الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهَا كَرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَإِجَارَةٍ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ أَنَّهَا مِلْكُ فُلَانٍ الْغَائِبِ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا إنْ ثَبَتَ مِلْكُ الْغَائِبِ فَيَثْبُتُ مِلْكُهُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ مَالٍ لِغَرِيمِهِ حَتَّى يَأْخُذَ دَيْنَهُ مِنْهُ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَيْنِ الَّذِي لَا عَلَقَةَ لَهُ فِيهَا وَهُنَا فِي حَقِّ التَّوَثُّقِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ مَعَ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إنَّمَا حَكَاهُ بِحَسَبِ سَبْقِ نَظَرِهِ، إذْ مَا صَحَّحَهُ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ.
وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هِيَ لِي وَفِي يَدِي فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِهَا ثُمَّ بَانَ كَوْنُهَا فِي غَيْرِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْأَقْرَبُ عَدَمُ نُفُوذِهِ إنْ كَانَ ذُو الْيَدِ حَاضِرًا وَيَنْفُذُ إنْ كَانَ غَائِبًا وَتَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ مَنْ يَدَّعِي حَقًّا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا وَلَا وَلِيًّا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَ يَدَّعِي حَقًّا لِغَيْرِهِ غَيْرَ مُنْتَقَلٍ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُنْتَقِلًا مِنْهُ إلَيْهِ (وَمَا قَبْلَ)(إقْرَارِ عَبْدٍ) أَيْ قِنٍّ (بِهِ كَعُقُوبَةٍ) لِآدَمِيٍّ مِنْ قَوَدٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ أَوْ تَعْزِيرِهِ (فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجَوَابُ) لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِهِ لِقُصُورِ أَثَرِهِ عَلَيْهِ دُونَ سَيِّدِهِ، إمَّا عُقُوبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ (وَمَا لَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ (كَأَرْشٍ) لِعَيْبٍ وَضَمَانِ مُتْلَفٍ (فَعَلَى السَّيِّدِ) الدَّعْوَى بِهِ، وَالْجَوَابُ إذْ مُتَعَلِّقُهُ الرَّقَبَةُ وَهِيَ حَقُّ السَّيِّدِ دُونَ الْقِنِّ فَلَا تُسْمَعُ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَحْلِفُ كَالْمُتَعَلِّقِ بِذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّلِ نَعَمْ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِسَمَاعِهَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، إذْ قَدْ يَمْتَنِعُ إقْرَارُ شَخْصٍ بِشَيْءٍ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ عَلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ السَّفِيهَ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْمِلْكِ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، نَعَمْ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ عَلَى الْقِنِّ فِي نَحْوِ قَتْلِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ بِمَحَلِّ اللَّوْثِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ الدِّيَةِ بِرَقَبَتِهِ إذَا أَقْسَمَ الْوَلِيُّ وَقَدْ يَكُونَانِ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي نِكَاحِهِ وَنِكَاحِ الْمُكَاتَبَةِ لِتَوَقُّفِ ثُبُوتِهِ عَلَى إقْرَارِهِمَا.
(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَضَابِطِ الْحَالِفِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ
(تُغَلَّظُ) نَدْبًا وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْخَصْمُ وَإِنْ أَسْقَطَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي (يَمِينُ مُدَّعٍ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَرْدُودَةُ وَمَعَ الشَّاهِدِ (وَ) يَمِينُ (مُدَّعًى عَلَيْهِ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْ أَحَدِهِمَا حَلِفٌ بِنَحْوِ طَلَاقٍ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَمِينًا مُغَلَّظَةً وَإِلَّا فَلَا تَغْلِيظَ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: إلَّا إنْ ثَبَتَ مِلْكُ الْغَائِبِ) وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ مَالِ الْغَرِيمِ
(قَوْلُهُ: تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الْقَضَاءِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْغَائِبُ مُنْكِرًا أَوْ مُتَوَارِيًا أَوْ مُتَعَزِّزًا أَوْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونَانِ عَلَيْهِمَا) أَيْ السَّيِّدِ وَالْقِنِّ.
(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَضَابِطِ الْحَالِفِ.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ إلَخْ) وَظَاهِرٌ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى لَوْثٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا تَغْلِيظٌ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ مَالٍ لِغَرِيمِهِ) يَعْنِي مَا مَرَّ ثَانِيًا فِي كَلَامِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ لَهُ قَبْلَهُ أَنَّ لَهُ إثْبَاتَ الْعَيْنِ كَمَا هُنَا وَمَرَّ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ) عَدَمُ انْصِرَافِ الْخُصُومَةِ، إذْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْضًا خِلَافٌ هَلْ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ أَوْ حَاضِرٍ؟ صَحَّ مِنْهُمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الثَّانِي، وَإِلَّا فَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ انْصِرَافِ الْخُصُومَةِ إنَّمَا هُوَ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ الدِّيَةِ بِرَقَبَتِهِ) هُوَ تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ قَبُولِ إقْرَارِهِ.
وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: فَإِنَّهَا أَيْ الدَّعْوَى تَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُقْسِمُ، وَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ انْتَهَتْ.
فَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُقْسِمُ تَعْلِيلٌ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ: أَيْ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَا سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا تَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ، لِأَنَّ مِنْ ثَمَرَاتِ سَمَاعِ الدَّعْوَى تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْلِفُ فِيمَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ فِيهِ، وَهُنَا لِمَا لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ عَلَيْهِ سُمِعَتْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ.
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَضَابِطِ الْحَالِفِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ]
(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ
وَالْأَوْجَهُ تَصْدِيقُهُ فِي ذَلِكَ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَلِفِهِ طَلَاقُهُ ظَاهِرًا فَسَاوَى الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ (فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ) كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَلِعَانٍ وَقَوَدٍ وَعِتْقٍ وَوَلَاءٍ وَوَكَالَةٍ وَلَوْ فِي دِرْهَمٍ وَسَائِرُ مَا مَرَّ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِلزَّجْرِ عَنْ التَّعَدِّي فَغُلِّظَ مُبَالَغَةً وَتَأْكِيدًا لِلرَّدْعِ فِيمَا هُوَ مُتَأَكِّدٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ، وَمَا فِي قَوْلِهِ (وَفِي مَالٍ) أَوْ حَقِّهِ كَأَجَلٍ وَخِيَارٍ حَيْثُ (يَبْلُغُ) الْمَالُ (نِصَابَ زَكَاةٍ) وَهُوَ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَمَا عَدَاهُمَا أَنْ يَبْلُغَ قِيمَتُهُ أَحَدَهُمَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فَقَالَ أَعَلَى دَمٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ فَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: خَشِيت أَنْ يُتَهَاوَنَ بِهَذَا الْمَقَامِ فَخَرَجَ بِالْمَالِ الِاخْتِصَاصُ وَبِالنِّصَابِ مَا دُونَهُ، كَأَنْ اخْتَلَفَا مُتَبَايِعَانِ فِي ثَمَنٍ فَقَالَ الْبَائِعُ: عِشْرُونَ وَالْمُشْتَرِي عَشَرَةٌ لِأَنَّ التَّنَازُعَ إنَّمَا هُوَ فِي عَشَرَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقِيرٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ مُوَاسَاةٌ، نَعَمْ لَوْ رَآهُ الْحَاكِمُ لِجَرَاءَةٍ فِي الْحَالِفِ فَعَلَهُ وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مُطْلَقًا (وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي) كِتَابِ (اللِّعَانِ) بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَغَيْرِهِمَا، نَعَمْ التَّغْلِيظُ بِحُضُورِ جَمْعٍ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ وَبِتَكْرِيرِ اللَّفْظِ لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا، وَيُنْدَبُ بِزِيَادَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَيْضًا وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] وَأَنْ يُوضَعَ الْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ وَيَحْلِفُ الذِّمِّيُّ بِمَا يُعَظِّمُهُ مِمَّا نَرَاهُ بِحَقٍّ لَا هُوَ، وَلَا يَجُوزُ التَّحْلِيفُ بِنَحْوِ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ بَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ عَزْلُ مَا فَعَلَهُ: أَيْ حَيْثُ كَانَ يَعْتَقِدُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ يَخْتَصُّ التَّغْلِيظُ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَمَا لَوْ ادَّعَى قِنٌّ عَلَى سَيِّدِهِ عِتْقًا أَوْ كِتَابَةً فَأَنْكَرَهُ السَّيِّدُ فَتُغَلَّظُ عَلَيْهِ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، فَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْقِنِّ غُلِّظَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِأَنَّ دَعْوَاهُ لَيْسَتْ بِمَالٍ.
(وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ) وَهُوَ الْجَزْمُ فِيمَا لَيْسَ بِفِعْلِهِ وَلَا فِعْلِ غَيْرِهِ كَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَانَ هَذَا غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ التَّلَفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ مَعَ أَنَّ التَّلَفَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ أَحَدٍ، وَ (فِي فِعْلِهِ) نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا لِإِحَاطَتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ وَإِنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ حَالَةَ جُنُونِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ (وَكَذَا فِعْلِ غَيْرِهِ إنْ كَانَ إثْبَاتًا) كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ وَغَصْبٍ لِتَيَسُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ نَفْيًا) غَيْرَ مَحْصُورٍ (فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) كَلَا أَعْلَمُهُ فَعَلَ كَذَا لِعُسْرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالنَّفْيِ حَيْثُ كَانَ غَيْرَ مَحْصُورٍ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي الْيَمِينِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِلْقَاضِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ تَصْدِيقُهُ) أَيْ فِي أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبِالنِّصَابِ مَا دُونَهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لِيَتِيمٍ أَوْ لِوَقْفٍ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ رَآهُ الْحَاكِمُ) أَيْ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ بَلَغَ نِصَابًا أَمْ لَا، وَشَمِلَ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصَ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُوضَعَ الْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ) أَيْ وَلَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَخْوِيفُهُ بِحَلِفِهِ بِحَضْرَةِ الْمُصْحَفِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ التَّحْلِيفُ) أَيْ مِنْ الْقَاضِي، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ حَيْثُ لَا إكْرَاهَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَتَغْلُظُ عَلَيْهِ) أَيْ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَعْوَاهُ لَيْسَتْ بِمَالٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ حَلِفُهُ مُفَوِّتًا لِلْمَالِ عَلَى السَّيِّدِ
(قَوْلُهُ: كَلَا أَعْلَمُهُ فَعَلَ كَذَا) أَيْ غَيْرِي
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي دِرْهَمٍ) أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَكَالَةِ إنَّمَا هُوَ الْوِلَايَةُ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ) هَذَا التَّعْبِيرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ بِغَيْرِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَانْظُرْ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَمَا وَجْهُهُ
(قَوْلُهُ: كَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَانَ هَذَا غُرَابًا فَأَنْت طَالِقٌ) أَيْ ثُمَّ ادَّعَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ أَنَّ الطَّائِرَ كَانَ غُرَابًا فَأَنْكَرَ لِيَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا لَمْ تَطْلُعْ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالنَّفْيِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: لَا مُخَالَفَةٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يُحْتَاجَ لِلْفَرْقِ، فَكَمَا لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ لَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قُلْت: مُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّ النَّفْيَ غَيْرَ الْمَحْصُورِ وَأَنَّهُ فِيهِ
بِأَدْنَى ظَنٍّ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الظَّنِّ الْقَوِيِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْعِلْمِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا الْمَحْصُورُ فَيَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَجْوِيزِهِمْ الشَّهَادَةَ بِهِ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ: وَقَدْ يُكَلَّفُ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ النَّفْيَ كَحَلِفِ الْبَائِعِ أَنَّ عَبْدَهُ لَمْ يَأْبَقْ مَثَلًا وَكَحَلِفِ مُدَّعِي النَّسَبِ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مَثَلًا وَحَلِفِ مَدِينٍ أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَنَّ صَاحِبَهُ بِهِ عَيْبٌ رُدَّ أَوَّلُهُ بِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ عَبْدِهِ وَالْحَلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ وَلَوْ نَفْيًا، وَثَانِيهِ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ إثْبَاتٌ وَالْحَلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ، وَثَالِثُهُ نَفْيُ الْمِلْكِ نَفْسِهِ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَرَابِعُهُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ تَعَالَى وَهُوَ حَلِفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إثْبَاتًا، قَالَ: وَالضَّابِطُ أَنَّهُ يَحْلِفُ بَتًّا فِي كُلِّ يَمِينٍ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَارِثِ فِيمَا يَنْفِيهِ، وَكَذَا الْعَاقِلَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَا فِي الْقَاتِلِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَسَائِلَ مَرَّتْ فِي الْوَكِيلِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَفِي الْوَكَالَةِ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعِشْرِينَ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ طَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمَبِيعَ فَادَّعَى عَجْزَهُ الْآنَ عَنْهُ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ لِعَجْزِهِ.
(وَلَوْ)(ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ: أَبْرَأَنِي) مِنْهُ أَوْ اسْتَوْفَاهُ أَوْ أَحَالَ بِهِ مَثَلًا (حَلَفَ عَلَى) الْبَتِّ إنْ شَاءَ أَوْ عَلَى (نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ) لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَيُشْتَرَطُ هُنَا وَفِي كُلِّ مَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ التَّعَرُّضُ فِي الدَّعْوَى لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّهُ إنْ عَلِمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُهُ وَإِلَّا لَمْ يَسُغْ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُ أَيْ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُوَجِّهَ إطْلَاقَهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى حَقِّهِ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ هُوَ فَسُومِحَ لَهُ فِيهِ.
(وَلَوْ)(قَالَ: جَنَى عَبْدُكَ) أَيْ قِنُّكَ (عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا)(فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ) إنْ أَنْكَرَ لِأَنَّ قِنَّهُ مَالُهُ وَفِعْلُهُ كَفِعْلِ نَفْسِهِ وَلِذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالثَّانِي عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ، أَمَّا فِعْلُ قِنٍّ مَجْنُونٍ أَوْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ فَيَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا لِأَنَّهُ كَالْبَهِيمَةِ.
(قُلْت: وَلَوْ)(قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُكَ) عَلَى زَرْعِي مَثَلًا (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهَا فَكَانَ مِنْ فِعْلِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَتْ بِيَدِ مَنْ يَضْمَنُ فِعْلَهَا كَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ فَالدَّعْوَى وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الْأَجِيرِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: كَحَلِفِ الْبَائِعِ أَنَّ عَبْدَهُ لَمْ يَأْبَقْ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: أَبَقَ الْعَبْدُ يَأْبِقُ وَيَأْبَقُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا (قَوْلُهُ: رُدَّ أَوَّلُهُ) قَضِيَّةُ الرَّدِّ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْبَائِعَ يُكَلَّفُ الْحَلِفَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَا أَبَقَ عِنْدَهُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ أَبْقَاهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ مَا يَلْزَمُنِي قَبُولُهُ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الرَّدِّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ السَّبَبَ كُلِّفَ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتِّ فَلَا يُنَافِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِنَحْوِ لَا يَلْزَمُنِي قَبُولُهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَاقَى الْقَاتِلَ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي
وَقَوْلُهُ: حَلَفَ: أَيْ: الْوَارِثُ (قَوْلُهُ: أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَقُلْ أَنْتَ تَعْلَمُهُ وَصَمَّمَ عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ أَبْرَأَنِي مُوَرِّثُكَ هَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَوْ يَحْلِفُ الْآنَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِتَصْمِيمِ الْمُدَّعِي عَلَى عَدَمِ نِسْبَةِ الْعِلْمِ إلَيْهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي أَنْتَ تَعْلَمُ الْأَوَّلَ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: جَنَى عَبْدُكَ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَلَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
قُلْت: هَذَا مَعَ أَنَّهُ لَا تَقْبَلُهُ الْعِبَارَةُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ لَا يُلَائِمُهُ التَّعْلِيلُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ ابْنُهُ مَثَلًا) اُنْظُرْ أَيَّ نَفْيٍ فِي هَذَا (قَوْلُهُ: فِيمَا يَنْفِيهِ) أَيْ مِنْ فِعْلِ الْمُوَرِّثِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَاقِلَةُ) أَيْ تَحْلِفُ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَا فِي الْقَاتِلِ) اُنْظُرْ مَفْهُومَهُ
(قَوْلُهُ: أَوْ مُعْتَقِدٌ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ) أَيْ وَالْآمِرُ السَّيِّدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، أَمَّا إذَا كَانَ الْآمِرُ غَيْرَهُ فَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَمْرَ مَنُوطٌ بِهِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْأَجِيرِ) أَيْ الصَّادِقَةِ بِهِ عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ
(وَيَجُوزُ الْبَتُّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يُعْتَمَدُ) فِيهِ (خَطُّهُ أَوْ خَطُّ أَبِيهِ) أَوْ مُوَرِّثِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِ بِحَيْثُ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ بِسَبَبِهِ وُقُوعُ مَا فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ وَجَدَ فِيهِ مَكْتُوبًا أَنَّ عَلَيَّ لِفُلَانٍ كَذَا لَمْ يَحْلِفْ عَلَى نَفْيِهِ بَلْ يُطَيِّبُ خَاطِرَهُ بِدَفْعِهِ، وَمِنْ الْأَغْرَاضِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْحَلِفِ أَيْضًا نُكُولُ خَصْمِهِ: أَيْ الَّذِي لَا يَتَوَرَّعُ مِثْلُهُ عَنْ الْيَمِينِ، وَهُوَ مُحِقٌّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ جَوَازُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَهُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَقَلَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي أَوَائِلِ الْقَضَاءِ عَنْ الشَّامِلِ اشْتِرَاطَ التَّذَكُّرِ.
(وَيُعْتَبَرُ) فِي الْيَمِينِ مُوَالَاتُهَا وَطَلَبُ الْخَصْمِ لَهَا مِنْ الْحَاكِمِ وَطَلَبُ الْحَاكِمِ لَهَا مِمَّنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ وَ (نِيَّةُ الْقَاضِي) أَوْ نَائِبِهِ أَوْ الْمُحَكَّمِ أَوْ الْمَنْصُوبِ لِلْمَظَالِمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ (الْمُسْتَحْلِفُ) وَاعْتِقَادِهِ مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ مُقَلِّدًا لَا نِيَّةُ الْحَالِفِ وَاعْتِقَادِهِ مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ مُقَلِّدًا أَيْضًا لِئَلَّا تَبْطُلَ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَتَضِيعَ الْحُقُوقُ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلَفِ» وَحُمِلَ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِحْلَافِ أَمَّا لَوْ حَلَّفَهُ نَحْوُ غَرِيمِهِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي التَّحْلِيفِ أَوْ حَلَفَ هُوَ ابْتِدَاءً فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ وَإِنْ أَثِمَ بِهَا حَيْثُ أَبْطَلَتْ حَقَّ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ «يَمِينُك مَا يُصَدِّقُك عَلَيْهِ صَاحِبُك» .
(فَلَوْ)(وَرَّى) الْحَالِفُ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَظْلِمْهُ خَصْمُهُ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ (أَوْ تَأَوَّلَ خِلَافَهَا) أَيْ الْيَمِينِ (أَوْ اسْتَثْنَى) أَوْ وَصَلَ بِاللَّفْظِ شَرْطًا (بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي لَمْ يُدْفَعْ) عَنْهُ (إثْمُ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ) وَإِلَّا لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْيَمِينِ مِنْ أَنَّهُ يَهَابُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا مَنْ حَلَفَ بِنَحْوِ طَلَاقٍ فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ وَالتَّأْوِيلُ، وَأَمَّا مَنْ ظَلَمَهُ خَصْمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَحَلَفَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا: أَيْ تَسْلِيمِهِ الْآنَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُحَلِّفُ يَرَى ذَلِكَ مَذْهَبًا اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ حِينَئِذٍ، وَالتَّوْرِيَةُ قَصْدُ مَجَازٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْعَاقِلُ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ أَمَّا فِعْلُ إلَخْ
(قَوْلُهُ: بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ) أَيْ قَوِيٍّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُحِقٌّ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُحِقٌّ: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحِقًّا فِيمَا يَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْيَمِينِ وَرُدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي كَانَ الرَّدُّ مَسُوغًا لِحَلِفِ الْمُدَّعِي عَلَى الْبَتِّ، لِأَنَّ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَوْصُوفَ بِمَا ذُكِرَ يُفِيدُ الْمُدَّعِي الظَّنَّ الْمُؤَكَّدَ بِثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي الْيَمِينِ مُوَالَاتُهَا) أَيْ عُرْفًا، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ عُرْفُهُمْ فِيمَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ اهـ حَجّ رحمه الله وَالْمُرَادُ بِالْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَقَوْلِهِ مَا فَعَلْت كَذَا مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَنِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ مُحِقًّا فِيمَا نَوَاهُ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ لَا بِنِيَّةِ الْقَاضِي، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ كَذَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَسَأَلَ رَدَّهُ وَكَانَ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ فَقَالَ خَصْمُهُ لِلْقَاضِي: حَلِّفْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَالِي شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي وَكَانَ الْقَاضِي يَرَى إجَابَتَهُ لِذَلِكَ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَنْوِي بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ لَا يُنَافِي مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ تَحْلِيفِ الْحَنَفِيِّ الشَّافِعِيَّ عَلَى شُفْعَةِ الْجِوَارِ فَتَأَمَّلْ اهـ شَرْحُ رَوْضٍ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَظْلِمْهُ خَصْمُهُ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلٍّ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ) أَيْ أَمَّا مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ كَبَعْضِ الْعُظَمَاءِ أَوْ الظَّلَمَةِ فَتَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَثِمَ الْحَالِفُ إنْ لَزِمَ مِنْهَا تَفْوِيتُ حَقٍّ، وَمِنْهُ الْمِشَدُّ وَشُيُوخُ الْبُلْدَانِ وَالْأَسْوَاقِ فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِاَللَّهِ (قَوْلُهُ: فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْ حَلَفَ بِنَحْوِ طَلَاقٍ) أَيْ مِنْ الْحَاكِمِ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ، وَنَقَلَ ذَلِكَ حَجّ وَنَازَعَ فِيهِ، وَقُوَّةُ كَلَامِهِ تُفِيدُ اعْتِمَادَ الْمُنَازَعَةِ ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ نَعَمْ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ) أَيْ الْمُسْتَحْلَفِ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فِيهِ) فِي هَذَا تَغْيِيرُ مَوْضُوعِ الْمَتْنِ إذْ يَصِيرُ ضَمِيرُ يَعْتَمِدُ لِلشَّخْصِ بَعْدَ أَنْ كَانَ لِلظَّنِّ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ الظَّنُّ بَدَلَ قَوْلِهِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُحَلِّفُ إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَأَمَّا مَنْ ظَلَمَهُ خَصْمُهُ إلَخْ فَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ مَحَلِّهِ
هُجِرَ لَفْظُهُ دُونَ حَقِيقَتِهِ كَمَا لَهُ عِنْدِي دِرْهَمٌ: أَيْ قَبِيلَةٌ أَوْ قَمِيصٌ: أَيْ غِشَاءُ الْقَلْبِ أَوْ ثَوْبٌ: أَيْ رُجُوعٌ وَهُوَ هُنَا اعْتِقَادٌ خِلَافَ ظَاهِرِهِ لِشُبْهَةٍ عِنْدَهُ وَاسْتِشْكَالُ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي الْمَاضِي، إذْ لَا يُقَالُ: أَتْلَفْت كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رُجُوعُهُ لِعَقْدِ الْيَمِينِ وَخَرَجَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ مَا لَوْ سَمِعَهُ فَيَعْذِرُهُ وَيُعِيدُ الْيَمِينَ وَلَوْ وَصَلَ بِهَا كَلَامًا لَمْ يَفْهَمْهُ الْقَاضِي مَنَعَهُ وَأَعَادَهَا.
وَضَابِطُ مَنْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى أَوْ النُّكُولِ أَنَّهُ كُلُّ (مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ) أَيْ دَعْوَى صَحِيحَةٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، أَوْ الْمُرَادُ طُلِبَتْ مِنْهُ يَمِينٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَطَلَبِ قَاذِفٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ عَيْنُ الْمَقْذُوفِ أَوْ وُرَّاثِهِ أَنَّهُ مَا زَنَى وَحِينَئِذٍ فَعِبَارَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ فَزَعْمُ أَنَّهَا سَبْقُ قَلَمٍ غَيْرُ صَحِيحٍ وَ (لَوْ)(أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا) أَيْ الْيَمِينِ أَوْ الدَّعْوَى لِأَنَّ مُؤَادَهُمَا وَاحِدٌ (لَزِمَهُ) وَحِينَئِذٍ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَذَلِكَ (فَأَنْكَرَهُ حَلَفَ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ.
وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى لَمْ يُحَلِّفْهُ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْهَا لَا مَعْنَى لَهُ.
وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِهَا فَادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِ، بَلْ إنْ ادَّعَتْ فُرْقَةً حَلَفَ عَلَى نَفْيِهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ شُفْعَةً فَقَالَ: إنَّمَا اشْتَرَيْت لِابْنِي لَمْ يَحْلِفْ.
وَلَوْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَادَّعَى أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ دَيْنَهُ لَمْ يَحْلِفُوا، أَوْ ادَّعَتْ أَمَةٌ الْوَطْءَ وَأُمِّيَّةَ الْوَلَدِ فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَصْلَ الْوَطْءِ لَمْ يَحْلِفْ، وَمَرَّ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ فِيهَا يَمِينٌ أَصْلًا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ بَلَغَ رَشِيدًا وَأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينَهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ انْعَزَلَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رُشْدُ الِابْنِ بِإِقْرَارِ أَبِيهِ أَوْ عَلَى قَاضٍ أَنَّهُ زَوَّجَهُ مَجْنُونَةً فَأَنْكَرَ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ قُبِلَ أَوْ الْإِمَامُ عَلَى السَّاعِي أَنَّهُ قَبَضَ زَكَاةً فَأَنْكَرَ لَمْ يَحْلِفْ أَيْضًا.
وَلَوْ ثَبَتَ لِزَيْدٍ دَيْنٌ عَلَى عَمْرٍو فَادَّعَى عَلَى خَالِدٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي بِيَدِك لِعَمْرٍو فَقَالَ: بَلْ لِي لَمْ يَحْلِفْ لِاحْتِمَالِ رَدِّهِ الْيَمِينَ عَلَى زَيْدٍ فَيَحْلِفُ فَيُفْضَى لِمَحْذُورٍ وَهُوَ إثْبَاتُ مِلْكٍ لِشَخْصٍ بِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَصَدَ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ لَمْ تُسْمَعْ وَنَظَرَ فِيهِ الشَّيْخُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ أَقَرَّ خَالِدٌ بِأَنَّ الثَّوْبَ لِعَمْرٍو بِيعَ فِي الدَّيْنِ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَى مَيِّتٍ فَأَثْبَتَهُ وَحَكَمَ لَهُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ بِمَحْضَرٍ يَتَضَمَّنُ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَهُ لِيَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ الْوَارِثُ فِي إثْبَاتِهِ فَالْأَحْسَنُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ السُّبْكِيُّ فَقَالَ: لِلْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ وَالدَّائِنِ الْمُطَالَبَةُ بِحُقُوقِ الْمَيِّتِ انْتَهَى وَمَرَّ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ لِلدَّائِنِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَرِيمِهِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ لَا يُخَالِفُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَيْ قَبِيلَةٌ) فِي نُسْخَةٍ صِلَةٌ وَعِبَارَةُ حَجّ دِرْهَمٌ: أَيْ قَبِيلَةٌ، كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ، وَاَلَّذِي فِي الْقَامُوسِ إطْلَاقُهُ عَلَى الْحَدِيقَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَبِيلَةَ وَهُوَ الْأَنْسَبُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَاسْتِشْكَالُ الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ اسْتَثْنَى
(قَوْلُهُ: لَمْ يُحَلِّفْهُ) أَيْ لَمْ يُحَلِّفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِيَ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْهَا: أَيْ الدَّعْوَى
(قَوْلُهُ: لَمْ يَحْلِفْ) أَيْ وَيُؤْخَذُ الشِّقْصُ مِنْ الِابْنِ بِمَا اشْتَرَى بِهِ لَهُ
(قَوْلُهُ: لَمْ يَحْلِفُوا) أَيْ بَلْ يَطْلُبُ مِنْهُ إثْبَاتَ الدَّيْنِ فَإِنْ أَثْبَتَهُ زَاحَمَهُمْ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَصْلَ الْوَطْءِ لَمْ يَحْلِفْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِتَقْدِيرِ إقْرَارِهِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَقُ بِالْمَوْتِ، نَعَمْ لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا فَادَّعَتْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي تَحْلِيفُهُ لِأَنَّ بَيْعَهَا قَدْ يُفَوِّتُ عِتْقَهَا إذَا مَاتَ السَّيِّدُ
(قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ تَنْظِيرُ الشَّيْخِ وَهَذَا التَّأْيِيدُ مُعْتَمَدٌ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ جَاءَ بِمَحْضَرٍ: أَيْ حُجَّةٍ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: خِلَافُ ظَاهِرِهِ) أَيْ اللَّفْظِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى) قَصْدُهُ بِهَذَا اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى مِنْ مَدْخُولِ الضَّابِطِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ النَّظَرَ
(قَوْلُهُ: بِحُقُوقِ الْمَيِّتِ) شَمَلَ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ، لَكِنَّ الشَّارِعَ حَمَلَهُ عَلَى الْعَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ: أَيْ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ لَيْسَ إلَّا فِي الْعَيْنِ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ (قَوْلُهُ وَمَرَّ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ لِلدَّائِنِ إلَخْ) لَمْ يَمُرَّ ذَلِكَ بَلْ الَّذِي مَرَّ لَهُ فِي شُرُوطِ الدَّعْوَى أَنَّهُ
ذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَخَرَجَ بِلَوْ أَقَرَّ إلَى آخِرِهِ نَائِبُ الْمَالِكِ كَوَصِيٍّ وَوَكِيلٍ فَلَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. نَعَمْ لَوْ جَرَى عَقْدٌ بَيْنَ وَكِيلَيْنِ تَحَالَفَا كَمَا مَرَّ وَهَذَا مُسْتَثْنًى أَيْضًا، وَكَالْوَصِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ فَالدَّعْوَى عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَحْوِهِمْ إنَّمَا هِيَ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إذْ إقْرَارُهُمْ لَا يُقْبَلُ وَلَا يَحْلِفُونَ إنْ أَنْكَرُوا وَلَوْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ وَارِثًا.
وَلَوْ أَوْصَتْ غَيْرَ زَوْجِهَا فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالزَّوْجِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُسْمَعُ غَالِبًا عَلَى مَنْ لَوْ أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ قَبْلُ، وَهَذَا لَوْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْتَقًا أَوْ ابْنَ عَمٍّ وَآخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ وَكَالَةَ مُدَّعٍ لَمْ يُحَلِّفْهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِأَنَّ لَهُ طَلَبَ إثْبَاتِهَا وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا.
(وَلَا يَحْلِفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ فِي حُكْمِهِ وَلَا شَاهِدَ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ) لِارْتِفَاعِ مَنْصِبِهِمَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا لَوْ أَقَرَّا بِنَفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ لَا يَنْفَعُ الْمُدَّعِيَ، وَعَدَلَ عَنْ تَصْرِيحِ أَصْلِهِ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِخُرُوجِ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذَيْنِ لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِمَا الدَّعْوَى بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي حُكْمِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ فِيهِ كَغَيْرِهِ.
(وَلَوْ)(قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ: أَنَا صَبِيٌّ) وَالْوَقْتُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (لَمْ يَحْلِفْ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ صِبَاهُ وَالصَّبِيُّ لَا يَحْلِفُ (وَوُقِّفَ) الْأَمْرُ (حَتَّى يَبْلُغَ) ثُمَّ يُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ فِي وَقْتِ احْتِمَالِهِ قُبِلَ، وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الضَّابِطِ، نَعَمْ لَوْ سُبِيَ كَافِرٌ فَأَنْبَتَ فَادَّعَى اسْتِعْجَالَ الْإِنْبَاتِ بِدَوَاءٍ حَلَفَ، فَإِنْ نَكَلَ قُتِلَ.
(وَالْيَمِينُ تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فِي الْحَالِ لَا بَرَاءَةَ) مِنْ الْحَقِّ لِأَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم أَمَرَ حَالِفًا بِالْخُرُوجِ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ» أَيْ كَأَنَّهُ عَلِمَ كَذِبَهُ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ (فَلَوْ)(حَلَّفَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً) بِمُدَّعَاهُ أَوْ شَاهِدًا لِيَحْلِفَ مَعَهُ (حُكِمَ بِهَا) وَكَذَا لَوْ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى فَنَكَلَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً، وَالْحَصْرُ فِي خَبَرِ «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ» إنَّمَا هُوَ حَصْرٌ لِحَقِّهِ فِي النَّوْعَيْنِ: أَيْ لَا ثَالِثَ لَهُمَا. وَأَمَّا مَنْعُ جَمْعِهِمَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْخَبَرِ عَلَيْهِ، وَقَدْ لَا تُفِيدُهُ الْبَيِّنَةُ كَمَا لَوْ أَجَابَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ، فَلَا تُفِيدُ الْمُدَّعِيَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَلَوْ اشْتَمَلَتْ الدَّعْوَى عَلَى حُقُوقٍ فَلَهُ التَّحْلِيفُ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ لَا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا يَمِينًا مُسْتَقِلَّةً مَا لَمْ يُفَرِّقْهَا فِي دَعَاوَى كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يُكَلَّفُ جَمْعَهَا فِي دَعْوَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ) أَيْ بِأَنَّ الْعَيْنَ انْحَصَرَ حَقُّهُ فِيهَا وَلَا تَشْتَبِهُ بِغَيْرِهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ) أَيْ وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُمْ) كَالْوَدِيعِ وَالْقَيِّمِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَتْ) أَيْ وَمَاتَتْ (قَوْلُهُ: فَادَّعَى) أَيْ شَخْصٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ ابْنُ عَمِّهَا) أَيْ لِيَرِثَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَهُنَا لَوْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْوَصِيُّ أَوْ الزَّوْجُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّسَبَ) إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: أَيْ الْمُدَّعِي لِلنَّسَبِ لِأَنَّهُ الْوَارِثُ فِي زَعْمِهِ وَإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّسَبِ لَا أَثَرَ لَهُ
(قَوْلُهُ: لِارْتِفَاعِ مَنْصِبِهِمَا عَنْ ذَلِكَ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ فِي التَّوْرِيَةِ يَحْلِفُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ) هُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلِفُ قَاضٍ إلَخْ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مَعْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ إلَخْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِشَيْءٍ لِلْغَرِيمِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا، وَحُمِلَ كَلَامُ السُّبْكِيّ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَقُّ ثَابِتًا فَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُوَفِّيَهُ مِنْهُ، وَمَرَّ فِي هَامِشِهِ أَنَّ ابْنَ قَاسِمٍ ذَكَرَ أَنَّهُ بَحَثَ مَعَهُ فِي الْحَمْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فَبَالَغَ فِي إنْكَارِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُسْتَثْنًى أَيْضًا) أَيْ مِنْ الْمَفْهُومِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَنْطُوقِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَإِنْ كَانَا لَوْ أَقَرَّ انْتَفَعَ الْمُدَّعِي بِهِ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ) أَيْ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبُلُوغِ لَيْسَ مَقْصُودَ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِالْبُلُوغِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ وَإِنْ تَوَقَّفَ الْمَقْصُودُ عَلَى الْبُلُوغِ
وَاحِدَةٍ.
وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً ثُمَّ قَالَ: هِيَ مُبْطَلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ سَقَطَ تَمَسُّكُهُ بِهَا لَا أَصْلُ الدَّعْوَى (وَلَوْ)(قَالَ) : مَنْ تَوَجَّهَتْ لَهُ يَمِينٌ أَبْرَأْتُك عَنْهَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الدَّعْوَى فَقَطْ فَلَهُ اسْتِئْنَافُ دَعْوَى وَتَحْلِيفُهُ. .
وَإِنْ قَالَ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الَّذِي طَلَبَ تَحْلِيفَهُ: (قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً) عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَطْلَقَ (فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي) عَلَيْهَا (مُكِّنَ) مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَيُرِيدُ إقَامَتَهَا فَيُمْهَلُ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَا يُجَابُ الْمُدَّعِي لَوْ قَالَ قَدْ: حَلَّفَنِي أَنِّي لَمْ أُحَلِّفْهُ فَلْيَحْلِفْ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ الْأَمْرُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الرَّدِّ وَانْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنَّهُ مَا حَلَّفَهُ، وَهَكَذَا فَيَدُورُ الْأَمْرُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ: قَدْ حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ، فَإِنْ قَالَ: عِنْدَك أَيُّهَا الْقَاضِي فَإِنْ حَفِظَ الْقَاضِي ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ وَمَنَعَ الْمُدَّعِيَ مِمَّا طَلَبَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ حَلَّفَهُ وَلَا تَنْفَعُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى تَذَكَّرَ حُكْمَهُ أَمْضَاهُ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ الْبَيِّنَةَ وَلَوْ قَالَ لِلْمُدَّعِي: قَدْ حَلَّفْت أَبِي أَوْ بَائِعِي عَلَى هَذَا مُكِّنَ مِنْ تَحْلِيفِهِ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ هُوَ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى مُقِرٍّ لَهُ بِدَارٍ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَقَالَ: هِيَ مِلْكِي لَا مِلْكُ الْمُقِرِّ لَك فَقَالَ: قَدْ حَلَّفْتُهُ فَاحْلِفْ أَنَّك لَمْ تُحَلِّفْهُ فَيُمَكَّنُ مِنْ تَحْلِيفِهِ.
(وَإِذَا)(أَنْكَرَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ فَأُمِرَ بِالْحَلِفِ فَامْتَنَعَ (وَنَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (حَلَفَ الْمُدَّعِي) بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي لَهُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا عَنْ نَفْسِهِ لِتَحَوُّلِ الْيَمِينِ إلَيْهِ (وَقَضَى لَهُ) بِالْمُدَّعَى بِهِ: أَيْ مُكِّنَ مِنْهُ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ بَعْدَ الْيَمِينِ إلَى الْقَضَاءِ لَهُ بِهِ (وَلَا يَقْضِي) لَهُ (بِنُكُولِهِ) أَيْ الْخَصْمِ وَحْدَهُ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ مِنْ الْقَضَاءِ بِهِ وَحْدَهُ رُدَّ بِنَقْلِ مَالِكٍ رضي الله عنهم فِي مُوَطَّئِهِ الْإِجْمَاعَ قَبْلَهُمَا عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمَا، وَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ. .
(وَالنُّكُولُ) يَحْصُلُ بِأُمُورٍ مِنْهَا (أَنْ يَقُولَ) بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ: (أَنَا نَاكِلٌ أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ فَيَقُولَ: لَا أَحْلِفُ) لِصَرَاحَتِهِمَا فِيهِ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ طَلَبَ الْعَوْدَ إلَى الْحَلِفِ وَلَمْ يَرْضَ الْمُدَّعِي لَمْ يَجِبْ كَمَا اعْتَمَدَهُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ جَمْعٌ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ اعْتِبَارَ الْحُكْمِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: سَقَطَ تَمَسُّكُهُ بِهَا) أَيْ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَلَا تَنْفَعُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ) أَيْ التَّحْلِيفِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ) أَيْ الشَّخْصُ
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُدَّعِيًا عَنْ نَفْسِهِ) قُيِّدَ بِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ دَيْنًا لَهُ عَلَى آخَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: الْإِجْمَاعَ قَبْلَهُمَا) أَيْ الْإِجْمَاعَ الْكَائِنَ قَبْلَهُمَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ (قَوْلُهُ: رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ) أَيْ وَقَضَى لَهُ بِهِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِالنُّكُولِ
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ طَلَبَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: الْعَوْدَ إلَى الْحَلِفِ) أَيْ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالنُّكُولِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَيُرِيدُ إقَامَتَهَا) يُتَأَمَّلُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ) أَيْ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا مِلْكُ الْمُقِرِّ لَك) لَعَلَّ الْوَجْهَ لَا مِلْكُك لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ الْحَقِّ السَّابِقِ، وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: لَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِدَارٍ فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى بِهَا عَلَى الْمَقَرِّ لَهُ فَأَجَابَهُ بِأَنَّك حَلَّفْت الَّذِي أَقَرَّ لِي بِهَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَهُ تَحْلِيفُهُ قَالَ: وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً تُسْمَعُ، وَإِنْ نَكَلَ فَلِلْمَقَرِّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ حَلَّفَهُ، هَذَا إذَا ادَّعَى مُفَسِّرًا بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مِلْكِي مُنْذُ كَذَا وَلَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِمَنْ تُلُقِّيَتْ مِنْهُ، فَأَمَّا إذَا ادَّعَى مُطْلَقًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك حَلَّفْت مَنْ تَلَقَّيْت الْمِلْكَ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ الدَّارِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مِمَّنْ تَلْقَى الْمِلْكَ مِنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ كَمَا اعْتَمَدَهُ) أَيْ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ ثَلَاثًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّهَابَ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ عَقِبَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَسَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْهَرَبِ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمَا هُنَا لَمْ يَجِبْ مَا إذَا وَجَّهَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَلَوْ بِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ لِيُحَلِّفَهُ. فَقَوْلُهُ شَيْخُنَا كَغَيْرِهِ هُنَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مُرَادُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ بِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِمَّا حَاصِلُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالسُّكُوتُ الْآتِي فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي حَقِيقَةً أَوْ تَنْزِيلًا، وَالشَّارِحُ أَسْقَطَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ فِيمَا
لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ، وَمِنْ النُّكُولِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لَهُ: قُلْ بِاَللَّهِ فَيَقُولُ بِالرَّحْمَنِ كَمَا أَطْلَقُوهُ. نَعَمْ يُتَّجَهُ تَقْيِيدُهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِيمَنْ تُوُسِّمَ فِيهِ الْجَهْلُ بِإِصْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوُجُوبِ امْتِثَالِ أَمْرِ الْحَاكِمِ، وَكَلَامُهُمْ هُنَا صَرِيحٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْحَلِفِ بِالرَّحْمَنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: قُلْ بِاَللَّهِ: فَقَالَ وَاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ نَاكِلٍ كَعَكْسِهِ لِوُجُودِ الِاسْمِ، وَالتَّفَاوُتُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ الصِّلَةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّغْلِيظِ فِي شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ كَانَ نَاكِلًا خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ (فَإِنْ) (سَكَتَ) بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ لَا لِنَحْوِ دَهْشَةِ (حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: جَعَلْتُك نَاكِلًا أَوْ نَكَّلْتُك بِالتَّشْدِيدِ لِامْتِنَاعِهِ، وَلَا يَصِيرُ هُنَا نَاكِلًا مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ صَرِيحَ نُكُولٍ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَعْرِضَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَهُوَ فِي السَّاكِتِ آكَدُ، وَلَوْ تُوُسِّمَ مِنْهُ جَهْلُ حُكْمِ النُّكُولِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّ نُكُولَك يُوجِبُ حَلِفَ الْمُدَّعِي وَأَنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُك بَعْدَهُ بِإِبْرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ نَفَذَ إذْ هُوَ الْمُقَصِّرُ بِعَدَمِ تَعَلُّمِهِ حُكْمَ النُّكُولِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ الْقَاضِي (لِلْمُدَّعِي) بَعْدَ امْتِنَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ سُكُوتِهِ:(احْلِفْ) وَإِقْبَالُهُ عَلَيْهِ لِيُحَلِّفَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: احْلِفْ (حُكْمٌ) مِنْهُ (بِنُكُولِهِ) أَيْ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ حُكْمِهِ بِهِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا إنْ رَضِيَ الْمُدَّعِي، وَبِمَا تَقَرَّرَ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ عُلِمَ أَنَّ لِلْخَصْمِ بَعْدَ نُكُولِهِ الْعَوْدَ إلَى الْحَلِفِ وَإِنْ كَانَ قَدْ هَرَبَ وَعَادَ مَا لَمْ يُحْكَمْ بِنُكُولِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَنْزِيلًا وَإِلَّا لَمْ يَعُدْ لَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي الْحَلِفُ فِي يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ لِتَقْصِيرِهِ بِرِضَاهُ بِحَلِفِهِ، وَلَوْ هَرَبَ الْخَصْمُ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَعْدَ نُكُولِهِ وَقَبْلَ عَرْضِ الْحَاكِمِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي امْتَنَعَ عَلَى الْمُدَّعِي حَلِفُ الْمَرْدُودَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ، وَلَهُ طَلَبُ حَلِفِ غَرِيمِهِ بَعْدَ إقَامَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنْفَعُهُ إلَّا الْبَيِّنَةُ الْكَامِلَةُ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ نَكَلَ فِي جَوَابِ وَكِيلِ الْمُدَّعِي ثُمَّ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ دَعْوَى.
(وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مِنْ الْحَاكِمِ عَلَى الْمُدَّعِي (فِي قَوْلٍ) أَنَّهَا (كَبَيِّنَةٍ) يُقِيمُهَا الْمُدَّعِي (وَفِي الْأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ يُتَوَصَّلُ إلَى الْحَقِّ فَأَشْبَهَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي: وَبِمَا تَقَرَّرَ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ عُلِمَ أَنَّ لِلْخَصْمِ بَعْدَ نُكُولِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَنْ تُوُسِّمَ فِيهِ) أَيْ ظَهَرَ فِيهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْبُلْقِينِيِّ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ ظَاهِرٌ مِنْ الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ) أَيْ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ طَلَبِ تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي السَّاكِتِ) أَيْ الْعَرْضُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى السَّاكِتِ آكَدُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ نَفَذَ) أَيْ وَأَثِمَ بِعَدَمِ تَعْلِيمِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
يَأْتِي فِي قَوْلِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ رُبَّمَا تَقَرَّرَ عِلْمُ إلَخْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ أَسْقَطَ هَذَا قَصْدًا هُنَا لِاعْتِمَادِهِ إطْلَاقَ الشَّيْخَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ هَرَبَ الْخَصْمُ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَعْدَ نُكُولِهِ قَبْلَ عَرْضِ الْحَاكِمِ إلَخْ حَيْثُ قَالَ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إلَخْ، لَكِنَّهُ تَبِعَ ابْنَ حَجَرٍ فِي قَوْلِهِ الْآتِي بَعْدُ امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي قَوْلِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) اُنْظُرْ هَلْ الْحَلِفُ بِغَيْرِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي السَّاكِتِ آكَدُ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْهِ بَعْدَ تَصْرِيحِهِ بِالنُّكُولِ (قَوْلُهُ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الْأَصْوَبُ حَذْفُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الِامْتِنَاعَ صَرِيحُ نُكُولٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ تَبِعَ فِي هَذَا ابْنَ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ تَبِعَ فِي هَذَا أَيْضًا ابْنَ حَجَرٍ وَلَمْ يُقَدِّمْ هُوَ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ هَذَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ) أَيْ بَعْدَ رِضَا الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: الْحَلِفُ فِي يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي حَلِفُ الْمَرْدُودَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ) أَيْ وَإِلَّا فَمَا قَدَّمَهُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ النُّكُولُ خِلَافُهُ، وَهَذَا التَّبَرُّؤُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ قَصْدًا لِعَدَمِ اعْتِمَادِهِ إيَّاهُ وَإِنْ تَبِعَهُ فِيمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنْفَعُهُ إلَّا الْبَيِّنَةُ) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ تَحْلِيفُهُ) عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ انْتَهَتْ، فَالضَّمِيرُ فِي فَلَهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ
إقْرَارَهُ، وَعَلَيْهِ يَجِبُ الْحَقُّ بِفَرَاغِ الْمُدَّعِي مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ (فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بَعْدَهَا (بَيِّنَةً) أَوْ حُجَّةً أُخْرَى (بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ) أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ الْمُسْقِطَاتِ (لَمْ تُسْمَعْ) لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِإِقْرَارِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا، وَإِنْ نَقَلَ الدَّمِيرِيِّ عَنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِسَمَاعِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا، قَالَ: وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ، وَمَا ذَكَرَاهُ بَعْدَ هَذَا فِي أَثْنَاءِ الرُّكْنِ الْخَامِسِ مِنْ سَمَاعِهَا وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهَا كَالْبَيِّنَةِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ.
(فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ) لِإِعْرَاضِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، إذْ لَوْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ لَأَضَرَّهُ وَلَرَفَعَهُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى قَاضٍ (وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ) مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحَقِّ عَلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ لِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَقْبَضْتُك إيَّاهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فَإِنَّهُ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، وَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا أُلْزِمَ بِالْأَلْفِ لَا لِلْحُكْمِ بِالنُّكُولِ بَلْ لِإِقْرَارِهِ بِلُزُومِ الْمَالِ بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَلَدَتْ وَطَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ: وَلَدَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ: فَاعْتَدِّي فَقَالَتْ: بَلْ بَعْدَهُ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ فَلَا عِدَّةَ وَإِنْ نَكَلَتْ أَيْضًا اعْتَدَّتْ لَا لِلنُّكُولِ بَلْ لِأَصْلِ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَآثَارِهِ فَيُعْمَلُ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ دَافِعٌ (وَإِنْ)(تَعَلَّلَ) الْمُدَّعِي (بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ) أَوْ اسْتِفْتَاءٍ أَوْ تَرَوٍّ (أُمْهِلَ) حَتْمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رحمه الله (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَقَطْ لِئَلَّا يَضُرَّ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ بَعْدَ مُضِيِّهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ (وَقِيلَ أَبَدًا) لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ فَلَهُ تَأْخِيرُهَا كَالْبَيِّنَةِ.
(وَإِنْ)(اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ) أَوْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ وَأَطْلَقَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (لَمْ يُمْهَلْ) إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي طَلَبِ حَقِّهِ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ (وَقِيلَ) : يُمْهَلُ (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ لِلْحَاجَةِ، خَرَجَ بِيَنْظُرُ حِسَابَهُ مَا لَوْ اسْتَمْهَلَ لِإِقَامَةِ حُجَّةٍ بِنَحْوِ أَدَاءً فَإِنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ اسْتَمْهَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ) لِنَظَرِ حِسَابٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ عَالِمٍ (أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) إنْ شَاءَ الْقَاضِي كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنْ شَاءَ الْمُدَّعِي كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مَرْدُودٌ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ لَهُ إذْ لِلْمُدَّعِي تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْ أَصْلِهَا. وَيَنْبَغِي عَلَى الْأَوَّلِ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ الْإِمْهَالُ بِالْمُدَّعِي لِكَوْنِ بَيِّنَتِهِ عَلَى جُنَاحِ سَفَرٍ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَلَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (قَوْلَهُ لَا لِلنُّكُولِ) أَيْ لَيْسَ عَدَمُ الْعِدَّةِ لِلنُّكُولِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَلَّلَ الْمُدَّعِي بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ) أَقُولُ: فِيهِ إنَّهُ طَلَّقَ وَالطَّلَاقُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَلَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ لَهَا، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَأْتِيَ فِي وُجُوبِهَا مَا فِي الرَّجْعَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ فَرَاجِعْهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَصْوَبُ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ الْمُطَالَبَةَ، فَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ دَفْعَ الْخَصْمِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إلَخْ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هُنَا دَعْوَتَيْنِ الْأُولَى مِنْ الْبَائِعِ وَهِيَ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَهِيَ دَعْوَى الْإِقْبَاضِ. فَإِلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِالْأَلْفِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ بِالنِّسْبَةِ لِدَعْوَاهُ فَلَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ خَصْمُهُ، إذْ مَقْصُودُ دَعْوَاهُ دَفْعُ مُطَالَبَةِ الْبَائِعِ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَمَحَلُّهُ إلَخْ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهَا فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ لَهُ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ إنْ شَاءَ الْمُدَّعِي إمْهَالَهُ وَإِلَّا لَمْ يُمْهِلْ، قَالَ: وَإِنَّمَا الَّذِي يَرُدُّهُ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ جِدًّا وَفِيهَا مَصْلَحَةٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَمْ يَحْتَجْ لِرِضَاهُ اهـ. لَكِنْ نَازَعَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِيمَا ذَكَرَهُ. قُلْت: وَمِمَّا يَرُدُّ كَوْنَ الْمُرَادِ إنْ شَاءَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِآخِرِ الْمَجْلِسِ