الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إطلاقه يحمل على أي جزء يراد منه، نعم تعيين حمله على بعض جزئياته خلاف الأصل لا يصار إليه إلا عند قيام الدلالة عليه ونحن لا نوجب حمله على النسخ حتى يلزم خلاف الأصل، بل نجوز والمانع يكفيه الاحتمال والجواز على المستدل الإبطال.
سلمناه: لكن يجب المصير إليه دفعا للتعارض.
تنبيه:
أن ما سبق من الخلاف في أن النهي، هل يفيد الفساد أم [لا].
فإنما هو الفساد بمعني البطلان على ما هو رأينا: إنهما مترادفان، لا بالمعني الذي ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله، فاعرف ذلك.
المسألة الرابعة
[فيما إذا أمر الشارع بشيء مطلقا ثم نهي عن بعض أحواله]
إذا أمر الشارع بشيء مطلقا: ثم نهي عنه في بعض أحواله.
فهل يقتضي ذلك إلحاق شرط المأمور به، حتى يقال: إنه لا يصح بدون ذلك الشرط، وأنه يكون كالنهي عن الشيء لخلل في شرطه الذي عرف
شرطيته، بدليل آخر أم لا؟
اختلفوا فيه: فذهب الشافعي وأصحابه رضي الله عنهم إلى أنه يقتضي ذلك.
وذهب أبو حنيفة، وأصحابه رضي الله عنهم إلى أنه لا يقتضي ذلك، بل يختص النهي بالحال، حتى لو أتاه المكلف بتلك الحالة يكون صحيحا بحسب الأصل، فاسدا بحسب الوصف إن كان ذلك النهي نهي فساد، وأما مجرد النهي عنده لا يدل على الفساد بل على الصحة لما تقدم.
مثاله: أن يأمر بالطواف مطلقا وينهي عن إيقاعه مع الحدث، ويأمر بالصوم وينهي عن إيقاعه في يوم النحر، ويأمر بالبيع وينهي عن إيقاعه
متفاضلا في الربوبات.
وإنما قضى ببطلان صلاة المحدث، لأن الدليل دل على أن الطهارة شرط لصحة الصلاة نحو قوله عليه السلام:"لا صلاة إلا بطهور" ونحو قوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه".
الحديث لا بمجرد الأمر بالصلاة، ثم النهي عنها في حالة الحدث.
ولم يوجد مثله في الطواف، إذ لم يوجد / (198/ب) دليل يدل على أن الطهارة شرط في الطواف.
وعلى هذا قالوا: لو صام يوم النحر عن نذره صح، إذ المنهي عنه هو إيقاع الصوم فيه لا الصوم "فيه لا الصوم" الواقع، ولا يخفى أنهما مفهومان متغايران، فلا يلزم من تحريم الإيقاع تحريم الواقع كالصلاة في الدار المغصوبة، فإنه لا يلزم من تحريم الكون في الدار المغصوبة تحريم نفس الصلاة لما أنه مفهوم مغاير لها.
واعلم: أن في المسألة نظرين:
أحدهما: أن النهي عن إيقاع الشيء على وجه مخصوص نهي فساد، هل هو نهي عن ذلك الشيء نهي فساد حتى يجعل قوله: أوجبت عليك الصوم، وأنهاك عن إيقاعه يوم النحر، نازلا منزلة قوله: أنهاك عن صوم يوم النحر، حتى يكون مضادًا لوجوبه أم لا؟.
والحق ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه، لأنه يفهم قول القائل: أنهاك من إيقاع الصوم في يوم النحر، ما يفهم من قوله:"أنهاك عن صوم النحر" من تحريم صوم يوم النحر.
ولا شك أن هذا مضادا لوجوب صوم يوم النحر، فكذا الأول: ضرورة أنه لا فرق بينهما في كونهما موجبين لتحريم الصوم.
فإن قلت: قضيتم بصحة الصلاة في الدار المغصوبة، وفساد صوم يوم النحر، فما الفرق بينهما؟ فإن كل واحد من الصلاة والصوم مأمور به، وكل واحد من الإيقاع والكون محرم فما الفرق بينهما؟.
قلت: الفرق بينهما ظاهر.
وهو من حيث الإجمال والتفصيل، أما الإجمال: فهو أن الخصم وإن قال: بصحة الصوم في يوم النحر، لكن الصوم المنذور فيه لتعيينه فيه لا غيره من الصيام.
وأما صحة الصلاة في الدار المغصوبة عند القائلين بها، فغير مختص بصلاة دون صلاة، والافتراق في الحكم يوجب الافتراق في الحكمة.
وأما الثاني: فهو أن متعلق النهي في الصلاة الدار المغصوبة أمر أجنبي عن الصلاة لا تعلق له بها، وهو الكون في المغصوب وإن حصل بين الكون المخصوص والصلاة المخصوصة ملازمة بسبب فعل المصلى.
فكأنه قال: صل ولا تلبث في المغصوب، فهو في نهيه غير متعرض
للصلاة بوجه من الوجوه، بخلاف النهي عن إيقاع الصوم في يوم النحر، نحو قوله: عليه السلام: "ألا لا تصوموا في هذه الأيام" فإنه متعرض لصفة الصوم وهي إيقاعه فيه وإيقاعه فيه ليس أمرا آخر غير فعل الصوم فيه.
فإذا كان نهيه موجبا للفساد كان نهي إيقاعه أيضًا موجبا له، فلا يلزم من فساد صوم يوم النحر فساد الصلاة في الدار المغصوبة، على أن ما ذكرنا من الدليل، وهو أن المفهوم من النهي / (199/أ) عن إيقاع الصوم في يوم النحر، عين ما هو المفهوم من نفس النهي عن صوم يوم النحر غير آت في الصلاة في الدار المغصوبة، إذ ليس من النهي عن الغصب أو من النهي عن اللبث في الدار المغصوبة، عين ما هو المفهوم عن الصلاة، حتى يلزم من فساد صوم يوم النحر، فساد الصلاة في الدار المغصوبة.
ولا ينقض ما ذكرنا بالطلاق في حالة الحيض.
لأن متعلق النهي فيه عندنا: ليس هو الطلاق ولا وصفه، بل أمر
خارجي عنه، وهو تطويل العدة، ولحوق الندم عند الشك في الولد.
وكذلك الصلاة في الأماكن السبعة التي ورد النهي عن الصلاة فيها، لأن الدليل دل على أن متعلق النهي فيه ليس وصف الصلاة، بل أمر خارجي على ما عرف تعليل ذلك في الفروع.
وأما النقض بالصلاة في الأوقات المكروة، فقد أشعر كلام الشيخ الغزالي رحمه الله بأن بعض الأصحاب يجيب عنه: بمنع الحكم وبه صرح بعضهم.
وهو غير سديد، لا خلاف في صحة القضاء فيها، وغيره من الصلوات التي لها أسباب.
وإنما الخلاف في انعقاد ما ليس له سبب من الصلوات فلا يمكن منع الحكم مطلقا.
بل الجواب عنه: أن النهي فيه أيضا معروفا عندنا عن أصل الصلاة وصفته إلى أمر خارجي على ما أشعر به الحديث الدال على الكراهة ولم يظهر للشافعي رحمه الله تعالى دليل يصرف النهي عن صفة الصوم في يوم النحر إلى غيره، فلذلك قطع ببطلانه، ولم يرض ما يقوله الحنفية: أنه إنما نهي عنه لما فيه من ترك إجابة دعوة الله بالأكل، لأن الأكل ضد الصوم فكيف يقال: لا تأكل أي: صم، وكل أي: أجب دعوة الله.
والكلام في تحقيق أنه هل وجد فيه دليل صارف أم لا؟
ليس على الأصولي، بل عليه تمهيد القواعد، فإن صح الدليل وجب
صرف النهي عنه وعن وصفته وإلا فلا.
تنبيه:
اعلم أن النهي إنما لم يقتض الفساد عند الشافعي رضي الله عنه إذا كان متعلقة خارجا عن المنهي عنه مجاورا له، وأما إذا لم يكن كذلك فهو مقتض للفساد فيدخل تحته الأقسام الأربعة من النواهي:
أحدها: أن يكون متعلقة عين المنهي عنه.
وثانيها: أن يكون متعلقة جزءه، أو شرطه.
وثالثها: أن يكون متعلقة صفة من صفاته، كما تقدم من المثال.
ورابعها: أن لا يعرف له متعلق من العين أو غيره، فإنه مصروف إلى عين المنهي عنه، بدليل الإضافة إليه.
......................................................................