِهِمْ) وَمَجَانِينِهِمْ حَالَةَ الْأَسْرِ، وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُمْ مُتَقَطِّعًا (إذَا أُسِرُوا رُقُّوا) بِنَفْسِ الْأَسْرِ فَخُمُسُهُمْ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَبَاقِيهِمْ لِلْغَانِمِينَ (وَكَذَا الْعَبِيدُ) وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ يُرَقَّوْنَ بِالْأَسْرِ: أَيْ يُسْتَدَامُ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الرِّقِّ الْمُنْتَقِلِ إلَيْنَا فَيُخَمِّسُونَ أَيْضًا، وَكَالْعَبْدِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُبَعَّضُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِهِ الْقِنُّ، وَأَمَّا بَعْضُهُ الْحُرُّ فَيَتَّجِهُ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الرِّقِّ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ، وَقَدْ أَطْلَقُوا جَوَازَ إرْقَاقِ بَعْضِ شَخْصٍ فَيَأْتِي فِي بَاقِيهِ مَا تَقَرَّرَ مِنْ مَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ، وَلَوْ قُتِلَ قِنٌّ أَوْ أُنْثَى مُسْلِمًا وَرَأَى الْإِمَامُ قَتْلَهُمَا مَصْلَحَةً تَنْفِيرًا عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ جَازَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ لَا قَوَدَ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَلِمَا فِي قَتْلِهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الْغَانِمِينَ (وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ) أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ (فِي) الذُّكُورِ (الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ) أَيْ الْمُكَلَّفِينَ إذَا أُسِرُوا (وَيَفْعَلُ) وُجُوبًا (الْأَحَظَّ لِلْمُسْلِمِينَ) بِاجْتِهَادِهِ لَا بِالتَّشَهِّي (مِنْ قَتْلٍ) بِضَرْبِ الْعُنُقِ لَا غَيْرُ لِلِاتِّبَاعِ (وَمَنٍّ) عَلَيْهِمْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ بِلَا مُقَابِلٍ (وَفِدَاءٍ بِأَسْرَى) مِنَّا أَوْ مِنْ الذِّمِّيِّينَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ وَاحِدًا فِي مُقَابَلَةِ جَمْعٍ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ (أَوْ مَالٍ) فَيُخَمَّسُ وُجُوبًا أَوْ بِنَحْوِ سِلَاحِنَا وَيُفَادِي سِلَاحَهُمْ بِأَسْرَانَا فِي الْأَوْجَهِ لَا بِمَالٍ مَا لَمْ تَظْهَرْ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ ظُهُورًا تَامًّا لَا رِيبَةَ فِيهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْعِ بَيْعِ السِّلَاحِ لَهُمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي حُكْمِ الْأَسْرِ وَأَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: وَأَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَتَبْسِيطِ الْغَانِمِينَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ) أَيْ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ مِنْهُمْ النِّسَاءُ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُرْتَدَّاتِ) أَيْ أَمَّا هُنَّ فَلَا يُضْرَبُ عَلَيْهِنَّ الرِّقُّ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُتَنَقِّلَةِ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ، وَظَاهِرُ اسْتِثْنَائِهِ الْمُرْتَدَّاتِ فَقَطْ أَنَّ الْمُتَنَقِّلَةَ يُضْرَبُ عَلَيْهَا الرِّقُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ وَمَجَانِينُهُمْ) خَرَجَ بِهِمْ الْمُغْمَى عَلَيْهِمْ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَتَخَيَّرُ فِيهِمْ وَإِنْ زَادَتْ مُدَّةُ إغْمَائِهِمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) أَيْ بِأَنْ أَسْلَمُوا فِي يَدِهِمْ (قَوْلُهُ: يُسْتَدَامُ عَلَيْهِمْ) فِي النَّاشِرِيِّ مَا نَصُّهُ: هَلْ يُتَصَوَّرُ الرِّقُّ فِي الرَّقِيقِ أَمْ لَا، وَيَكُونُ كَتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؟ الْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ هَذَا الرَّقِيقَ هَلْ اُسْتُدِيمَ رِقُّهُ أَوْ زَالَ وَخَلَفَهُ رِقٌّ آخَرُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي جَوَابُ السُّؤَالِ، وَفَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ يَأْتِي اللَّهُ بِهَا قَالَهُ ابْنُ الْخَيَّاطِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَقَوْلُ سم: وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي جَوَابُ السُّؤَالِ وَهُوَ أَنْ يُتَصَوَّرَ الرِّقُّ فِي الرَّقِيقِ، لَكِنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ إرْقَاقِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِزَوَالِ الرِّقِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَخَلَفَهُ رِقٌّ آخَرُ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ إرْقَاقُ الرَّقِيقِ حَالَ رِقِّهِ (قَوْلُهُ أَوْ فِدَاءٍ) أَيْ لَا الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِضَرْبِ الرِّقِّ عَلَى بَعْضِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قُتِلَ قِنٌّ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: لَا غَيْرُ) أَيْ مِنْ نَحْوِ تَغْرِيقٍ أَوْ تَمْثِيلٍ (قَوْلُهُ: وَفِدَاءٍ بِأَسْرَى) أَيْ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ خَنَاثَى اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْهُمْ) أَيْ الذِّمِّيِّينَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسْرِ وَأَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ]
فَصْلٌ) فِي حُكْمِ الْأَسْرِ (قَوْلُهُ: وَمَجَانِينُهُمْ حَالَةَ الْأَسْرِ إلَخْ) أَيْ مَنْ اتَّصَفُوا بِالْجُنُونِ الْحَقِيقِيِّ حَالَةَ الْأَسْرِ وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُمْ مُتَقَطِّعًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) أَيْ بِأَنْ أَسْلَمُوا عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلِمَا فِي قَتْلِهِ إلَخْ) لَعَلَّهُ سَقَطَ لَفْظُ لَا نَظَرَ بَيْنَ الْوَاوِ وَمَدْخُولِهَا، فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ: وَلَا نَظَرَ لِمَا فِي قَتْلِهِ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَظْهَرْ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ يُفَادَى سِلَاحُهُمْ بِأَسْرَانَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ
الْمَصْلَحَةِ
مُطْلَقًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي مُفَادَاتِهِ بِالْمَالِ زِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ الْمَصْلَحَةِ أَنْ تَظْهَرَ ظُهُورًا تَامًّا
مُطْلَقًا بِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ إعَانَتَهُمْ ابْتِدَاءً مِنْ الْآحَادِ فَلَمْ يُنْظَرْ فِيهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَهَذَا أَمْرٌ فِي الدَّوَامِ فَجَازَ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ إلَى الْمَصْلَحَةِ (وَاسْتِرْقَاقٍ) وَلَوْ لِنَحْوِ وَثَنِيٍّ وَعَرَبِيٍّ وَبَعْضِ شَخْصٍ فَتُخَمَّسُ رِقَابُهُمْ أَيْضًا (فَإِنْ خَفِيَ) عَلَيْهِ (الْأَحَظُّ) حَالًا (حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ) لَهُ الصَّوَابُ فَيَفْعَلَهُ
(وَقِيلَ لَا يُسْتَرَقُّ وَثَنِيُّ) كَمَا لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ وَرُدَّ بِظُهُورِ الْفَرْقِ (وَكَذَا عَرَبِيٌّ فِي قَوْلٍ) لِخَبَرٍ فِيهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ وَاهٍ، وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا غَيْرَ كَامِلٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، أَوْ كَامِلًا قَبْلَ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِيهِ الْإِمَامُ شَيْئًا عُزِّرَ فَقَطْ
(وَلَوْ)(أَسْلَمَ أَسِيرٌ) كَامِلٌ أَوْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ فِيهِ شَيْئًا (عُصِمَ دَمُهُ) لِلْخَبَرِ الْآتِي، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَالَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْصِمُهُ إلَّا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ وَلَا صِغَارَ وَلَدِهِ لِلْعِلْمِ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ كَانُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَرِقَّاءَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَسْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إلَّا بِحَقِّهَا» وَمِنْ حَقِّهَا أَنَّ مَالَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَسْرِ غَنِيمَةٌ (وَبَقِيَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي) أَيْ بَاقِي الْخِصَالِ السَّابِقَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ اخْتَارَ قَبْلَ إسْلَامِهِ الْمَنَّ أَوْ الْفِدَاءَ أَوْ الرِّقَّ تَعَيَّنَ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْفِدَاءِ مَعَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَمْرٌ فِي الدَّوَامِ) أَيْ وَمِنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: حَبَسَهُمْ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ الصَّوَابُ) أَيْ بِأَمَارَاتٍ تُعَيِّنُ لَهُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ مِنْ الْغَيْرِ
(قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِظُهُورِ الْفَرْقِ) أَيْ عَدَمِ إقْرَارٍ بِالْجِزْيَةِ وَضَرْبِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ فِي الرِّقِّ اسْتِيلَاءً مِنَّا عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ مِنْ أَمْوَالِنَا كَالْبَهِيمَةِ، بِخِلَافِ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّ فِيهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ الَّذِي قَدْ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى مُحَارَبَتِنَا مَعَ مُبَايَنَةِ مَا يُعِدْهُ لِدِينِنَا مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا) أَيْ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ (قَوْلُهُ: غَيْرَ كَامِلٍ) أَيْ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ (قَوْلُهُ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) أَيْ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَالسَّابِي لَهُ غَيْرَ مُسْلِمٍ، أَمَّا لَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَقَتَلَهُ قِنٌّ فَيُقْتَلُ بِهِ سم عَلَى مَنْهَجٍ بِالْمَعْنَى، وَعِبَارَتُهُ: وَعَلَى الْقِنِّ مِنَّا يَقْتُلُ نَحْوَ الصَّبِيِّ الْقَوَدُ لَا إسْلَامُهُ تَبَعًا لِلسَّابِي، وَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ فَقِيمَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ
(قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِإِسْلَامِهِمْ) هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ.
[فَرْعٌ] لَوْ أُسِرَ نَفَرٌ فَقَالُوا نَحْنُ مُسْلِمُونَ أَوْ أَهْلُ ذِمَّةٍ صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ إنْ وُجِدُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ وُجِدُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَصَدَّقُوا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَقَضِيَّةُ عَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ جَوَازُ قَتْلِهِمْ مَعَ قَوْلِهِمْ نَحْنُ مُسْلِمُونَ، وَقَدْ يُقَالُ الْقِيَاسُ اسْتِفْسَارُهُمْ فَإِنْ نَطَقُوا بِالشَّهَادَتَيْنِ تُرِكُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا، وَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ أَنْ يُطَالِبَهُمْ الْإِمَامُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ، فَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي دَعْوَاهُمْ يَكُونُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً الْتِزَامٌ لِلْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ تَظْهَرْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِمْ فِيمَا ادَّعُوهُ، وَأَنَّ قَصْدَهُمْ الْخِيَانَةُ (قَوْلُهُ: إلَّا بِحَقِّهَا) أَيْ بِحَقِّ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَنْسَابِ الَّتِي تَقْتَضِي جَوَازَ قَتْلِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ كَانَ اخْتَارَ) أَيْ الْإِمَامُ، وَقَوْلُهُ قُبِلَ إسْلَامُهُ: أَيْ الْأَسِيرِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ جَوَازِ الْفِدَاءِ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ الْمَنُّ بِالْأَوْلَى مَعَ إرَادَتِهِ الْإِقَامَةَ بِدَارِ الْحَرْبِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَا رِيبَةَ فِيهِ
(قَوْلُهُ: أَوْ بَذْلُ الْجِزْيَةِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْكَامِلِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ أَسِيرًا مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ هُنَا لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِزْيَةِ، وَأَيْضًا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَبَقِيَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي (قَوْلُهُ: إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ) قَضِيَّةُ هَذَا الْقَيْدِ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ غَيْرَ الرِّقِّ يُعْصَمُ مَالُهُ، وَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَمِنْ حَقِّهَا أَنَّ مَالَهُ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَسْرِ غُنَيْمَةٌ، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَيْدَ فِي غَيْرِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ التُّحْفَةِ، وَانْظُرْهُ أَيْضًا مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَإِسْلَامُ كَافِرٍ قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَمَعَ قَوْلِهِ هُوَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ مَا نَصُّهُ:
إرَادَةِ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ إذَا كَانَ لَهُ ثَمَّ عَشِيرَةٌ يَأْمَنُ مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ) بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ كَالذُّرِّيَّةِ بِجَامِعِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ
(وَإِسْلَامُ كَافِرٍ) مُكَلَّفٍ (قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ) أَيْ قَبْلَ وَضْعِ يَدِنَا عَلَيْهِ (يَعْصِمُ دَمَهُ) أَيْ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ مَا مَرَّ (وَمَالَهُ) جَمِيعَهُ بِدَارِنَا وَدَارِهِمْ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ (وَصِغَارَ) وَمَجَانِينَ (وَلَدِهِ) الْأَحْرَارِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ حَيًّا كَافِرًا عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْحَمْلُ كَمُنْفَصِلٍ وَالْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ كَمُسْتَقِلٍّ (لَا زَوْجَتَهُ) عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ وَلَوْ حَامِلًا مِنْهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) فَلَا يَعْصِمُهَا عَنْ ذَلِكَ لِاسْتِقْلَالِهَا، وَإِنَّمَا عَصَمَ عَتِيقَهُ عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ وَامْتَنَعَ إرْقَاقُ كَافِرٍ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ وَالْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِحَالٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يَعْصِمُهَا لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ النِّكَاحِ (فَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ) أَيْ حُكِمَ بِرِقِّهَا بِأَنْ أُسِرَتْ إذْ هِيَ تُرَقُّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ (انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي الْحَالِ) وَلَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ لِزَوَالِ مِلْكِهَا عَنْ نَفْسِهَا فَمِلْكُ الزَّوْجِ عَنْهَا أَوْلَى (وَقِيلَ إنْ كَانَ) أَسْرُهَا (بَعْدَ دُخُولٍ انْتَظَرَتْ الْعِدَّةَ فَلَعَلَّهَا تُعْتَقُ فِيهَا) فَيَدُومُ النِّكَاحُ كَالرِّدَّةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الرِّقَّ نَقْصٌ ذَاتِيٌّ يُنَافِي النِّكَاحَ فَأَشْبَهَ الرَّضَاعَ
(وَيَجُوزُ إرْقَاقُ زَوْجَةِ ذِمِّيٍّ) بِمَعْنَى أَنَّهَا تُرَقُّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ، وَيَنْقَطِعُ نِكَاحُهُ إذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً حَادِثَةً بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَوْ خَارِجَةً عَنْ طَاعَتِهَا حِينَ عَقَدَهَا (وَكَذَا عَتِيقُهُ) الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعَاقِلُ وَالْمَجْنُونُ (فِي الْأَصَحِّ) يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِكَوْنِهِ جَائِزًا فِي سَيِّدِهِ لَوْ لَحِقَ بِهَا فَهُوَ أَوْلَى.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ الْوَلَاءِ (لَا عَتِيقٍ مُسْلِمٍ) حَالَ أَسْرِهِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا قَبْلَهُ، فَلَا يَجُوزُ إرْقَاقُهُ إذَا حَارَبَ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (وَ) لَا (زَوْجَتُهُ) الْحَرْبِيَّةُ فَلَا يَجُوزُ إرْقَاقُهَا أَيْضًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ
(وَإِذَا سُبِيَ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ) بَيْنَهُمَا (إنْ كَانَا حُرَّيْنِ) وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ لَمَّا امْتَنَعُوا يَوْمَ أَوْطَاسٍ مِنْ وَطْءِ الْمَسْبِيَّاتِ الْمُتَزَوِّجَاتِ أَنْزَلَ {وَالْمُحْصَنَاتُ} [النساء: 24] أَيْ الْمُتَزَوِّجَاتُ {مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] فَحَرَّمَ اللَّهُ الْمُتَزَوِّجَاتِ لَا الْمَسْبِيَّاتِ، وَمَحَلُّهُ فِي سَبْيِ زَوْجٍ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مُكَلَّفٍ اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ، فَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَادَى بِهِ اسْتَمَرَّ نِكَاحُهُ، وَكَكَوْنِهِمَا حُرَّيْنِ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا فَقَطْ، وَقَدْ سُبِيَا أَوْ الْحُرُّ وَحْدَهُ وَأَرَقَّهُ الْإِمَامُ فِيهِمَا إذَا كَانَ زَوْجًا كَامِلًا فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ لِحُدُوثِ الرِّقِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سُبِيَ الرَّقِيقُ وَحْدَهُ لِعَدَمِ حُدُوثِهِ كَمَا لَوْ كَانَا رَقِيقَيْنِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: ثَمَّ عَشِيرَةٌ يَأْمَنُ مَعَهَا) أَيْ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِدَاؤُهُ لِحُرْمَةِ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ مَا ذُكِرَ
(قَوْلُهُ: وَمَا لَهُ جَمِيعُهُ بِدَارِنَا وَدَارِهِمْ) وَيُوَجَّهُ مَعَ عَدَمِ دُخُولِ مَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي الْأَمَانِ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَقْوَى مِنْ الْأَمَانِ وِفَاقًا لَمْ ر إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) قَالَ فِي التَّكْمِلَةِ: وَمِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ تُؤْخَذُ عِصْمَتُهُ بِإِسْلَامِ الْأُمِّ، وَحُكِيَ قَوْلٌ أَنَّ إسْلَامَ الْأُمِّ لَا يَعْصِمُ أَوْلَادَهَا الصِّغَارَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِنْ صَحَّ فَيُشْبِهُ أَنَّهَا لَا تَسْتَتْبِعُ الْوَلَدَ فِي الْإِسْلَامِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لَا زَوْجَتُهُ) ع: يُقَالُ عَلَيْهِ لَنَا امْرَأَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَجُوزُ سَبْيُهَا دُونَ حَمْلِهَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
(قَوْلُهُ: لَا عَتِيقٍ مُسْلِمٍ) أَيْ لَا إرْقَاقَ عَتِيقٍ إلَخْ فَهُوَ بِالْجَرِّ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا) غَايَةٌ: أَيْ بِأَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْأَسْرِ أَوْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ) أَيْ فَسْخُ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: اسْتَمَرَّ نِكَاحُهُ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَأَمَّا إذَا غَنِمَ قَبْلَ إرْقَاقِهِ أَوْ مَعَهُ فَلَا يُقْضَى إلَخْ
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةٌ حَادِثَةٌ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهَذَا كَاَلَّذِي بَعْدَهُ الْجَوَابُ عَمَّا اُسْتُشْكِلَ بِهِ مَا هُنَا مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا عُقِدَتْ لَهُ الْجِزْيَةُ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَ الْعَقْدِ وَهُنَا الْحَادِثَةُ بَعْدَهُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الزَّوْجَةُ الدَّاخِلَةُ تَحْتَ
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ سَبْيٍ وَرِقٍّ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ (قِيلَ أَوْ رَقِيقَيْنِ) فَيَنْفَسِخُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ سَبْيٌ يُوجِبُ الِاسْتِرْقَاقَ فَكَانَ كَحُدُوثِ الرِّقِّ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ سَوَاءً أَسُبِيَا أَمْ أَحَدُهُمَا، وَسَوَاءً أَسْلَمَا أَمْ أَحَدُهُمَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَهُوَ لَا يُؤْثَرُ كَالْبَيْعِ
(وَإِذَا)(أُرِقَّ) الْحَرْبِيُّ (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ (لَمْ يَسْقُطْ) ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةً أَوْ لِحَرْبِيٍّ سَقَطَ كَمَا لَوْ رُقَّ، وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى حَرْبِيٍّ، وَأُلْحِقَ بِهِ هُنَا مُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ لَكِنَّ أَمَانَهُ اقْتَضَى أَنْ يُطَالِبَ بِحَقِّهِ مُطْلَقًا، وَلَا يُطَالَبُ بِمَا عَلَيْهِ لِحَرْبِيٍّ بِخِلَافِهِ الذِّمِّيُّ أَوْ مُسْلِمٌ، بَلْ يَبْقَى بِذِمَّةِ الْمَدِينِ فَيُطَالِبُهُ بِهِ سَيِّدُهُ مَا لَمْ يُعْتَقْ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَاسَهُ عَلَى وَدَائِعِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ نَظَرٌ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ، عَلَى أَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْعِتْقِ أَوْ بِعَدَمِ تَمْلِيكِهِ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِلْمُطَالَبَةِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ مِلْكِهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِهِ، وَكَذَا فِي أَعْيَانِ مَالِهِ كَوَدَائِعِهِ، بَلْ الْمُطَالَبُ بِهَا الْإِمَامُ لِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ وَكَذَا بِدَيْنِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ قَبْضِهِ طَالَبَ بِهِ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِلسَّابِي سَقَطَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ قِنَّ غَيْرِهِ وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ سَقَطَ عَلَى تَنَاقُضٍ فِيهِ، وَمَحَلُّ السُّقُوطِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالسَّابِي دُونَ مَا يُقَابِلُ الْخُمُسَ إذْ هُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ (فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ) تَقْدِيمًا لَهُ عَلَى الْغَنِيمَةِ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالرِّقِّ كَمَا يَقْضِي دَيْنَ الْمُرْتَدِّ، وَإِنْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى عِتْقِهِ، وَأَمَّا إذَا غَنِمَ قَبْلَ إرْقَاقِهِ أَوْ مَعَهُ فَلَا يَقْضِي مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهُ أَوْ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِعَيْنِهِ فَكَانَ أَقْوَى
(وَلَوْ)(اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ) أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا) أَوْ كَانَ لَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ حَيْثُ لَمْ يُحْكَمْ بِرِقِّ زَوْجَتِهِ بِأَنْ سُبِيَ وَحْدَهُ وَبَقِيَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ) أَيْ لِلدَّائِنِ بِأَنْوَاعِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِحَرْبِيٍّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِمُسْلِمٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى) أَيْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِهِ) أَيْ فِي السُّقُوطِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُلْتَزِمٍ) أَيْ الْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ عَلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ فَلَا يَسْقُطُ بَلْ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِ الْفَرْقِ) وَهُوَ أَنَّ مَا فِي الذِّمِّيِّ لَيْسَ مُتَعَيِّنًا فِي شَيْءٍ يُطَالِبُ بِهِ السَّيِّدُ وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ سَقَطَ) أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَإِنْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اتَّصَلَتْ رِدَّتُهُ بِالْمَوْتِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا غَنِمَ) أَيْ الْمَالَ، وَقَوْلُهُ قَبْلَ إرْقَاقِهِ أَوْ مَعَهُ: أَيْ يَقِينًا، فَلَوْ اخْتَلَفَ الدَّائِنُ وَالْمَدِينُ وَأَهْلُ الْغَنِيمَةِ فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ الدَّائِنِ أَوْ الْمَدِينِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْإِرْقَاقِ هُوَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهُ) أَيْ إنْ قُلْنَا بِمِلْكِ الْغَنِيمَةِ بِالْحِيَازَةِ، قَوْلُهُ أَوْ تَعَلَّقَ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ شَيْئًا بِعَقْدٍ) أَفْهَمَ أَنَّ مَا اقْتَرَضَهُ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ مِنْ الْحَرْبِيِّ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) أَيْ لِمُسْلِمٍ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْقُدْرَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَهُنَا الْخَارِجَةُ عَنْهَا حِينَئِذٍ
(قَوْلُهُ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عِلَّةً لِلنَّظَرِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عِلَّةً لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ مَعَ تَسْلِيمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ التَّنْظِيرِ فِي الْعَيْنِ عَنْ ذِكْرِ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَعْتِقْ نَصُّهَا: عَلَى مَا بَحَثَ قِيَاسًا عَلَى وَدَائِعِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ بِفَرْضِ تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَ فِيهَا وَمَا فِي الذِّمَّةِ، عَلَى أَنَّا إنْ قُلْنَا إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِعَدَمِ انْطِبَاقِ حَدِّ الْغَنِيمَةِ عَلَيْهَا، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي أَعْيَانِ مَالِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُهَا وَلَا يُطَالِبُ بِهَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لِرَقَبَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَهُ لِمَالِهِ بَلْ الْقِيَاسُ أَنَّهَا مِلْكٌ لِبَيْتِ الْمَالِ كَالْمَالِ الضَّائِعِ (قَوْلُهُ: لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: لِأَنَّ الزَّوَالَ إنَّمَا كَانَ لِأَصْلِ دَوَامِ الرِّقِّ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ
عَلَيْهِ دَيْنٌ مُعَاوَضَةً كَعَقْدِ صَدَاقٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ قَبِلَا) أَوْ أَحَدُهُمَا (جِزْيَةً) أَوْ أَمَانًا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (دَامَ الْحَقُّ) الَّذِي يَصِحُّ طَلَبُهُ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ بِخِلَافِ نَحْوِ خِنْزِيرٍ وَخَمْرٍ
(وَلَوْ)(أَتْلَفَ) حَرْبِيٌّ (عَلَيْهِ) أَيْ الْحَرْبِيِّ شَيْئًا، أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ فِي حَالِ الْحِرَابَةِ (فَأَسْلَمَا) أَوْ أَسْلَمَ الْمُتْلِفُ (فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ شَيْئًا بِعَقْدٍ يُسْتَدَامُ حُكْمُهُ، وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَضْمَنْهُ فَأَوْلَى مَالُ الْحَرْبِيِّ، وَالثَّانِي قَالَ هُوَ لَازِمٌ عِنْدَهُمْ
(وَالْمَالُ) وَمِثْلُهُ الِاخْتِصَاصُ (الْمَأْخُوذُ) أَيْ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ (مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ) وَلَمْ يَكُنْ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ يَأْخُذُهُمْ لَهُ قَهْرًا مِنْهُ فَعَلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَوْ بِشِرَاءٍ رَدَّهُ إلَيْهِ (قَهْرًا) حَتَّى سَلَّمُوهُ أَوْ جَلَوْا عَنْهُ (غَنِيمَةً) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَأَعَادَهَا هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَكَذَا مَا أَخَذَهُ وَاحِدٌ) مُسْلِمٌ (أَوْ جَمْعٌ) مُسْلِمُونَ (مِنْ دَارِ الْحَرْبِ) أَوْ مِنْ أَهْلِهِ وَلَوْ بِبِلَادِنَا حَيْثُ لَا أَمَانَ لَهُمْ (سَرِقَةً) أَوْ اخْتِلَاسًا أَوْ سَوْمًا (أَوْ وُجِدَ كَهَيْئَةِ اللُّقَطَةِ) مِمَّا يُظَنُّ أَنَّهُ لِكَافِرٍ فَأُخِذَ فَالْكُلُّ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ أَيْضًا (عَلَى الْأَصَحِّ) إذْ تَغْرِيرُهُ بِنَفْسِهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْقِتَالِ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ ذَكَرًا كَامِلًا تَخَيَّرَ فِيهِ الْإِمَامُ، أَمَّا مَا أَخَذَ ذِمِّيٌّ أَوْ أَهْلُ ذِمَّةٍ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ كُلُّهُ لِآخِذِهِ.
وَالثَّانِي يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ أَخَذَهُ (فَإِنْ)(أَمْكَنَ) كَوْنُهُ أَيْ الْمُلْتَقِطِ (لِمُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ فِيمَا يَظْهَرُ (وَجَبَ تَعْرِيفُهُ) سَنَةً حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حَقِيرًا، فَإِنْ كَانَ عَرَّفَهُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَبَعْدَ التَّعْرِيفِ يَكُونُ غَنِيمَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَثُرَ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي السَّرَارِي وَالْأَرِقَّاءِ الْمَجْلُوبِينَ.
وَحَاصِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ مِنْ غَنِيمَةٍ لَمْ تُخَمَّسْ يَحِلُّ شِرَاؤُهُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ آسِرَهُ الْبَائِعَ لَهُ أَوَّلًا حَرْبِيٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ فَإِنَّهُ لَا تَخْمِيسَ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَثِيرٌ لَا نَادِرٌ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّ آخِذَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِ سَرِقَةٍ أَوْ اخْتِلَاسٍ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ لَا تَخْمِيسَ، وَقَوْلُ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ وَطْءِ السَّرَارِي الْمَجْلُوبَةِ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ إلَّا أَنْ يُنَصَّبَ مَنْ يَقْسِمُ الْقَائِمَ وَلَا حَيْفَ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا عُلِمَ أَنَّ الْغَانِمَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْ أَمِيرِهِمْ قَبْلَ الِاغْتِنَامِ قَوْلُهُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، نَعَمْ الْوَرَعُ لِمُرِيدِ الشِّرَاءِ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَانِيًا مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ التَّخْمِيسِ وَالْيَأْسُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهَا فَيَكُونُ مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ
(وَلِلْغَانِمِينَ) وَلَوْ أَغْنِيَاءَ وَبِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ مَنْ لَهُ سَهْمٌ أَوْ رَضَخَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ بِأَخْذِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَهُ مِنْهُ قَهْرًا (قَوْلُهُ: فَعَلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَوْ بِشِرَاءٍ إلَخْ) وَمِنْ هَذَا مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ اسْتَوْلَوْا عَلَى مَرْكَبٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَوَجَّهُوا بِهَا إلَى بِلَادِهِمْ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُمْ نَصْرَانِيٌّ، وَدَخَلَ بِهَا بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَعَرَفَهَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَأَثْبَتَهَا بِبَيِّنَةٍ فَتُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ وَتُسَلَّمُ لِصَاحِبِهَا الْأَصْلِيِّ وَلَا مُطَالَبَةَ لِلْحَرْبِيِّ عَلَى مَالِكِهَا بِشَيْءٍ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ، أَمَّا لَوْ تَلِفَتْ بِيَدِ الْحَرْبِيِّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَا أَخَذَهُ ذِمِّيٌّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَنَا أَوْ وَحْدَهُ دَخَلَ بِلَادَهُمْ بِأَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ) أَيْ حَقِيرًا (قَوْلُهُ: أَنْ يَشْتَرِيَ ثَانِيًا) أَيْ بِثَمَنٍ ثَانٍ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ أَوَّلًا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ مِثْلِهَا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَغْنِيَاءَ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمُحْتَاجٍ إلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ مَنْ لَهُ سَهْمٌ أَوْ رَضَخَ) هَذَا التَّعْمِيمُ قَصَدَ بِهِ التَّقْيِيدَ فَخَرَجَ بِهِ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَلَا رَضْخَ كَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْجِهَادِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُ الْمَتْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي التُّحْفَةِ
(قَوْلُهُ: مِمَّا يُظَنُّ أَنَّهُ لِكَافِرٍ) أَيْ وَإِنْ تُوُهِّمَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الظَّنِّ فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ، وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ: مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لِكَافِرٍ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْ أَمِيرِهِمْ) قَبْلَ الِاغْتِنَامِ (قَوْلُهُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ) أَيْ إذْ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ كُلُّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا اخْتَصَّ بِهِ: أَيْ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ لَهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَالْيَأْسُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهَا فَتَكُونُ مِلْكًا لِبَيْتِ الْمَالِ) أَيْ كَكُلِّ مَا أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ
نَعَمْ دَعْوَاهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ فَلَيْسَ لِلذِّمِّيِّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ تَعْبِيرَ الشَّافِعِيِّ بِالْمُسْلِمِينَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُ وَالرَّضْخُ أَعْظَمُ مِنْ الطَّعَامِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْغَانِمِينَ يَشْمَلُ مَنْ لَا يُرْضَخُ لَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ لِلْجِهَادِ (التَّبَسُّطُ) أَيْ التَّوَسُّعُ (فِي الْغَنِيمَةِ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَاخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ لَا الْمِلْكِ فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى انْتِفَاعِهِ كَالضَّيْفِ لَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا قُدِّمَ إلَيْهِ إلَّا بِالْأَكْلِ، نَعَمْ لَهُ تَضْيِيفُ مَنْ لَهُ التَّبَسُّطُ بِهِ وَإِقْرَاضُهُ بِمِثْلِهِ مِنْهُ بَلْ وَبَيْعُ الْمَطْعُومِ بِمِثْلَيْهِ وَلَا رِبًا فِيهِ إذْ لَيْسَ بِرِبًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ كَتَنَاوُلِ الضَّيْفَانِ لُقْمَةً بِلُقْمَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَمُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ مِنْ الْمَغْنَمِ فَقَطْ مَا لَمْ يَدْخُلَا دَارَ الْإِسْلَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ عِنْدَ الطَّلَبِ يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ لَا يُقَابَلُ بِمَمْلُوكٍ (بِأَخْذِ) مَا يَحْتَاجُهُ لَا أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِلَّا أَثِمَ وَضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَوَاءً أَخَذَ (الْقُوتَ وَمَا يُصْلَحُ بِهِ) كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ (وَلَحْمٍ وَشَحْمٍ) لِنَفْسِهِ لَا لِنَحْوِ طَيْرِهِ (وَكُلِّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ عُمُومًا) أَيْ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا بِأَصْلِهِ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ مَظِنَّةٌ لِعِزَّةِ الطَّعَامِ فِيهَا.
وَخَرَجَ بِالْقُوتِ وَمَا بَعْدَهُ غَيْرُهُ كَمَرْكُوبٍ وَمَلْبُوسٍ، نَعَمْ لَوْ اُضْطُرَّ لِسِلَاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ أَوْ نَحْوِ فَرَسٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهَا أَخَذَهُ بِلَا أُجْرَةٍ، ثُمَّ رَدَّهُ وَبِعُمُومِ مَا يَنْدُرُ الِاحْتِيَاجُ لَهُ كَسُكَّرٍ وَفَانِيذٍ وَدَوَاءٍ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَاجَهُ فَبِالْقِيمَةِ أَوْ يَحْسِبُهُ مِنْ سَهْمِهِ (وَعَلَفٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْقُوتِ وَتِبْنًا وَمَا بَعْدَهُ أَحْوَالٌ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْجَرِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَخِدْمَةِ الدَّوَابِّ فَلَيْسَ لَهُمْ التَّبْسِيطُ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلذِّمِّيِّ ذَلِكَ) قَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِالذِّمِّيِّ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَتَبَسَّطُ وَإِنْ اسْتَعَنَّا بِهِ فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ ذُكِرَ لِتَأْوِيلِ الدَّعْوَى بِالْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: يَشْمَلُ مَنْ لَا يُرْضَخُ لَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْجِهَادِ) أَيْ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِهَادِ كَالْخِدْمَةِ أَوْ لِنَفْسِ الْجِهَادِ بِأَنْ كَانَ ذِمِّيًّا، وَالْمُرَادُ أَنَّ عِبَارَتَهُ شَامِلَةٌ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَبَسَّطُ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ السَّابِقُ سَوَاءٌ مَنْ لَهُ سَهْمٌ إلَخْ، هَذَا وَإِنْ أُرِيدَ بِالْغَانِمِ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ لَمْ يَدْخُلْ مَنْ ذُكِرَ فِي عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِقْرَاضُهُ بِمِثْلِهِ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَتَبَسَّطُ بِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُقْرِضُهُ لِيَرُدَّهُ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِلْمُقْتَرِضِ الرَّدُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَمْ يُطَالَبْ بِبَدَلٍ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فَرْضًا حَقِيقِيًّا إذْ شَرْطُهُ مِلْكُ الْمُقْرَضِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ بِرِبًا) وَفِي نُسْخَةٍ بَيْعًا، وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرِّبَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ (قَوْلُهُ: كَتَنَاوُلِ الضِّيفَانِ لُقْمَةً) أَيْ وَهُوَ جَائِزٌ (قَوْلُهُ: وَمُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِلُقْمَتَيْنِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَدْخُلَا دَارَ الْإِسْلَامِ) أَيْ فَإِنْ دَخَلَاهَا سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْبَلُ) أَيْ الْمُقْرِضُ أَيْ لَا يَجُوزُ، وَقَوْلُهُ مِنْهُ: أَيْ الْمُقْتَرِضِ (قَوْلُهُ: يَأْخُذُ مَا يَحْتَاجُهُ) أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَا لَمْ تَدُلَّ الْقَرَائِنُ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَثِمَ وَضَمِنَهُ) أَيْ الْأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ) أَيْ وَالْمُصَدَّقُ فِي الْقَدْرِ هُوَ الْآخِذُ وَالْآكِلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: لَا لِنَحْوِ طَيْرِهِ) مِنْ النَّحْوِ الدَّوَابِّ الْغَيْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فِي الْحَرْبِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَرْعٌ: لَوْ كَانَ جَمِيعُ الْغَنِيمَةِ أَطْعِمَةً وَعَلَفًا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ التَّبَسُّطِ بِالْجَمِيعِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وِفَاقًا لطب فَتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَى الْعُمُومِ) أَيْ فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ (قَوْلُهُ: أَخَذَ بِلَا أُجْرَةٍ ثُمَّ رَدَّ) أَيْ فَإِنْ تَلِفَ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ فَيُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ فِي السُّكَّرِ وَالْفَانِيذِ، وَقَدْ يُقَالُ بَلْ الْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَنَحْوِ السُّكَّرِ بِأَنَّهُ أَخَذَ هَذَا لِمَصْلَحَةِ الْقِتَالِ وَنَحْوَ السُّكَّرِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، وَجَوَّزَ لَهُ أَخْذَهُ بِالْعِوَضِ فَيَدُهُ عَلَيْهِ يَدُ ضَمَانٍ وَلَا كَذَلِكَ هَذَا (قَوْلُهُ: أَوْ يَحْسِبُهُ) بَابُهُ نَصَرَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ بِفَتْحِ اللَّامِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى انْتِفَاعِهِ) هَلْ مِنْ انْتِفَاعِهِ إطْعَامُ خَدَمِهِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِمْ لِنَحْوِ أُبَّهَةِ الْمَنْصِبِ الَّذِينَ حَضَرُوا بَعْدَ الْوَقْعَةِ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ بِرِبًا حَقِيقَةً) عِبَارَةُ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مُحَقَّقَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مِلْكُهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْبَائِعِ وَمَا بَعْدَهُ
الْوَصْفِيَّةِ، وَعَلَى الثَّانِي مَعْطُوفٌ عَلَى أَخْذٍ وَتِبْنًا وَمَا بَعْدَهُ مَعْمُولُهُ (الدَّوَابُّ) الَّتِي يَحْتَاجُهَا لِلْحَرْبِ أَوْ الْحَمْلِ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ لَا لِزِينَةٍ وَنَحْوِهَا (تِبْنًا وَشَعِيرًا وَنَحْوَهُمَا) كَفُولٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَمَسُّ إلَيْهِ كَمُؤْنَةِ نَفْسِهِ (وَذَبْحِ) حَيَوَانٍ (مَأْكُولٍ لِلَحْمِهِ) أَيْ لَا كُلِّ مَا يُقْصَدُ أَكْلُهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَحْمًا كَكِرْشٍ وَشَحْمٍ وَجِلْدٍ، وَإِنْ تَيَسَّرَ بِسُوقٍ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ أَيْضًا، فَلَوْ جَاهَدْنَاهُمْ فِي دَارِنَا امْتَنَعَ عَلَيْنَا التَّبَسُّطُ إنْ كَانَ فِي حَمْلٍ يَعِزُّ فِيهِ الطَّعَامُ.
نَعَمْ يَتَّجِهُ فِي خَيْلِ حَرْبٍ اُحْتِيجَ إلَيْهَا مُنِعَ ذَبْحُهَا حَيْثُ لَا اضْطِرَارَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ إضْعَافَنَا، وَيَجِبُ رَدُّ جِلْدِهِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ عَادَةً إلَى الْمَغْنَمِ، وَكَذَا مَا اتَّخَذَهُ مِنْهُ كَحِذَاءٍ وَسِقَاءٍ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ لِوُقُوعِهَا هَدَرًا بَلْ إنْ نَقَصَ بِهَا، أَوْ اسْتَعْمَلَهُ لَزِمَهُ النَّقْصُ أَوْ الْأُجْرَةُ، أَمَّا إذَا ذَبَحَهُ لِأَجْلِ جِلْدِهِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ احْتَاجَهُ لِنَحْوِ خُفٍّ وَمَدَاسٍ (وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْفَاكِهَةِ) رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا وَالْحَلْوَى كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ مِنْ السُّكَّرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي الْفَانِيذِ إذْ هُوَ عَسَلُ السُّكَّرِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ كَمَا مَرَّ فِي الرِّبَا، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ تَنَاوُلَ الْحَلْوَى غَالِبٌ وَالْفَانِيذَ نَادِرٌ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُشْتَهًى طَبْعًا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ.
وَالثَّانِي قَالَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَةٌ حَاقَّةٌ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا تَجِبُ قِيمَةُ الْمَذْبُوحِ) لِأَجْلِ نَحْوِ لَحْمِهِ كَمَا لَا تَجِبُ قِيمَةُ الطَّعَامِ. وَالثَّانِي تَجِبُ لِنُدُورِ الْحَاجَةِ إلَى ذَبْحِهِ وَمَنَعَ الْأَوَّلَ نَدُورُهَا (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمُحْتَاجٍ إلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ) بَلْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَا مَعَهُ لِوُرُودِ الرُّخْصَةِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَالثَّانِي يَخْتَصُّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُمَا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ أَخْذِ حَقِّ الْغَيْرِ، نَعَمْ إنْ قَلَّ الطَّعَامُ وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ أَمَرَ الْإِمَامُ بِهِ لِذَوِي الْحَاجَاتِ، وَلَهُ التَّزَوُّدُ لِمَسَافَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ أَيْضًا لِمَا خَلَّفَهُ فِي رُجُوعِهِ مِنْهُ إلَى دَارِنَا، فَالتَّعْبِيرُ بِبَيْنَ يَدَيْهِ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ أَوْ لِلْغَالِبِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْحِيَازَةِ) لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ كَغَيْرِ الضَّيْفِ مَعَ الضَّيْفِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةُ جَوَازُهُ لِمَنْ لَحِقَهُ بَعْدَ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ أَوْ مَعَهَا، لَكِنَّ قَضِيَّةَ الْعَزِيزِ وَتَبِعَهُ الْحَاوِي عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ مَنْ) (رَجَعَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِتَقْدِيرِ الْوَصْفِيَّةِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْحَالُ جَامِدًا أُوِّلَ بِمُشْتَقٍّ.
قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، وَإِلَّا فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ، وَقَوْلُهُ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ وَسُكُونُهَا (قَوْلُهُ: فَلَوْ جَاهَدْنَاهُمْ) مُحْتَرَزُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ التَّبَسُّطَ بِدَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ، وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ إلَخْ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَمَحَلُّ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَتَّجِهُ فِي خَيْلِ حَرْبٍ) أَيْ خَيْلٍ تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ أُخِذَتْ غَنِيمَةً، بِخِلَافِ مَا غُنِمَ مِنْ الْخَيْلِ، وَلَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ كَالْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَذْبُوحِ حَيًّا.
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) تَوْجِيهٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالصَّحِيحُ إلَخْ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ، أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ: حَاقَّةٌ) أَيْ شَدِيدَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ نَحْوِ لَحْمِهِ)، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ ذَبَحَهُ لِلِاحْتِيَاجِ لِجِلْدِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي يَخْتَصُّ بِهِ) أَيْ الْمُحْتَاجُ (قَوْلُهُ: أَمَرَ الْإِمَامُ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: لِذَوِي الْحَاجَاتِ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَخَذَ غَيْرُ ذَوِي الْحَاجَةِ فَهَلْ يَضْمَنُهُ بِرَدِّ بَدَلِهِ لِلْمَغْنَمِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ فِي الْمَعِيَّةِ فَقَطْ،
ــ
[حاشية الرشيدي]
لِلْمُشْتَرِي الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ: بِتَقْدِيرِ الْوَصْفِيَّةِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: كَانَ مَقْصُودٌ أَنَّهَا جَوَامِدُ فَتُؤَوَّلُ بِالْمُشْتَقَّاتِ كَأَنْ يُجْعَلَ التَّقْدِيرُ بِمُسَمًّى بِكَذَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ احْتَاجَهُ) لَعَلَّهُ إذَا لَمْ يَضْطَرَّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ التَّزَوُّدُ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: قَدْ يُقَالُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَقْطَعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَشْمَلُ مَا خَلَّفَهُ
إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) وَوَجَدَ حَاجَتَهُ بِلَا عِزَّةٍ، وَهِيَ مَا فِي قَبْضَتِنَا وَإِنْ سَكَنَهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ (وَمَعَهُ بَقِيَّةٌ)(لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَغْنَمِ) أَيْ مَحَلِّ اجْتِمَاعِ الْغَنَائِمِ قَبْلَ قِسْمَتِهَا، وَالْمَغْنَمُ يَأْتِي بِمَعْنَى الْغَنِيمَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَتَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا الْمَالُ الْمَغْنُومُ وَحِينَئِذٍ صَحَّ قَوْلُ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْمَحَلِّ وَمَنْ فَسَّرَهُ بِالْمَالِ، وَذَلِكَ لِتَعْلِيقِ حَقِّ الْجَمِيعِ بِهِ، وَقَدْ زَالَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَّا بَعْدَ قِسْمَتِهَا فَيَرُدُّهُ لِلْإِمَامِ لِيَقْسِمَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا رَدَّهُ لِلْمَصَالِحِ.
وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مُبَاحٌ (وَمَوْضِعُ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْعِزَّةِ: أَيْ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ فَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُنَا بِحِلِّهِ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ ثُمَّ يُبَاعُ، فَإِذَا رَجَعُوا لِدَارِنَا وَتَمَكَّنُوا مِنْ شِرَاءِ ذَلِكَ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ التَّبَسُّطُ (وَكَذَا) فِي غَيْرِ دَارِهِمْ كَخَرَابِ دَارِنَا (مَا لَمْ يَصِلْ عُمْرَانِ الْإِسْلَامِ) وَهُوَ مَا يَجِدُونَ فِيهِ الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ لَا مُطْلَقَ الْعُمْرَانِ (فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَالثَّانِي قَصْرُهُ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ
(وَلِغَانِمٍ) حُرٍّ (رَشِيدٍ وَلَوْ) هُوَ (مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْغَنِيمَةِ) بِقَوْلِهِ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهَا لَا وَهَبْت مُرِيدًا بِهِ التَّمَلُّكَ (قَبْلَ الْقِسْمَةِ) وَاخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ تَحَقَّقَ الْإِخْلَاصُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِهَادِ لِكَوْنِ كَلِمَةِ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ، وَخَرَجَ بِحُرٍّ الْقِنُّ فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا غَنِمَهُ لِسَيِّدِهِ فَالْإِعْرَاضُ لَهُ.
نَعَمْ إنْ كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ فَلَا يَظْهَرُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ فِي حَقِّهِمَا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَاسْتَحَقَّ الرَّضْخَ صَحَّ إعْرَاضُهُ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فَالِاعْتِبَارُ بِمَنْ وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي نَوْبَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ دُخُولُ النَّادِرِ فِي الْمُهَايَأَةِ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْ الْمُخْتَصِّ بِهِ دُونَ الْمُخْتَصِّ بِالْمَالِكِ، وَخَرَجَ بِرَشِيدٍ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيُّ عَنْ الرَّضْخِ لِإِلْغَاءِ عِبَارَتِهِ، وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي، نَعَمْ يَجُوزُ مِمَّنْ كَمُلَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّ عَفْوُ السَّفِيهِ عَنْ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَيْنًا فَلَا مَالَ ثُمَّ بِحَالٍ، وَهُنَا ثَبَتَ لَهُ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ حَقٌّ مَالِيٌّ فَامْتَنَعَ مِنْهُ إسْقَاطُهُ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ، فَانْدَفَعَ اعْتِمَادُ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ صِحَّةَ إعْرَاضِهِ زَاعِمِينَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، أَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَبُولِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُهُ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلُهُ قَبْلَ جَوَازِهِ لِمَنْ لَحِقَهُ بَعْدَ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَغْنَمِ) أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ تَافِهَةً (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ إرَادَتُهُ) أَيْ إرَادَةُ كَوْنِهِ بِمَعْنَى الْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ فَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُنَا بِحِلِّهِ) أَيْ اعْتِقَادِنَا حِلَّهُ إلَخْ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ
(قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهَا) أَيْ فَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْإِعْرَاضِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِتَرْكِ الطَّلَبِ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بِهِ) أَيْ الْإِعْرَاضِ (قَوْلُهُ: وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ) مَا لَمْ يَعْصِ بِالدَّيْنِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، إذْ هَذَا مِنْ الْكَسْبِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُفْلِسَ إذَا عَصَى بِالدَّيْنِ لَزِمَهُ التَّكَسُّبُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ إعْرَاضِهِ، وَإِنْ أَثِمَ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ تَرَكَ التَّكَسُّبَ وَتَرْكُهُ لَهُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا عَلَى مَنْ أَخَذَ مَا كَانَ يَكْسِبُهُ لَوْ أَرَادَ الْكَسْبَ (قَوْلُهُ: فَلَا تَظْهَرُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ) أَيْ السَّيِّدِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ: أَيْ وَمَاتَ وَلَمْ يَعْتِقْهُ الْوَارِثُ، وَقَوْلُهُ فَاسْتَحَقَّ: أَيْ الْعَبْدُ (قَوْلُهُ: صَحَّ إعْرَاضُهُ) أَيْ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ يَتْبَعُهُ كَسْبُهُ، فَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِعْرَاضِ يَكُونُ الرَّضْخُ لَهُ لَا لِلْوَارِثِ، فَلَمْ يَفُتْ بِإِعْرَاضِهِ عَلَى الْوَارِثِ شَيْءٌ، لَكِنْ يُقَالُ الثُّلُثُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْمَوْتِ فَقَدْ يَتْلَفُ مَالُ السَّيِّدِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ الثُّلُثِ، فَلَا يَكُونُ الرَّضْخُ لَهُ بَلْ لِلْوَارِثِ فَكَيْفَ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَالصَّبِيُّ عَنْ الرَّضْخِ) بَيَانٌ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ لَوْلَا الْإِعْرَاضُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَجُوزُ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَتَمَكَّنُوا مِنْ شِرَاءِ ذَلِكَ) أَيْ بِلَا عِزَّةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا) أَيْ أَوْ مُكَاتَبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ، لَكِنَّ تَعْلِيلَ الشَّارِحِ لَا يَأْتِي فِيهِ (قَوْلُهُ: صَحَّ إعْرَاضُهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
فَيَمْتَنِعُ لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، وَكَذَا بَعْدَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ) أَيْ الْإِعْرَاضِ لِمَنْ ذُكِرَ (بَعْدَ فَرْزِ الْخُمُسِ) وَقَبْلَ قِسْمَةِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ إفْرَازَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَالثَّانِي مَنْعُهُ لِتَمَيُّزِ حَقِّ الْغَانِمِينَ (وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُهُ لِجَمِيعِهِمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ، وَيُصْرَفُ حَقُّهُمْ مَصْرِفَ الْخُمُسِ، وَالثَّانِي مَنْعُ ذَلِكَ (وَ) الْأَصَحُّ (بُطْلَانُهُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى) وَإِنْ انْحَصَرُوا فِي وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهُ بِعَمَلٍ فَكَانَ كَالْإِرْثِ، وَالثَّانِي صِحَّتُهُ مِنْهَا كَالْغَانِمِينَ وَأَحَدِهِمْ، وَخَصَّهُمْ لِأَنَّ بَقِيَّةَ مُسْتَحِقِّي الْخُمُسِ جِهَاتٌ عَامَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إعْرَاضٌ (وَ) مِنْ (سَالِبِ مَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ السَّلْبَ قَهْرًا (وَالْمُعْرِضِ) عَنْ حَقِّهِ (كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ) فَيُضَمُّ نَصِيبُهُ لِلْغَنِيمَةِ، وَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْبَاقِينَ وَأَهْلِ الْخُمُسِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ حَقُّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِعْرَاضِ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمُوصًى لَهُ لَهُ رَدُّ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا كَمَا مَرَّ.
وَأَمَّا مَا بَحَثَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عَوْدِ حَقِّهِ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا تَنْزِيلًا لِإِعْرَاضِهِ مَنْزِلَةَ الْهِبَةِ وَلِلْقِسْمَةِ مَنْزِلَةَ قَبْضِهَا، كَمَا لَوْ أَعْرَضَ مَالِكُ كِسْرَةٍ عَنْهَا لَهُ الْعَوْدُ لِأَخْذِهَا فَبَعِيدٌ، وَقِيَاسُهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
إذْ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا لَيْسَ هِبَةً وَلَا مُنَزَّلًا مَنْزِلَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْرَضَ عَنْهُ هُنَا حَقُّ تَمَلُّكٍ لَا غَيْرُ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ مِنْ نَحْوِ مُفْلِسٍ كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْكِسْرَةِ يُصَيِّرُهَا مُبَاحَةً لَا مَمْلُوكَةً وَلَا مُسْتَحَقَّةً لِلْغَيْرِ فَجَازَ لِلْمُعْرِضِ أَخْذُهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا يَنْقُلُ الْحَقَّ لِلْغَيْرِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ
(وَمَنْ)(مَاتَ) مِنْ الْغَانِمِينَ وَلَمْ يَعْرِضْ (فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ) كَبَقِيَّةِ الْحُقُوقِ، فَإِنْ شَاءَ طَلَبَهُ أَوْ أَعْرَضَ عَنْهُ (وَلَا تُمَلَّكُ) الْغَنِيمَةُ (إلَّا بِقِسْمَةٍ) مَعَ الرِّضَا بِهَا بِاللَّفْظِ لَا بِالِاسْتِيلَاءِ، وَإِلَّا لَامْتَنَعَ الْإِعْرَاضُ وَتَخْصِيصُ كُلِّ طَائِفَةٍ بِنَوْعٍ مِنْهَا (وَلَهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ (التَّمَلُّكُ قَبْلَهَا) لَفْظًا بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ بَعْدَ الْحِيَازَةِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ اخْتَرْتُ مِلْكَ نَصِيبِي فَتَمَلَّكَ بِذَلِكَ أَيْضًا (وَقِيلَ يَمْلِكُونَ بِمُجَرَّدِ الْحِيَازَةِ) لِزَوَالِ مِلْكِ الْكُفَّارِ بِالِاسْتِيلَاءِ (وَقِيلَ) الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ فَيُنْظَرُ (إنْ سُلِّمَتْ) الْغَنِيمَةُ (إلَى الْقِسْمَةِ بِأَنَّ مِلْكَهُمْ) عَلَى الْإِشَاعَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَتْ أَوْ أَعْرَضُوا عَنْهَا (فَلَا) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ
(وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِالِاسْتِيلَاءِ) مَعَ الْقِسْمَةِ أَوْ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (كَالْمَنْقُولِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِيهِ هُوَ مَا ذُكِرَ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ يُمْلَكُ يَخْتَصُّ: أَيْ يَخْتَصُّونَ بِهِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا يَخْتَصُّونَ بِالْمَنْقُولِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ أَوْجُهِهِ إلَى ضَعْفِهِ، وَيَكُونُ الْحَامِلُ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى تَعَرُّضِهِ لِلْعَقَارِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَتَشْبِيهُهُ بِالْمَنْقُولِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْإِعْرَاضُ (قَوْلُهُ: لَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِعْرَاضِ مُطْلَقًا) أَيْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: وَقَبْلَ الْقَبُولِ) تَفْسِيرِي: يَعْنِي فَالرَّدُّ لِلْقَبُولِ كَأَنْ يَقُولَ رَدَدْتهَا أَوْ لَا أَقْبَلُهَا، وَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ وَقَبْلَ الْقَبُولِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ
(قَوْلُهُ مَعَ الرِّضَا بِهَا) أَيْ الْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ: وَتَخْصِيصُ كُلِّ طَائِفَةٍ) أَيْ وَإِنْ رَغِبَ غَيْرُ تِلْكَ الطَّائِفَةِ فِيمَا خُصَّ بِهِ تِلْكَ الطَّائِفَةُ بِتَفْوِيضِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ لَهُ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ وَتَخْصِيصُ كُلِّ طَائِفَةٍ أَيْ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَائِزٌ (قَوْلُهُ: فَيَمْلِكُ بِذَلِكَ) أَيْ وَيَمْلِكُ كُلٌّ نَصِيبَهُ شَائِعًا فَيُورَثُ عَنْهُ، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ) كَأَنَّ الْأَظْهَرَ الْفَاءُ بَدَلَ الْوَاوِ وَلَعَلَّهَا لِلْحَالِ
(قَوْلُهُ: فَتُمْلَكُ بِذَلِكَ أَيْضًا) بَلْ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِهِ وَلَا أَثَرَ لِلْقِسْمَةِ فِي الْمِلْكِ كَمَا عُلِمَ
(قَوْلُهُ: مَعَ الْقِسْمَةِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ أَوْ الْمُرَادُ مَعَ الْقِسْمَةِ بِشَرْطِهَا عَلَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: إلَى ضَعْفِهِ) أَيْ ضَعْفِ مَا فِي الْمَتْنِ فَهُوَ مَسْلَكٌ ثَالِثٌ فِي الْمَتْنِ، وَكَانَ الْأَوْلَى خِلَافُ هَذَا الصَّنِيعِ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ الْحَامِلُ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْجَلَالُ وَإِنْ أَوْهَمَهُ السِّيَاقُ بَلْ الَّذِي فِي كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ
حَيْثُ خَيَّرَ الْإِمَامَ فِيهِ بَيْنَ قِسْمَتِهِ وَتَرْكِهِ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ وَوَقْفِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحُجَّتُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَنْقُولِ
(وَلَوْ كَانَ)(فِيهَا كَلْبٌ أَوْ كِلَابٌ تَنْفَعُ) لِصَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةٍ (وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ أَوْ أَهْلِ الْخُمُسِ (وَلَمْ يُنَازَعْ) فِيهِ (أُعْطِيَهُ) إذْ لَا ضَرَر فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ نُوزِعَ فِيهِ (قُسِّمَتْ) عَدَدًا (إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ قِسْمَتُهَا عَدَدًا (أَقُرِعَ) بَيْنَهُمْ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.
أَمَّا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا عَدَدًا مُشْكِلٌ بِمَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهَا قِيمَةً وَيُنْظَرُ إلَى مَنَافِعِهَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ هُنَا.
أُجِيبُ عَنْهُ بِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بِأَنَّ حَقَّ الْمُشَارِكِينَ ثَمَّ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ بَقِيَّةِ الْمُوصَى لَهُمْ آكَدُ مِنْ حَقِّ بَقِيَّةِ الْغَانِمِينَ هُنَا فَسُومِحَ هُنَا بِمَا لَمْ يُسَامَحْ بِهِ ثَمَّ.
(وَالصَّحِيحُ أَنَّ سَوَادَ الْعِرَاقِ) مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ إلَى بَعْضِهِ، إذْ السَّوَادُ أَزْيَدُ مِنْ الْعِرَاقِ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا؛ لِأَنَّ مِسَاحَةَ الْعِرَاقِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا فِي عَرْضِ مِائَتَيْنِ، وَالسَّوَادُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فِي ذَلِكَ الْعَرْضِ، وَجُمْلَةُ سَوَادِ الْعِرَاقِ بِالتَّكْسِيرِ عَشَرَةُ آلَافِ فَرْسَخٍ، سُمِّيَ سَوَادًا لِكَثْرَةِ زَرْعِهِ وَشَجَرِهِ، وَالْخُضْرَةُ تُرَى مِنْ بُعْدٍ سَوْدَاءَ، وَعِرَاقًا لِاسْتِوَاءِ أَرْضِهِ وَخُلُوِّهَا عَنْ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ، إذْ أَصْلُ الْعِرَاقِ الِاسْتِوَاءُ (فُتِحَ) فِي زَمَنِ عُمَرَ رضي الله عنه (عَنْوَةً) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: أَيْ قَهْرًا لِمَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَسَّمَهُ فِي جُمْلَةِ الْغَنَائِمِ، وَلَوْ كَانَ صُلْحًا لَمْ؛ يُقَسِّمْهُ (وَقَسَّمَ) بَيْنَهُمْ كَمَا تَقَرَّرَ (ثَمَّ) بَعْدَ مِلْكِهِمْ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَاسْتِمَالَةِ عُمَرَ رضي الله عنه قُلُوبَهُمْ (بَذَلُوهُ) لَهُ: أَيْ الْغَانِمُونَ وَذَوُو الْقُرْبَى، وَأَمَّا أَهْلُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ الْأَرْبَعَةِ فَالْإِمَامُ لَا يَحْتَاجُ فِي وَقْفِ حَقِّهِمْ إلَى بَذْلِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِأَهْلِهِ (وَوَقَفَ) مَا سِوَى مَسَاكِنِهِ وَأَبْنِيَتِهِ: أَيْ وَقَفَهُ عُمَرُ (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) وَآجَرَهُ لِأَهْلِهِ إجَارَةً مُؤَبَّدَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ بِخَرَاجٍ مَعْلُومٍ يُؤَدُّونَهُ كُلَّ سَنَةٍ، فَجَرِيبُ الشَّعِيرِ دِرْهَمَانِ وَالْبُرِّ أَرْبَعَةٌ وَالشَّجَرُ وَقَصَبُ السُّكَّرِ سِتَّةٌ وَالنَّخْلُ ثَمَانِيَةٌ وَالْعِنَبُ عَشَرَةٌ وَالزَّيْتُونُ اثْنَا عَشَرَ، وَجُمْلَةُ مَسَّاحَةِ الْجَرِيبِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَالْبَاعِثُ لَهُ عَلَى وَقْفِهِ خَوْفُ اشْتِغَالِ الْغَانِمِينَ بِفِلَاحَتِهِ عَنْ الْجِهَادِ (وَخَرَاجُهُ) زَرْعًا أَوْ غَرْسًا (أُجْرَةٌ) مُنَجَّمَةٌ (تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ) مَثَلًا (لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ، فَعَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّا عَدَا أَبْنِيَتَهُ وَمَسَاكِنَهُ، (وَهُوَ) أَيْ السَّوَادُ (مِنْ) أَوَّلِ (عَبَّادَانِ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ (إلَى) آخِرِ (حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ) بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِمَا (طُولًا وَمِنْ) أَوَّلِ (الْقَادِسِيَّةِ إلَى) آخِرِ (حُلْوَانَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (عَرْضًا) بِإِجْمَاعِ الْمُؤَرِّخِينَ (قُلْتُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَصْرَةَ) بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ وَتَرَكَهُ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ) أَيْ بِخَرَاجٍ يَضْرِبُهُ عَلَيْهِمْ
(قَوْلُهُ: أُعْطِيَهُ) ظَاهِرُهُ وُجُوبًا
(قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ السَّوَادَ لَا يَصْدُقُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ فَلَا يَكُونُ جِنْسًا؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْجِنْسِ صِدْقُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مِنْ إضَافَةِ الْكُلِّ إلَى بَعْضِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى بَعْضِهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: فِي عَرْضِ مِائَتَيْنِ) وَفِي نُسْخَةٍ ثَمَانِينَ، وَبِهَا عَبَّرَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ وَلَعَلَّهَا الْأَنْسَبُ بِقَوْلِهِمْ الْعَرْضُ أَقْصَرُ الِامْتِدَادَيْنِ (قَوْلُهُ: إذْ أَصْلُ الْعِرَاقِ الِاسْتِوَاءُ) أَيْ لُغَةً (قَوْلُهُ: وَأَبْنِيَتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَمَحَلُّهُ فِي الْبِنَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَجَرِيبٌ) أَيْ فَدَّانٌ (قَوْلُهُ: وَالشَّجَرُ) أَيْ مَا عَدَا النَّخْلَ وَالْعِنَبَ وَالزَّيْتُونَ، وَانْظُرْ حِكْمَةَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ قَوْلِهِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَخْ عَنْ هَذَا
(قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ) الْأَصْوَبُ مِنْ إضَافَةِ الْكُلِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: وَجُمْلَةُ سَوَادِ الْعِرَاقِ) الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ سَوَادٍ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ آلَافٍ هِيَ جُمْلَةُ الْعِرَاقِ بِالضَّرْبِ. أَمَّا جُمْلَةُ سَوَادِ الْعِرَاقِ فَهِيَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَثَمَانُمِائَةٍ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: فَجَرِيبُ الشَّعِيرِ إلَخْ) الْجَرِيبُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي قُرَى مِصْرَ بِالْفَدَّانِ وَهُوَ عَشْرُ قَصَبَاتٍ كُلُّ قَصَبَةٍ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِالْهَاشِمِيَّةِ كُلُّ ذِرَاعٍ سِتُّ قَبَضَاتٍ كُلُّ قَبْضَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَالْجَرِيبُ مِسَاحَةٌ مُرَبَّعَةٌ مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَ كُلِّ جَانِبَيْنِ مِنْهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا بِالْهَاشِمِيَّةِ
وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَتُسَمَّى قُبَّةَ الْإِسْلَامِ وَخِزَانَةَ الْعَرَبِ (وَإِنْ كَانَ دَاخِلُهُ فِي حَدِّ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ) لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبِخَةً أَحْيَاهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رضي الله عنهم سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ الْعِرَاقِ (إلَّا مَوْضِعًا غَرْبِيَّ دِجْلَتِهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ، وَيُسَمَّى نَهْرُ الْفُرَاةِ (وَمَوْضِعَ شَرْقِيِّهَا) أَيْ الدِّجْلَةِ وَيُسَمَّى الْفُرَاتُ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَعَكَسَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ذَلِكَ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ) لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي وَقْفِهِ كَمَا مَرَّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَمَحَلُّهُ فِي الْبِنَاءِ دُونَ الْأَرْضِ لِشُمُولِ الْوَقْفِ لَهَا، وَلَيْسَ لِمَنْ بِيَدِهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ فِي أَرْضِ السَّوَادِ أَخْذُ ثِمَارِهَا بَلْ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ، وَيَصْرِفُ أَثْمَانَهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ صَرْفُ نَفْسِهَا بِلَا بَيْعٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا بِأَيْدِيهِمْ بِالْإِجَارَةِ (وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: 22] أَيْ أَهْلُ مَكَّةَ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: 24] بِاَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ: أَيْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ فَأَضَافَ الدِّيَارَ إلَيْهِمْ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِلْمِلْكِ وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» وَاسْتَثْنَى أَفْرَادًا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْأَمَانِ لِلْبَاقِي وَلَمْ يَسْلُبْ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا وَلَا قَسَّمَ عَقَارًا وَلَا مَنْقُولًا، وَلَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَكَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا دَخَلَهَا صلى الله عليه وسلم مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ خَوْفًا مِنْ غَدْرِهِمْ وَنَقْضِهِمْ لِلصُّلْحِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه قَبْلَ دُخُولِهَا.
وَفِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ أَسْفَلَهَا فَتَحَهُ خَالِدٌ عَنْوَةً وَأَعْلَاهَا فَتَحَهُ الزُّبَيْرُ رضي الله عنه صُلْحًا، وَدَخَلَ صلى الله عليه وسلم مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ الْحُكْمُ لَهُ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ (فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ تُبَاعُ) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ، وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا، نَعَمْ الْأَوْلَى عَدَمُ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهُمَا فِي الْأَرْضِ.
أَمَّا الْبِنَاءُ فَلَا خِلَافَ فِي حِلِّ بَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ، وَأَمَّا خَبَرُ «مَكَّةُ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُؤَجَّرُ دُورُهَا» فَضَعِيفٌ خِلَافًا لِلْحَاكِمِ، وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً وَدِمَشْقُ عَنْوَةً عِنْدَ السُّبْكِيّ، وَمَنْقُولُ الرَّافِعِيِّ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ مُدُنَ الشَّامِ صُلْحٌ وَأَرْضَهَا عَنْوَةٌ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِبَقِيَّةِ الْحُبُوبِ، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ تُقْصَدُ لِلزِّرَاعَةِ عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ) أَيْ إلَّا فِي النِّسْبَةِ فَإِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبِخَةً) السَّبِخَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَرْضٌ ذَاتُ سِبَاخٍ.
قُلْتُ: أَرْضٌ سَبِخَةٌ أَيْ ذَاتُ مِلْحٍ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَعَكَسَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ) مِنْهُمْ الْمَحَلِّيُّ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِمَنْ بِيَدِهِ أَشْجَارٌ) أَيْ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ إجَارَةِ الْأَرْضِ، إذْ الْحَادِثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِلْكٌ لِمُحْدِثِهِ، وَالْإِجَارَةُ شَامِلَةٌ لِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ آجَرَ جَرِيبَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالزَّيْتُونِ (قَوْلُهُ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي دَلَالَةِ هَذِهِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْفَتْحِ بَلْ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالدُّورُ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ إذْ ذَاكَ بَلْ مُعَارَضٌ (قَوْلُهُ: وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ) أَيْ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَوَاتٌ أَحْيَوْهُ.
(قَوْلُهُ: رِبَاعُهَا) أَيْ مَنَازِلُهَا (قَوْلُهُ: وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً) أَيْ وَقُرَاهَا وَنَحْوُهَا مِمَّا فِي إقْلِيمِهَا صُلْحًا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ نَقْلًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي فَتَاوِيهِ (قَوْلُهُ: أَنَّ مُدُنَ الشَّامِ) أَيْ أَنَّ فَتْحَ مُدُنِ إلَخْ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُ الْمَتْنِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ) أَيْ فِي الْوَقْفِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يَدْخُلْهَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ شَمَلَهَا الْفَتْحُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا لِابْنِ قَاسِمٍ هُنَا (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَنَّهَا) أَيْ أَرْضَ السَّوَادِ، وَهَذَا فِي الْأَشْجَارِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْإِجَارَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَتُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ.
(قَوْلُهُ: فَأَضَافَ الدِّيَارَ إلَيْهِمْ) فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُنَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً) أَيْ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهَا وُقِفَتْ كَمَا فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا خَرَاجَ فِي أَرَاضِيِهَا لِأَنَّهَا مِلْكُ الْغَانِمِينَ وَمَوْرُوثَةٌ عَنْهُمْ، لَكِنْ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ