الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة
في تعديد موارد استعمال صيغة افعل
وهي ثمانية عشر موردًا.
الأول: الإيجاب كقوله تعالى: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}
الثاني: الندب كقوله تعالى: {فكاتبوهم} {وأحسنوا} .
الثالث: التأديب كقوله عليه السلام لابن عباس رضي الله عنهما: "كل مما يليك"، والفرق بين بينه وبين الندب، فرق ما بين العام والخاص.
فإن كل تأديب مندوب إليه، وليس كل ندب تأديب، فيحسن أن يعد قسمًا مغايرًا له، لأن الخاص مغاير للعام بمعني أن المفهوم منه مغاير للمفهوم من العام.
الرابع: الإرشاد كقوله تعالى: {واستشهدوا} . والفرق بينه وبين الندب، أن الندب لثواب الآخرة والإرشاد لمنافع الدنيا، إذ لا ينتقض بسبب ترك الاستشهاد في المداينات الثواب ولا يزيد بسبب فعله وأيضا المندوب قد يكون مشتملاً على منافع الدنيا، كبعض التأديبات، بخلاف الإرشاد، فإنه غير مشتمل على ثواب الآخرة. وهو الفرق بعينه بينه وبين التأديب،
لأن المفهوم العام موجود في الخاص.
الخامس: الإباحة كقوله تعالى: {فاصطادوا} .
السادس: الامتنان كقوله تعالى: {كلوا مما رزقكم الله} .
السابع: الإكرام كقوله تعالى: {ادخلوها} .
الثامن: التهديد كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} .
التاسع: الإنذار كقوله تعالى: {قل تمتعوا} . والفرق بينه وبين التهديد، أن الإنذار يجب أن يكون مقرونًا بالوعيد، كما في الآية المذكورة والتهديد لا يجب فيه ذلك، بل قد يكون مقرونًا به وقد لا يكون، وأيضًا الفعل المهدد عليه يكون / (130/أ) ظاهر التحريم والبطلان، وفي الإنذار قد
يكون كذلك
والعاشر: التسخير كقوله تعالى {كونوا قردة خاسئين} .
الحادي عشر: التعجيز كقوله تعالى {فأتوا بسورة من مثله} .
الثاني عشر: التعجب كقوله تعالى: {قل كونوا حجارة} .
الثالث عشر: الإهانة كقوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز
الكريم}.
الرابع عشر: التسوية كقوله تعالى: {اصبروا أولا لا تصبروا} .
الخامس عشر: التكوين كقوله تعالى: {كن فيكون} .
السادس عشر: الدعاء كقوله تعالى: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا} .
السابع عشر: التمني كقول الشاعر:
*** ألا أيها الليل الطويل ألا أنجلى
…
الثامن عشر: الاحتقار كقوله تعالى: {ألقوا ما أنتم ملقون} .
والفرق بينه وبين الإهانة: أن الإهانة إنما تكون بالقول، أو بالفعل، أو بترك القول، أو الفعل دون مجرد الاعتقاد. والاحتقار إما مختص به، وإن
لم يكن كذلك، لكنه لا محالة يحصل بمجرد الاعتقاد، بدليل أن من اعتقد في شيء أنه لا يعبأ به ولا يلتفت إليه، يقال: إنه احتقره، ولا يقال: إنه أهانه، ما لم يصدر منه قول أو فعل ينبئ عنه.
وقد اتفق الأصوليون على أن الصبغة ليست حقيقة في كلها، بل في بعضها. واختلفوا فيه.
فقيل: إنها حقيقة في الوجوب فقط.
وقيل: إنها حقيقة في الندب فقط.
وقيل: هي للمشترك بينهما، وهو الطلب.
وقيل: للإباحة.
وقيل: للمشترك بين الثلاثة، وهو جواز الفعل.
وقيل: هي مشتركة بين الثلاثة المذكورة، وبين التهديد، المستدعى لترك الفعل بالاشتراك اللفظي.
واستدل إمام الحرمين، والغزالي، والإمام على فساد كون الصيغة مشتركة بين تلك الأمور المذكورة: بأنا ندرك التفرقة في اللغات كلها بين قولهم: "افعل"، وبين قولهم:"لا تفعل"، وبين قولهم: "إن شئت
"افعل" و "إن شئت لا تفعل" حتى إذا قدرنا انتفاء القرائن كلها، وقدرنا هذه الصيغة منقولة على سبيل الحكاية عن ميت أو عن غائب لا في فعل معين حتى يتوهم فيه قرينة دالة، بل في الفعل مطلقًا، سبق إلى فهمنا، اختلاف معاني هذه الصيغ، وعلمنا قطعًا أنها ليست ألفاظًا مترادفة على معني واحد.
كما أنا ندرك التفرقة بين قولهم: "قام زيد" و "يقوم عمر" وفي أن الأول: للماضي. والثاني: للمستقبل "وإن كان قد يعبر بالماضي عن المستقبل"، وبالعكس، لقرائن تدل عليه، فكذا ميزوا الأمر عن النهي. فقالوا: الأمر أن تقول: "افعل"، والنهي أن تقول:"لا تفعل"، فهذا أمر معلوم بالضرورة عن اللغات لا يشكنا في ذلك إطلاقها مع قرينة تدل على الإباحة أو التهديد.
وهو ضعيف، لأنه لا يلزم من / (130/ب) حصول التفرقة بين تلك الصيغ، وبين كونها ليست ألفاظًا مترادفة أن لا تكون صيغة "افعل" مشتركة بين "تلك" المعاني لجواز كونها مشتركة وكل واحد من صيغة "لا تفعل"، و"إن شئت افعل" و "إن شئت لا تفعل" خاصة لمدلوله، نعم: لو ادعوا حصول التفرقة بين تلك الصيغ في اختلاف معانيها بحيث إن كل واحد منها لا يدل على ما يدل عليه الآخر لا بطريق الاشتراك ولا بطريق الإفراد لحصل مطلوبهم، لكنه مصادرة على المطلوب.