الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة
[في حكم الأمر بعد الحظر]
اختلفوا فيا لأمر بعد الحظر.
فالجمهور على أنه لا أثر لتقدم الحظر، وأن الأمر في اقتضاء مقتضاه، من الوجوب، أو الندب أو غيرهما بعده، كما هو قبله.
ومنهم من قال: إن تقدم الحظر قرينة صارفة له عن مقتضاه إلى الإباحة، وإن كان قبله مقتضيًا للوجوب.
ومنهم من فصل وقال إن كان الحظر السابق عارضًا لعلة عرضت وعلقت الصيغة بزوال تلك العلة، كقوله تعالى:{وإذا حللتم فاصطادوا} .
وقوله عليه السلام: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة التي دفت فالآن فادخروها".
فعرف الاستعمال يدل على أنه لرفع ذلك الحظر السابق فقط، فيرجع حكمه إلى ما كان قبل الحظر، من إباحة، أو ندب، أو إيجاب.
وإن احتمل أن يكون مقتضيًا لمقتضاه، من إيجاب أو ندب نظرًا إلى الوضع.
وإن لم يكن كذلك فالصيغة مبقاة على مقتضاها على ما كانت قبله، إن كانت للوجوب فللوجوب، وإن كانت للندب فللندب، وإن كان مترددًا بينهما فكذلك.
لكن القائلين بالتوقف: كالغزالي - رحمه الله تعالى - زادوا ها هنا احتمال الإباحة، فإن الصيغة عندهم لم تكن محتملة لما قبله، وقالوا: قرينة سبق الحظر تزوح احتمال الإباحة وإن لم تعينه.
احتج الجمهور / (142/ب): بأن المقتضي للوجوب أو للندب أو
غيرهما قائم، والمعارض الموجود لا يصلح معارضًا فوجب تحقق المقتضي
أما الأول: فلمساعدة الخصم الدلائل المذكورة عليه، إذ القائل: بالإباحة ها هنا قائل: بأنها قبله للوجوب أو للندب.
وأما الثاني: فلأنا نعلم بالضرورة، أنه كما يجوز الانتقال من الحظر إلى الإباحة، فكذا يجوز الانتقال منه إلى الوجوب، أو الندب.
وإذا كان كذلك لم يكن تقدم الحظر مانعًا من حمل الصيغة على ما يقتضيها قبله، ولأنه لو صرح بإرادة الوجوب من الصيغة الواردة بعد الحظر لم يعد مناقضًا ولا تاركًا لمقتضي دليل، إذ الأصل عدم التعارض، ولو كان تقدم الحظر قرينة الإباحة، لعد كذلك ولجعل تاركًا لمقتضي الدليل.
واحتج القائلون بالإباحة مطلقًا.
بالآية، والعرف.
أما الآية: فلقوله تعالى {فإذا طعمتم فانتشروا} {وإذا حللتم فاصطادوا} {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} والأصل في الاستعمال الحقيقة.
وأما العرف: فهو إن السيد أو الوالد إذا منع عبده أو ولده عن شيء، ثم قال له:"افعل" ذلك الشيء تبادر إلى الفهم منه الإباحة، وهو دليل الحقيقة، فيكون حقيقة فيه، وهو المطلوب.
الجواب عن الأول: [أن] نمنع دلالة ما ذكرتم من الآيات على القول بالإباحة مطلقًا، بل إنها لو دلت فإنما تدل على ما ذهب إليه القائلون بالتفصيل لا على ما ذهبتم إليه.
سلمنا ذلك: لكن الاستعمال دليل ضعيف، فجاز أن يترك لما ذكرنا من الدليل.
سلمنا: أنه غير متروك، لكن ما ذكرتم من الآيات معارض بنصوص أخرى نحو قوله تعالى:{فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} فإن هذا يفيد الوجوب، إذ الجهاد فرض على الكفاية. ونحو قوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله} ، وحلق الرأس ليس بمباح بل هو واجب عند انقضاء المدة، ونحو قوله عليه السلام:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" والزيارة مندوبة.
وبهذا إنما يتمسك من يقول: الأمر حقيقة في الندب والأصل في الاستعمال الحقيقة، وإذا تعارضت النصوص باستعمالها في المعنيين ثبت ما قلناه: لسلامة ما ذكرنا من الدليل في الاستدلال.
وعن الثاني: إنا لا نسلم أن الفهم يتبادر إلى الإباحة على الإطلاق، بل لو تبادر إليها فإنما يتبادر للقرينة، ألا ترى أنه لو كانت القرينة منفية لم يتبادر الفهم إلى الإباحة، كما لو كان السيد قد منع عبده عن الاكتساب لمصلحة، ثم أمره / (143/أ) فإنه لا يفيد الإباحة بل يفيد الوجوب، وكذلك لو قال الأب لأبنه: اخرج إلى المكتب بعد منعه منه لمصلحة، فإنه يتبادر منه إلى الفهم ما يتبادر منه قبل الحظر.
/