الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الخامس
الكلام في العموم والخصوص
وهو مرتب على قسمين:
القسم الأول: في العموم
.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى
في تحديد اللفظ العام
قد ذكروا له حدودا:
أحدها: أنه اللفظة المستغرقة لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد
"فاللفظية" كالجنس فإنه يتناول العام والخاص.
وفيه أيضا: احترازا: عن المعاني العامة، فإن العموم من عوارض الألفاظ في اصطلاح أهل هذا الفن لا نعرف فيه خلافا، وإنما ادخلوا النافية لتخرج عنه الألفاظ المركبة، فإنها وإن كانت لفظا إذ اللفظ يطلق على القليل والكثير لما أنه مصدر في الأصل لكنها ليست عامة لما أنها ليست مفردة.
واحترزوا: بالمستغرق لجميع ما يصلح له: عن التكرار إفرادا وتثنية وجمعا سواء أكانت أسماء عدد أو غيرها، فإن رجلا ورجلين ورجالا مثلا صالح لكل واحد من الرجل والرجلين والرجال، لكنه غير مستغرق للجميع.
واحترزوا: بحسب وضع واحد: عن اللفظ المشترك، أو عن الذي له حقيقة ومجاز.
وقال الإمام: في تعليله: لأن عمومه لا يقتضي أن يتناول مفهوميه معا.
واعلم أن هذا القيد الأخير غير محتاج إليه: أما على رأي من لم يقل بحمل المشترك على مفهوميه معا، لأنه / (200/أ) خرج بقيد الاستغراق، فإنه لا يستغرق جميع ما يصلح له عندهم.
وأما من يقول بذلك: فذكره مفسد للحد، لأنه حينئذ يكون غير جامع، إذ اللفظ المشترك عندهم من جملة الألفاظ العامة، وهو خارج عن الحد بحسب هذا القيد.
نعم: لو ثبت أن من يقول بذلك: أو بعض من يقولك بذلك: فإنه مع ذلك لا يجعله من اللفظ العام كان ذكره محتاجا إليه، إذ لا يخرج بقيد الاستغراق، لكنه باطل.
ويمكن أن يجاب عنه: بأنه تعريف للعام المتواطئ لا مطلق العام، فإن المشترك وإن جوز حمله على مفهوماته، لكنه ليس بحسب وضع واحد، بل بحسب وضعين فيخرج منه ولا يكون ذكره مفسدا للتعريف.
واعترض عليه بوجهين:
أحدهما: أنه عرف العام بالمستغرق، وهما لفظان مترادفان، ثم قال المعترض: وليس المقصود من التعريف شرح اللفظ بلفظ آخر ليجوز ذلك، بل المقصود منه شرح المسمي، إما بالحد الحقيقي أو الرسمي وما ذكره خارج عن القسمين.
وهو ضعيف، لأنه إن زعم أنهما مترادفان، بحسب الاصطلاح فممنوع.
وهذا لأنه لم يثبت أن المستغرق مختص باللفظ في اصطلاحهم بخلاف، العام وإن زعم: إنهما مترادفان بحسب اللغة فلا يضرنا، لأنا أردنا تعريف العام بحسب الاصطلاح المستغرق بحسب اللغة.
وثانيهما: أنه غير مانع، لأنه يدخل فيه قول القائل: ضرب زيد عمرا، فإنه لفظ مستغرق لجميع ما هو صالح له، وليس بعام.
وهو أيضا: ضعيف، أما على ما ذكرنا فلوجهين:
أحدهما: أنه يخرج عنه بسبب التاء التي في اللفظة للإفراد ضرورة أن ما ذكره مركب.
وثانيهما: أنه إن أراد بقوله: فإنه لفظ مستغرق لجميع ما هو صالح له.
إن كل واحد من لفظ زيد وعمر وضرب مستغرق لجميع ما هو صالح فباطل لأن كون اللفظ مستغرقا لجميع ما هو صالح له، مشروطا بأن يكون له فيما هو صالح له تعدد، حتى يعقل فيه الاستغراق، إذ الاستغراق لا يعقل بدون التعدد، وهو غير حاصل في كل واحد من تلك الألفاظ.
وإن أراد به، أن هذا المجموع مستغرق لجميع ما هو صالح له فهو أيضا: باطل، لأن هذا المجموع من حيث هو هذا المجموع غير صالح لغير هذا المجموع، فلا يصدق عليه أنه مستغرق لجميع ما هو صالح له لما تقدم، أن الاستغراق لا يصدق حيث لا تعدد.
وأما على ما ذكره المعترض: فلهذا الوجه الأخير، فإنه ذكر اللفظ في التحديد بغير التاء.
وثانيها: أنه اللفظة الدالة على شيئين فصاعدا من غير حصر.
أما فائدة ذكر: اللفظة، فقد عرفتها.
واحترز: بالدالة / (200/ب) على شيئين:
عن الجمع المنكر، والمثني، والنكرة في معرض الإثبات، فإن الجمع المنكر وإن تناول شيئين فصاعدا من غير حصر، لكن لا على وجه الدلالة بل على وجه الصلاحية.
وأما المثني: فإنه وإن تناول شيئين لكنه من غير زيادة.
وأما النكرة في معرض الإثبات: فلأنها لا تدل على شيئين.
واحترز بقوله: "من غير حصر": عن أسماء العدد.
واعلم: أن هذا غير جامع، لأنه يخرج عنه لفظة المعدومات، وهي عامة عند الجماهير، وهي غير دالة على شيئين على ما عرف من مذهبنا: أن المعدوم ليس بشيء وكذا لفظ "المستحيلات" عامة وهي غير متناولة للشيئين وفاقا.
وثالثها: ما قال الشيخ الغزالي - رحمه الله تعالى - هو اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدا.
قال: واحترزنا بقولنا: من جهة واحدة. عن قولهم: ضرب زيد عمرا.
فإنه وإن دل على شيئين، لكن من جهتين وهما الفاعلية والمفعولية.
وفيه نظر، لأنه إن أراد بهذه الدلالة دلالة لفظ: زيد وعمر، على مسماهما فقد خرج ذلك باللفظ الواحد، لأنهما لفظان، والقيد المذكور ثانيا يجب أن يخرج غير ما أخرج الأول.
وإن أراد بها دلالة لفظ "ضرب" فقط فهو باطل، لأن دلالته على الفاعل والمفعول بالالتزام لا بالمطابقة، ودلالة العام على معناه بالمطابقة لا بالالتزام.
وأيضا: فهو غير جامع وغير مانع.
أما الأول: فيما تقدم.
وأما الثاني: فبألفاظ العدد نحو "المائة و""الألف"، فإن كل واحد منها غير لفظ "الاثنين" ذاك من جهة واحدة على شيئين فصاعدا مع أنها ليست عامة.
ولا يخفى عليك أن ما ذكره - رحمه الله تعالى - يتناول عموم الشمول، وعموم البدل، كالنكرة في الإثبات إذا كان أمرا، لأن ما يدل على شيئين فصاعدا أعم من أن يكون معا أو بطريق البدلية، وأن من يعد هذا القسم أعنى "النكرة في الإثبات" إذا كان أمرا من العموم، فإنه إنما يعده من أقسام عموم البدل لا عموم الشمول.
وإنما نبهنا عليه مع أنه في غاية الظهور لا يحتاج إليه، لأن بعض من اشتهي أن يكون أصوليا ادعى على الشيخ الغزالي - رحمه الله تعالى -: مخالفة بين حده "العام" بما ذكره، وبين حده النكرة في الإثبات إذا كان أمرا عاما زعما منه أن الحد لم يتناوله فإنه لا دلالة لقول القائل:"اعتق رقبة" على شيئين أصلا.
ورابعها: هو ما استغرق جميع ما يصلح له.
وفيه إخلال ذكر اللفظ الذي هو / (201/أ) كالجنس فيكون باطلا.