المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ جَمْعُ شَرَابٍ بِمَعْنَى مَشْرُوبٍ، وَذُكِرَ فِيهِ التَّعَازِيرُ تَبَعًا، - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - جـ ٨

[الرملي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ

- ‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي التَّعْزِيرِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَالِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي حُكْمِ إتْلَافِ الْبَهَائِمِ

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي مَكْرُوهَاتٍ وَمُحَرَّمَاتٍ وَمَنْدُوبَاتٍ فِي الْجِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهَا

- ‌فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَسْرِ وَأَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي أَمَانِ الْكُفَّارِ

- ‌كِتَابُ الْجِزْيَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَقَلُّ الْجِزْيَةِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ عَقْدِ الذِّمَّةِ

- ‌كِتَابُ الْهُدْنَةِ

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ]

- ‌(فَصْلٌ) يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجُرْحُ غَيْرِهِ

- ‌(فَصْلٌ) فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ

- ‌كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْعَقِيقَةِ

- ‌كِتَابُ بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى نَحْوِ خَيْلٍ

- ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ

- ‌فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْكَفَّارَةِ

- ‌فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَأْتِي

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ وَشُرْبٍ مَعَ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بَعْضُ الْمَأْكُولَاتِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ لِيُقَاسَ بِهَا غَيْرُهَا

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا

- ‌كِتَابُ النَّذْرِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي نَذْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌(فَصْلٌ) فِيمَا يَقْتَضِي انْعِزَالَ الْقَاضِي أَوْ عَزْلَهُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ

- ‌(فَصْلٌ) فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا

- ‌(فَصْلٌ) فِي التَّسْوِيَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا

- ‌بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي غَيْبَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ

- ‌بَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ قَدْرِ النِّصَابِ فِي الشُّهُودِ الْمُخْتَلِفِ بِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا وَكِتَابَةِ الصَّكِّ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي جَوَابِ الدَّعْوَى وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَضَابِطِ الْحَالِفِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي نَحْوِ عَقْدٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ عِتْقٍ]

- ‌فَصْلٌ) فِي الْقَائِفِ الْمُلْحِقِ لِلنَّسَبِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَبَيَانِ الْقُرْعَةِ فِي الْعِتْقِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْوَلَاءِ

- ‌كِتَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ وَجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَعِتْقِهِ

- ‌[كِتَابُ الْكِتَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَمَا يَلْزَمُ سَيِّدَ الْمُكَاتَب وَيُنْدَبُ لَهُ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان مَا يحرم عَلَى سَيِّد الْمُكَاتَب]

- ‌[فَصَلِّ وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ]

- ‌[فَصَلِّ وَلَوْ عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ قَبْلَ مَحِلِّهَا]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ لُزُومِ الْكِتَابَةِ مِنْ جَانِبٍ وَجَوَازِهَا مِنْ آخَرَ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَا تُفَارِقُ فِيهِ الْكِتَابَةُ الْبَاطِلَةُ الْفَاسِدَةَ وَمَا تُوَافِقُ أَوْ تُبَايِنُ فِيهِ الْفَاسِدَةُ الصَّحِيحَةَ

- ‌كِتَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

- ‌[خَاتِمَةُ الْكِتَابِ]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ جَمْعُ شَرَابٍ بِمَعْنَى مَشْرُوبٍ، وَذُكِرَ فِيهِ التَّعَازِيرُ تَبَعًا،

‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ

جَمْعُ شَرَابٍ بِمَعْنَى مَشْرُوبٍ، وَذُكِرَ فِيهِ التَّعَازِيرُ تَبَعًا، وَجُمِعَ الْأَشْرِبَةُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا مُتَّحِدًا، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِحَدِّ الْأَشْرِبَةِ كَمَا قَالَ قَطْعُ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ ثَمَّ لَيْسَ إلَّا بَيَانُ الْقَطْعِ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وَالْغَرَضُ هُنَا بَيَانُ التَّحْرِيمِ لِخَفَائِهِ بِالنِّسْبَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ.

وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ، وَكَانَ شُرْبُهَا جَائِزًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِوَحْيٍ وَلَوْ إلَى حَدٍّ يُزِيلُ الْعَقْلَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسَ لَمْ تُبَحْ فِي مِلَّةٍ مِنْ الْمِلَلِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْمُوعِ، قِيلَ إنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِنَا.

وَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ يُقْذَفُ بِالزَّبَدِ، وَتَحْرِيمُ غَيْرِهَا بِنُصُوصٍ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّ قَدْرٍ لَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْخِلَافِ فِيهِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِ لِحِلِّ قَلِيلِهِ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ، أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا كَمَا حَكَاهُ الْحَنَفِيَّةُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّهِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ الصِّرْفِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ وَلَوْ قَطْرَةً؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ضَرُورِيٌّ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ وَخَبَرُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ (قَوْله وَذُكِرَ فِيهِ التَّعَازِيرُ تَبَعًا) أَيْ وَحَيْثُ كَانَ ذِكْرُهَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ لَا يُقَالُ أَخَلَّ بِهَا فِي التَّرْجَمَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ مُزِجَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي تَنَاوُلِهِ فَلَا يَكُونُ كَبِيرَةً (قَوْلُهُ بِوَحْيٍ) أَيْ لِإِبَاحَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: إنَّ الْكُلِّيَّاتِ) أَيْ الْأُمُورَ الْعَامَّةَ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ (قَوْلُهُ الْخَمْسَ) وَقَدْ نَظَّمَهَا شَيْخُنَا اللَّقَانِيِّ فِي عَقِيدَتِهِ، وَزَادَ عَلَيْهَا سَادِسًا فِي قَوْلِهِ:

وَحِفْظُ نَفْسٍ ثُمَّ دَيْنِ مَالٍ نُسِبَ

وَمِثْلُهَا عَقْلٌ وَعَرْضٌ قَدْ وَجَبَ

(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ إلَخْ) هَذَا لَا يَدْفَعُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْمِلَلُ.

(قَوْلُهُ: وَتَحْرِيمُ غَيْرِهَا) أَيْ حَقِيقَةِ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ) كَانَ مُقْتَضَى مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ قَبْلُ، وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلٌّ إلَخْ أَنْ يَقُولَ أَمَّا الْمُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِالْقَدْرِ الْمُسْكِرِ، هَذَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفُرُ مَا اقْتَضَاهُ صَدْرُ عِبَارَتِهِ أَوْ لَا، وَهَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ كَالْخَمْرِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَأَنَّهُ كَبِيرَةٌ بَلْ كَوْنُهُ كَبِيرَةً هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الزِّيَادِيِّ وَشُرْبُ مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا لِقِلَّتِهِ صَغِيرَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّهِ) أَيْ فَيَكْفُرُ بِهِ (قَوْلُهُ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ) أَيْ بِخِلَافِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ]

ِ (قَوْلُهُ: وَالْغَرَضُ هُنَا بَيَانُ التَّحْرِيمِ) فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ السَّرِقَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ) أَيْ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهَا حِينَئِذٍ مِنْ الصَّغَائِرِ (قَوْلُهُ: الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسَ) أَيْ النَّفْسَ وَالْعَقْلَ وَالنَّسَبَ وَالْمَالَ وَالْعِرْضَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِنَا) كَانَ الضَّمِيرُ فِي إنَّهُ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ وَلَا يُنَافِيهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ حَاصِلٌ بِاعْتِبَارِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِنَا مِنْ التَّحْرِيمِ، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسَ لَمْ تُبَحْ فِي مِلَّةٍ: أَيْ لَمْ يَسْتَقِرَّ إبَاحَتُهَا فِي مِلَّةٍ وَإِنْ أُبِيحَتْ فِي بَعْضِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّ قَدْرٍ لَا يُسْكِرُ) أَيْ بِخِلَافِ مُسْتَحِلِّ الْكَثِيرِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ لِحِلِّ قَلِيلِهِ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ) هَذَا تَبِعَ فِيهِ ابْنَ حَجَرٍ وَذَاكَ إنَّمَا احْتَاجَ لِهَذَا لِاخْتِيَارِهِ عَدَمَ الْكُفْرِ بِاسْتِحْلَالِ الْقَلِيلِ

ص: 11

«كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَخَبَرُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَخَبَرُ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَوَاهِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا» (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ) مِنْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا وَمِنْهُ الْمُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الرَّمَكَةِ فَإِنَّهُ مُسْكِرٌ مَائِعٌ (حَرُمَ قَلِيلُهُ) وَكَثِيرُهُ (وَحُدَّ شَارِبُهُ) وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ: أَيْ مُتَعَاطِيهِ وَلَوْ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ إبَاحَتُهُ لِضَعْفِ أَدِلَّتِهِ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْحُدُودِ بِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ لَا الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَنْ لَا يَسْكَرُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ إنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةِ لَا الْإِسْكَارِ فَفِي الْحَدِّ عَلَيْهِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْإِسْكَارُ عَجِيبٌ وَغَفْلَةٌ عَنْ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إسْكَارٌ، فَمَعْنَى كَوْنِهِ عِلَّةً أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لَهُ، وَخَرَجَ بِالشَّرَابِ مَا حَرُمَ مِنْ الْجَامِدَاتِ كَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ وَكَثِيرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْجَوْزَةِ وَالْحَشِيشِ فَلَا حَدَّ بِهِ وَإِنْ أُذِيبَتْ إذْ لَيْسَ فِيهَا شِدَّةُ مُطْرَبَةٍ، بِخِلَافِ جَامِدِ الْخَمْرِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِمَا بَلْ التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ لَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الدَّنِيَّةِ، وَيَحْرُمُ شُرْبُ مَا ذُكِرَ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ (إلَّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا (وَحَرْبِيًّا) أَوْ مُعَاهِدًا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالذِّمَّةِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآدَمِيِّينَ (وَمُوجَرًا) مُسْكَرًا قَهْرًا إذْ لَا صُنْعَ لَهُ (وَكَذَا مُكْرَهًا عَلَى شُرْبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَيَلْزَمُهُ كَكُلِّ آكِلِ أَوْ شَارِبِ حَرَامٍ تَقَيُّؤُهُ إنْ أَطَاقَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى عُذْرِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ التَّنَاوُلُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ فِي الْبَاطِنِ لَا انْتِفَاعَ بِهِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَإِنْ حَلَّ ابْتِدَاؤُهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَا لَوْ طُبِخَ عَلَى صِفَتِهِ يَقُولُ بِحِلِّهَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَعْضُ الْمَذَاهِبِ (قَوْلُهُ وَوَاهِبَهَا) أَيْ وَمُتَّهِبَهَا فِي حُكْمِ الْمُبْتَاعِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْمُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الرَّمَكَةِ) أَيْ الْفَرَسِ فِي أَوَّلِ نِتَاجِهَا (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِسْكَارُ) عَجِيبٌ وَغَفْلَةٌ قَدْ يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ الْإِسْكَارَ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ مُنْتَفٍ عَلَى هَذَا، وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْمَظِنَّةِ مُلَاحَظَةُ جِنْسِ الشَّارِبِ أَوْ الْمَشْرُوبِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ كَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْكَثِيرِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَالْكَثْرَةُ قَيْدٌ فِي الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ وَكَثِيرِ الزَّعْفَرَانِ) الْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِالنَّظَرِ لِغَالِبِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمُتَنَاوِلِ لَهُ لِاعْتِيَادِ تَنَاوُلِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَدَّ وَإِنْ أُذِيبَتْ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ مَحَلُّهُ مَا لَمْ تَشْتَدَّ بِحَيْثُ تُقْذَفُ بِالزُّبْدِ وَتُطْرَبُ، وَإِلَّا صَارَتْ كَالْخَمْرِ فِي النَّجَاسَةِ وَالْحَدِّ كَالْخُبْزِ إذَا أُذِيبَ وَصَارَ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ لِلْحَشِيشِ حَالَةَ إسْكَارٍ وَتَحْرِيمٍ بِخِلَافِ الْخُبْزِ مَثَلًا لَا أَثَر لَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ سَبَقَ كَذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لِطَلَبَ وَخِلَافًا لِمَرَّ ثُمَّ وَافَقَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: بَلْ التَّعْزِيرُ) أَيْ بَلْ فِيهَا التَّعْزِيرُ مَا لَمْ يَصِرْ إلَى حَالَةٍ تُلْجِئُهُ إلَى اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ أَصَابَهُ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي إزَالَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ إمَّا بِاسْتِعْمَالِ ضِدِّهِ أَوْ تَقْلِيلِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ لَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُعَاهِدًا) أَيْ أَوْ مُؤَمَّنًا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ كَكُلِّ آكِلِ أَوْ شَارِبِ حَرَامٍ تَقَايُؤُهُ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذُكِرَ: وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ الِاسْتِحْبَابُ بِرّ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَزِمَهُ التَّنَاوُلُ) أَيْ كَالْمُضْطَرِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَّ ابْتِدَاؤُهُ) قَدْ يُنَافِي هَذَا التَّعْمِيمُ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِهِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْحَلِّ لَزِمَهُ كَكُلِّ مَنْ تَنَاوَلَ مُحَرَّمًا التَّقَيُّؤُ وَإِنْ أَطَاقَهُ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَنَافِي لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا فِي الْأَطْعِمَةِ عَلَى مَا لَوْ وَجَدَ الْحَلَالَ عَقِبَ تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ مَثَلًا، وَمَا هُنَا عَلَى مَا لَوْ لَمْ يَجِدْهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَالْكَثِيرِ فَاضْطُرَّ إلَى هَذَا، وَأَمَّا الشَّارِحُ فَحَيْثُ كَانَ اخْتِيَارُهُ الْكُفْرَ بِاسْتِحْلَالِ الْكَثِيرِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ حَذْفُهُ مِنْ كَلَامِهِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ (قَوْلُهُ: وَخَبَرُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» ) هَذَا قِيَاسٌ مَنْطِقِيٌّ إذَا حُذِفَ مِنْهُ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ وَهُوَ الْمُكَرَّرُ الَّذِي هُوَ الْخَمْرُ الْوَاقِعُ مَحْمُولًا لِلصُّغْرَى وَمَوْضُوعًا لِلْكُبْرَى أَنْتَجَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ.

ص: 12

فَانْدَفَعَ اسْتِبْعَادُ الْأَذْرَعِيِّ لِذَلِكَ، وَعَلَى نَحْوِ السَّكْرَانِ إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا حُدَّ وَاحِدٌ مَا لَمْ يُحَدَّ قَبْلَ شُرْبِهِ فَيُحَدُّ ثَانِيًا، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ طَرِيقٌ حَاكٍ لِوَجْهَيْنِ

(مَنْ جَهِلَ كَوْنَهُ خَمْرًا) فَشَرِبَهَا ظَانًّا إبَاحَتَهَا (لَمْ يُحَدَّ) لِعُذْرِهِ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بَعْدَ صَحْوِهِ إنْ ادَّعَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ حَيْثُ بَيَّنَهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْرِفُهُ (وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ جَهِلْت تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَقْتَضِي حَالُهُ عَدَمَ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَيْهِ يُحَدُّ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَوْ) قَالَ عَلِمْت التَّحْرِيمَ وَ (جَهِلْت الْحَدَّ)(حُدَّ) إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ اجْتِنَابُهَا حَيْثُ عَلِمَ تَحْرِيمَهَا (وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ) وَهُوَ مَا يَبْقَى فِي آخَرِ إنَائِهَا، وَكَذَا بِثَخِينِهَا إذَا أَكَلَهُ (لَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهَا) لِاضْمِحْلَالِ عَيْنِهَا بِالنَّارِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَثَرُهَا وَهُوَ النَّجَاسَةُ (وَمَعْجُونٍ هِيَ فِيهِ) وَمَا فِيهِ بَعْضُهَا وَالْمَاءُ غَالِبٌ لِاسْتِهْلَاكِهَا (وَكَذَا حُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ) بِفَتْحِ السِّينِ لَا يُحَدُّ بِهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لَهُ هُنَا، إذْ لَا تَدْعُو النَّفْسُ لَهُ، وَيُفَارِقُ إفْطَارُ الصَّائِمِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى وُصُولِ عَيْنٍ لِلْجَوْفِ، وَالثَّانِي يُحَدُّ بِهِمَا كَالشُّرْبِ.

وَالثَّالِثُ يُحَدُّ فِي السَّعُوطِ دُونَ الْحُقْنَةِ

(وَمَنْ غَصَّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ كَمَا بِخَطِّهِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُ (بِلُقْمَةٍ) وَخَشَى هَلَاكُهُ مِنْهَا إنْ لَمْ تَنْزِلْ جَوْفَهُ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا (أَسَاغَهَا) حَتْمًا (بِخَمْرٍ)(إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا) إنْقَاذًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْهَلَاكِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ خُصُوصَ الْهَلَاكِ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ التَّقَيُّؤِ هُنَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِي الْمَعِدَةِ زَمَنًا تَنْكَسِرُ بِهِ حِدَةُ الْجُوعِ، وَتَصِلُ خَاصَّتُهُ إلَى الْبَدَنِ (قَوْلُهُ: إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا) أَيْ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: لَمْ يُحَدَّ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّقَايُؤُ (قَوْلُهُ: إنْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْجَهْلَ (قَوْلُهُ: حَيْثُ بَيَّنَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: آخَرِ إنَائِهَا) أَيْ أَسْفَلِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَثَرُهَا) أَيْ وَالْحَالُ لَمْ يَبْقَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَا فِيهِ بَعْضُهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَاءَ مِثَالٌ فَمِثْلُهُ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ ضَمُّهُ) أَيْ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لَازِمًا لَكِنَّهُ لَمَّا عَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ جَازَ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ،

وَفِي الْمِصْبَاحِ غَصِصْت بِالطَّعَامِ غَصَصًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَأَنَا غَاصٌّ وَغَصَّانُ وَمِنْ بَابِ قَتَلَ لُغَةً، وَالْغُصَّةُ بِالضَّمِّ: مَا غَصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْظٍ عَلَى التَّشْبِيهِ، وَالْجَمْعُ غُصَصٌ مِثْلُ غَرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَاضِيَ غَصَّ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ، وَأَنَّ فِي الْمُضَارِعِ لُغَتَيْنِ هُمَا يَغَصُّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا (قَوْلُهُ وَخَشَى هَلَاكَهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ خَشْيَةَ الْمَرَضِ مَثَلًا لَا تَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَسَاغَهَا حَتْمًا بِخَمْرٍ) وَإِذَا سَكِرَ مِمَّا شَرِبَهُ لِتَدَاوٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ إسَاغَةِ لُقْمَةٍ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِرْشَادُ، وَلِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الشُّرْبَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضِ، وَالْمَعْذُورُ مَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ وَنَحْوِهِ، أَوْ جَهِلَ كَوْنَهُ خَمْرًا لَا يُحَدُّ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ مُدَّةَ السُّكْرِ بِخِلَافِ الْعَالِمِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ، وَفِيهِ أَيْضًا فَائِدَةٌ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ جَوَازَ أَكْلِ النَّبَاتِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ الْجُوعِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَمَثَّلَ بِالْحَشِيشَةِ قَالَ: لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْجُوعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي حَالِ أَهْلِهَا عِنْدَ أَكْلِهَا بِرّ اهـ.

وَفِي تَعْلِيلِ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْجُوعَ إلَخْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إزَالَةِ الْجُوعِ إنَّمَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لَفْظَ عَدَمِ قَبْلَ جَوَازِ، وَفِيهِ أَيْضًا فَرْعٌ: شَمَّ صَغِيرٌ رَائِحَتَهُ الْخَمْرِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُسْقَ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ سَقْيُهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرَرَ؟ قَالَ م ر: إنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ أَوْ مَرَضٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ خِيفَ مَرَضٌ لَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ اهـ.

أَقُولُ: لَوْ قِيلَ يَكْفِي مُجَرَّدُ مَرَضٍ تَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ، وَلَا سِيَّمَا إنْ غَلَبَ امْتِدَادُهُ بِالطِّفْلِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ: إنْقَاذًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْهَلَاكِ) أَيْ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بِشُرْبِهِ مَاتَ شَهِيدًا لِجَوَازِ تَنَاوُلِهِ لَهُ بَلْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْرِفُهُ) أَيْ الْإِكْرَاهَ: أَيْ فَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ مَعْرِفَتُهُ فَلَا حَاجَةَ لِبَيَانِهِ

ص: 13

أَخْذًا مِنْ حُصُولِ الْإِكْرَاهِ الْمُبِيحِ لَهَا بِنَحْوِ ضَرْبٍ شَدِيدٍ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا) صَرْفًا (لِدَوَاءٍ) لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ إثْبَاتِ مَنَافِعَ لَهَا فَهُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا أَمَّا مُسْتَهْلَكَةً مَعَ دَوَاءٍ آخَرَ فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا كَصَرْفِ بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ إنْ عَرَفَ، أَوْ أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ عَدْلٌ بِنَفْعِهَا وَتَعْيِينِهَا بِأَنْ لَا يُغْنِي عَنْهَا طَاهِرٌ، وَلَوْ اُحْتِيجَ لِقَطْعٍ نَحْوَ سِلْعَةٍ وَيَدٍ مُتَأَكِّلَةٍ إلَى زَوَالِ عَقْلِ صَاحِبِهَا بِنَحْوِ بَنْجٍ جَازَ لَا بِمُسْكِرٍ مَائِعٍ (وَ) جُوعٍ وَ (عَطَشٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُهُ بَلْ تُزِيدُهُ حَرَارَةً لِحَرَارَتِهَا وَيُبْسِهَا، وَلَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ عَطَشٍ جَازَ لَهُ شُرْبُهَا كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الْأَصْحَابِ، وَمَعَ تَحْرِيمِهَا لِدَوَاءٍ أَوْ عَطَشٍ لَا حَدَّ بِهَا وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِلشُّبْهَةِ

(وَحَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ " أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ عَلِيًّا بِجَلْدِ الْوَلِيدِ، فَأَمَرَ الْحَسَنَ فَامْتَنَعَ، فَأَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ " وَعُمَرُ ثَمَانِينَ بِإِشَارَةِ ابْنِ عَوْفٍ لَمَّا اسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَا يُشْكِلُ ذِكْرُ الْأَرْبَعِينَ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ جَلَدَهُ ثَمَانِينَ إذْ السَّوْطُ كَانَ بِرَأْسَيْنِ، وَلَا قَوْلُهُ وَكُلٌّ سُنَّةٌ بِمَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وُجُوبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرِبَهُ تَعَدِّيًا، وَغَصَّ مِنْهُ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا لِتَعَدِّيهِ بِشُرْبِهِ (قَوْلُهُ: إنْ عُرِفَ) أَيْ بِالطِّبِّ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُغْنِي عَنْهَا طَاهِرٌ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْرَعَ لِلشِّفَاءِ مِنْهُ، وَيُوَافِقُهُ مَا مَرَّ لِلشَّارِحِ فِي امْتِنَاعِ الْوَصْلِ بِعَظْمٍ نَجِسٍ هُوَ أَسْرَعُ انْجِبَارًا مِنْ الطَّاهِرِ، لَكِنْ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِنَجِسٍ غَيْرِ مُسْكِرٍ كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ وَمَعْجُونِ خَمْرٍ كَمَا مَرَّ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَلَوْ كَانَ التَّدَاوِي بِهِ لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ كَمَا يَكُونُ لِرَجَائِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ أَوْ مَعْرِفَةِ الْمُتَدَاوِي بِهِ إنْ عَرَفَ، وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ اهـ.

وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا قَوْلُ الرَّوْضِ وَلَوْ لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ، فَإِنَّ مَا فِي الرَّوْضِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ الشِّفَاءُ بِالْخَمْرِ الْمَعْجُونِ فِي أُسْبُوعٍ مَثَلًا، وَإِذَا لَمْ يَتَدَاوَ أَصْلًا لَمْ يَحْصُلْ الشِّفَاءُ إلَّا فِي عَشَرَةٍ، وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ طَاهِرٌ يَقُومُ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اُحْتِيجَ لِقَطْعٍ نَحْوَ سِلْعَةٍ) وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُقْطَعُ لِمَنْ أَخَذَ بِكْرًا، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ افْتِضَاضُهَا إلَّا بِإِطْعَامِهَا مَا يُغَيِّبُ عَقْلَهَا مِنْ نَحْوِ بَنْجٍ أَوْ حَشِيشٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ وَطْئِهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لَهَا أَذًى لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي إزَالَةِ الْبَكَارَةِ (قَوْلُهُ: لَا بِمُسْكِرٍ مَائِعٍ) اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الْمُسْكِرَ الْمَائِعَ اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلِاضْطِرَارِ لِتَنَاوُلِهِ كَمَا لَوْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَعَيَّنَتْ الْخَمْرَةُ الصِّرْفَةُ لِلتَّدَاوِي بِهَا (قَوْلُهُ: وَعَطَشٍ) .

[تَنْبِيهٌ] جَزَمَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِحِلِّ إسْقَائِهَا لِلْبَهَائِمِ، وَلِلزَّرْكَشِيِّ احْتِمَالٌ أَنَّهَا كَالْآدَمِيِّ مَعَ امْتِنَاعِ إسْقَائِهَا إيَّاهَا لِلْعَطَشِ، قَالَ: لِأَنَّهَا مُثِيرَةٌ فَتُهْلِكُهَا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إتْلَافِ الْمَالِ اهـ.

وَالْأَوْلَى تَعْلِيلُهُ بِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا لَهَا، وَإِضْرَارُ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يُتْلِفْ، قَالَ: وَالْمُتَّجِهُ مَنْعُ إسْقَائِهَا لَهَا لَا لِعَطَشٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ بِالْحَيَوَانِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ اهـ حَجّ

(قَوْلُهُ: فَأَمَرَ) أَيْ عَلِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ) عِبَارَةُ حَجّ كَالدَّمِيرِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ أَرْبَعِينَ فَقَالَ أَمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: صَرْفًا) أَيْ أَمَّا غَيْرُ الصَّرْفِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَهُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا) قَدْ يُقَالُ هَذَا قَدْ يُنَافِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ حَيْثُ قُرِنَتْ الْمَنَافِعُ فِيهَا بِالْإِثْمِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَةُ التَّحْرِيمِ

(قَوْلُهُ: وَكُلٌّ سُنَّةٌ إلَخْ) بَقِيَّةُ كَلَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ بِإِشَارَةِ ابْنِ عَوْفٍ إلَخْ بَيَانُ فَائِدَةٍ ذَكَرَهَا فِي خِلَالِ كَلَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْكِلُ ذِكْرُ الْأَرْبَعِينَ)

ص: 14

لَمْ يَسُنَّهُ وَلِهَذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الثَّمَانِينَ شَيْءٌ وَقَالَ: لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، وَكَانَ يَحُدُّ فِي إمَارَتِهِ أَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوَّلًا، وَالْإِثْبَاتُ عَلَى أَنَّهُ بَلَغَهُ ثَانِيًا، وَلَمْ يَسُنَّهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَشْمَلُ كُلَّ قَضِيَّةٍ بَلْ فَعَلَهُ فِي وَقَائِعَ عَيْنِيَّةٍ، وَهِيَ لَا عُمُومَ لَهَا عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي جَامِعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ (وَرَقِيقٍ) أَيْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ (عِشْرُونَ) لِكَوْنِهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ

وَيَكُونُ جَلْدُ الْقَوِيِّ السَّلِيمِ (بِسَوْطٍ أَوْ أَيْدٍ أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَدِّ طَرَفِ الثَّوْبِ وَفَتْلِهِ حَتَّى يُؤْلِمَ (وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ سَوْطٌ) إذْ الزَّجْرُ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ.

أَمَّا نِضْوُ الْخِلْقَةِ فَيُجْلَدُ بِنَحْوِ عَثْكَالٍ وَلَا يَجُوزُ بِسَوْطٍ (وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ بُلُوغَهُ) أَيْ حَدَّ الْحُرِّ (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً (جَازَ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ، نَعَمْ الْأَرْبَعُونَ أَوْلَى كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، إذْ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحْوَالِهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَاءَ أَنَّ عَلِيًّا أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هذى وَإِذَا هذى افْتَرَى، وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ.

وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ يَجْلِدُ فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ (وَالزِّيَادَةُ) عَلَى الْأَرْبَعِينَ (تَعْزِيرَاتٌ) إذْ لَوْ كَانَتْ حَدًّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُهَا، وَقَوْلُهُ تَعْزِيرَاتٌ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ تَعْزِيرٌ؛ لِأَنَّهَا اُعْتُرِضَتْ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَةٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ شَافِيًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ يُعَزَّرُ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْأَرْبَعُونَ، صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: أَيْ لِلْإِرْشَادِ مَعَ حِكَايَةِ الْقِصَّةِ بِأَبْسَطِ مِمَّا هُنَا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، كَذَا بِهَامِشِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِخَطِّ شَيْخِنَا ب ر اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالْقِصَّةِ إلَى مَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُثْمَانَ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ حَجّ كَالدَّمِيرِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ) أَيْ عَلِيّ رضي الله عنه لَوْ مَاتَ إلَخْ (قَوْلُهُ: جَلَدَ فِي الْخَمْرِ) فَإِنْ قُلْت: إذَا قُلْنَا بِالرَّاجِحِ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ عَدَالَةِ جَمِيعِهِمْ أَشْكَلَ شُرْبُهُمْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهُ يُنَافِي الْعَدَالَةَ وَيُوجِبُ الْفِسْقَ: قُلْت: يُمْكِنُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُمْ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ تَصَوَّرَهَا فِي نَفْسِهِ تَقْتَضِي جَوَازُهُ فَشَرِبَ تَعْوِيلًا عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ وَقَعَ لَهُ فَحَدُّهُ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ، وَذَاكَ شَرِبَ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ، وَالْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ، عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَالَتِهِمْ أَنَّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ أَوْ رَوَى حَدِيثًا لَا يُبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِ، فَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَشَهَادَتُهُ، أَوْ رَوَى شَخْصٌ عَنْ مُبْهَمٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ كَذَا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا يُوجِبُ الْحَدَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يَفْسُقُ بِارْتِكَابِ مَا يَفْسُقُ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ

. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ شَدِّ طَرَفِ الثَّوْبِ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُحَدُّ بِسَوْطٍ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَجَلَدَ بِهِ فَمَاتَ الْمَجْلُودُ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَوَّلًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ جَلَدَ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَمَاتَ بِهِ أَوْ جَلَدَ عَلَى الْمُقَاتِلِ.

وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي لَا بُدَّ فِي الْحَدِّ مِنْ النِّيَّةِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُهُ الْقَفَّالُ فَلَمْ يَشْتَرِطْهَا، قَالَ: حَتَّى لَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ شُرْبٍ فَجَلَدَهُ فَبَانَ غَيْرُهُ أَجْزَأَ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ ظُلْمًا فَبَانَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدًّا اهـ.

وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ ظُلْمًا إلَخْ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ ظُلْمًا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ الْحَدِّ فَهُوَ صَارِفٌ عَنْ وُقُوعِهِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدًّا، وَضَرَبَهُ بِلَا قَصْدٍ أَنَّهُ عَلَى الْحَدِّ فَيَنْبَغِي الْإِجْزَاءُ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُجُودِ الصَّارِفِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالثَّمَانِينَ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَةٍ تَوَلَّدَتْ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ إلَخْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ فِي حَدِّ عَلِيٍّ لِلْوَلِيدِ رضي الله عنهما (قَوْلُهُ: وَقَالَ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ) أَيْ لَوْ حَدَدْتُ أَحَدًا ثَمَانِينَ وَمَاتَ وَدَيْته

(قَوْلُهُ: أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالثَّمَانِينَ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعَ

ص: 15

تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلِتَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا اهـ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى مَنْعِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فَهِيَ تَعْزِيرَاتٌ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ (وَقِيلَ حُدَّ) ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى جِنَايَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ

(وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ وَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) أَوْ عِلْمِ السَّيِّدِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي السَّرِقَةِ (لَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَ) هَيْئَةِ (سُكْرٍ وَقَيْءٍ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ احْتَقَنَ أَوْ أَسْعَطَ بِهَا أَوْ شَرِبَهَا لِعُذْرٍ مِنْ غَلَطٍ أَوْ إكْرَاهٍ، وَأَمَّا حَدُّ عُثْمَانَ بِالْقَيْءِ فَاجْتِهَادٌ لَهُ (وَيَكْفِي فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةِ شَرِبَ خَمْرًا) أَوْ شَرِبَ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَسَكِرَ، وَسَوَاءٌ أَقَالَ وَهُوَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ أَمْ لَا كَمَا فِي نَحْوِ بَيْعٍ وَطَلَاقٍ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ عِلْمُهُ بِمَا يَشْرَبُهُ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِي كُلٍّ مِنْ الْمُقِرِّ وَالشَّاهِدِ أَنْ يَقُولَ شَرِبَهَا (وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ) لِاحْتِمَالِ مَا مَرَّ كَالشَّهَادَةِ بِالزِّنَا، إذْ الْعُقُوبَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الزِّنَا قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ، عَلَى أَنَّهُمْ سَامَحُوا فِي الْخَمْرِ لِسُهُولَةِ حَدِّهَا مَا لَمْ يُسَامِحُوا فِي غَيْرِهَا لَا سِيَّمَا مَعَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِكَثْرَةِ شُرْبِهَا يَقْتَضِي التَّوَسُّعَ فِي سَبَبِ الزَّجْرِ عَنْهَا فَوَسَّعَ فِيهِ مَا لَمْ يُوَسِّعْ فِي غَيْرِهِ، وَيُعْتَبَرُ عَلَى الثَّانِي زِيَادَةً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ احْتِرَازًا مِنْ الْإِسَاغَةِ وَالشُّرْبِ لِنَحْوِ عَطَشٍ أَوْ تَدَاوٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى مَنْعِ الزِّيَادَةِ) وَأَوْلَى مِنْ كَوْنِ الزِّيَادَةِ تَعْزِيرًا مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَنْ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ حَدَّ الشَّارِبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ يَتَحَتَّمَ بَعْضُهُ، وَيَتَعَلَّقَ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِينَ، وَجَوَازُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ وَمَعَ كَوْنِ الزِّيَادَةِ تَعْزِيرَاتٍ (قَوْلُهُ: لَوْ مَاتَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الصِّيَالِ مِنْ قَوْلِهِ وَالزَّائِدُ فِي حَدٍّ يَضْمَنُ بِقِسْطِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ.

هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الزَّائِدِ حَدًّا لَا تَعْزِيرًا، وَذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ تَعْزِيرٌ إلَّا أَنَّهُ يُبْعِدُ هَذَا قَوْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ الظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْهِ أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ يُقَالُ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مَعَ اقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ لِلزِّيَادَةِ، وَمَا يَأْتِي مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِ الْإِمَامِ كَالْجَلَّادِ بِلَا إذْنٍ أَوْ الْإِمَامِ وَلَمْ تَقْتَضِهِ مَصْلَحَةٌ فَلْيَتَأَمَّلْ، لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمَنْهَجِ الْآتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ إمَامٍ مِنْ التَّمْثِيلِ لَهُ بِقَوْلِهِ كَأَنْ ضَرَبَ فِي حَدِّ الشُّرْبِ ثَمَانِينَ فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ: أَيْ الْإِمَامِ

(قَوْلُهُ: وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ اهـ زِيَادِي، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهَا أَنْ يَرْمِيَ غَيْرَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَمَاهُ بِذَلِكَ، وَيُرِيدُ تَعْزِيرَهُ فَيَطْلُبُ السَّابُّ مِمَّنْ نَسَبَ إلَيْهِ شُرْبَهَا فَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّعْزِيرُ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّادِّ لِلْيَمِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِمَا التَّفْصِيلُ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ اشْتِرَاطُهُ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَكْفِي فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَهَيْئَةُ سُكْرٍ تَقْدِيرُ هَيْئَةِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ اهـ سم عَلَى حَجّ) .

وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَسْقَطَهَا كَانَ التَّقْدِيرُ لَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَلَا بِسُكْرٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهَيْئَةِ السَّكْرَانِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُ سُكْرٌ بِالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَشَهَادَةُ شَرِبَ خَمْرًا) أَيْ حَيْثُ عَرَفَ الشَّاهِدُ مُسَمَّى الْخَمْرِ (قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الْفَرْقِ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِلْمِ وَالِاخْتِيَارِ لَا يَنْفِي احْتِمَالَ الْمُقَدِّمَاتِ اهـ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ.

أَمَّا الْجَوَابُ بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ الْمُقَابَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ نَفْسُهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْزِيرِ الْجِنْسُ فَيُرْجَعُ إلَى عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ: أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنِيَّةُ بَاقِيَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ إلَخْ، أَمَّا الشِّقُّ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ يُعَزَّرُ فَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ الشَّارِحُ

(قَوْلُهُ: فَسَكِرَ) أَيْ الْغَيْرُ

ص: 16

(وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ مِنْ الزَّجْرِ مَعَ فَوَاتِ رُجُوعِهِ إنْ كَانَ أَقَرَّ فَإِنْ حُدَّ وَلَمْ يَصِرْ مُلْقًى لَا حَرَكَةَ فِيهِ اُعْتُدَّ بِهِ كَمَا صَحَّحَهُ جَمْعٌ، وَكَذَا يُجْزِئُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَة حَيْثُ لَا تَلْوِيثَ

(وَسَوْطُ الْحُدُودِ) وَالتَّعَازِيرِ يَكُونُ (بَيْنَ قَضِيبٍ) أَيْ غُصْنٍ رَقِيقٍ جِدًّا (وَعَصًا) غَيْرِ مُعْتَدِلَةٍ (وَ) بَيْنَ (رَطْبٍ وَيَابِسٍ) بِأَنْ يَعْتَدِلَ جُرْمُهُ وَرُطُوبَتُهُ عُرْفًا لِيَحْصُلَ بِهِ الزَّجْرُ مَعَ أَمْنِ الْهَلَاكِ، فَيَمْتَنِعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِمَا يُخْشَى مِنْ شِدَّةِ ضَرَرِهِ أَوْ عَدَمِ إيلَامِهِ، وَفِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَجْلِدَ رَجُلًا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ خَلَقٍ فَقَالَ فَوْقَ ذَلِكَ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ فَقَالَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا» وَإِنْ وَرَدَ فِي زَانٍ فَهُوَ حُجَّةٌ هُنَا بِتَقْدِيرِ اعْتِضَادِهِ أَوْ صِحَّةِ وَصْلِهِ، إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا، وَالسَّوْطُ سَيُورٌ تَلِفَ وَتَلَوَّى قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ

(وَيُفَرِّقُهُ) أَيْ السَّوْطُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ (عَلَى الْأَعْضَاءِ) وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِئَلَّا يَعْظُمَ الْأَلَمُ بِالْمُوَالَاةِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يَرْفَعُ عَضُدَهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ كَمَا لَا يَضَعُهُ وَضْعًا غَيْرَ مُؤْلِمٍ (إلَّا الْمَقَاتِلَ) كَثَغْرَةِ نَحْرٍ وَفَرْجٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ زَجْرُهُ لَا إهْلَاكُهُ (وَالْوَجْهَ) فَيَحْرُمُ ضَرْبُهُمَا كَمَا بَحْثُهُ أَيْضًا، فَإِنْ ضَرَبَهُ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ جَلَدَهُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، وَمُقْتَضَاهُ نَفْيُ الضَّمَانِ (قِيلَ وَالرَّأْسُ) لِشَرَفِهِ، وَلِأَنَّهُ مَقْتَلٌ وَيَخَافُ مِنْهُ الْعَمَى، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ غَالِبًا فَلَا يُخَافُ تَشْوِيهُهُ بِضَرْبِهِ بِخِلَافِ الْوَجْهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لِقَرَعٍ أَوْ حَلْقِ رَأْسٍ اجْتَنَبَهُ قَطْعًا، وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَمْرِهِ الْجَلَّادَ بِضَرْبِهِ وَتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا ضَعِيفٌ وَمُعَارَضٌ بِمَا مَرَّ عَنْ عَلِيٍّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ بِقَوْلِ طَبِيبٍ ثِقَةٍ وَإِلَّا حُرِّمَ جَزْمًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْحَدِّ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَرِبَ خَمْرًا لَا يُطْلَقُ عَادَةً عَلَى مُقَدِّمَاتِ الشُّرْبِ، بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ، وَمِنْهُ زِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ فَيُقَالُ زَنَى إذَا قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ فَاحْتِيجَ لِلتَّفْصِيلِ فِيهِ دُونَ الشُّرْبِ

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصِرْ مُلْقًى) أَيْ فَإِنْ صَارَ كَذَلِكَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَدِّ الزَّجْرُ، وَمَنْ وَصَلَ لِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَأَثَّرُ فَكَيْفَ يَنْزَجِرُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يُجْزِئُ فِي الْمَسْجِدِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ حَيْثُ لَا تَلْوِيثَ أَنَّهُ إنْ لَوَّثَ لَا يُجْزِئُ، وَلَيْسَ مُرَادًا

(قَوْلُهُ: وَعَصًا) رَسَمَهُ بِالْأَلِفِ لِأَنَّهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَعَلَ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الِاعْتِدَادُ بِهِ فِي الثَّقِيلِ دُونَ الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يُؤْلِمُ أَصْلًا (قَوْلُهُ: بِسَوْطٍ خَلَقٍ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ: أَيْ بَالٍ (قَوْلُهُ: بِتَقْدِيرِ اعْتِضَادِهِ أَوْ صِحَّةِ وَصْلِهِ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الزَّانِي وَالشَّارِبِ (قَوْلُهُ: وَالسَّوْطُ سُيُورٌ تَلِفَ وَتَلَوَّى) فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَقِيسَ بِالسَّوْطِ غَيْرُهُ، وَفِي هَامِشِهِ بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ قَوْلُهُ وَقِيسَ إلَخْ أَرَادَ الْمُتَّخَذَ مِنْ جُلُودِ سُيُورٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ سَابِقًا وَسَوْطُ الْعُقُوبَةِ إلَخْ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالسَّوْطِ فِيهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَا يَرْفَعُ عَضُدَهُ) أَيْ فَلَوْ رَفَعَهُ أَثِمَ وَأَجْزَأَهُ، وَإِنْ ضَرَبَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤْلِمُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ نَفْيُ الضَّمَانِ) مُعْتَمِدٌ (قَوْلُهُ: وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ فِيهِ) أَيْ الرَّأْسِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا حَرُمَ) أَيْ وَأَجْزَأَ وَإِذَا مَاتَ مِنْهُ لَا ضَمَانَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ حَيْثُ لَا تَلْوِيثَ) قَيْدٌ لِلْكَرَاهَةِ: أَيْ وَإِلَّا حَرُمَ أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ: وَالسَّوْطُ سُيُورٌ إلَخْ) كَأَنَّ هَذَا حَقِيقَتُهُ وَإِلَّا فَالْمُرَادُ بِسَوْطِ الْحُدُودِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ

(قَوْلُهُ: وَمُعَارَضٌ بِمَا مَرَّ عَنْ عَلِيٍّ) تَبِعَ فِي هَذَا ابْنَ حَجَرٍ لَكِنْ ذَاكَ ذَكَرَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا نَصُّهُ فَيَحْرُمُ ضَرْبُهُمَا لِأَمْرِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بِالْأَوَّلِ وَنَهْيِهِ عَنْ الْأَخِيرَيْنِ وَالرَّأْسِ اهـ فَصَحَّ لَهُ هَذَا الْكَلَامُ، بِخِلَافِ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ

ص: 17