الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إيجاب الصلاة، ليس نسخًا للزكاة، والحج، وإيجاب الوضوء، ليس نسخًا لإيجاب الصلاة المتقدمة.
وأما الثاني: فكذلك، لأن جعله حقيقة في التكرار مجازًا في المرة الواحدة أولى من العكس، لما عرفت غير مرة.
فكذا الثالث: لأنه خلاف الأصل، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة، يتعين الرابع. ثم لتقريب ما سبق في الوجه الأول.
المسألة الحادية عشرة
[هل الأمر المعلق يقتضي التكرار
؟]
القائلون بأن مطلق الأمر ليس للتكرار: اختلفوا في أن الأمر المعلق بالشرط نحو: إن كان زانيًا فارجمه، أو الصفة نحو قوله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ، أو المضاف إلى الوقت نحو قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس} . هل يقتضي تكرار المأمور به بتكرارها أم لا؟. فمنهم من أثبته.
ومنهم من نفاه.
ثم اعلم أن الخلاف فيما إذا لم يعلم كون المعلق عليه علة للمعلق، أما إذا علم ذلك إما من دليل منفصل، أو من نفس ترتيب الحكم على الوصف، فإنه يشعر بعلية الوصف على ما ستعرف ذلك إن شاء الله تعالى، فلا خلاف فيه بين القائسين، لكنه ما جاء من الأمر والتعليق بل من العلة، ووقع التعبد بالقياس، ولهذا لو عرفت العلية فيما لم يقع التعبد فيها بالقياس نحو أفعال العباد لم يفد التكرار أيضًا، كما إذا قال الرجل لوكيله: أعتق سالمًا إن كان أسود؟ وليست علة أمري بإعتاقه إلا السواد، فإنه ليس له أن يعتق غيره من عبيده، وإن كان أسود لما أنه لم يقع التعبد بالقياس في أفعالهم.
والمختار أنه لا يفيد التكرار.
ويدل عليه وجوه:
أحدها: أنه لو اقتضى التكرار، فإما أن يقتضيه من حيث إنه أمر، وهو باطل لما سبق، أو من حيث إنه / (147/ب) تعليق، وهو أيضًا باطل، لأن التعليق يحسن حيث يكون المعلق عليه شرطًا، نحو: إن كنت متطهرًا فصل ولا تأثير للشرط في وجود المشروط، بحيث إنه يلزم من وجوده وجوده، بل تأثيره في انتفائه، بحيث إنه يلزم من انتفائه انتفاؤه، فلا يتكرر بتكرره، وحيث لزم وجود المشروط وجود الشرط في مثل، قوله:"إن دخلت الدار فأنت طالق" وإنما كان ذلك لوجود الموجب هو قوله: "أنت طالق"، أو من حيث إنه مجموع مركب من الأمر والتعليق، وهذا أيضًا باطل، لأنه لا يفيد التكرار وفاقا في مثل قول الرجل لعبده:"إن دخلت السوق فاشتر اللحم"، فإما أن يكون ذلك لعدم المقتضي، وهو باطل، لأنه خلاف المقدر، إذ المقدر أنه يقتضيه من حيث إنه أمر وتعليق، وهذا المجموع حاصل في المثال المذكور، وبتقدير صحته فالمحصول حاصل، وهو أن لا يكون المجموع مقتضيًا، أو لوجود المعارض، وهو أيضًا باطل، لما فيه من التعارض، وهو خلاف الأصل، أو لا، لوجود المعارض وهو أيضًا باطل، لأن ذلك يقدح في كون المقتضي مقتضيًا.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون التخلف فيما ذكرتم من المثال وأمثاله لفقد شرط لم يحصل في غيره؟
قلت: توفيق اقتضاء المقتضي على شرط منفصل، خلاف الأصل، إذ الأصل عدم التوفيق.
سلمنا: أنه ليس على خلاف الأصل، لكن لو جاز لكم إحالة التخلف فيما ذكرناه من المثال إلى عدم شرط المقتضي مع أنكم لم تبينوه خاليًا مثله في كل مثال من أمثلة الأمر المعلق بشرط، وحينئذ لا يمكن الاستدلال به على التكرار.
وثانيها: لو قال الرجل لزوجته: "إن دخلت الدار فأنت طالق"، لا يتكرر الطلاق بتكرر الدخول وفاقًا، وكذلك إذا قال لوكيله: طلق زوجتي إن دخلت الدار. لم يكن له تكرير التطليق عند تكرير دخولها.
وكذا لو قال الشارع: "إن كان زانيًا فارجمه"، لأن دلالة اللفظ لا تختلف بحسب اختلاف المستعملين.
وثالثها: أنه لو دل عليه فإما أن يدل عليه بلفظه، أو بمعناه. والقسمان باطلان. فالقول بأنه يدل عليه باطل.
أما أنه لا يدل عليه بلفظه: فلأن اللفظ ما دل إلا على تعليق شيء بشيء، وهو أعم من تعليقه عليه في كل الصور أو في صورة واحدة، بدليل صحة تقسيمه إليهما ومورد التقسيم مشترك بين القسمين، والدال على القدر المشترك بين القسمين لا إشعار له بواحد من ذينك القسمين / (148/أ) فإذا لا دلالة له لا على التكرار، ولا على المرة الواحدة.
[فإن] قلت: لا نزاع في أنه لو ثبت أن اللفظ ما دل إلا على تعليق
شيء بشيء كان اللازم ما ذكرتم، وهو أنه لا يكون له إشعار بأحد ذينك القسمين ألبتة، لكن لا نسلم: ذلك، وهذا لأنه عندنا دال على تعليقه بالمعلق عليه، بحيث كلما وجد المعلق عليه وجد المعلق فلم قلت: أنه ليس كذلك؟
قلت: الدليل على أنه ليس كذلك، هو أن كل واحد من أهل اللسان يجد التفرقة الضرورية بين قول القائل: إن قال فلان: "ح"، فقل:"ب"، وبين قوله: كلما قال فلان: "ح" فقل: "ب"، في أن الثاني يفيد التعميم والتكرير دون الأول، ولا يمكن إحالة ذلك إلى القرينة، فإن القرينة منتفية فيما ذكرنا من المثال، فلو كان الأول، بمعنى الثاني لم تكن التفرقة حاصلة بالضرورة.
وأما أنه لا يدل عليه بمعناه: فلأن المعني من الدلالة المعنوية هنا هي أن يستلزم مسمي اللفظ معنى آخر استلزامًا قطعيًا أو ظنيًا، واللفظ مستعمل في مسماه لكن تحققه يكون دالاً على تحقق ذلك المعني، لا أن بين معنى اللفظ وبين معنى آخر مناسبة معتبرة في التجوز فيستعمل اللفظ فيه، فإن ذلك مجاز خلاف الأصل لا حاجة لنا إلى نفيه، فإن النزاع ما وقع في أن اللفظ دال على التكرار على وجه التجوز إذا عرفت هذا.
فنقول: قد عرفت أن مسمي اللفظ، هو تعلق شيء بشيء، وهو أعم من تعليقه به في كل الصور أو في صورة واحدة، ومعلوم أن المفهوم العام لا يستلزم الخاص لا بطريق القطع ولا بطريق الظهور، فثبت أنه لا يدل عليه لا بلفظه ولا بمعناه فلم يدل عليه أصلاً.
ورابعها: أن الخبر المعلق بالشرط، أو الصفة، كقوله: زيد سيدخل الدار
لو دخلها عمرو، وزيد القائم بضرب، لا يفيد التكرار وفاقا.
فكذا "الأمر" والجامع دفع الضرر الحاصل من التكليف بالتكرر، هذا إن ألحقناه بطريق القياس.
أما إذا ألحقناه بطريق الاستقراء والتصفيح فلا حاجة إلى ذكر الجامع، وهو الأولي: فإن الإلحاق بطريق الاستقراء والتصفح، غير مختلف فيه.
واحتجوا بوجوه:
أحدها: أنه ورد في كتاب الله، وسنة رسوله، أوامر متعلقة بشروط، وصفات، ومضافة إلى أوقات، وهي متكررة بتكررها، كقوله تعالى:{إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} الآية، وقوله:{والسارق / (48/ب) والسارقة فاقطعوا أيديهما} ، وقوله:} أقم الصلاة لدلوك
الشمس {ولو لم يكن مقتضيًا للتكرار لما كان متكررًا.
وجوابه: منع الملازمة لجواز أن يكون متكررًا لدليل منفصل.
نعم لو قيل: لما كان متكررًا به لم يمكن منع الملازمة لكنا حينئذ نمنع انتفاء اللازم، فإنه عندنا غير متكرر به بل بمنفصل نحو أن يعرف أن المعلق عليه علة الحكم أو غيره.
فإن قلت: الأصل عدم ذلك الدليل.
قلت: يجب اعتقاد ذلك لئلا يلزم تخلف المدلول عن الدليل في مثل قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} وفي قوله: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} بالنسبة إلى غير المحدث وفي قوله تعالى: {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} بالنسبة إلى الذي لا يريد الصلاة، فإن الإتيان بمنفصل أولى من التخلف بمنفصل.
وثانيها: أن الحكم يتكرر بالعلة باتفاق القائسين، فالمعلق عليه إن كان علة يجب أن يتكرر الحكم بتكرره، وإن كان شرطًا فكذلك.
إما لأن علل الشرع علامات والشروط أيضًا علامات.
وأما لأن الشرط أقوى من العلة لانتفاء الحكم عند انتفائه، بخلاف
/
الأول: لما عرفت ذلك من قبل.
وثالثها / (149/أ): أن النهي المعلق بالشرط أو الصفة يقتضي التكرار، فكذا الأمر، إما بالقياس عليه، أو لن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فإذا كان ضد المأمور به واجب الترك" بوصف التكرار" ففعل المأمور به واجب بذلك الوصف لا محالة.
وجوابه: أنه قياس في اللغة وهو ممنوع.
سلمنا: صحته، لكن لا نسلم أنه يتكرر بتكرر الشرط، وهذا لأن مقتضي النهي هو المنع من الفعل عند وجود الشرط ثابت سواء تكرر الشرط أو لم يتكرر، ألا ترى أن الرجل لو قال لوكيله: لو دخل زيد الدار فلا تعطه درهما. فإن المنع من الإعطاء ثابت أبدًا بعد الدخول سواء تكرر الدخول أو لم يتكرر.
سلمنا: ذلك، لكن إنما اقتضاه، لأن مطلقه يقتضي دوام الانتهاء بخلاف الأمر.
وعن الوجه الثاني: ما سبق في مسألة أن الأمر للوجوب.
ورابعها: أن المعلق بالشرط لا اختصاص له بشرط دون شرط، بل نسبته إلى جميع أعداد الشرط نسبة واحدة فعند ذلك، إما أن يقال: إنه يلزم من عدم إيجاب الحكم مع وجود شرط عدم إيجابه مع جميع أعداد الشرط أو من إيجابه مع شرط إيجابه مع جميع أعداده ضرورة أنه لا يحصل التسوية
لغيرها بين الطريقين، لكن الأول باطل بالإجماع فيتعين الثاني.
وجوابه: أنا لا نسلم أنه لا اختصاص له بشرط دون شرط، وهذا لأن عند القائل بالفور: يختص بالشرط الأول، وأما من لم يقل به فيختص عنده بالشرط الذي يغلب على ظن المكلف أنه لو لم يشتغل بالفعل عنده لفاته.
سلمنا: أنه لا اختصاص له بشرط دون شرط، لكن لا نسلم أنه لا طريق إلى التسوية إلا ما ذكرتم، وهذا فإن القول بوجوب الفعل عند كل واحد من أعداد الشرط على طريق البدلية طريق أخرى، غير ما ذكرتم في التسوية وهي غير محصلة للمقصود.
وخامسها: أن تعليق الأمر على الشرط الدائم، موجب لدوام المأمور به بدوام، كما لو قال: إذا جاء العام الفلاني فصمه، فإن الصوم يكون دائمًا بدوام العام، والتعليق على الشرط المتكرر في معناه فكان دائمًا بتكرره.
وجوابه: منع كونه في معناه، وهذا لأن الشرط "في" صوره المستشهد به واحد والمشروط به أيضًا واحد غير متكررة بتكريره، بخلاف ما نحن فيه، فإن الشرط والمشروط به كلاهما متكرران فلا يكون في معنى الأول.