الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما قلنا: إنه خطاب وارد قبل تحريم الخمر، لأنه لا يجوز أن يراد هذا المعني والخمر حرام، لأنه بمفهومه يدل على جواز إفراط الشرب في غير وقت الصلاة، وعلى جواز شربه فيه [من] غير إفراط.
المسألة الثانية
[في تعلق الأمر بالمعدوم]
المعدوم يجوز أن يكون مأمورًا عندنا
خلافًا للمعتزلة، وأكثر الطوائف.
ثم لا نعني به أن المعدوم حال كونه معدومًا مأمور، ليقال: إن الصبي والمجنون والنائم، إذا لم يجز أن يكون مأمورًا لعدم الفهم التام، أو لعدم أصل الفهم مع أنه حاصل له، وإنما زال واستتر بعارض يزول عن قرب، كان المعدوم أولى بأن لا يجوز أن يكون مأمورًا، لعدم الوجود وتوابعه من الفعل والفهم، بل بمعني أنه يجوز أن يكون الأمر موجودًا في الحال، ثم إن المعدوم إذا وجد وتهيأ للفتهم التام يصير مأمورًا بذلك الأمر.
ويدل عليه وجوه:
أحدها: أن الولد يصير مأمورًا عند وجوده وتهيئه للفهم التام، بأوامر والده له المكتوبة عند موته بطريق الوصية، بدليل أنه يوصف بالطاعة عند امتثالها، وبالعصيان والعقوق عند مخالفتها، فلو لم يكن مأمورًا بتلك الأوامر لما كان كذلك.
وثانيها: أن الواحد منا يصير مأمورًا بأمر النبي عليه السلام، مع أن ذلك الأمر ما كان موجودًا إلا حال عدمنا.
وثالثها: أنه ثبت قدم / (184/أ) كلامه تعالى في علم الكلام، فيكون أمره ونهيه أزليًا، ويلزم منه أمر المعدوم بالمعني الذي عيناه قطعًا.
فإن قيل: لا نسلم أن الواحد منا يصير مأمورًا بعد موته عليه السلام، بأمره عليه السلام، الذي كان موجودًا قبلنا.
ولم لا يجوز أن يقال: إنه إنما يصير مأمورًا بأمر الله تعالى إياه عند وجوده وبلوغه؟، ويحمل أمر الرسول عليه السلام على أنه إخبار عن أن الله تعالى، يأمر كل واحد من المكلفين عند وجوده وبلوغه بمدلول ذلك الأمر، وحينئذ لا يحصل المقصود.
سلمنا: ذلك لكن إنما جاز ذلك فيما ذكرتم من الصورتين، لأنه وجد هناك من سمع ذلك الأمر وبلغه إلينا، ولا يلزم من ذلك جواز أن يأمر الله تعالى عبيده في الأزل، لأنه لم يوجد هناك من سمع ذلك الأمر، فكان أمره عند ذاك عبثا وهو على الله تعالى محال.
سلمنا: جوازه أيضًا، لكن ما ذكرتم من الدليل معارض بدليل آخر، وهو: أن الأمر عبارة عن إلزام الفعل على المأمور، وذلك بدون وجوده عبث وسفه، ألا ترى أن من جلس في الدار وحده، وأخذ يأمر وينهي عد سفيهًا عابثًا تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
قلنا: الجواب عن الأول: لا يجوز أن يجعل أمره عليه السلام خبرًا عما ذكرتم.
أم أولاً: فلأن جعل الأمر خبرًا عن شيء ما باطل، لأنه يقتضي أن يتطرق التصديق والتكذيب إليه، وهو غير متطرق إليه وفاقا.
وأما ثانيًا: فإنهم قسموا الكلام إلى أمر ونهي وخبر وغيرها من الأقسام، وذلك يدل على أن كل واحد منها غير الآخر، وغير داخل فيه.
وأما ثالثًا: فإنا لو جوزنا ذلك، فإنما يجوز فيما بينه وبين ما يجعل خبرًا عنه مناسبة، كما يقال: إن أمر الله تعالى أو أمر الرسول إخباره عن وقوع العقاب بتقدير ترك المأمور به، فإن استحقاق العقاب على تقدير الترك جزء من مفهوم المأمور به، فإن أن يجعل خبرًا عما لا مناسبة بينه وبين الأمر إلا على وجه بعيد لو أمكن فلا، وبتقدير تسليمه فالمقصود أيضًا [حاصل] لما ثبت أن كلامه تعالى قديم وكان أمره حاصلاً والمأمور معدومًا، وعن الأخيرين [أنه مبني على قاعدة التحسين والتقبيح وقد مر إبطالها.
ولئن سلم: لكن نقول: إنما يقبح تفريعًا عليه] الأوامر والنواهي الجازمة التي يقصد منها الامتثال في الحال، فأما التي يقصد منها امتثال من يوجد بعدها من المكلفين ويطلع عليها فلا، وهذا لأنه يقبح من العاقل أن يودع أوامر ونواهي في صحائف في خلوة أو برية ويتركها فيها، ويقصد بذلك امتثال من يوجد بعده ويظفر بها من أولاده وأولاد أصحابه وغيرهم، فكذا فيما نحن فيه حذو القذة بالقذة ولو أنكر حسنه كان ذلك منكرًا من القول وزورا / (184/ب).
فرع:
اختلفوا: في أن أمر المعدوم بالتفسير المتقدم.