الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِلْكَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُنَازِعٌ، لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِي قَضِيَّةٍ طُلِبَ مِنْهُ فَصْلُهَا حُكْمٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ بِقَوْلِ ذِي الْحَقِّ وَسُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ هُنَا وَهِيَ غَيْرُ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ مَعَ عَدَمِ سَبْقِ دَعْوَى لِلْحَاجَةِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مَنْعُهُمْ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْحَاكِمِ، وَتَخْرِيجُ الْبُلْقِينِيِّ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْمُوجَبِ بِمُجَرَّدِ اعْتِرَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالْبَيْعِ وَلَا بِمُجَرَّدِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِمَا لِمَا صَدَرَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قِيلَ هُنَا يَأْتِي هُنَاكَ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ صَحَّ فَكَأَنَّهُ حُكْمٌ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ
جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ بِلَفْظٍ خَاصٍّ. وَالْأَصْلُ فِيهَا آيَاتٌ كَآيَةِ {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَيْسَ لَك إلَّا شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ»
وَأَرْكَانُهَا شَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ لَهُ وَمَشْهُودٌ بِهِ وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةُ وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي إلَّا الصِّيغَةَ وَهِيَ لَفْظُ أَشْهَدُ لَا غَيْرَ كَمَا يَأْتِي
(شَرْطُ الشَّاهِدِ) أَوْصَافٌ تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ (مُسْلِمٌ حُرٌّ مُكَلَّفٌ عَدْلٌ ذُو مُرُوءَةٍ غَيْرُ مُتَّهَمٍ) نَاطِقٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ مُتَيَقِّظٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَضْدَادِ هَؤُلَاءِ كَكَافِرٍ وَلَوْ عَلَى مِثْلِهِ لِأَنَّهُ أَخَسُّ الْفُسَّاقِ، وَأَمَّا خَبَرُ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ إلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ» فَضَعِيفٌ وقَوْله تَعَالَى {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] أَيْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِنَقْصِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِوِلَايَةٍ مُطْلَقًا وَلَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فَاسِقٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلِهِ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَهُوَ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا مَرْضِيٍّ، وَمَا اخْتَارَهُ جَمْعٌ كَالْأَذْرَعِيِّ وَالْغَزِّيِّ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إذَا فُقِدَتْ الْعَدَالَةُ وَعَمَّ الْفِسْقُ قَضَى الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ لِلضَّرُورَةِ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ يُعَارِضُهَا مَفْسَدَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا غَيْرِ ذِي مُرُوءَةٍ لِأَنَّهُ لَا حَيَاءَ لَهُ وَمَنْ لَا حَيَاءَ لَهُ يَصْنَعُ مَا شَاءَ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْمُرُوءَةِ، وَلَا مُتَّهَمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا وَالرِّيبَةُ حَاصِلَةٌ بِالْمُتَّهَمِ، وَلَا أَخْرَسَ وَإِنْ فَهِمَ إشَارَتَهُ كُلُّ أَحَدٍ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ احْتِمَالٍ، وَلَا مَحْجُورِ سَفَهٍ لِنَقْصِهِ.
وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ إذْ هُوَ إمَّا نَاقِصُ عَقْلٍ أَوْ فَاسِقٌ فَمَا مَرَّ يُغْنِي عَنْهُ رُدَّ بِأَنَّ نَقْصَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ
(قَوْلُهُ: كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ) أَيْ وَمَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ غَيْرُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْسُوخٌ) أَيْ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ لَكِنَّهُ مَنْسُوخٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِوِلَايَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ قِنًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُبَعَّضًا مَالِيَّةً كَانَتْ الْوِلَايَةُ وَغَيْرَهَا (قَوْلُهُ: الْأَمْثَلِ) أَيْ دِينًا (قَوْلُهُ: الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) أَيْ لَكِنَّ رِعَايَةَ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ قَدْ تُؤَدِّي إلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَنَّ الْقُرْعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا (قَوْلُهُ: وَهِيَ غَيْرُ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ) عِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي: وَيُقْبَلُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ لَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِتُرَدَّ عِنْدَ النُّكُولِ وَلَا مَرَدَّ لَهَا انْتَهَتْ.
[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]
(قَوْلُهُ: بِلَفْظٍ خَاصٍّ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَ قَاضٍ بِشَرْطِهِ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا خَبَرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهَذَا دَفْعُ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ الدَّالِّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ كُلِّ أَهْلِ دِينٍ عَلَى أَهْلِ دِينِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ) الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ لَا فِي هَذَا وَفِيمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَضْدَادِ الَّتِي هِيَ مَدْخُولُ لَا وَلَيْسَ مُعَادِلًا لَهُ
عَقْلِهِ لَا يُؤَدِّي إلَى تَسْمِيَتِهِ مَجْنُونًا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَلَا مُغَفَّلٍ وَلَا أَصَمَّ فِي مَسْمُوعٍ وَلَا أَعْمًى فِي مُبْصِرٍ كَمَا يَأْتِي وَمِنْ التَّيَقُّظِ ضَبْطُ أَلْفَاظِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِحُرُوفِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُتَّجَهُ عَدَمَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالْمَعْنَى، وَلَا يُقَاسُ بِالرِّوَايَةِ لِضِيقِهَا، وَلِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى عَقِيدَةِ الْحَاكِمِ لَا الشَّاهِدِ فَقَدْ يَحْذِفُ أَوْ يُغَيِّرُ مَا لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَ نَفْسِهِ وَيُؤَثِّرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، نَعَمْ يَقْرُبُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّعْبِيرِ بِأَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ عَنْ الْآخَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِيهَامِ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَالَ شَاهِدٌ وَكَّلَهُ أَوْ قَالَ قَالَ وَكَّلْته وَقَالَ الْآخَرُ فَوَّضَ إلَيْهِ أَوْ أَنَابَهُ قُبِلَ أَوْ قَالَ وَاحِدٌ قَالَ وَكَّلْت وَقَالَ الْآخَرُ قَالَ فَوَّضْت إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلَا لِأَنَّ كُلًّا أَسْنَدَ إلَيْهِ لَفْظًا مُغَايِرًا لِلْآخَرِ وَكَانَ الْغَرَضُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى اتِّحَادِ اللَّفْظِ الصَّادِرِ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ أَنَّ كُلًّا سَمِعَ مَا ذُكِرَ فِي مَرَّةٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ بِبَيْعٍ وَآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ يُلَفَّقَا، فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ بِمَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ قُبِلَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَ الْأَمْرَيْنِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْقَاضِي: ثَبَتَ عِنْدِي طَلَاقُ فُلَانَةَ وَالْآخَرُ ثَبَتَ عِنْدِي طَلَاقُ هَذِهِ فَلَا يَكْفِي، بِخِلَافِ قَوْلِ وَاحِدٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ طَلَاقُ فُلَانَةَ وَآخَرَ ثَبَتَ عِنْدَهُ طَلَاقُ هَذِهِ وَهِيَ تِلْكَ فَإِنَّهُ يَكْفِي اتِّفَاقًا.
وَقَوْلُ الشَّيْخِ تَبَعًا لِلْغَزِّيِّ فِي تَلْفِيقِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي كَذَا وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ أَوْ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ أَوْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ لُفِّقَتْ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى كَالنَّقْلِ بِاللَّفْظِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا كَذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَنَّهُ قَالَ وَكَّلْتُك فِي كَذَا وَآخَرُ بِأَنَّهُ قَالَ سَلَّطْتُك عَلَيْهِ أَوْ فَوَّضْته إلَيْك أَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَالْآخَرُ بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ فَلَا يُلَفَّقَانِ انْتَهَى. مَحْمُولٌ تَعْلِيلُهُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ التَّعْبِيرِ عَنْ الْمَسْمُوعِ بِمُرَادِفِهِ الْمُسَاوِي لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا غَيْرَ، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفَيْنِ ثَبَتَ الْأَلْفُ وَلَهُ الْحَلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ بِالْأَلْفِ الزَّائِدِ وَبِهِ يُعْلَمُ صِحَّةُ قَوْلِ الْعَبَّادِيِّ وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ هَذَا وَآخَرُ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ هَذَا وَهَذَا لُفِّقَتَا فِيهِ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الْهَرَوِيُّ، وَلَوْ أَخْبَرَ الشَّاهِدَ عَدْلٌ بِمَا يُنَافِي شَهَادَتَهُ جَازَ لَهُ اعْتِمَادُهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ أُخْبِرَ الْحَاكِمُ بِرُجُوعِ الشَّاهِدِ فَإِنْ ظَنَّ صِدْقَ الْمُخْبِرِ تَوَقَّفَ عَنْ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ شَهِدَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَعَطُّلِ الْأَحْكَامِ فَيَرْجِعُ مِنْهَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ لِأَنَّ الْغَرَضَ تَعَذُّرُ الْعُدُولِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ) أَيْ وَصَرْفُ مَالِهِ فِي مُحَرَّمٍ لَا يَسْتَلْزِمُ الْفِسْقَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُتَّجَهُ عَدَمَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالْمَعْنَى) أَيْ فَلَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الْبَيْعِ مَثَلًا مِنْ الْبَائِعِ بِعْت وَمِنْ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت فَلَا يُعْتَدُّ بِالشَّهَادَةِ إلَّا إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ الْبَائِعَ قَالَ بِعْت وَالْمُشْتَرِي قَالَ اشْتَرَيْت، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا اشْتَرَى هَذَا مِنْ هَذَا فَلَا يَكْفِي فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يُغْلَطُ فِيهِ كَثِيرًا (قَوْلُهُ لَمْ يُقْبَلَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَيَجْرِي ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: ثَبَتَ عِنْدِي طَلَاقُ هَذِهِ فَلَا يَكْفِي) أَيْ مَا لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا وَيَشْهَدُ بِمَا قَالَهُ الْآخَرُ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: لُفِّقَتَا فِيهِ) أَيْ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْمُعَيِّنِينَ (قَوْلُهُ جَازَ اعْتِمَادُهُ) أَيْ وَيَتْرُكُ الشَّهَادَةَ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ جَازَ أَنَّ لَهُ الشَّهَادَةَ بِمَا يُنَافِي إخْبَارَ الْعَدْلِ، وَلَوْ قِيلَ بِامْتِنَاعِهَا لِظَنِّهِ بُطْلَانَهَا لَمْ يَبْعُدْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي الْأَصَمِّ وَالْأَعْمَى، وَمُرَادُهُ بِهَذَا الِاعْتِذَارُ عَنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ هُنَا (قَوْلُهُ: فَقَدْ يُحْذَفُ أَوْ يُغَيَّرُ مَا لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَ نَفْسِهِ وَيُؤَثِّرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ هَلْ تَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمَعْنَى، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ نَعَمْ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَيُجْرَى ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ التَّلْفِيقِ فَلَوْ رَجَعَ وَشَهِدَ بِمَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ قَبْلُ (قَوْلُهُ فَلَا يَكْفِي) لَعَلَّ هَذَا فِيمَا إذَا شَهِدَا عَلَى إنْشَاءِ الْحُكْمِ بِالثُّبُوتِ لَا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يُعْتَبَرُ، وَإِلَّا فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا كَذَلِكَ فِي الْعَقْدِ) اُنْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِهِ (قَوْلُهُ: مَحْمُولُ تَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ إلَخْ) أَيْ كَمَا تَدُلُّ لَهُ أَمْثِلَتُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ إلَخْ) لَعَلَّ الدَّعْوَى بِأَلْفَيْنِ لِتَصِحَّ الشَّهَادَةُ بِالْأَلْفِ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْبَرَ الشَّاهِدَ عَدْلٌ) لَعَلَّهُ عَدْلُ رِوَايَةٍ إذْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ كَمَا
بِإِقْرَارٍ مَعَ عِلْمِهِ بَاطِنًا بِمَا يُخَالِفُهُ لَزِمَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ
(وَشَرْطُ الْعَدَالَةِ اجْتِنَابُ) كُلِّ كَبِيرَةٍ مِنْ أَنْوَاعِ (الْكَبَائِرِ) إذْ مُرْتَكِبُهَا فَاسِقٌ، وَهِيَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدُّهُمْ كَبَائِرَ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ كَالظِّهَارِ وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَقِيلَ هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ، وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ، وَقِيلَ هِيَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ الْإِصْرَارَ عَلَى صَغِيرَةٍ الْآتِي (وَ) اجْتِنَابُ (الْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ) أَوْ صَغَائِرَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ أَنْوَاعٍ بِأَنْ لَا تَغْلِبَ طَاعَاتِهِ مَعَاصِيهِ فَهُوَ فَاسِقٌ وَيُتَّجَهُ ضَبْطُ الْغَلَبَةِ بِالْعَدِّ مِنْ جَانِبَيْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكَثْرَةِ ثَوَابٍ فِي الْأُولَى وَعِقَابٍ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ أُخْرَوِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّنْ ضَبَطَهُ بِالْعُرْفِ. وَفِي الْمُخْتَصَرِ ضَبْطُهُ بِالْأَظْهَرِ مِنْ حَالِ الشَّخْصِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ وَالْمُخِلِّ بِهَا فَإِنْ غَلَبَ الْأَوَّلُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، بَلْ مَتَى وُجِدَ خَارِمُهَا كَفَى فِي رَدِّهَا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ صَغِيرَةٍ تَابَ مِنْهَا مُرْتَكِبُهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْعَدِّ لِإِذْهَابِ التَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ أَثَرَهَا رَأْسًا، وَمَا قِيلَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْإِصْرَارِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَهُ بَلْ مَعَ غَلَبَةِ الصَّغَائِرِ أَوْ مُسَاوَاتِهَا لِلطَّاعَاتِ وَهَذَا حِينَئِذٍ كَبِيرَةٌ مَحَلُّ نَظَرٍ.
لِأَنَّ الْإِصْرَارَ لَا يُصَيِّرُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يُلْحِقُهَا بِهَا فِي الْحُكْمِ فَالْعَطْفُ صَحِيحٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْلُ جَمْعٍ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَشْعَرِيِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ جَازَ لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ) وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ يُثْبِتُ فِي بَيَانِ الْحَقِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَقَرَّ نَاسِيًا أَوْ ظَانًّا بَقَاءَ الْحَقِّ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ فِي الْوَاقِعِ غَيْرَ ثَابِتٍ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدُّهُمْ إلَخْ) أَيْ لِجَوَازِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ كَبِيرَةٌ وَأَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فِيهِ تَفْصِيلٌ (قَوْلُهُ وَرِقَّةِ) عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ) كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ (قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ) لَعَلَّهُ بِعَدَمِ شُمُولِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَا يُصَيِّرُهَا كَبِيرَةً حَقِيقَةً وَإِنْ سَقَطَتْ بِهِ الْعَدَالَةُ وَعَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاضَ (قَوْلُهُ مِنْ جَانِبَيْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ بِأَنْ يُقَابِلَ كُلَّ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ عَلَى الْمَعَاصِي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَغَلَبَتْ الْمَعَاصِي فِي بَاقِيهَا بِحَيْثُ لَوْ قُوبِلَتْ جُمْلَةُ الْمَعَاصِي بِجُمْلَةِ الطَّاعَاتِ كَانَتْ الْمَعَاصِي أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ غَلَبَ الْأَوَّلُ) أَيْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مُرُوءَةِ أَمْثَالِهِ (قَوْلُهُ: بَلْ مَتَى وُجِدَ خَارِمُهَا كَفَى) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِوُجُودِ الْخَارِمِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ وَلَا تَغْلِبُ الْمُرُوءَةُ عَلَيْهِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ الْخَارِمُ فَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا غَلَبَتْ الْمُرُوءَةُ عَلَى مَا يُخِلُّ بِهَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مَعَ غَلَبَةِ الْمُرُوءَةِ لَا يُعَدُّ خَارِمًا، لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ بَعْدَ قَوْلِ حَجّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ بَلْ قِيَاسُ النَّظَائِرِ أَنَّ الْفَاسِقَ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِخْبَارُ بِهِ) اُنْظُرْ مَا فَائِدَتُهُ مَعَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مَا لَا يَشْفِي
(قَوْلُهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ عَدَمِ الْقَدْحِ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَدَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا (قَوْلُهُ وَاعْتُرِضَ بِشُمُولِهِ الْإِصْرَارَ عَلَى صَغِيرَةِ الْآتِي) اُنْظُرْ الشُّمُولَ مِنْ أَيْنَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَلَبَ الْأَوَّلُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) هَذَا مِنْ مَدْخُولِ النَّفْيِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ وَالْمُخِلِّ بِهَا بِحَيْثُ إنَّهُ إنْ غَلَبَ الْأَوَّلُ إلَخْ، وَمُقَابِلُ الْمَنْفِيِّ إنَّمَا هُوَ الْإِضْرَابُ الْآتِي وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ) هَذَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَدْ يُنَافِي مَا سَيَأْتِي لَهُ اسْتِيجَاهُهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِكْثَارِ مِنْ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ حَتَّى يُرَدَّ بِهِ الشَّهَادَةُ إلَّا فِي نَحْوِ قُبْلَةِ زَوْجَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْخَارِمَ هُوَ الْإِكْثَارُ وَالْمَنْفِيُّ هُنَا هُوَ تَكْرِيرُ الْإِكْثَارِ. فَالْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْإِكْثَارُ انْخَرَمَتْ الْمُرُوءَةُ وَرُدَّتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ الْإِكْثَارُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْإِكْثَارُ مُعَادِلًا لِخِصَالِ الْمُرُوءَةِ أَمْ أَقَلَّ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: فَالْعَطْفُ صَحِيحٌ) فِيهِ أَنَّ الْقِيلَ الْمَارَّ لَمْ يَدَّعِ صَاحِبُهُ عَدَمَ صِحَّةِ الْعَطْفِ، وَقَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ
وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا كَرِهُوا تَسْمِيَةَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَبَعْضَهَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ تَعَلُّمِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ كَبِيرَةً لَكِنْ مِنْ الْمَسَائِلِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْخَفِيَّةِ، نَعَمْ مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ إلَخْ هَلْ يَكُونُ تَرْكُ تَعَلُّمِهِ ذَلِكَ كَبِيرَةً أَوْ لَا مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إفْتَاءُ الشَّيْخِ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَرْكَانَ أَوْ شُرُوطَ نَحْوِ الْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ (وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَهُوَ صَغِيرَةٌ، وَفَارَقَ الشِّطْرَنْجُ بِأَنَّ مُعْتَمَدَهُ الْحِسَابُ الدَّقِيقُ وَالْفِكْرُ الصَّحِيحُ فَفِيهِ تَصْحِيحُ الْفِكْرِ وَنَوْعٌ مِنْ التَّدْبِيرِ، وَمُعْتَمَدُ النَّرْدِ الْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ الْمُؤَدِّي إلَى غَايَةٍ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْحُمْقِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا حَاصِلُهُ: وَيُقَاسُ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ اللَّهْوِ، فَكُلُّ مَا اعْتَمَدَ الْحِسَابَ وَالْفِكْرَ كَالْمِنْقَلَةِ حُفَرٌ أَوْ خُطُوطٌ يَنْقُلُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا حَصَى بِالْحِسَابِ لَا يَحْرُمُ وَمَحَلُّهَا فِي الْمِنْقَلَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ حِسَابُهَا تَبَعًا لِمَا يُخْرِجُهُ الطَّابُ الْآتِي وَإِلَّا حَرُمَتْ، وَكُلُّ مَا مُعْتَمَدُهُ التَّخْمِينُ يَحْرُمُ، وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِطَابٌ وَهُوَ عَصًى صِغَارٌ تُرْمَى وَيُنْظَرُ لِلَوْنِهَا وَيُرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الكنجفة، وَيَجُوزُ اللَّعِبُ بِالْحَمَامِ وَالْخَاتَمِ حَيْثُ خَلَيَا عَنْ عِوَضٍ، لَكِنْ مَتَى كَثُرَ الْأَوَّلُ رُدَّتْ بِهِ الشَّهَادَةُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ خَلْعِهِمْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ وَالْمُرُوءَةِ وَالتَّعَصُّبِ، وَيُقَاسُ بِهِمْ مَا كَثُرَ وَاشْتَهَرَ مِنْ أَنْوَاعٍ حَدَثَتْ كَالْجَرْيِ وَحَمْلِ الْأَحْمَالِ الثَّقِيلَةِ وَالنِّطَاحِ بِنَحْوِ الْكِبَاشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ اللَّهْوِ وَالسَّفَهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ (وَيُكْرَهُ) اللَّعِبُ (بِشِطْرَنْجٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ مُعْجَمًا وَمُهْمَلًا لِأَنَّهُ يُلْهِي عَنْ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا الْفَاضِلَةِ بَلْ كَثِيرًا مَا يَسْتَغْرِقُ فِيهِ لَاعِبُهُ حَتَّى يُخْرِجَهَا عَنْ وَقْتِهَا وَهُوَ حِينَئِذٍ فَاسِقٌ غَيْرُ مَعْذُورٍ بِنِسْيَانِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَفْلَةَ نَشَأَتْ مِنْ تَعَاطِيهِ الْفِعْلَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُلْهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ كَالْمُتَعَمِّدِ لِتَفْوِيتِهِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ لَهْوٍ وَلَعِبٍ مَكْرُوهٍ مُشْغِلٍ لِلنَّفْسِ وَمُؤَثِّرٍ فِيهَا تَأْثِيرًا يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا حَتَّى تَشْتَغِلَ بِهِ عَنْ مَصَالِحِهَا الْأُخْرَوِيَّةِ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْكَرَاهَةِ إذَا لَعِبَهُ مَعَ مُعْتَقِدِ حِلِّهِ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ لِإِعَانَتِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ حَتَّى فِي ظَنِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِاعْتِقَادِ إمَامِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْحَاكِمِ اعْتِقَادُ نَفْسِهِ لَا الْخَصْمِ لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ، وَلَوْ نَظَرْنَا لِاعْتِقَادِ الْخَصْمِ تَعَطَّلَ الْقَضَاءُ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيَجْرِي إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي بَلْ مَتَى وُجِدَ خَارِمٌ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ شَرْحُ م ر اهـ (قَوْلُهُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ أَوْ أَنَّ بَعْضَهَا فَرْضٌ وَالْآخَرَ سُنَّةٌ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ (قَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالطَّاوِلَةِ فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي) أَيْ كُلِّ مَا مُعْتَمَدُهُ التَّخْمِينُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا مَالٍ فَيَحْرُمُ، وَيُؤَيِّدُهُ التَّقْيِيدُ فِي الْحَمَامِ وَمَا بَعْدَهُ بِالْخُلُوِّ عَنْ الْعِوَضِ، لَكِنْ قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ فِي الْمُسَابَقَةِ جَوَازَهُ حَيْثُ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الكنجفة) وَهِيَ أَوْرَاقٌ فِيهَا صُوَرٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ بِهِمْ) أَيْ بِأَهْلِ الْحَمَامِ: أَيْ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ فَقَطْ، أَمَّا الْجَرْيُ فَقَدْ يَحْرُمُ إنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إضْرَارٌ لِلنَّفْسِ بِلَا غَرَضٍ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَعْذُورٍ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُقَاسُ بِهِمْ مَا كَثُرَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
يُتَأَمَّلُ مَا الْمُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ وَاَلَّذِي مَرَّ تَقْيِيدٌ لَا تَأْوِيلٌ (قَوْلُهُ: الْكَنْجَفَةُ) هِيَ أَوْرَاقٌ مُزَوَّقَةٌ بِأَنْوَاعِ النُّقُوشِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَهِيَ أَوْرَاقٌ فِيهَا صُوَرٌ (قَوْلُهُ: كَالْمُتَعَمِّدِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَفْسُقُ بِإِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ وَتَوَقَّفَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي ضَابِطِ التَّكَرُّرِ
حُرْمَتَهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَلَوْ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ (فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقِمَارٌ) مُحَرَّمٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا لِيَبْذُلَهُ إنْ غَلَبَ وَيُمْسِكُهُ إنْ غَلَبَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ لَكِنَّهُ عَقْدُ مُسَابَقَةٍ عَلَى غَيْرِ آلَةِ قِتَالٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ مِنْ جِهَتِهِ، إذْ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ وَهَذَا كَمَا قَبْلَهُ صَغِيرَةٌ، لَكِنَّ أَخْذَ الْمَالِ كَبِيرَةٌ، وَعَبَّرَ بِقِمَارٍ مُحَرَّمٍ احْتِرَازًا عَنْ اعْتِرَاضِ الْإِمَامِ عَلَى إطْلَاقِهِمْ التَّحْرِيمَ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ مَا اقْتَرَنَ بِالشِّطْرَنْجِ لَا هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ، وَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إنْ اقْتَرَنَ بِهِ أَخْذُ مَالٍ أَوْ فُحْشٍ أَوْ دَوَامٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَوْ لَعِبَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ كَانَ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ اللَّعِبُ بِكُلِّ مَا فِي آلَتِهِ صُورَةٌ مُحَرَّمَةٌ (وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِالْمَدِّ (وَسَمَاعُهُ) وَاسْتِمَاعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إيقَاظِ النُّوَّامِ وَتَنْشِيطِ الْإِبِلِ لِلسَّيْرِ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ فَاعِلَهُ وَهُوَ مَا يُقَالُ خَلْفَ الْإِبِلِ مِنْ رَجَزٍ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِأَنَّهُ تَحْسِينُ الصَّوْتِ الشَّجِيِّ بِالشِّعْرِ الْجَائِزِ (وَيُكْرَهُ الْغِنَاءُ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَبِالْمَدِّ (بِلَا آلَةٍ وَسَمَاعُهُ) يَعْنِي اسْتِمَاعُهُ لَا مُجَرَّدُ سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ: إنَّهُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ، وَمَا ذَكَرَاهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ حُرْمَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ كَانَ مِنْ أَمْرَدَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ وَخَافَ عَنْ ذَلِكَ الْفِتْنَةَ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَمَّا مَا اُعْتِيدَ عِنْدَ مُحَاوَلَةِ عَمَلٍ وَحَمْلِ ثَقِيلٍ كَحُدَاءِ الْأَعْرَابِ لِإِبِلِهِمْ وَغِنَاءِ النِّسَاءِ لِتَسْكِينِ صِغَارِهِمْ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، بَلْ رُبَّمَا يُنْدَبُ إذَا نَشَّطَ عَلَى سَيْرٍ أَوْ رَغَّبَ فِي خَيْرٍ كَالْحُدَاءِ فِي الْحَجِّ وَالْغَزْوِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَمَتَى اقْتَرَنَ بِالْغِنَاءِ آلَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَحْرِيمُ الْآلَةِ فَقَطْ وَبَقَاءُ الْغِنَاءِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ فِي الشِّطْرَنْجِ مَعَ الْقِمَارِ، وَلَيْسَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنْ لَحَّنَ فِيهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى حَدٍّ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْقُرَّاءِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ كَرَاهَةَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مُرَادُهُمْ بِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَفْسُقُ الْقَارِئُ بِذَلِكَ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ (وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ آلَةٍ مِنْ شِعَارِ الشَّرَبَةِ كَطُنْبُورٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (وَعُودٍ) وَرَبَابٍ وسنطير وجنك وَكَمَنْجَةٍ (وَصَنْجٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ صُفْرٌ يُجْعَلُ عَلَيْهِ أَوْتَارٌ يُضْرَبُ بِهَا أَوْ قِطْعَتَانِ مِنْ صُفْرٍ تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ (وَمِزْمَارٍ عِرَاقِيٍّ) وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَوْتَارِ وَالْمَزَامِيرِ (وَاسْتِمَاعُهَا) لِأَنَّ اللَّذَّةَ الْحَاصِلَةَ مِنْهَا تَدْعُو إلَى فَسَادٍ كَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا سِيَّمَا مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ (قَوْلُهُ: صَغِيرَةٌ) نُقِلَ عَنْ حَجّ فِي الزَّوَاجِرِ أَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ كَبِيرَةٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ لَعِبَهُ عَلَى الطَّرِيقِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ عَظِيمًا، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ تَكَرَّرَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُقَالُ خَلْفَ الْإِبِلِ) وَيُسْتَثْنَى هَذَا مِنْ الْغِنَاءِ الْآتِي كَمَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا مَا اُعْتِيدَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُنْبِتُ إلَخْ: أَيْ يَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ النِّفَاقِ فِي قَلْبِ مَنْ يَفْعَلُهُ بَلْ أَوْ مَنْ يَسْتَمِعُهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَاسْتِمَاعَهُ يُورِثُ مُنْكَرًا وَاشْتِغَالًا بِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ كَمَحَاسِنِ النِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا قَدْ يُورِثُ فِي فَاعِلِهِ ارْتِكَابَ أُمُورٍ تَحْمِلُ فَاعِلَهُ عَلَى أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ.
(قَوْلُهُ: لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْقُرَّاءِ حَرُمَ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَفْسُقُ) بِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي النَّشْرِ لَكِنْ قَالَ حَجّ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ: الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْفِسْقِ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا (قَوْلُهُ: وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ) أَيْ إثْمَ الصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ) أَيْ طَرِيقِهِ الْمُسْتَقِيمِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ صُفْرٌ) أَيْ نُحَاسٌ (قَوْلُهُ: تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى) وَهُوَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَقِمَارٌ) أَيْ ذَلِكَ الشَّرْطُ أَوْ الْمَالُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُحَرَّمٌ مِنْ جِهَتِهِ) اُنْظُرْ مَرْجِعَ الضَّمِيرَيْنِ (قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْحَاءِ) وَكَذَا بِكَسْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا مَا اُعْتِيدَ إلَخْ) الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَبِي الْعَبَّاسِ فِي كَلَامِهِ الرُّويَانِيُّ أَوْ الْقُرْطُبِيُّ فَإِنَّهُ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: صِغَارِهِمْ) صَوَابُهُ صِغَارِهِنَّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لُحِّنَ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى
بِهَا، وَلِأَنَّهَا شِعَارُ الْفَسَقَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمَا حَرَامٌ، وَخَرَجَ بِاسْتِمَاعِهَا سَمَاعُهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يَحْرُمُ، وَحِكَايَةُ وَجْهٍ بِحِلِّ الْعُودِ مَرْدُودَةٌ، وَمَا سَمِعْنَاهُ مِنْ بَعْضِ صُوفِيَّةٍ الْوَقْتِ تَبِعَ فِيهِ كَلَامَ ابْنِ حَزْمٍ وَأَبَاطِيلَ ابْنِ طَاهِرٍ وَكَذِبَهُ الشَّنِيعَ فِي تَحْلِيلِ الْأَوْتَارِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُنْظَرْ لِكَوْنِهِ مَذْمُومَ السِّيرَةِ مَعَ أَنَّهُ مَرْدُودُ الْقَوْلِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي تَسْفِيهِهِ وَتَضْلِيلِهِ سِيَّمَا الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُ وَاتِّبَاعُ مَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ لَا مَا افْتَرَاهُ أُولَئِكَ.
نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ بِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَنْفَعُهُ لِمَرَضِهِ إلَّا الْعُودُ عُمِلَ بِخَبَرِهِمَا وَحَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ كَالتَّدَاوِي بِنَجِسٍ فِيهِ الْخَمْرُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ يُبَاحُ اسْتِمَاعُ آلَةِ اللَّهْوِ إذَا نَفَعَتْ مَنْ مَرِضَ: أَيْ لِمَنْ بِهِ ذَلِكَ الْمَرَضُ وَتَعَيَّنَ الشِّفَاءُ فِي سَمَاعِهِ، وَحِكَايَةُ ابْنِ طَاهِرٍ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ الْعُودَ مِنْ جُمْلَةِ كَذِبِهِ وَتَهَوُّرِهِ فَلَا يَحِلُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ (لَا يَرَاعٍ) وَهِيَ الشَّبَّابَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ جَوْفِهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لِرَجُلٍ لَا قَلْبَ لَهُ رَجُلٌ يَرَاعٌ فَلَا يَحْرُمُ (فِي الْأَصَحِّ) لِخَبَرٍ فِيهِ (قُلْت: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ مُطْرِبٌ بِانْفِرَادِهِ، بَلْ قِيلَ إنَّهُ آلَةٌ كَامِلَةٌ لِجَمِيعِ النَّغَمَاتِ إلَّا يَسِيرًا فَحَرُمَ كَسَائِرِ الْمَزَامِيرِ، وَالْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ فِي شَبَّابَةِ الرَّاعِي مُنْكَرٌ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ دَلِيلُ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَدَّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمَاعِهَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ اسْتَخْبَرَ مِنْ نَافِعٍ هَلْ يَسْمَعُهَا فَيَسْتَدِيمُ سَدَّ أُذُنَيْهِ، فَلَمَّا لَمْ يَسْمَعْهَا أَخْبَرَهُ فَتَرَكَ سَدَّهُمَا، فَهُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِصْغَاءِ إلَيْهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَهُ أَتَسْمَعُ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اسْتَمِعْ، وَلَقَدْ أَطْنَبَ خَطِيبُ الشَّامِ الدَّوْلَعِيُّ فِي تَحْرِيمِهَا وَتَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ وَنَسَبَ مَنْ قَالَ بِحِلِّهَا إلَى الْغَلَطِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهَا إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الدُّفِّ حَرُمَا بِالْإِجْمَاعِ مِمَّنْ يُعْتَدَّ بِهِ وَفِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ فِي الشِّطْرَنْجِ مَعَ الْقِمَارِ، وَعَنْ الزَّرْكَشِيّ فِي الْغِنَاءِ مَعَ الْآلَةِ، وَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ أَنَّهُمَا كَانَا يَسْمَعَانِ ذَلِكَ فَكَذِبٌ.
(وَيَجُوزُ دُفٌّ) أَيْ ضَرْبُهُ وَاسْتِمَاعُهُ (لِعُرْسٍ)«لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ جُوَيْرِيَّاتٍ ضَرَبْنَ بِهِ حِينَ بَنَى عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُمَا» ، بَلْ قَالَ لِمَنْ قَالَتْ:
وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ
دَعِي هَذَا وَقَوْلِي بِاَلَّتِي كُنْت تَقُولِينَ: أَيْ مِنْ مَدْحِ بَعْضِ الْمَقْتُولِينَ بِبَدْرٍ، وَصَحَّ خَبَرُ «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الضَّرْبُ بِالدُّفِّ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ خَبَرَ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» وَقَدْ أَخَذَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ نَدْبَهُ فِي الْعُرْسِ وَنَحْوِهِ (وَخِتَانٍ) لِأَنَّ عُمَرَ رحمه الله كَانَ يُقِرُّهُ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَيُنْكِرُهُ فِي غَيْرِهِمَا (وَكَذَا غَيْرُهُمَا) مِنْ كُلِّ سُرُورٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِخَبَرِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ قَالَتْ لَهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ: إنِّي نَذَرْت إنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ، فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت نَذَرْت أَوْفِي بِنَذْرِك» .
وَالثَّانِي الْمَنْعُ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ يَضْرِبْهُ لِنَحْوِ قُدُومِ عَالِمٍ أَوْ سُلْطَانٍ وَيُبَاحُ أَوْ يُسَنُّ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِنَدْبِهِ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَرَاءُ الْمَشْهُورُونَ فِي زَمَنِنَا الْمُسَمَّى فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ بِالْكَاسَاتِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الشَّبَّابَةُ) هِيَ الْمُسَمَّاةُ الْآنَ بِالْغَابِ (قَوْلُهُ: فِي الْغِنَاءِ مَعَ الْآلَةِ) أَيْ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الدُّفِّ حَرُمَتْ دُونَهُ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ دُفٌّ) وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالطَّارِ (قَوْلُهُ: حِينَ بَنَى) أَيْ دَخَلَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَقُولِي بِاَلَّتِي) أَيْ بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ سُرُورٍ) قَدْ يُفْهِمُ تَحْرِيمَهُ لَا لِسَبَبٍ أَصْلًا فَلْيُرَاجَعْ وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَعِبٌ مُجَرَّدٌ (قَوْلُهُ: لِنَحْوِ قُدُومِ عَالِمٍ) أَيْ وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا،
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَحَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ) اُنْظُرْ هَلْ يَحِلُّ لِنَحْوِ الطَّبِيبِ اسْتِعْمَالُهُ حِينَئِذٍ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُ الْمَرِيضِ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ شِفَاؤُهُ (قَوْلُهُ: كَامِلَةً لِجَمِيعِ النَّغَمَاتِ) عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: وَافِيَةٌ بِجَمِيعِ النَّغَمَاتِ (قَوْلُهُ: سَدَّ أُذُنَيْهِ) أَيْ وَرَعًا، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ مُجَرَّدَ السَّمَاعِ لَا يَحْرُمُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ إشْكَالُ تَقْرِيرِهِ لِسَمَاعٍ نَافِعٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ دُفٌّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ سُرُورٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ السُّرُورِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَيُبَاحُ أَوْ يُسَنُّ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهِ الدُّخُولُ فِي الْمَتْنِ
لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَدَعْوَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِجَلَاجِلَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ وَهُوَ إمَّا نَحْوُ حِلَقٍ تُجْعَلُ دَاخِلَهُ كَدُفِّ الْعَرَبِ أَوْ صُنُوجٍ عِرَاضٍ مِنْ صُفْرٍ تُجْعَلُ مِنْ خُرُوقِ دَائِرَتِهِ كَدُفِّ الْعَجَمِ، وَقَدْ جَزَمَ بِحِلِّ هَذِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ، وَمُنَازَعَةُ الْأَذْرَعِيِّ فِيهِ بِأَنَّهُ أَشَدُّ إطْرَابًا مِنْ الْمَلَاهِي الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَنَقْلُهُ عَنْ جَمْعٍ حُرْمَتَهُ مَرْدُودَةٌ، وَسَوَاءُ ضَرَبَ بِهِ رَجُلٌ أَمْ أُنْثَى، وَتَخْصِيصُ الْحَلِيمِيِّ حِلَّهُ بِالنِّسَاءِ مَرْدُودٌ كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ (وَيَحْرُمُ ضَرْبُ الْكُوبَةِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَاسْتِمَاعُهُ أَيْضًا (وَهِيَ طَبْلٌ) طَوِيلٌ (ضَيِّقُ الْوَسَطِ) وَاسِعُ الطَّرَفَيْنِ وَمِنْهُ أَيْضًا الْمَوْجُودُ فِي زَمَنِنَا مَا أَحَدُ طَرَفَيْهِ أَوْسَعُ مِنْ الْآخَرِ الَّذِي لَا جِلْدَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ» أَيْ الْقِمَارَ " وَالْكُوبَةَ " وَلِأَنَّ فِي ضَرْبِهَا تَشْبِيهًا بِالْمُخَنَّثِينَ إذْ لَا يَعْتَادُهَا غَيْرُهُمْ، وَتَفْسِيرُهَا بِذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ فَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِالنَّرْدِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ حِلُّ مَا سِوَاهَا مِنْ الطُّبُولِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْعِرَاقِيُّونَ تَحْرِيمَ الطُّبُولِ.
وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَادَّعَى أَنَّ الْمَوْجُودَ لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُ مَا سِوَى الدُّفِّ مِنْ الطُّبُولِ (لَا الرَّقْصُ) فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَرَكَاتٍ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَاعْوِجَاجٍ وَلِإِقْرَارِهِ صلى الله عليه وسلم الْحَبَشَةَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِهِ يَوْمَ عِيدٍ، وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِهِمْ أَرْبَابَ الْأَحْوَالِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ وَإِنْ كُرِهَ لِغَيْرِهِمْ مَرْدُودٌ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ رَوِيَّتِهِمْ فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ وَإِلَّا لَمْ يَكُونُوا مُكَلَّفِينَ، وَيَجِبُ طَرْدُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ مَا يُحْكَى عَنْ الصُّوفِيَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الشَّرْعِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. نَعَمْ لَوْ كَثُرَ الرَّقْصُ بِحَيْثُ أَسْقَطَ الْمُرُوءَةَ حَرُمَ عَلَى مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ الْمُخَنَّثِ) بِكَسْرِ النُّونِ وَهَذَا أَشْهَرُ وَفَتْحِهَا وَهُوَ أَفْصَحُ، فَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ مَنْ يَتَخَلَّقُ بِخُلُقِ النِّسَاءِ حَرَكَةً وَهَيْئَةً، وَعَلَيْهِ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ بِلَعْنِهِ، أَمَّا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ خِلْقَةً مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَلَا يَأْثَمُ بِهِ.
(وَيُبَاحُ)(قَوْلُ) أَيْ إنْشَاءُ (شِعْرٍ وَإِنْشَادُهُ) وَاسْتِمَاعُهُ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ شُعَرَاءُ يُصْغِي إلَيْهِمْ كَحَسَّانٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهم وَاسْتَنْشَدَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ مِائَةَ بَيْتٍ» : أَيْ لِأَنَّ أَكْثَرَ شِعْرِهِ حِكَمٌ وَأَمْثَالٌ وَتَذْكِيرٌ بِالْبَعْثِ، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «كَادَ أَنْ يُسْلِمَ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةٌ» وَاسْتَحَبَّ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْهُ مَا حَذَّرَ عَنْ مَعْصِيَةٍ أَوْ حَثَّ عَلَى طَاعَةٍ (إلَّا أَنْ يَهْجُوَ) فِي شِعْرِهِ مُعَيَّنًا فَيَحْرُمُ وَإِنْ صَدَقَ أَوْ عَرَّضَ بِهِ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَتُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ لِلْإِيذَاءِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَنَحْوَهُ، بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ، وَيُتَّجَهُ إلْحَاقُ الْمُرْتَدِّ بِهِ لَا نَحْوِ زَانٍ مُحْصَنٍ وَغَيْرِ مُتَجَاهِرٍ بِفِسْقٍ وَغَيْرِ مُبْتَدِعٍ بِبِدْعَتِهِ وَإِثْمُ حَاكِيهِ دُونَ إثْمِ مُنْشِئِهِ (أَوْ يُفْحِشُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ النَّحْوِ الْمَذْكُورِ مَا حَدَثَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ السُّرُورِ بِالْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَأَلْفٍ فِي رَابِعِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ فَيُضْرَبُ لَهُ بِالدُّفِّ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَيْضًا الْمَوْجُودُ فِي زَمَنِنَا) أَفَادَ التَّعْبِيرُ بِمِنْهُ أَنَّ الْكُوبَةَ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا سُدَّ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِالْجِلْدِ دُونَ الْآخَرِ بَلْ هِيَ شَامِلَةٌ لِذَلِكَ وَمَا لَوْ سُدَّ طَرَفَاهُ مَعًا.
(قَوْلُهُ: حَلَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الطُّبُولِ) دَخَلَ فِيهِ مَا يَضْرِبُ بِهِ الْفُقَرَاءُ وَيُسَمُّونَهُ طَبْلُ الْبَازِ وَمِثْلُهُ طَبْلَةُ الْمُسَحِّرِ فَهُمَا جَائِزَانِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ لِغَيْرِهِمْ) عِبَارَةُ حَجّ بَدَلُ قَوْلِهِ وَإِنْ كُرِهَ إلَخْ وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا جَمْعٌ وَهِيَ وَاضِحَةٌ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلَا يَنْتَظِمُ بِظَاهِرِهِ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ لَكِنْ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْصَحُ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي كَوْنِهِ أَفْصَحَ بَلْ فِي صِحَّتِهِ مَعَ تَفْسِيرِهِ بِالْمُتَشَبِّهِ بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الْكَسْرِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي تَوْجِيهٍ الْفَتْحُ: إنَّ غَيْرَ الْفَاعِلِ يُشْبِهُ الْفَاعِلَ بِالنِّسَاءِ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ مُشَبَّهًا بِالنِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَهَيْئَةً) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ: وَاسْتَنْشَدَ) أَيْ طَلَبَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنْ يُذَكِّرَهُ (قَوْلُهُ كَادَ أَنْ يُسْلِمَ) أَيْ أُمَيَّةُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَهْجُوَ فِي شِعْرِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ (قَوْلُهُ: لَا نَحْوَ زَانٍ مُحْصَنٍ) أَيْ فَلَا يَلْحَقُ بِالْحَرْبِيِّ (قَوْلُهُ: دُونَ إثْمِ مُنْشِئِهِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُذِيعُ لَهُ فَيَكُونُ إثْمُهُ أَشَدَّ اهـ حَجّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ مُعَيَّنًا) اُنْظُرْ هَلْ مِنْهُ هَجْوُ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ (قَوْلُهُ: مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا) وَصْفَانِ لِ مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ: وَغَيْرِ مُبْتَدِعٍ بِبِدْعَتِهِ)
أَيْ يُجَاوِزُ الْحَدَّ لِأَنَّ فِي الْإِطْرَاءِ فِي الْمَدْحِ وَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فَيَحْرُمُ أَيْضًا لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ كَذِبًا، وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ حَيْثُ أَكْثَرَ مِنْهُ (أَوْ يُعَرِّضُ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ) بِأَنْ يَذْكُرَ صِفَاتِهَا مِنْ نَحْوِ حُسْنٍ وَطُولٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ أَيْضًا، وَتُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ أَوْ هَتْكِ السَّتْرِ إذَا وَصَفَ الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حَلِيلَتِهِ بِمَا مِنْ حَقِّهِ الْإِخْفَاءُ كُرِهَ وَرُدَّتْ بِهِ شَهَادَتُهُ أَيْضًا، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرَدُ، وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنَةِ غَيْرُهَا فَلَا إثْمَ فِيهِ لِأَنَّ غَرَضَ الشَّاعِرِ تَحْسِينُ صَنْعَتِهِ لَا تَحْقِيقُ الْمَذْكُورِ فِيهِ. نَعَمْ يَقَعُ لِبَعْضِ فَسَقَةِ الشُّعَرَاءِ نَصْبُ قَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى التَّعْيِينِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُعَيَّنِ (وَالْمُرُوءَةُ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ) لِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا مَلَكَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ لَا تَتَغَيَّرُ بِعُرُوضِ مُنَافٍ لَهَا، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ تَخَلُّقُهُ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ الْمُبَاحَةِ غَيْرِ الْمُزْرِيَةِ فَلَا نَظَرَ لِحَلْقِ القلندرية اللِّحَاءَ وَنَحْوَهَا (فَالْأَكْلُ فِي سُوقٍ وَالْمَشْيُ) فِيهِ (مَكْشُوفَ الرَّأْسِ) أَوْ الْبَدَنِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ كَشْفُ ذَلِكَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَمْشِ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ يُسْقِطُهَا لِخَبَرِ «الْأَكْلُ فِي السُّوقِ دَنَاءَةٌ» وَقِيسَ بِهِ الشُّرْبُ إلَّا إنْ صَدَقَ جُوعُهُ أَوْ عَطَشُهُ. نَعَمْ لَوْ أَكَلَ دَاخِلَ حَانُوتٍ مُسْتَتِرًا بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ، أَوْ كَانَ صَائِمًا وَقَصَدَ الْمُبَادَرَةَ لِسُنَّةِ الْفِطْرِ اُتُّجِهَ عُذْرُهُ حِينَئِذٍ.
(وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ) فِي نَحْوِ فَمِهَا لَا رَأْسِهَا وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى نَحْوِ صَدْرِهَا (بِحَضْرَةِ النَّاسِ) أَوْ أَجْنَبِيٍّ يُسْقِطُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِحَضْرَةِ جَوَارِيهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ تَقْبِيلَهَا لَيْلَةَ جَلَائِهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ أَوْ الْأَجْنَبِيَّاتِ يُسْقِطُهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ (وَإِكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ) لِلْحَاضِرِينَ أَوْ فِعْلُ خَيَالَاتٍ كَذَلِكَ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ يُسْقِطُهَا لِخَبَرِ «مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» وَتَقْيِيدُهُ الْإِكْثَارَ بِهَذَا يُفْهِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ فِيمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي نَحْوِ قُبْلَةِ حَلِيلَتِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فِي طَرِيقٍ مَثَلًا فَلَا يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُهُ، وَاعْتُرِضَ بِتَقْبِيلِ ابْنِ عُمَرَ الْأَمَةَ الَّتِي خَرَجَتْ لَهُ مِنْ السَّبْيِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فَلَا يُعْتَرَضُ بِفِعْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْحُرْمَةِ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِسُكُوتِ الْبَاقِينَ عَلَيْهَا بَلْ فِي سُقُوطِ الْمُرُوءَةِ وَسُكُوتُهُمْ لَا دَخْلَ لَهُ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ لِيُبَيِّنَ حِلَّ التَّمَتُّعِ بِالْمَسْبِيَّةِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا أَصْلًا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَيْ يُجَاوِزُ الْحَدَّ فِي الْإِطْرَاءِ) مُبَالَغَةٌ.
(قَوْلُهُ: كُرِهَ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ تَتَأَذَّ بِإِظْهَارِهِ وَإِلَّا حَرُمَ (قَوْلُهُ: وَالْمُرُوءَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَبِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَعَ إبْدَالِهَا وَاوًا مَلِكَةٌ إنْسَانِيَّةٌ إلَخْ اهـ تِلْمِسَانِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالْمُرُوءَةُ آدَابٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَحْمِلُ مُرَاعَاتُهَا الْإِنْسَانَ عَلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَجَمِيلِ الْعَادَاتِ، يُقَالُ: مَرُؤَ الْإِنْسَانُ فَهُوَ مَرِيءٌ مِثْلَ قَرُبَ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَقَوْلُ التِّلْمِسَانِيِّ وَكَسَرَهَا لَعَلَّهُ وَضَمَّهَا (قَوْلُهُ: وَنَحْوهَا) أَيْ فَإِنَّ فِعْلَهُ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِهِ الشُّرْبُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ شُرْبِ الْقَهْوَةِ وَالدُّخَانِ فِي بُيُوتِهَا أَوْ عَلَى مَسَاطِبِهَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَاطِي لِذَلِكَ مِنْ السُّوقَةِ الَّذِينَ لَا يَحْتَشِمُونَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ غَيْرُهُ) أَيْ مِنْ الْمَارِّينَ. أَمَّا لَوْ نَظَرَهُ مَنْ دَخَلَ لِيَأْكُلَ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخِلَّ بِالْمُرُوءَةِ (قَوْلُهُ: وَوَضْعُ يَدِهِ) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: بِحَضْرَةِ النَّاسِ) أَيْ وَلَوْ مِنْ مَحَارِمَ لَهَا أَوْ لَهُ (قَوْلُهُ: يُضْحِكُ بِهَا) أَيْ يَقْصِدُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ لِجَلْبِ دُنْيَا تَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ مُجَرَّدِ الْمُبَاسَطَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُهُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ بَلْ مَتَى وُجِدَ خَارِمُهَا كَفَى فِي رَدِّهَا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ سم عَلَى حَجّ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ ثَمَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا فَعَلَهُ لِيُبَيِّنَ حِلَّ التَّمَتُّعِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
دَخَلَ فِيهِ غَيْرُ الْمُبْتَدِعِ وَالْمُبْتَدِعُ بِغَيْرِ بِدْعَتِهِ، أَمَّا هَجْوُهُ بِبِدْعَتِهِ فَلَا يَحْرُمُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُهُ غَيْرُهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ مَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَانُوتِ كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ.
(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ إلَخْ) فِي
(وَلُبْسُ فَقِيهٍ قَبَاءً وَقَلَنْسُوَةً) وَهِيَ مَا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ وَحْدَهُ وَتَاجِرٍ ثَوْبَ نَحْوِ حَمَّارٍ وَتُرَابٍ وَهَذَا ثَوْبَ نَحْوِ عَالِمٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يُفْعَلُ (حَيْثُ) أَيْ بِمَحَلٍّ (لَا يُعْتَادُ) مِثْلُهُ فِيهِ (وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ) أَوْ فِعْلِهِ بِنَحْوِ طَرِيقٍ وَإِنْ قَلَّ (أَوْ) عَلَى (غِنَاءٍ أَوْ) عَلَى (سَمَاعِهِ) أَيْ اسْتِمَاعِهِ أَوْ اتِّخَاذ أَمَةٍ وَامْرَأَةٍ لِتُغْنِيَ لِلنَّاسِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ إكْبَابٍ (وَإِدَامَةُ رَقْصٍ) مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ. أَمَّا غَيْرُهُ فَيُسْقِطُهَا مِنْهُ مَرَّةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَمْرُ إلَى آخِرِهِ وَمَدُّ الرِّجْلِ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْتَشِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ (يُسْقِطُهَا) لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَهَا، وَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ اتِّخَاذَ الْآدَمِيِّينَ الْغِنَاءَ الْمُبَاحَ حِرْفَةً لَا يُسْقِطُهَا إذَا لَاقَ بِهِ رَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ بِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ حِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ وَيَعُدُّ الْعُرْفُ فَاعِلَهَا مِمَّنْ لَا حَيَاءَ لَهُ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى أَوْ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَعَاطِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ عَلَى أَوْجُهٍ: أَوْجَهُهَا حُرْمَتُهُ إنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا رَدُّ شَهَادَةٍ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَقَصَدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّسَبُّبُ فِي إسْقَاطِ مَا تَحَمَّلَهُ وَصَارَ أَمَانَةً عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا (وَالْأَمْرُ فِيهِ) أَيْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (يَخْتَلِفُ بِا) اخْتِلَافِ (الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمَاكِنِ) فَمَدَارُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا مَرَّ، إذْ قَدْ يُسْتَقْبَحُ مِنْ شَخْصٍ وَفِي حَالٍ أَوْ مَكَان مَا لَا يُسْتَقْبَحُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ فِيهِ (وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ) بِالْهَمْزِ (كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ وَدَبْغٍ) وَحِرَاسَةٍ وَحِيَاكَةٍ وَجِزَارَةٍ وَكُنَاسَةِ حَمَّامٍ (مِمَّنْ لَا يَلِيقُ) عَادَةً (بِهِ يُسْقِطُهَا) لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ (فَإِنْ اعْتَادَهَا) أَيْ لَاقَتْ بِهِ (وَكَانَتْ) مُبَاحَةً سَوَاءٌ أَكَانَتْ (حِرْفَةَ أَبِيهِ) أَمْ لَمْ تَكُنْ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهُ هُنَا لِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الْوَلَدِ يَتْبَعُ حِرْفَةَ أَبِيهِ (فَلَا) يُسْقِطُهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ تَعَيُّرِهِ بِذَلِكَ.
وَالثَّانِي نَعَمْ لِمَا مَرَّ. أَمَّا ذُو حِرْفَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَمُصَوِّرٍ وَمُنَجِّمٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مُطْلَقًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى التَّكَسُّبُ بِالشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ شَرِكَةَ الْأَبَدَانِ بَاطِلَةٌ فَتَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ لَا سِيَّمَا إذَا مَنَعْنَا أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّحَمُّلِ أَوْ كَانَ يَأْخُذُ وَلَا يَكْتُبُ إذْ نُفُوسُ شُرَكَائِهِ لَا تَطِيبُ بِذَلِكَ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَأَسْلَمُ طَرِيقٍ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَرَقَ شَرِكَةً وَيَكْتُبَ وَيَقْسِمَ لِكُلٍّ عَلَى قَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ثَمَنِ الْوَرَقِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى (وَالتُّهَمَةُ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فِي الشَّاهِدِ (أَنْ يَجُرَّ) بِشَهَادَتِهِ (إلَيْهِ) أَوْ إلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ (نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ) بِهَا (عَنْهُ) أَوْ عَمَّنْ ذُكِرَ (ضَرًّا) وَحُدُوثُهَا قَبْلَ الْحُكْمِ مُضِرٌّ لَا بَعْدَهُ، فَلَوْ شَهِدَ لِأَخِيهِ بِمَالٍ فَمَاتَ وَوَرِثَهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَخَذَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ بِقَتْلِ فُلَانٍ لِأَخِيهِ الَّذِي لَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ وَوَرِثَهُ فَإِنْ صَارَ وَارِثَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يُنْقَضْ أَوْ قَبْلَهُ امْتَنَعَ الْحُكْمُ (فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِعَبْدِهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِ، وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ لَهُ بِالْأَوَّلِ مِثَالٌ إذْ مَا يَشْهَدُ بِهِ يَكُونُ لَهُ.
وَقَضِيَّتُهُ قَبُولُهُ لَهُ بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ وَهُوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ أَوْ يُقَالُ غَرَضُهُ إغَاظَةُ الْكُفَّارِ وَإِظْهَارُ ذُلِّهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَلُبْسُ فَقِيهٍ قَبَاءً) أَيْ مَلُوطَةً (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ وَحْدَهُ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْهَا هُنَا، وَإِلَّا فَمُسَمَّاهَا لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ يَشْمَلُ مَا لَوْ لَبِسَهَا وَلَفَّ عَلَيْهَا عِمَامَةً (قَوْلُهُ: مَنْ يَحْتَشِمَهُ) أَيْ الْمَادُّ بِحَسَبِ الْعَادَةِ (قَوْلُهُ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَالْأَكْلُ فِي سُوقٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ) أَيْ مُبَاحَةٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ أَمَّا ذُو حِرْفَةٍ مُحَرَّمَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكُنَاسَةٍ) بِضَمِّ الْكَافِ. قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَا يَلِيقُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ حِرْفَةَ أَبِيهِ أَمْ لَا اعْتَادَ مِثْلُهُ فِعْلَهَا أَوْ لَا (قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ) أَيْ الِابْنُ (قَوْلُهُ: إذْ مَا يَشْهَدُ بِهِ) أَيْ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْغَيْرِ بِبَاطِلٍ يُضْحِكُ أَعْدَاءَهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ غَيْرِ إكْبَابٍ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْغَايَةَ، وَالْإِكْبَابُ وَنَفْيُهُ إنَّمَا يَكُونَانِ فِي فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ وَالِاتِّخَاذُ لَا يَحْسُنُ وَصْفُهُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَكُنَاسَةِ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقُمَامَةِ حَمَّامٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذُهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِطَرِيقِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ) هَلْ مِثْلُهُ أَنَّهُ ضَرَبَهُ مَثَلًا إذَا لَمْ يُوجِبْ مَالًا
كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَهُ عُلْقَةُ بِمَالِهِ بِدَلِيلِ مَنْعِهِ لَهُ مِنْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ وَلِأَنَّهُ بِصَدَدِ الْعَوْدِ إلَيْهِ بِعَجْزٍ أَوْ تَعْجِيزٍ وَشَرِيكُهُ فِي الْمُشْتَرَكِ حَيْثُ قَالَ لَنَا أَوْ بَيْنَنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِي وَلِزَيْدٍ فَتَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ لِزَيْدٍ لَا لَهُ، نَعَمْ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَعُودَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ثَبَتَ لِزَيْدٍ كَوَارِثَيْنِ لَمْ يَقْبِضَا فَإِنَّ مَا ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا يُشَارِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ (وَغَرِيمٍ لَهُ مَيِّتٍ) وَإِنْ لَمْ تَسْتَغْرِقْ تَرِكَتَهُ الدُّيُونُ أَوْ مُرْتَدٍّ كَمَا بَحَثَهُ الْعِرَاقِيُّ (أَوْ عَلَيْهِ حَجْرُ فَلَسٍ) لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لِلْغَرِيمِ شَيْئًا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَتُقْبَل شَهَادَتُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِذِمَّتِهِ (وَبِمَا) مُرَادُهُ فِيمَا الَّذِي بِأَصْلِهِ (هُوَ وَكِيلٌ) أَوْ صَبِيٌّ أَوْ قَيِّمٌ (فِيهِ) لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ سَلْطَنَةَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِهِ كَعَقْدٍ صَدَرَ مِنْهُ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْ مُودِعٍ لِمُودِعِهِ وَمُرْتَهِنٍ لِرَاهِنِهِ لِتُهْمَةِ بَقَاءِ يَدِهِمَا فَإِنْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَخُضْ فِي الْخُصُومَةِ قُبِلَتْ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ. أَمَّا مَا لَيْسَ وَكِيلًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا فِيهِ فَتُقْبَلُ.
نَعَمْ لَوْ وُجِدَا مُتَصَاحِبَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَادَّعَى أَجْنَبِيٌّ الْمَبِيعَ وَلَمْ تُعْرَفْ وَكَالَتُهُ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِمُوَكِّلِهِ بِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ بِأَنَّ هَذَا مِلْكُهُ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا، وَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ بَاطِنًا لِأَنَّ فِيهِ تَوَصُّلًا لِلْحَقِّ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ، وَتَوَقُّفُ الْأَذْرَعِيِّ فِيهِ بِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْحَاكِمَ عَلَى حُكْمٍ لَوْ عَرَفَ حَقِيقَتَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ وُصُولُ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ، بَلْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَكِيلٍ طَلَاقٌ أَنْكَرَهُ مُوَكِّلُهُ أَنْ يَشْهَدَ حِسْبَةٌ بِأَنَّ زَوْجَةَ هَذَا مُطَلَّقَةٌ، وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ مَا مَرَّ فِي الْحَوَالَةِ نَظِيرُهُ فِيمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ فَاقْتَرَضَ مِنْ آخَرَ قَدْرَهُ وَأَحَالَهُ بِهِ وَشَهِدَ لَهُ فَيَحْلِفُ مَعَهُ إنْ صَدَّقَهُ فِي أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الدَّيْنَ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ شَهَادَةُ حَاكِمٍ مَعْزُولٍ بِحُكْمِهِ بِصِيغَةِ أَشْهَدُ عَلَى حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ كَمَا مَرَّ (وَبِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمِنَهُ) الشَّاهِدُ أَوْ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ أَوْ رَقِيقُهُ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا الْغُرْمَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَاحْتِمَالُ الْعِبَارَةِ شَهَادَةَ الْأَصِيلِ بِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمِنَهُ مَعَ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ لِانْتِفَاءِ تُهْمَتِهِ فِيهَا غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، نَعَمْ قَوْلُ أَصْلِهِ وَالضَّامِنُ لِلْأَصِيلِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْأَدَاءِ أَصْرَحُ (وَبِجِرَاحَةِ مُوَرِّثِهِ) غَيْرُ بَعْضِهِ عِنْدَهَا (قَبْلَ انْدِمَالِهَا) وَإِنْ انْدَمَلَ بَعْدَهَا لِلتُّهْمَةِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ أَخَذَ الْأَرْشَ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ أَرْشَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَدَخَلَ فِي كَوْنِهِ مَوْرُوثًا عِنْدَ شَهَادَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ مَا لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ أَخُ الْجَرِيحِ وَهُوَ وَارِثٌ لَهُ ثُمَّ وُلِدَ لِلْجَرِيحِ ابْنٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلِلْجَرِيحِ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ إنْ صَارَ وَارِثًا وَقَدْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ لَمْ يُنْقَضْ كَمَا لَوْ طَرَأَ الْفِسْقُ أَوَّلًا فَلَا يُحْكَمُ بِهَا.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَتَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ لِزَيْدٍ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ وَلِزَيْدٍ فَقَدْ جَعَلَهَا شَهَادَتَيْنِ، بِخِلَافٍ بَيْنَنَا أَوْ لَنَا فَهِيَ شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهَا، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا لَوْ قَالَ فِي يَمِينِهِ لَا أَلْبَسُ هَذَيْنِ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ لَا أَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا فَإِنَّهُمَا يَمِينَانِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ وُجِدَا) أَيْ مَنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ.
(قَوْلُهُ: قُبِلَتْ عَلَيْهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ مَضَى لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ سَنَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَكَذَا مِنْ الْعَدَاوَةِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (قَوْلُهُ: فَيَحْلِفُ مَعَهُ إنْ صَدَّقَهُ) يُتَأَمَّلُ إقْدَامُ الْمُقْرِضِ عَلَى الْحَلِفِ بِمُجَرَّدِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مُرَادُهُ فِيمَا) إنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا لِشُمُولِهِ لِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِنَفْسِ الْمَالِ بَلْ بِشَيْءٍ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِشَيْءٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى بِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ لِمُوَكِّلِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ وُجِدَا مُتَصَاحِبَيْنِ) يُتَأَمَّلُ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ فِي الْحِلِّ بَاطِنًا وَإِلَّا فَهُوَ قَائِلٌ بِالصِّحَّةِ بَلْ رَدَّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا وَشَنَّعَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ مَا مَرَّ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ فَلَا تَأْيِيدَ فِيهِ لِجَوَازِهَا الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ: نَظِيرُهُ) هُوَ بَدَلٌ مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ مَا مَرَّ أَوْ حَالٌ مِنْهُ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْآخَرُ مَرْفُوعٌ، وَعَلَى الثَّانِي مَنْصُوبٌ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِلْمُؤَيَّدِ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلَ مَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنَّ الْمَارَّ فِي الْحَوَالَةِ نَظِيرُ الْمُؤَيِّدِ بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ لَا نَفْسُهُ
وَخَرَجَ بِقَبْلِ الِانْدِمَالِ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَمَقْبُولَةٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْجَرِيحُ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ الْجُرْحِ وَادَّعَى بِهِ عَلَى الْجَارِحِ وَأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِإِرْثِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ فَشَهِدَ لَهُ وَارِثُ الْجَرِيحِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلرَّدِّ
(وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثٍ لَهُ مَرِيضٍ أَوْ جَرِيحٍ بِمَالٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ إذْ شَهَادَتُهُ لَا تَجُرُّ لَهُ نَفْعًا، وَكَوْنُهُ إذَا ثَبَتَ لِمُوَرِّثِهِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يُؤَثِّرُ. وَالثَّانِي قَالَ لَا كَالْجِرَاحَةِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجِرَاحَةَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَبَعْدَ الِانْدِمَالِ تُقْبَلُ قَطْعًا لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ
(وَتُرَدُّ شَهَادَةُ عَاقِلِهِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ) يَحْمِلُونَهُ كَمَا قَيَّدَهُ بِذَلِكَ فِي دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ وَأَعَادَهَا هُنَا وَمَا قَبْلَهَا مُعَوِّلًا فِي حَذْفِ قَيْدِهَا الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فَذِكْرُهُ ذَلِكَ هُنَا مِثَالٌ لِلتُّهْمَةِ فَلَا تَكْرَارَ
(وَ) تُرَدُّ شَهَادَةُ (غُرَمَاءِ مُفْلِسٍ) حُجِرَ عَلَيْهِ (بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ) ظَهَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ بِهَا ضَرَرَ مُزَاحَمَتِهِ لَهُمْ، وَمَا أَخَذَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُ وَهُوَ قَبُولُ شَهَادَةِ غَرِيمٍ لَهُمْ رَهْنٌ يَفِي بِدَيْنِهِ وَلَا مَالَ لِلْمُفْلِسِ غَيْرَهُ أَوْ لَهُ مَالٌ وَيَقْطَعُ بِأَنَّ الرَّهْنَ يُوفِي الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ بِهِ يُتَّجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ نَفْعًا بِتَقْدِيرِ خُرُوجِ الرَّهْنِ مُسْتَحَقًّا وَهُوَ لَا مَالَ لَهُ فِي الْأَوْلَى، وَلَوْ شَهِدَ مَدِينٌ بِمَوْتِ دَائِنِهِ قُبِلَ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ نَقْلَ مَا عَلَيْهِ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ وَتُقْبَلُ مِنْ فَقِيرٍ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ لِفُقَرَاءَ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِحَصْرِهِمْ وَلِلْوَصِيِّ إعْطَاؤُهُ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ حَيْثُ انْحَصَرُوا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِحَصْرِهِمْ وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِتُهْمَةِ اسْتِحْقَاقِهِ (وَلَوْ شَهِدَ الِاثْنَيْنِ بِوَصِيَّةٍ) مَثَلًا (فَشَهِدَا) أَيْ الِاثْنَانِ الْمَشْهُودُ لَهُمَا (لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ) وَلَوْ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ادَّعَى كُلٌّ نِصْفَهَا (قُبِلَتْ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَصَحِّ) لِانْفِصَالِ كُلِّ شَهَادَةٍ عَنْ الْأُخْرَى مَعَ أَصْلِ عَدَمِ الْمُوَاطَأَةِ الْمَانِعِ مِنْهَا عَدَالَتُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ بِيَدِ اثْنَيْنِ عَيْنٌ وَادَّعَاهَا ثَالِثٌ فَشَهِدَ كُلٌّ لِلْآخَرِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي قُبِلَ، إذْ لَا يَدَ لِكُلٍّ عَلَى مَا ادَّعَى بِهِ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى تَدْفَعَ شَهَادَتُهُ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَشَهِدَ بِهِ الْآخَرُ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِتُهْمَةِ الْمُوَاطَأَةِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِ الْقَافِلَةِ لِبَعْضٍ عَلَى الْقُطَّاعِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَخَذَ مَالَنَا أَوْ نَحْوَهُ، وَشَهَادَةُ غَاصِبٍ بَعْدَ الرَّدِّ وَالتَّوْبَةِ بِمَا غَصَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: بَعْدَ الرَّدِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْعَيْنِ وَبَدَلِ مَنَافِعِهَا لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا إذَا بَقِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِاتِّهَامِهِ بِدَفْعِ الضَّمَانِ لَهُ عَنْهُ كَمَا تَقَرَّرَ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَرْدُودَ بَعْدَ أَنْ جَنَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَةً مَضْمُونَةً كَالتَّالِفِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ مِنْ مُشْتَرٍ شِرَاءً صَحِيحًا لِبَائِعٍ بِالْمَبِيعِ إنْ فَسَخَ الْبَيْعَ كَأَنْ رَدَّ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّصْدِيقِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقٍ
(قَوْلُهُ: عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ رَدِّ مَا ظَلَمَ بِهِ صِحَّةَ تَوْبَتِهِ وَمَحَلُّهُ حَيْثُ كَانَ فِي عَزْمِهِ الرَّدُّ مَتَى قَدَرَ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَرْدُودَ) أَيْ الرَّقِيقَ الْمَرْدُودَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: يَفِي بِدَيْنِهِ) لَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَهُ لَفْظُ لَا النَّافِيَةِ مِنْ الْكَتَبَةِ، إذْ لَا يَصِحُّ التَّصْوِيرُ إلَّا بِهَا، وَلِيُلَاقِيَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَتَبَيَّنَ مَالٌ لَهُ فِي الْأَوْلَى، وَحَاصِلُ الْمُرَادِ أَنَّ الْبُلْقِينِيَّ أَخَذَ مِنْ التُّهْمَةِ بِدَفْعِ ضَرَرِ الْمُزَاحَمَةِ أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ بِيَدِهِ رَهْنٌ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ وَلَا مَالَ لِلْمُفْلِسِ غَيْرُهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ: أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ ذَلِكَ الْغَرِيمُ لَمْ يُزَاحِمْ الْمُرْتَهِنَ فِي شَيْءٍ، وَرَدَّهُ الشَّارِحُ بِاحْتِمَالِ حُدُوثِ مَالٍ لِلْمُفْلِسِ فَيُزَاحِمُهُ الْغَرِيمُ فِي تَكْمِلَةِ مَالِهِ مِنْهُ، أَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ يَفِي بِالدَّيْنِ فَالْبُلْقِينِيُّ يَقُولُ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ غَيْرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ ثُمَّ رَدَّهُ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ الرَّهْنِ مُسْتَحَقًّا فَتَقَعُ الْمُزَاحَمَةُ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا إذَا بَقِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ شَيْءٌ) أَيْ وَلَمْ يَقْدِرْ الْغَاصِبُ عَلَى أَدَائِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الِاتِّهَامُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَلَا تُقْبَلُ مِنْ مُشْتَرٍ شِرَاءً صَحِيحًا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ كَغَيْرِهَا، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ إلَّا أَنْ رَدَّهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ شَيْءٌ أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ فُسِخَ فَادَّعَى آخَرُ مِلْكَهُ زَمَنَ وَضْعِ الْمُشْتَرِي يَدَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِبَائِعِهِ لِدَفْعِهِ الضَّمَانَ
بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ خِيَارٍ لِاسْتِبْقَائِهِ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْمِلْكَ مِنْ تَارِيخٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَا تُقْبَلُ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ أَوْ مُوصٍ لَهُ
(وَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (لِأَصْلٍ) لِلشَّاهِدِ وَإِنْ عَلَا (وَلَا فَرْعٍ) لَهُ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ بِالرُّشْدِ أَوْ بِتَزْكِيَتِهِ لَهُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ أَوْ لِشَاهِدِهِ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، وَالتَّزْكِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَفِيهَا إثْبَاتُ وِلَايَةٍ لِلْفَرْعِ وَفِيهَا تُهْمَةٌ وَقِنُّ أَحَدِهِمَا وَمُكَاتَبُهُ وَشَرِيكُهُ فِي الْمُشْتَرَكِ كَذَلِكَ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ عَدَمُ قَبُولِهَا لِبَعْضٍ لَهُ عَلَى بَعْضٍ لَهُ آخَرَ، وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ، وَجَزْمُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بِالْقَبُولِ لِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبْعِيَّ قَدْ تَعَارَضَ فَضَعُفَتْ التُّهْمَةُ رُدَّ بِمَنْعِهِ إذْ كَثِيرًا مَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْمَيْلِ فَالتُّهْمَةُ مَوْجُودَةٌ، وَقَدْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَعْضِ ضِمْنًا كَأَنْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ شِرَاءَ شَيْءٍ مِنْ عَمْرٍو وَالْمُشْتَرِي لَهُ مِنْ زَيْدٍ صَاحِبُ الْيَدِ وَقَبَضَهُ وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنَيْ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو لَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَجْنَبِيَّانِ عَنْهُ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ الشَّهَادَةُ لِأَبِيهِمَا بِالْمِلْكِ، وَكَأَنْ شَهِدَ عَلَى ابْنِهِ بِإِقْرَارِهِ بِنَسَبٍ مَجْهُولٍ فَتُقْبَلُ مَعَ تَضَمُّنِهَا الشَّهَادَةَ لِحَفِيدِهِ، وَلَوْ ادَّعَى الْإِمَامُ شَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ قُبِلَتْ شَهَادَةُ بَعْضِهِ بِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ لِلْإِمَامِ وَمِثْلُهُ نَاظِرُ وَقْفٍ، أَوْ صَبِيٌّ ادَّعَى لِشَيْءٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ أَوْ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ فَشَهِدَ بِهِ بَعْضُ الْمُدَّعِي لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِهَا بِنَفْسِ النَّظَرِ أَوْ الْوِصَايَةِ، وَلَوْ شَهِدَ لِبَعْضِهِ أَوْ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ الْفَاسِقُ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْحَقِّ وَالْحَاكِمُ يَجْهَلُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَاكِمَ عَلَى بَاطِلٍ بَلْ عَلَى إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ فَلَمْ يَأْثَمْ الْحَاكِمُ لِعُذْرِهِ وَلَا الْخَصْمُ لِأَخْذِهِ حَقَّهُ وَلَا الشَّاهِدُ لِإِعَانَتِهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَلْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ الْوُجُوبُ اهـ. وَيُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى تَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِوُصُولِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ (وَتُقْبَلُ) مِنْهُ (عَلَيْهِمَا) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَا عَدَاوَةَ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَلِي إجْبَارَ نِكَاحِ ابْنَتِهِ حَيْثُ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ (وَكَذَا) تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا (عَلَى أَبِيهِمَا بِطَلَاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا) طَلَاقًا بَائِنًا وَأُمُّهُمَا تَحْتَهُ (أَوْ قَذْفِهَا) أَيْ الضَّرَّةِ الْمُؤَدِّي لِلِّعَانِ الْمُفْضِي لِفِرَاقِهَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِضَعْفِ تُهْمَةِ نَفْعِ أُمِّهِمَا بِذَلِكَ إذْ لَهُ طَلَاقُ أُمِّهِمَا مَتَى شَاءَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ حِسْبَةً تَلْزَمُهُمَا الشَّهَادَةُ بِهِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهَا تَجُرُّ نَفْعًا إلَى أُمِّهِمَا وَهُوَ انْفِرَادُهَا بِالْأَبِ، أَمَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَتُقْبَلُ قَطْعًا، هَذَا كُلُّهُ فِي شَهَادَةِ حِسْبَةٍ أَوْ بَعْدَ دَعْوَى الضَّرَّةِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ الْأَبُ لِإِسْقَاطِ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْهُ أُمُّهُمَا، وَلَوْ ادَّعَى الْفَرْعُ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ لِمُوَكِّلِهِ فَأَنْكَرَ فَشَهِدَ بِهِ أَبُو الْوَكِيلِ قُبِلَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: لِاسْتِبْقَائِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي
(قَوْلُهُ: كَأَنْ ادَّعَى) أَيْ بَكْرٌ، عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ وَفِي يَدِهِ عَبْدٌ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِك مِنْ عَمْرٍو وَعَمْرٌو اشْتَرَاهُ مِنْك وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ فَأَنْكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ ابْنَا عَمْرٍو أَوْ ابْنَا زَيْدٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا إلَخْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَطَالَبَهُ) أَيْ بَكْرٌ (قَوْلُهُ: بَلْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ الْوُجُوبُ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ السَّابِقَةِ لِجَوَازِ أَنَّ كَلَامَ الْأَذْرَعِيِّ بَيَّنَ بِهِ مُرَادَ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْحَاكِمَ عَلَى حُكْمٍ لَوْ عَلِمَ بِهِ لَامْتَنَعَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ: فَأَنْكَرَ) أَيْ الْمَدِينُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَنْ نَفْسِهِ وَاسْتِيفَائِهِ الْغَلَّةَ لَهَا
(قَوْلُهُ: وِلَايَةٍ لِلْفَرْعِ) أَيْ أَوْ الْأَصْلِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْبَعْضِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ شِرَاءَ شَيْءٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ وَفِي يَدِهِ عَبْدٌ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِك مِنْ عَمْرٍو وَعَمْرٌو اشْتَرَاهُ مِنْك وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَأَنْكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ ابْنَا عَمْرٍو وَابْنَا زَيْدٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ) فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ شَمَلَ قَوْلُهُ أَوْ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا لِلْوَصِيِّ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا هُوَ وَصِيٌّ فِيهِ، قَالَ الشَّارِحُ كَغَيْرِهِ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ سَلْطَنَةَ التَّصَرُّفِ
وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْدِيقُ ابْنِهِ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَبِ وَابْنِهِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التُّهْمَةَ ضَعِيفَةٌ جِدًّا، وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِجَوَازِ إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ بِشَهَادَةِ بَعْضِ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ امْتِنَاعِ شَهَادَتِهِ لَهُ بِوِصَايَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ سَلْطَنَةٍ لَهُ لِأَنَّ سَلْطَنَةَ الْوَصِيِّ أَقْوَى وَأَتَمُّ وَأَوْسَعُ مِنْ سَلْطَنَةِ الْوَكِيلِ وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ فِي الْوَكَالَةِ مَا لَمْ تَكُنْ بِجُعْلٍ وَإِلَّا رُدَّتْ
(وَإِذَا)(شَهِدَ لِفَرْعٍ) أَوْ لِأَصْلٍ لَهُ (وَأَجْنَبِيٍّ)(قُبِلَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَظْهَرِ) وَرُدَّتْ فِي حَقِّ الْفَرْعِ قَطْعًا تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْأَجْنَبِيَّ أَمْ لَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي بَابِهَا (قُلْت: وَتُقْبَلُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ) لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ يَطْرَأُ وَيَزُولُ فَلَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْأَجِيرُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَعَكْسُهُ. نَعَمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِزِنَا زَوْجَتِهِ وَلَوْ مَعَ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ نَسَبَهَا إلَى خِيَانَةٍ فِي حَقِّهِ، وَلَا شَهَادَتُهُ لَهَا بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهَا كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَتُقْبَلُ مِنْ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ قَطْعًا (وَلِأَخٍ وَصَدِيقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِضَعْفِ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ تُهْمَةَ الْبَعْضِ
(وَلَا تُقْبَلُ مِنْ عَدُوٍّ) عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً ظَاهِرَةً إذْ الْبَاطِنَةُ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْتَقِمُ مِنْهُ بِشَهَادَةٍ بَاطِلَةٍ عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى مَيِّتٍ بِحَقٍّ فَيُقِيمُ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لَهُ فَلَا يُقْبَلَانِ عَلَيْهِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ حَقِيقَةً لِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِمِلْكِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَيِّتُ (وَهُوَ مَنْ يُبْغِضُهُ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ وَيَحْزَنُ بِسُرُورِهِ وَيَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ) لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ، وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ الْبُغْضَ دُونَ الْعَدَاوَةِ لِأَنَّهُ بِالْقَلْبِ وَهِيَ بِالْفِعْلِ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ الْأَغْلَظُ بِالْأَخَفِّ؟ رُدَّ بِمَنْعِ تَفْسِيرِهَا بِالْبُغْضِ فَقَطْ بَلْ بِهِ بِقَيْدِ مَا بَعْدَهُ، وَهَذَا مُسَاوٍ لِلْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ بَلْ أَشَدُّ مِنْهُ. وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إنَّهَا إذَا انْتَهَتْ إلَى ذَلِكَ فَسَقَ بِهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَاسِدٌ وَالْحَسَدُ فِسْقٌ وَالْفَاسِقُ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ حَتَّى عَلَى صَدِيقِهِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَدَاوَةُ الْخَالِيَةُ عَنْ الْفِسْقِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ وُصُولُ الْأَمْرِ لِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْحَسَدِ الْمُفَسِّقَةُ بَلْ حَقِيقَةُ الْعَدَاوَةِ غَيْرُ الْمُفَسِّقَةِ فَصَحَّ كَوْنُهُ عَدُوًّا غَيْرَ حَاسِدٍ، وَحَصْرُ الْبُلْقِينِيِّ الْعَدَاوَةَ فِي الْفِعْلِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا الْفِعْلُ قَدْ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُفَسِّقَةُ فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ أَصْلًا، وَالْعَدَاوَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَخْتَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ عَلَى الْآخَرِ، فَلَوْ عَادَى مَنْ يُرِيدُ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي خُصُومَتِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَالْقَاذِفُ قَبْلَ الشَّهَادَةِ عَدُوٌّ لِلْمَقْذُوفِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ بِالْحَدِّ، وَكَذَا دَعْوَى قَطْعِ الطَّرِيقِ يُصَيِّرُ الْمُدَّعِي عَدُوًّا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَاطِعُهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا بُغْضٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَلَا شَهَادَتُهُ لَهَا بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهَا) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ لِعَبْدِهِ بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ قُبِلَتْ أَنَّ شَهَادَتَهُ هُنَا مُحَصِّلُهَا نِسْبَةُ الْقَاذِفِ إلَى جِنَايَةٍ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِنِسْبَةِ زَوْجَتِهِ إلَى فَسَادٍ، بِخِلَافِ السَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ لِقِنِّهِ
(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لَهُ) أَيْ لِلْوَارِثِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي الْمَشْهُودِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْدِيقُ ابْنِهِ) فِيمَا مَرَّ آنِفًا
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ زَوْجَتِهِ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ حَقُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الْآتِي وَتُقْبَلُ مِنْ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ قَطْعًا.
(قَوْلُهُ: بَلْ بِقَيْدِ مَا بَعْدَهُ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِذَلِكَ الْقَيْدِ قَلْبِيٌّ أَيْضًا إذْ الْحُزْنُ وَالْفَرَحُ قَلْبِيَّانِ وَكَذَا التَّمَنِّي كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَفْسِيرِهِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدَاوَةِ هُنَا الْبُغْضَ الْمَذْكُورَ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ أَوَّلًا وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ اهـ. وَفِيهِ تَسْلِيمُ أَنَّ الْعَدَاوَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْفِعْلِ، وَسَيَأْتِي مَنْعُهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُسَاوٍ لِلْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ جَعْلِهِ فِيمَا سَبَقَ الْعَدَاوَةَ الظَّاهِرَةَ هِيَ الَّتِي تُقَابِلُ الْبَاطِنَةَ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى الْمُصَرِّحِ بِمَا ادَّعَاهُ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ: أَشَدُّ مِنْهُ) كَانَ الظَّاهِرُ أَشَدَّ مِنْهَا (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ أَصْلًا) قَالَ سم: مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَمَا نَقَلَهُ ذَلِكَ الْجَمْعُ لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ الْآتِي وَتُقْبَلُ لَهُ اهـ
أَنَّ كُلَّ مَنْ رَمَى غَيْرَهُ بِكَبِيرَةٍ فِي غَيْرِ شَهَادَةٍ صَارَ عَدُوًّا لَهُ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ (وَتُقْبَلُ لَهُ) حَيْثُ لَمْ تَصِلْ إلَى حَسَدٍ مُفَسِّقٍ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (وَكَذَا) تُقْبَلُ (عَلَيْهِ فِي عَدَاوَةِ دِينٍ)(كَكَافِرٍ) شَهِدَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ (وَمُبْتَدِعٍ) شَهِدَ عَلَيْهِ سُنِّيٌّ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَمْنَعُ قَبُولَهَا، وَجَرْحُ الْعَالِمِ لِرَاوِي الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ كَالْمُفْتِي نَصِيحَةً لَا تَمْنَعُهَا
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ) كُلِّ (مُبْتَدِعٍ) وَهُوَ مَنْ خَالَفَ فِي الْعَقَائِدِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ إمَامَاهَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَأَتْبَاعَهُمَا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مُبْتَدِعِ أَمْرٍ لَمْ يَشْهَدْ الشَّرْعُ بِحُسْنِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا (لَا نُكَفِّرُهُ) بِبِدْعَتِهِ وَإِنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم أَوْ اسْتَحَلَّ أَمْوَالَنَا وَدِمَاءَنَا لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ بِحَقٍّ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الدَّاعِيَ إلَى بِدْعَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ وَهُمْ الْمَنْسُوبُونَ لِأَبِي خَطَّابٍ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ كَانَ يَقُولُ بِأُلُوهِيَّةِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِمُوَافِقِيهِمْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الْكَذِبِ لِكَوْنِهِ كُفْرًا عِنْدَهُمْ، أَمَّا مَنْ بَيَّنَ السَّبَبَ كَالْإِقْرَارِ وَزَمَنَ التَّحَمُّلِ وَمَكَانَهُ بِحَيْثُ زَالَتْ التُّهْمَةُ بِذَلِكَ فَتُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَا يُنَافِي مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مُسْتَحِلِّ مَا مَرَّ عَدَمُ قَبُولِ الْكِتَابِ بِحُكْمِهِ وَشَهَادَتِهِ الْمَارِّ فِي الْبُغَاةِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْعَ تَنْفِيذِهِ لِخُصُوصِ بَغْيِهِمْ احْتِقَارٌ لَهُمْ وَرَدْعٌ عَنْ بَغْيِهِمْ. وَأَمَّا مَنْ نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ كَمَنْ نَسَبَ عَائِشَةَ لِلزِّنَى أَوْ نَفَى صُحْبَةَ أَبِيهَا أَوْ أَنْكَرَ حُدُوثَ الْعَالَمِ أَوْ حَشْرَ الْأَجْسَادِ أَوْ عِلْمَهُ تَعَالَى بِالْمَعْدُومِ وَبِالْجُزْئِيَّاتِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِكُفْرِهِ (لَا مُغَفَّلٍ لَا يُضْبِطُ) أَصْلًا أَوْ غَالِبًا لِانْتِفَاءِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ، نَعَمْ إنْ بَيَّنَ السَّبَبَ كَإِقْرَارٍ وَزَمَانَهُ وَمَكَانَهُ قُبِلَتْ مِنْهُ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَضْبِطُ نَادِرًا إذْ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُ، وَيُنْدَبُ اسْتِفْصَالُ شَاهِدٍ رَابَ الْحَاكِمَ فِيهِ أَمْرٌ كَأَكْثَرِ الْعَوَامّ وَلَوْ عُدُولًا، فَإِنْ لَمْ يُفَصِّلْ لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ فِي دَعْوَى وُجُوبِهِ (وَلَا مُبَادِرٍ) بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ أَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ فِي غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ لِتُهْمَتِهِ حِينَئِذٍ وَلِهَذَا ذَمَّهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ أَعَادَهَا فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ طَلَبِهَا مِنْهُ قُبِلَتْ، وَمَا صَحَّ مِنْ أَنَّهُ خَيَّرَ الشُّهُودَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ كَمَنْ شَهِدَ لِيَتِيمٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ بِزَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهَا فَيُنْدَبُ لَهُ إعْلَامُهُ لِيَطْلُبَهَا مِنْهُ، بَلْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عِنْدَ انْحِصَارِ الْأَمْرِ فِيهِ لَمْ يَبْعُدْ، وَاقْتَضَى إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِجَوَابِ الدَّعْوَى وَغَيْرِهِ، فَلَوْ طُلِبَ مِنْ الْحَاكِمِ بَيْعُ مَالٍ مَنْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَمَحْجُورٍ وَغَائِبٍ وَأَخْرَسَ لَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةً فِي حَاجَتِهِمْ وَلَهُمْ بَيِّنَةٌ بِهَا اُتُّجِهَ نَصْبُ مَنْ يَدَّعِي لَهُمْ ذَلِكَ وَيَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ وَالْأَدَاءَ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْأَدَاءُ بِدُونِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى حُضُورِ الْخَصْمِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي الشَّاهِدِ جَهْلُهُ بِفُرُوضِ نَحْوِ صَلَاةٍ وَوُضُوءٍ يُؤَدِّيهِمَا وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّعَلُّمِ وَلَا تَوَقُّفُهُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ إنْ عَادَ وَجَزَمَ بِهِ فَيُعِيدُ الشَّهَادَةَ، وَلَا قَوْلُهُ لَا شَهَادَةَ لِي فِي هَذَا إنْ قَالَ نَسِيت أَوْ أَمْكَنَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ رَمَى غَيْرَهُ بِكَبِيرَةٍ) أَيْ وَلَوْ فِي غَيْبَتِهِ
(قَوْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُفَصِّلْ) أَيْ الشَّاهِدُ، وَقَوْلُهُ لَزِمَ: أَيْ الْحَاكِمَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْإِمَامِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَيُنْدَبُ اسْتِفْصَالُ إلَخْ، وَلَوْ قَدَّمَهُ كَانَ أَوْلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ) أَيْ عَدَاوَةَ الدِّينِ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ مَصَادِرُ لَا تَخْفَى
(قَوْلُهُ: لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الْكَذِبِ) أَيْ فِي مُوَافَقَتِهِمْ فَيَشْهَدُونَ لَهُمْ اعْتِمَادًا عَلَى دَعْوَاهُمْ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ (قَوْلُهُ: وَزَمَانَهُ وَمَكَانَهُ) هُمَا بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى السَّبَبِ وَلَا يَصِحُّ الْجَرُّ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ لَا يَضْبِطُ نَادِرًا) أَيْ بِخِلَافِ مَنْ عَدَمُ ضَبْطِهِ نَادِرٌ بِأَنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الضَّبْطَ، وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ تَعَادَلَ ضَبْطُهُ وَغَلَطُهُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَوْ تَعَادَلَ ضَبْطُهُ وَغَلَطُهُ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَتَشْمَلُهُ عِبَارَةُ مَنْ يَقُولُ مَنْ كَثُرَ غَلَطُهُ اهـ (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْعُدْ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَصْلَحَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا السَّتْرَ (قَوْلُهُ: وَيُسْأَلُ) أَيْ الْمَنْصُوبُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّعَلُّمِ)
حُدُوثُ الْمَشْهُودِ بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ مُشْتَهِرٌ بِالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ) مَأْخُوذٌ مِنْ الِاحْتِسَابِ، وَهُوَ الْأَجْرُ قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ وَلَوْ بِلَا دَعْوَى بَلْ لَا تُسْمَعُ فِي مَحْضِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحِينَئِذٍ فَتُسْمَعُ فِي السَّرِقَةِ قَبْلَ رَدِّ مَا لَهَا (فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى) كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ عَنْ مَيِّتٍ بِأَنْ يَشْهَدَ بِتَرْكِهَا وَحَقٍّ لِنَحْوِ مَسْجِدٍ (وَفِيمَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ) وَهُوَ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْآدَمِيِّ بِأَنْ يَقُولَ حَيْثُ لَا دَعْوَى أَنَا أَشْهَدُ أَوْ عِنْدِي شَهَادَةٌ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَهُوَ يُنْكِرُ فَأَحْضِرْهُ لِأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ سَمَاعِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ لَهَا حَالًا؛ فَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانًا أَخُو فُلَانَةَ مِنْ الرَّضَاعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَنْ يَقُولَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا، أَوْ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ اُعْتُبِرَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمَا نَشْهَدُ لِئَلَّا يَنْكِحَهَا (كَطَلَاقٍ) بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَوْ خُلْعًا لَكِنَّ مَحَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِرَاقِ دُونَ الْمَالِ (وَعِتْقٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ بِهِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ دُونَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَوْ بِالتَّدْبِيرِ مَعَ الْمَوْتِ أَوْ بِمَا يَسْتَلْزِمُهُ كَإِيلَادٍ، وَلَا تُسْمَعُ فِي شِرَاءِ قَرِيبٍ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْعِتْقُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ بِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ تَبَعٌ لِلْفِرَاقِ وَهُنَا الْعِتْقُ تَبَعٌ لِلْمَالِ، وَلَوْ ادَّعَى قِنَّانِ عَلَى مَالِكِهِمَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فَاسِدَةً، إذْ بَيِّنَةُ الْحِسْبَةِ تَسْتَغْنِي عَنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى، وَيُتَّجَهُ فَرْضُهُ فِيمَا لَوْ حَضَرَ السَّيِّدُ أَوْ غَابَ غَيْبَةً شَرْعِيَّةً وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مَا قُبِلَتْ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ يَنْفُذُ الْحُكْمُ فِيهِ بِهَا وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى دَعْوَى فَاسِدَةٍ (وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِإِحْيَاءِ نَفْسٍ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى (وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا) لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ صِيَانَةِ الْفَرْجِ عَنْ اسْتِبَاحَتِهِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَلِمَا فِي الثَّانِي مِنْ الصِّيَانَةِ وَالتَّعَفُّفِ بِالنِّكَاحِ، وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالِاسْتِسْلَامُ وَالْوَقْفُ وَالْوَصَايَا الْعَامَّةُ لَا إنْ كَانَا لِجِهَةٍ خَاصَّةٍ (وَحَدٍّ لَهُ) تَعَالَى كَالزِّنَى وَالشُّرْبِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ اُعْتُبِرَ) أَيْ أَنْ يَقُولَا وَهُوَ يُرِيدُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَنْكِحَهَا) أَيْ وَإِنْ كَانَا مُرِيدَيْنِ سَفَرًا وَخَشِيَا أَنْ يَنْكِحَهَا فِي غَيْبَتِهِمَا (قَوْلُهُ: لَكِنَّ مَحَلَّهُ) أَيْ فِي الْخُلْعِ (قَوْلُهُ: وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ) أَيْ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي بَيَانِهِ، فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ حُبِسَ حَتَّى يُبَيِّنَ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِسْلَامُ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ طَلَبْت مِنْهُ الْإِسْلَامَ وَأَتَى بِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ لَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى صَغِيرَةٍ
(قَوْلُهُ: مِنْ الِاحْتِسَابِ وَهُوَ الْأَجْرُ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: مِنْ احْتَسَبَ بِكَذَا أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ اتَّخَذَهُ يَنْوِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا دَعْوَى) قَضِيَّةُ الْغَايَةِ أَنَّهَا قَدْ تَقَعُ بَعْدَ الدَّعْوَى وَتَكُونُ شَهَادَةَ حِسْبَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا بَعْدَ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ حِسْبَةً (قَوْلُهُ: وَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ) صَرِيحُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُمَا مَحْضُ حَقِّهِ تَعَالَى، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ أَنَّ فِيهِمَا حَقَّ الْآدَمِيِّ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: بَلْ لَا تُسْمَعُ) أَيْ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: قَبْلَ رَدِّ مَالِهَا) أَيْ بِخِلَافِهَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَحْضَ حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ إلَخْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشِّهَابِ حَجّ إلَّا إنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ كَسَرِقَةٍ قَبْلَ رَدِّ مَالِهَا إذْ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ صُورِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالتَّعْلِيقِ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَوْ بِالتَّدْبِيرِ مَعَ الْمَوْتِ) فِي جَعْلِ هَذَيْنِ مِنْ صُوَرِ الشَّهَادَةِ بِالْعِتْقِ وَعَطْفِهِ عَلَيْهِ قَوْلَهُ أَوْ بِمَا يَسْتَلْزِمُهُ إشَارَةً إلَى رَدِّ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالتَّعْلِيقِ وَالتَّدْبِيرِ الْمُجَرَّدَيْنِ فِي حَيَاةِ الْمُدَبَّرِ وَقَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، أَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ فَتَكْفِي الشَّهَادَةُ بِهِمَا مُجَرَّدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْفَرْقِ لِمَا مَرَّ أَنَّ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْمَالِ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ أَصْلًا، وَالْفَرْقُ يُوهِمُ تَأْثِيرَهَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ الصِّيَانَةِ) لَعَلَّهُ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجِ بِأَنْ يُرَاجَعَ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالرَّجْعِيِّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِسْلَامُ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَاهُ وَمِثْلُهُ فِي الدَّمِيرِيِّ، وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ أَنَّ مَعْنَاهُ طَلَبُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْإِسْلَامُ بَعْدَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ إذْ لَا دَخْلَ لِلطَّلَبِ (قَوْلُهُ: الْعَامَّةُ) وَصْفٌ لِلْوَقْفِ وَالْوَصَايَا بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِ الْوَصَايَا
لَكِنَّ السَّتْرَ فِي الْحُدُودِ أَفْضَلُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَبَيْعٍ وَإِقْرَارٍ (وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إذْ الشَّرْعُ أَكَّدَ الْأَنْسَابَ وَمَنَعَ قَطْعَهَا فَضَاهَى الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ.
وَالثَّانِي لَا، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهِ
(وَمَتَى)(حَكَمَ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ) أَوْ بَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ الْحُكْمِ وَالْحَاكِمُ لَا يَرَى قَبُولَهُمَا (نَقَضَهُ) وُجُوبًا: أَيْ أَظْهَرَ بُطْلَانَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلًّا (هُوَ وَغَيْرُهُ) كَمَا لَوْ حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ فَتَبَيَّنَ وُقُوعُهُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ (وَكَذَا فَاسِقَانِ فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا ذُكِرَ، إذْ عَدَالَةُ الشَّاهِدِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ آيَةٍ. وَالثَّانِي لَا يُنْقَضُ لِأَنَّ الْفِسْقَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ، وَعَدَالَةُ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ إنَّمَا تُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ، وَلَا أَثَرَ لِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِالْفِسْقِ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ، إذْ الْمُؤَثِّرُ ثَمَّ بَيْنُونَةُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّحَمُّلِ فَقَطْ وَهَذَا عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ قَبْلَهُ بِدُونِ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ عِنْدَ الْحُكْمِ فَلَا تَكْرَارَ وَلَا تَخَالُفَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ
(وَلَوْ)(شَهِدَ كَافِرٌ) أَعْلَنَ كُفْرَهُ (أَوْ عَبْدٌ) أَيْ رَقِيقٌ (أَوْ صَبِيٌّ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ) بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ (قُبِلَتْ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ لِظُهُورِ عُذْرِهِ (أَوْ) شَهِدَ (فَاسِقٌ) وَلَوْ مُعْلِنًا أَوْ كَافِرٌ أَخْفَى كُفْرَهُ أَوْ عَدُوٌّ أَوْ غَيْرُ ذِي مُرُوءَةٍ فَرُدَّ ثُمَّ (تَابَ) ثُمَّ أَعَادَهَا (فَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ رَدَّهُ أَظْهَرَ نَحْوَ فِسْقِهِ الَّذِي كَانَ يُخْفِيهِ أَوْ زَادَ فِي تَعْيِيرِهِ بِمَا أَعْلَنَ بِهِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ بِسَعْيِهِ فِي رَدِّ ذَلِكَ الْعَارِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يُصْغِ الْحَاكِمُ لِشَهَادَتِهِ قُبِلَتْ بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَبَحَثَ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِمَا لَا يُطَابِقُ الدَّعْوَى ثُمَّ أَعَادَهَا بِمُطَابِقِهَا قُبِلَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَشْهُورٍ بِالدِّيَانَةِ عُرِفَ مِنْهُ اعْتِيَادُ سَبْقِ لِسَانٍ أَوْ نِسْيَانٍ (وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ تِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي رُدَّ فِيهَا إذْ لَا تُهْمَةَ، وَمِثْلُهُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَائِبٌ مِنْ الْكَذِبِ فِي الرِّوَايَةِ (بِشَرْطِ اخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ) لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِإِظْهَارِهَا لِتَرْوِيجِ شَهَادَتِهِ وَعَوْدِ وِلَايَتِهِ فَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ ذَلِكَ لِيُقَوِّيَ مَا ادَّعَاهُ (وَقَدَّرَهَا الْأَكْثَرُونَ بِسَنَةٍ) لِأَنَّ لِلْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ تَأْثِيرًا بَيِّنًا فِي تَهْيِيجِ النُّفُوسِ لِشَهَوَاتِهَا، فَإِذَا مَضَتْ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِحُسْنِ سَرِيرَتِهِ وَقَدْ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ فِي نَحْوِ الْعُنَّةِ وَمُدَّةِ التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَى، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ، وَتُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي مُرْتَكِبِ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ إذَا أَقْلَعَ عَنْهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ.
وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَذَا مِنْ الْعَدَاوَةِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ لَهَا كَشَاهِدٍ بِزِنَى حُدَّ لِنَقْصِ النِّصَابِ فَتُقْبَلُ عَقِبَ ذَلِكَ، وَكَمُخْفِي فِسْقٍ أَقَرَّ بِهِ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ فَتُقْبَلُ حَالًا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ التَّوْبَةَ عَمَّا كَانَ مَسْتُورًا إلَّا عَنْ صَلَاحٍ، وَكَنَاظِرِ وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ تَابَ فَتَعُودُ وِلَايَتُهُ حَالًا كَوَلِيِّ النِّكَاحِ، وَكَقَاذِفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ، لَكِنْ قَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِقَوْلِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إذْ الشَّرْعُ أَكَّدَ) أَيْ حَثَّ عَلَى حِفْظِهَا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَعْلَنَ كُفْرَهُ) عِبَارَةُ حَجّ مُعْلِنٌ بِكُفْرِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَعَادَهَا بِمُطَابِقِهَا قَبْلُ) ظَاهِرٌ وَلَوْ لَمْ يُبْدِ عُذْرًا حَمْلًا لَهُ عَلَيْهِ، وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إلَخْ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ وَأَنَّهَا تَقْرِيبٌ) أَيْ فَيُغْتَفَرُ مِثْلُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا مَا زَادَ عَلَيْهَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ إلَخْ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهِ) عِبَارَةُ الْجَلَالِ وَالثَّانِي هُوَ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهُوَ الصَّوَابُ
(قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ الْحُكْمِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ فَبَانَ أَنَّهُمَا كَانَا عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ الْحُكْمِ كَذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي الثَّانِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا تَبَيَّنَ الْكُفْرُ فَالظَّرْفُ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِبَانَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَمَرَّ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ غَيْرُ مَا هُنَا، إذْ الْمُؤَثِّرُ ثَمَّ بَيْنُونَةُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّحَمُّلِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَا تَكْرَارَ وَلَا مُخَالَفَةَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُمَا
(قَوْلُهُ: وَعَوْدِ وِلَايَتِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ وِلَايَةُ الشَّهَادَةِ
فِيهِ إيذَاءٌ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ السَّنَةِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ.
(وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ) قِيَاسًا عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الرِّدَّةِ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ وَوُجُوبِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ فِعْلًا كَسُجُودٍ لِصَنَمٍ لِكَوْنِ الْقَوْلِيَّةِ هِيَ الْأَصْلُ أَوْ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ تَكْذِيبَ الشَّرْعِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ اشْتِرَاطُ الْقَوْلِ فِي الْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِيهَا، وَنَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِيهِ فِي الْكُلِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ اخْتِصَاصَهُ بِالْقَذْفِ، وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ لِأَنَّهُ يُكْسِبُ عَارًا وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ فَاحْتِيطَ بِإِظْهَارِ نَقِيضِ مَا حَصَلَ مِنْهُ وَهُوَ الِاعْتِرَافُ بِالْكَذِبِ جَبْرًا لِقَلْبِ الْمَقْذُوفِ وَصَوْنًا لِمَا انْتَهَكَهُ مِنْ عِرْضِهِ، وَمَا اشْتَرَطَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْفَارِ فِي الْمَعْصِيَةِ الْقَوْلِيَّةِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدَمِ، وَخَرَجَ بِالْقَوْلِيَّةِ الْفِعْلِيَّةُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَوْلُ لِتَمَحُّضِ الْحَقِّ فِيهَا لَهُ تَعَالَى فَأُدِيرَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الصِّدْقِ بَاطِنًا، بِخِلَافِ الْقَذْفِ لِمَا تَقَرَّرَ فِيهِ.
(فَيَقُولُ الْقَاذِفُ) وَإِنْ كَانَ قَذْفُهُ بِصُورَةِ الشَّهَادَةِ لِعَدَمِ تَمَامِ الْعَدَدِ (قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ) أَوْ مَا كُنْت صَادِقًا فِي قَذْفِي وَقَدْ تُبْت مِنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِكَذِبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا. لَا يُقَالُ: حَصَلَ تَعَرُّضُهُ لَهُ بِقَوْلِ قَذْفِي بَاطِلٌ وَلِذَا عَبَّرَ أَصْلُهُ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ الْقَذْفُ بَاطِلٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَحْذُورُ إلْزَامُهُ بِالتَّصْرِيحِ بِكَذِبِهِ لَا بِالتَّعْرِيضِ بِهِ، وَهَذَا فِيهِ تَعْرِيضٌ لَا تَصْرِيحٌ، أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ لِمَنْ قَالَ لَك شَيْئًا هَذَا بَاطِلٌ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ وَلَوْ قُلْت لَهُ كَذَبْت حَصَلَ لَهُ غَايَةُ الْحَنَقِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْبُطْلَانَ قَدْ يَحْصُلُ لِاخْتِلَالِ بَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ فَلَا يُنَافِي مُطْلَقَ الصِّدْقِ بِخِلَافِ الْكَذِبِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى عِبَارَةِ الْكِتَابِ وَأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ أَصْلِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ وَصَلَ ذَلِكَ لِعِلْمِ الْقَاضِي بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ اُشْتُرِطَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ وَإِلَّا فَلَا فِيمَا يَظْهَرُ، نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَنْ ذَكَرَهُ بِحَضْرَتِهِ أَوَّلًا وَلَيْسَ كَالْقَذْفِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا خِنْزِيرُ أَوْ يَا مَلْعُونُ مَثَلًا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْهُ قَوْلٌ لِانْتِفَاءِ تَوَهُّمِ صِدْقِ قَائِلِهِ حَتَّى يُبْطِلَهُ بِخِلَافِ الْقَذْفِ.
(وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْهَا قَوْلُ نَحْوِ مَا ذُكِرَ كَشَهَادَتِي بَاطِلَةٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهَا وَلَا أَعُودُ إلَيْهَا، وَيَكْفِي كَذَبْتُ فِيمَا قُلْتُ وَلَا أَعُودُ إلَى مِثْلِهِ (قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَ) الْمَعْصِيَةُ (غَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ) لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَوْلٌ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا (يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْهَا كَالْقَوْلِيَّةِ أَيْضًا (إقْلَاعٌ) مِنْهَا حَالًا إنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهَا أَوْ مُصِرًّا عَلَى مُعَاوَدَتِهَا (وَنَدَمٌ) مِنْ حَيْثُ الْمَعْصِيَةُ لَا لِخَوْفِ عُقُوبَةٍ لَوْ عَلِمَ بِحَالِهِ أَوْ فَوَاتِ مَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ التَّوْبَةَ عِبَادَةٌ وَهِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ شَرْطُهَا الْإِخْلَاصُ رُدَّ بِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيمًا لِلِاحْتِيَاجِ لَهُ (وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ) إلَيْهَا مَا عَاشَ إنْ تُصُوِّرَ مِنْهُ، وَإِلَّا كَمَجْبُوبٍ تَعَذَّرَ زِنَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا عَدَمُ وُصُولِهِ لِحَالَةِ الْغَرْغَرَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ لِكَوْنِ الْقَوْلِيَّةِ) أَيْ الرِّدَّةِ الْقَوْلِيَّةِ. (قَوْلُهُ رُدَّ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ (قَوْلُهُ: لِحَالَةِ الْغَرْغَرَةِ) لَعَلَّهُ لِأَنَّ مَنْ وَصَلَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ) يَعْنِي فِيمَا لَا إيذَاءَ فِيهِ (قَوْلُهُ: مِنْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْفَارِ) يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظِ اشْتِرَاطٍ وَهُوَ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ لِتَمَحُّضِ الْحَقِّ فِيهَا لَهُ تَعَالَى) فِي نُسْخَةٍ مِنْ الشَّرْحِ لِتَمَحُّضِ الْقَوْلِ، وَلَعَلَّهَا الصَّوَابُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَذْفُهُ بِصُورَةِ الشَّهَادَةِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْغَايَةَ فِيمَا إذَا كَانَ صَادِقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَعَ أَنَّ الْحَدَّ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَتِهِ وَالتَّوْبَةُ مَدَارُهَا عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَتَى بِمَعْصِيَةٍ (قَوْلُهُ: الْقَذْفُ بَاطِلٌ) لَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَهُ لَفْظُ بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ أَصْلِهِ) يُتَأَمَّلُ (قَوْلُهُ: كَالْقَوْلِيَّةِ أَيْضًا) أَيْ خِلَافًا لِمَا قَدْ يُوهِمُهُ الْمَتْنُ (قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ لَهُ) أَيْ لِقَيْدِ الْحَيْثِيَّةِ (قَوْلُهُ: رُدَّ) الظَّاهِرُ رُدَّتْ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيمًا لِلِاحْتِيَاجِ لَهُ)
وَعَدَمُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَتَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ حَالَةَ سُكْرِهِ كَإِسْلَامِهِ، وَمِمَّنْ كَانَ فِي مَحَلِّ مَعْصِيَةٍ.
ثُمَّ صَرَّحَ بِمَا يُفْهِمُهُ الْإِقْلَاعُ لِلِاعْتِنَاءِ بِهِ فَقَالَ (وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ) يَعْنِي الْخُرُوجَ مِنْهَا بِأَيِّ وَجْهٍ قَدَرَ عَلَيْهِ مَالًا كَانَتْ أَوْ عِرْضًا نَحْوَ قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ (إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ) سَوَاءٌ أَتَمَحَّضَتْ لَهُ أَمْ كَانَ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُؤَكَّدٌ كَفَّارَةٌ فَوْرِيَّةٌ وَزَكَاةٌ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَتْ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» فَإِنْ أَفْلَسَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ كَمَا مَرَّ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَالِكِ وَوَارِثِهِ دَفَعَهُ لِحَاكِمٍ ثِقَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْمَصَالِحِ عِنْدَ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ بِنِيَّةِ الْقَرْضِ وَغَرِمَ بَدَلَهُ إذَا وَجَدَهُ، فَإِنْ أَعْسَرَ عَزَمَ عَلَى الْأَدَاءِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَلَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ إنْ لَمْ يَعْصِ بِالْتِزَامِهِ وَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى أَنْ يُعَوِّضَ الْمُسْتَحِقَّ، وَإِذَا بَلَغَتْ الْغِيبَةُ الْمُغْتَابَ اُشْتُرِطَ اسْتِحْلَالُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ تَعَسَّرَ لِغَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَلَا أَثَرَ لِتَحْلِيلِ وَارِثٍ وَلَا مَعَ جَهْلِ الْمُغْتَابِ بِمَا حُلِّلَ مِنْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْهُ فَيَكْفِي فِيهَا النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ، وَكَذَا يَكْفِي النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الْحَسَدِ، وَمَنْ لَزِمَهُ حَدٌّ وَخَفِيَ أَمْرُهُ نُدِبَ لَهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ أَتَى لِلْإِمَامِ يُقِيمُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ مُزِيلًا لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّوْبَةِ إذْ هُوَ مُسْقِطٌ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ.
وَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْبَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوَائِلَ كِتَابِ الْجِرَاحِ. وَتَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى غَيْرِهِ وَمِمَّا تَابَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَارِثُهُ كَانَ الْمُطَالِبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ دُونَ الْوَارِثِ عَلَى الْأَصَحِّ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ أَيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ فَتَوْبَتُهُ إنَّمَا هِيَ لِعِلْمِهِ بِاسْتِحَالَةِ عَوْدِهِ إلَى مِثْلِ مَا فَعَلَ (قَوْلُهُ: مُؤَكَّدٌ كَفَّارَةٍ) أَيْ كَكَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْمَصَالِحِ) الْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّ قَوْلَهُ بِنِيَّةِ الْقَرْضِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مَا شَاءَ مِنْ مَصَالِحِهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِنِيَّةِ الْقَرْضِ حَتَّى لَا يَضِيعَ عَلَى مَالِكِهِ إذَا ظَهَرَ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْهُ فِي الصَّرْفِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَعْسَرَ عَزَمَ عَلَى الْأَدَاءِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَالِ، وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الَّذِي فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ فَعَلَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ) وَلَيْسَ مِنْ التَّعَذُّرِ مَا لَوْ اغْتَابَ صَغِيرًا مُمَيِّزًا وَبَلَغَتْهُ فَلَا يَكْفِي الِاسْتِغْفَارُ لَهُ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَبِفَرْضِ مَوْتِ الْمُغْتَابِ يُمْكِنُ اسْتِحْلَالُ وَارِثِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمُغْتَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ (قَوْلُهُ: اسْتَغْفَرَ لَهُ) أَيْ طَلَبَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا.
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ حَيْثُ قَالَ شَرْطُهَا الْإِخْلَاصُ وَالْإِخْلَاصُ مُرَادِفٌ لِلْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ) أَيْ إنْ تَأَتَّتْ مِنْهُ الشُّرُوطُ الَّتِي مِنْهَا النَّدَمُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إنْ تَعَلَّقَتْ) أَيْ الظُّلَامَةُ بِمَعْنَى الْمَعْصِيَةِ، وَيَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلتَّوْبَةِ بِمَعْنَى مُوجِبِهَا، لَكِنَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ ظَاهِرَةٌ فِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الْقَرْضِ وَغُرْمِ بَدَلِهِ) هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الظُّلَامَةُ عَيْنًا كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا فَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا صَرَفَهُ فِي الْمَصَالِحِ ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الذِّمَّةَ مَشْغُولَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ بِنِيَّةِ الْقَرْضِ لَمْ أَرَهُ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي حَذْفُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ مُزِيلًا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَلَيْسَ اسْتِيفَاءُ نَحْوِ الْقَوَدِ مُزِيلًا لِلْمَعْصِيَةِ إلَخْ.