الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند هذا ظهر أن الحق هو أن الأمر بالشيء نهي عن ضده بطريق الاستلزام، لا أنه وحده يستلزم ذلك بل مع مقدمة أخرى كما تقدم تقريره لو قيل باستحالة تكليف ما لا يطاق.
المسألة السادسة عشرة
في أن الأمر بالأمر بالشيء، هل هو / (159/أ) أمر بذلك الشيء أم لا
؟
الحق: لا. لوجهين.
أحدهما: أنه لو كان أمرًا به لزم التخلف في قوله عليه السلام: "مروهم
بالصلاة وهم أبناء سبع"، فإن الصبي غير مأمور بالصلاة.
أما أولاً: فلفقد شرط التكليف، وهو التمكين من فهم خطاب الشارع.
وأما ثانيًا: فلأنه لو كان كذلك لوجب أن يستحق الذم على تركها، كما أن الولي يستحق ذلك بترك الأمر.
فإن قلت: الملازمة ممنوعة، وهذا لأنه يجوز أن يكون مأمورًا بها على وجه الندبية.
وإن كان الولي مأمورًا بالأمر على وجه الوجوب، ولا يلزم من نفي كونه مأمورًا على وجه الوجوب، نفي كونه مأمورًا مطلقًا.
قلت: من يقول الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء، فإنما يقول: إنه أمر الشيء على الوجه الذي هو أمر بالأمر، إذ الفرع لا يخالف الأصل، وإنما يتحقق على وجه تحققه، فلما كان الأمر بالشيء على وجه الوجوب، وجب أن يكون أمرًا بالشيء على ذلك الوجه، لئلا يلزم قول ثالث مخالف للإجماع.
وثانيهما: أنه لا امتناع في قول السيد لأحد العبدين أمرتك بأن تأمر الآخر بكذا، وقوله للآخر: أمرتك بأن تعصيه عندما يأمرك بكذا، فلو كان الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بذلك الشيء لعد ذلك مناقضًا، كما لو قال له:"أمرتك بكذا"، و "أمرتك بان تعصيني فيه".
نعم لو ضم إلى ذلك الأمر قوله للمأمور بالشيء: كلما أمرك به فلان فقد أمرتك به، كان الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بذلك الشيء، لكنه ما جاء من
الأمر بالأمر بالشيء فقط، بل منه ومن قوله كلما أمرك به فلان فقد أمرتك به.
ومن هذا تعرف أن أمر الله تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم بأخذ المال من الأمة لا يكون أمرًا للأمة بالإعطاء له عليه السلام.
مثاله: قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تظهرهم وتزكيهم بها} ، فإن ذلك لا يكون أمرًا للأمة بإعطاء الصدقة إليه عليه السلام، لأنه لا مساغ في أن يقول السيد لأحد العبدين:"خذ من الآخر كذا"، ويقول للآخر جوزت لك: أن لا تمكنه منه، ولو كان الأمر بالأخذ أمرًا بالإعطاء لعد ذلك مناقضًا كما لو قال: أوجبت عليك الإعطاء، و "جوزت لك أن لا تعطي.
فإن قلت: فقد ناقضت، إذ من مذهبك أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومعلوم أن الأخذ لا يتم إلا بالإعطاء فيكون مقتضاه أن يكون الإعطاء واجبًا، فالقول بعدم وجوبه مع إيجاب الأخذ مناقضة.
قلت: إن كل المراد من الأخذ: "الطلب" فاندفاع التناقض ظاهر، إذ من المعلوم أن الطلب لا يتوقف على الإعطاء.
وإن / (159/ب) كان المراد منه: "التسلم" فهو وإن كان متوقفًا على التسلم لكن لا يتوقف على التسليم الواجب، إذ يجوز أن يوجد ولو بالتسليم المحرم فيكون انتفاؤه منافيًا للتسليم لانتفاء علة وجوده.
سلمنا: ذلك لكن ليس كلما يتوقف عليه الواجب فهو واجب مطلقًا، بل ذلك بشرط أن يكون مقدورًا للمكلف، وفعل الغير غير مقدور له،