الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
[في حصول الشرط الشرعي]
الأمر بالشيء الذي لم يحصل شرطه حال ورود الأمر به، جائز عقلاً، وواقع سمعًا عندنا، وبعض الحنفية، وعند أكثر المعتزلة وهو كتكليف الكفار بفروع الإسلام.
وذهب أبو حنيفة، وأكثر أصحابه، والشيخ أو حامد الإسفراييني
منا، والقاضي عبد الجبار من المعتزلة رحمهم الله إلى امتناعه.
ومنهم من فصل بين الجواز والوقوع، فقال: بجوازه دون وقوعه.
ومنهم: فصل بين الأوامر والنواهي والمعاملات، فقال: إنهم مخاطبون بالنواهي والمعاملات، دون الأوامر.
لنا: على الجواز العقلي وجهان:
أحدهما: أنه لو كان مستحيلاً عقلاً، فإما: أن تعرف استحالته بضرورة العقل. وهو باطل.
أما أولاً: فلكونه مختلفًا فيه بين الجم الغفير من العقلاء.
وأما ثانيًا: فلمساعدة الخصم عليه، فإنه وإن قال: باستحالته، لكن بنظر العقل لا بضرورته.
وإما بنظرة: وهو أيضًا باطل، لأنا نعلم بالضرورة أنه لا امتناع في قول السيد لعبده: أمرتك بصعود السطح بعد إيجاد السلم ونصبه، وأمرتك بهما مقدمًا عليه، وكذلك في قول الشارع للمكلف، أمرتك بالصلوات [الخمس] بعد الإتيان بالإيمان، وأمرتك به قبلها، ولو كان امتناعه معلومًا بنظر العقل لم يكن عدم امتناعه معلومًا بالضرورة.
وثانيهما: أن الكافر أهل للتكليف، لأنه عاقل بالغ متمكن من فعل المأمور به.
ولهذا كان مكلفًا بالإيمان إجماعًا، فيصح أن يكون مكلفًا بالفروع
لحصول الأهلية، وعدم حصول الإيمان حالة الأمر غير مانع من التكليف بها، وإن كان حصوله شرطًا لصحة فعلها، لكون الإتيان به أولاً ممكن.
وأما على الوقوع فوجوه:
أحدها: قوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة} .
ووجه الاستدلال به: أن الضمير في قوله: {وما أمروا} راجع إلى المذكورين في أول السورة، وهم الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، و "الواو" بمطلق الجمع ليس لها دلالة على الترتيب والتراخي، إلا أن تكون بمعني "ثم" كما أن "ثم" قد تكون بمعناها لكنه مجاز، وأنه خلاف الأصل، وحينئذ تكون الآية دالة على أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين مأمورون بعبادة الله تعالى على وجه / (177/ب) الإخلاص، وبإقامة الصلاة وبإيتاء الزكاة وذلك يفيد المطلوب.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أنه يفيد المطلوب، وهذا لأن الأمر بالتوحيد والإيمان، إما أن يكون داخلاً في هذه الأشياء بناء على أن قوله تعالى:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله} دال عليه، إذ العبادة قد جاءت بمعني التوحيد، قال الله تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أو لا يكون
داخلاً فيها.
فإن كان الأول: فليس في الآية دلالة على أنهم أمروا بالتوحيد والإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة معًا حتى يفيد المطلوب، فإن "الواو" ليس للجمع بصفة المعية، بل لمطلق الجمع وهو أعم منه ومن الجمع بصفة الترتيب، والدال على القدر المشترك بين الصورتين ليس فيه دلالة على ما يميز أحديهما عن الآخر، فجاء أن يكون الأمر بها على صفة الترتيب، ولا يجوز حمله على العموم، إذ ليس فيه ما يدل عليه، وبتقدير أن يكون فيه ما يدل عليه لا يجوز حمله عليه أيضًا، لأن حكاية الحال لا تفيد العموم ولا على عموم أمر الله، فإن تقدير ذلك يفيد المطلوب أيضًا على ما لا يخفى تقريره عليك، لأن أمرهم كان واقعًا على نمط واحد فلا يجوز حمله على غيره.
وإن لم يكن داخلاً فيها فهذا مع كونه باطلاً، لأنه يقتضي أن لا يكونوا مأمورين بالإيمان، إذ الآية تدل على حصر المأمور به لهم في الأشياء المذكورة، وهو باطل إجماعًا، إذ لا خلاف في أنهم مأمورون بالإيمان. و [إنما] النزاع في أن تقديمه هل هو شرط في الأمر بغيره من العبادات أم لا.
فالمقصود أيضًا غير حاصل، إذ ليس في الآية دلالة إلا على أنهم أمروا بهذه الأشياء، وأمرهم بها أعم من أن يكون بشرط تقديم الإيمان أولاً بهذا الشرط، والدال على العام غير دال على الخاص، فليس فيه دلالة على أنهم أمروا بالأشياء المذكورة من غير شريطة تقدم الإيمان.
ولا يقال: لو كان مشروطًا به لذكره لمسيس الحاجة إليه وإزالة اللبس، لأن ذلك إنما يجب فيما قصد فيه بيان الشرع لا في الأخبار.
ويمكن أن يجاب عنه بأن الآية وإن دلت على أنهم أمروا بهذه الأشياء، من غير بيان شريطة كون البعض متقدمًا على البعض، "لكن الأصل عدم اشتراطه فيلزم من مجموعهما أنهم أمروا بهذه / (178/أ) الأشياء من غير اشتراط كون البعض متقدمًا على البعض"، وذلك هو المطلوب.
وثانيها: قوله تعالى: {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين} .... الآية.
وهذا يدل على أنهم معاقبون على ترك الصلاة، وترك إطعام المسكين، لأنه لو لم يكونوا مأمورين بهما لم يكونوا معذبين على تركهما، إذ ما ليس بواجب لا عقاب على تركه، ولا مدخل له أيضًا في تغليظ العقاب، فإن التغليظ نوع من العقاب أيضًا فلا يحسن ذكره في مستند العقاب.
وهذا وإن كان حكاية قول الكفار، لكن لما لم يكذبهم الله تعالى فيه مع عدم استقلال العقل بمعرفته دل على أنه حق وصدق بخلاف قوله تعالى:{والله ربنا ما كنا مشركين} [وقوله]{ما كنا نعمل من سوء} ، وقوله:{[يوم يبعثهم] [الله جميعًا] فيحلفون له كما يحلفون لكم} فإنه لم يكذبهم فيه لما أن العقل مستقل بمعرفته كذبهم فيه، ولا يجوز
حمل المصلين على المؤمنين، كما في قوله عليه السلام:"نهيت عن قتل المصلين"، وكما في قولهم قال:"أهل الصلاة"، والمراد المسلمون
فإن بتقدير ذلك لا يحصل المقصود، لأنه مجاز لا يصار إليه إلا عند قيام الدلالة عليه، وهو مقصود إذ الأصل عدم ذلك الدليل.
وكون أهل الكتاب من جملة القائلين بهذا القول: مع أنهم كانوا يصلون ويتصدقون ويؤمنون بالغيب لا يصلح دليلاً عليه، لأن الصلاة حقيقة في الأفعال المخصوصة والأركان المعلومة التي في شرعنا، وهي ما كانت حاصلة في شرعهم، فيصدق في حقهم أنهم لم يكونوا من المصلين، ولما لم يكن إيمانهم بالغيب على وجه الذي ينبغي لا جرم يصدق في حقهم أيضًا أنهم يكذبون بيوم الدين، ولئن جوزنا هذا الحمل والتأويل.
فما الحيلة في دفع قوله: {ولم نك نطعم المسكين} ولا يجوز إحالة التعذيب إلى التكذيب بيوم الدين، وإن كان سببًا مستقلاً له، ومع أن إضافة الأثر إلى السبب المستقل أولى، لأنه لم يبق حينئذ في ذكر غيره من القيود فائدة، والتكذيب بيوم الدين، وإن كان سببًا مستقلاً لمطلق التعذيب، لكن ليس سببًا مستقلاً بتعذيب مخصوص حاصل بسبب ترك مجموع الأمور المذكورة، فلم يلزم انخرام تلك القاعدة.
وحمل {لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين} على لم نك من المقرين بوجوب فعل الصلاة والإطعام وإن كان مجازًا ظاهرًا من حيث إن عدم الإقرار بالوجوب سبب للترك، كما أن / (178/ب) الإقرار بالوجوب سبب للفعل خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا عند تعذر الحمل على الحقيقة، وقيام الدلالة على إرادته وحصولها غير مسلم فيما نحن فيه، وتخصيص القضية
بالمرتدين، يوجب تخصيص المجرمين الذي هو عام في جميع الكفار، أو تخصيص الضمير العائد إليه بهم، من غير دليل وأنه غير جائز.
وثالثها: قوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى} .
ووجه الاستدلال به: أنه ذمهم على ترك الصدقة والصلاة، ولو لم يكونا واجبين عليهم لما ذمهم على تركهما.
ورابعها: قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} ، وقوله تعالى:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} .
والكافر إنسان فيكون داخلاً فيه، وإلا لزم التخصيص، وأنه خلاف الأصل فيكون الكافر مأمورًا بالعبادة وبحج البيت وذلك هو المطلوب.
وخامسها: قوله تعالى: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} وترتيب الويل على عدم إيتاء الزكاة مشعر بعكسه، وإنما يكون ترك الزكاة علة استحقاق الويل إن لو كانت الزكاة واجبة عليهم.
واتفاق الكل على أن المراد من الزكاة في هذه الآية كلمة التوحيد ممنوع.
وسادسها: قول الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر} إلى قوله تعالى: {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} .
ووجه الاستدلال به أنه حكم بمضاعفة العذاب على من فعل مجموع الأمور المذكورة في الآية، ولا شك أن فيها بعض فروع الإيمان، فلو لم يكن ذلك البعض منهيًا عنه بالنسبة إلى الكافر كان تركه سببًا لمضاعفة العذاب.
وهذا النص إنما يكون حجة على نفي التكليف عنهم بالفروع مطلقًا، فأما من أثبت ذلك في المناهي دون الأوامر فلا.
وسابعها: أنا أجمعنا أن الدهري مأمور بتصديق الرسول، مع أنه لا يمكن الإتيان به إلا بعد الاعتراف بوجود الصانع لما أنه متمكن من تحصيل العلم به.
وكذا المحدث مأمور بالصلاة حالة الحدث لما سبق من الإجماع، ولأنه لو لم يكن كذلك لوجب ألا يستحق الذم من ترك الطهارة والصلاة إلا على
ترك الطهارة، ضرورة عدم توجه التكليف بالصلاة قبل حصولها، بل لا يستحقه على تركها أيضًا عندما يترك ما يتوقف عليه الطهارة، ضرورة أن الطهارة غير واجبة عليه إذ ذاك، لكنه باطل بالإجماع، وإنما كان كذلك، لأنه متمكن من تحصيل الطهارة أولاً، والكافر متمكن من تحصيل الإيمان أولاً - أيضًا - فعدم / (179/أ) حصوله لا يكون مانعًا من التكليف بفروعه، كما في الدهرى والمحدث من غير فرق.
وثامنها: الكافر يتناوله النهي فوجب أن يتناوله الأمر.
أما الأول: فلمساعدة الخصم عليه، وهذا على رأي من يفصل بين الأوامر والنواهي في التناول.
وأما على رأي من يفصل فاستدل عليه بأنه يحد على الزنا وذلك يدل على أنه يتناوله النهي، فإنه لو لم يكن متناولاً له لم يثبت تحريمه في حقه، إذ التحريم والإيجاب وسائر أحكام الشرع فرع تناول الخطاب (وإذا لم يكن محرمًا بالنسبة إليه لا يحد عليه أو لا حد على فعل ما ليس بمحرم عندهم) وإن كان محرمًا عندنا كما في شرب الخمر، ومن هذا تعرف سقوط ما يقال أنه "إنما" يحد، لأنه التزم أحكامنا، لأن من جملة أحكامنا أن لا يحد على فعل ما ليس بمحرم عندهم، وإن كان محرمًا عندنا كما في شرب الخمر.
وأما الثاني: فلأن النهي إنما يتناوله تحصيلاً للمصلحة الحاصلة بسبب الاحتراز عن المنهي عنه لمكان المناسبة والاقتران، فوجب أن يتناوله الأمر
تحصيلاً للمصلحة الحاصلة بسبب الإقدام على المأمورية.
وفرق بينهما: بأن الانتهاء عن المنهيات مع الكفر ممكن، وأما الإتيان بالمأمور به معه غير ممكن.
وأجيب عنه: بأن الانتهاء عن المنهي عنه لغرض امتثال قول الشارع غير ممكن معه، وإن لم يعتبر قصد الامتثال فالانتهاء والإتيان كلاهما مع الكفر ممكنان فلا يحصل بينهما فرق من هذا الوجه.
ولقائل أن يقول: هب أنهما لا يفترقان في انه يمتنع صدور قصد الامتثال فيهما من الكافر، ولا في كونهما ممكنين منه بدون قصد الامتثال فيهما، لكنهما يفترقان في اشتراطه وفاقا، فإن قصد الامتثال الذي هو عبارة عن النية يشترط في الإتيان بالمأمور به كالصلاة والزكاة، ولهذا لا يقع كل واحد منهما معتدًا بدون النية، لأنه يعاقب على فعله بدون النية كما يعاقب على تركه، ولا نعني بكونه غير معتد به سوى هذا.
بخلاف الانتهاء عن المناهي كالزنا والسرقة، فإنه لا يشترط فيها قصد الامتثال، ولذلك يقع الانتهاء عنها معتدًا به بدونه والمعني من كونه معتدًا به أنه لا يستحق على ذلك عقابا، كما لا يستحقه على الانتهاء مع قصد الامتثال وإن كان يختص / (179/ب) هذا بأنه يستحق فيه الثواب دون الأول، ولو كان الانتهاء عنها غير معتد به بدون قصد الامتثال لا يستحق العقاب عليه، كما يستحقه على فعلها.
وعند هذا الفرق نقول: لم يلزم من عدم جواز تكليف الكافر بما هو
مشروط بشيء يمتنع صدوره منه عدم جواز تكليفه بما هو غير مشروط به، وإن كان ممتنع الصدور منه، فلا يكون ما ذكروه قادحًا في الفرق.
واحتجوا بوجوه:
أحدها: لو وجبت الصلاة على الكافر مثلاً، فإما أن تجب عليه بناء على أنه يجب أداؤها حال الكفر أو بعده، إذ وجوب الشيء من غير أن يجب فعله أصلاً غير معقول.
والأول: باطل، لأن أداء الصلاة حال الكفر، ممتنع والتكليف بالممتنع ممتنع، أو وإن لم يكن ممتنعًا، لكنه باطل وفاقا.
إذ القائل بتكليف الكافر بالفروع: لم يقل أنه تكليف بالممتنع، فالقول بأن تكليف الكافر بالفروع تكليف بالممتنع قول لم يقل به أحد، فيكون باطلاً.
والثاني أيضًا: باطل لانعقاد الإجماع على أن الكافر لا يؤثر بعد الإسلام بقضاء ما فاته من الصلوات حال الكفر، وإذا بطل القول بالوجوب حال الكفر وبعده، بطل القول بأصل الوجوب لاستحالة أن يكون له وقت غيرهما.
وثانيها: لو وجبت الصلاة على الكافر في حال الكفر لوجب عليه قضاؤها، أو ما يسد مسدها، إذا فات عن الوقت وزال المانع من الأداء وهو الكفر إلحاقاً للفرد بالأعم والأغلب، وقياسًا على المسلم والجامع استدراك المصلحة المتعلقة بالعبادة الفائتة لكن لا يجب قضاؤها إجماعًا، فلا تكون
واجبة عليه حال الكفر.
وثالثها: أن التكليف بالصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات نوع من الإكرام والإعظام أو بواسطة يستحق المكلف القربة والمثوبة العظيمة، قال عليه السلام:"لن يتقرب المتقربون مثل تقربهم بأداء ما افترض عليهم" والكافر ليس أهلاً لذلك، لأنه مستحق الإهانة والإبعاد، وبإبعاد المستخف والمهان عن الخدمة جرت العادة والعرف، فإن الملك والسيد الكبير لا يرضي أن يأمر كل خسيس بخدمته لاسيما خدمة من يستحق بسببها القربة العظيمة، بل الخادم الشريف إذا غضب السيد عليه طرده عن حضرته وبعده عن خدمته، ويرى الناس ذلك في إهانته أكثر من الضرب والشتم، وإذا كان كذلك / (180/أ) لا يليق بالحكمة أن يؤهله لذلك إلا إذا تأهل له بنوع من الكرامة والمنقبة، وهو الإيمان، فقبله لا يتوجه التكليف إليه ألبتة.
الجواب عن الأول والثاني من وجهين:
أحدهما: أنه ليس المعني من قولنا: الكفار مخاطبون بفروع الشرائع أنه يجب عليهم فعلها في حال الكفر أو بعده، بل المعني منه أنهم يعاقبون على تركها يوم القيامة، كما يعاقبون على ترك الإيمان، ومعلوم أن ما ذكرتموه لا ينفيه، فلا يكون معارضًا لما ذكرنا من الأدلة الدالة على وقوع التكليف بهذا المعني.
وثانيهما: أنا نقول مقتضى الدليل والقياس أنه يجب القضاء بعد زوال الكفر وفوات الوقت، فيكون الإيجاب في حال الكفر يعتمد على أنه يجب عليه أداؤها بعد زوال الكفر إن صادف شيئًا من الوقت، وإلا فقضاؤها، لكن الإجماع انعقد على أنه لا يجب عليه القضاء بعد الإسلام، لقوله تعالى:{إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} . ولقوله عليه السلام: "الإسلام يجب ما قبله". ولما أن في إيجاب القضاء تنفيرًا له عن الإسلام، فكذلك لم
يجب القضاء، وترك مقتضي الدليل لدليل أقوى منه غير بدع من العمل.
هذا إذا قلنا: بأن القضاء يجب بالأمر الأول أو بطريق القياس على ما هو
رأي الشيخ أبي زيد الديوسي رحمه الله.
أما إذا قلنا بأن القضاء بالأمر الجديد فنمنع الملازمة في الثاني، وهذا لأن القضاء على هذا التقدير يعتمد على الأمر الجديد وهو غير وارد فيما نحن فيه، بل ورد ما يدل على الإسقاط، وهو ما تلونا من النص فلا يلزم من وجوب الصلاة على الكافر في حال الكفر وجوب قضائها بعد زوال الكفر وفوات الوقت.
وعلى هذا نقول في الدليل الأول: أنه يجب عليه الصلاة بناء على أنه يجب فعلها بعد زوال الكفر إن صادف الوقت، وإلا فيجب القضاء إن ورد أمر جديد وإلا فلا.
وعن الثالث: أن التكليف بالإيمان والتمكين من تحصيله أعظم أنواع الكرامات وأشرف الحرمات، فإن كان كل كرامة يستحق لكرامة أخرى فبماذا يستحق الكافر هذه الكرامة.