الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعلى هذا الأمر بالجنس لا يكون أمرًا بشيء من أنواعه ألبتة.
نعم: لو دلت القرينة الحالية أو المقالية على تعيين بعض تلك الجزئيات حمل اللفظ عليه، وتعين فعله على المكلف ولا يخير في فعل تلك الجزئيات أيها أراد فعل، لأنه لابد من تكوين الماهية وهي لا تحصل في الخارج إلا في ضمن جزئي، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ففعل جزئي واجب وليس البعض أولى من البعض وإيجاب فعل الكل لو أمكن إيجاب من غير دليل فلم يبق إلا التخيير.
مثال الأول: قول الموكل لوكيله: يعني مطلقًا من غير قيد فإنه يملك البيع بثمن المثل ولا يتخير بينه وبين البيع بالغبن الفاحش، ولأن القرينة العرفية دلت على الرضا به دون البيع [بالغبن] الفاحش.
ومثال الثاني: إذا قال الشارع: أعتق رقبة فإنه يتخير في إعتاق الرقاب السليمة، إذ لا قرينة تعين بعض الرقاب.
المسألة الثامنة عشرة
[في أن الآمر هل يدخل تحت الأمر أم لا
؟]
هذا الباب يشتمل على مسائل لابد من تفصيلها / (160/أ) حتى تتلخص صورة النزاع.
فأولها: أنه لا نزاع في جواز أن يقول الإنسان لنفسه "افعل" مع أنه يريد ذلك الفعل من نفسه.
وثانيها: أن من المعلوم أن ذلك لا يسمى أمرًا على رأي من شرط فيه
العلو والاستعلاء.
وأما على رأي من لم يشترط ذلك، فيحتمل أن يقال: إنه لا يسميه أمرًا أيضًا، لأن العلو والاستعلاء وإن لم يكن معتبرًا عنده، لكن المغايرة بين الأمر والأمور معتبرة عنده، وهي مفقودة هاهنا، فوجب أن لا يسمي أمرًا، أما إن لم نعتبر هذا فيجب أن نسميه أمرًا لتحقق حده وحقيقته، لكنه بعيد.
وثالثها: أنه هل يحسن ذلك أم لا؟.
والحق لا، لأن فائدة الأمر إعلام الغير بأن الآمر طالب للفعل ولا فائدة في إعلام الرجل نفسه.
ورابعها: أن يأمر الإنسان عبده بأمر خاص به بحيث لا يتناوله، فمن المعلوم أن الآمر غير داخل تحت الأمر سواء كان ذلك أمر نفسه كقوله: أأمركم بكذا، أو ينقل أمر غيره بعبارته كقوله: إن فلانًا يأمركم بكذا، أو بعبارته كقوله: إن الله يأمركم أيتها الأمة بكذا، إذ في العرف لا يتناول الأمة
النهي
وخامسها: أن يأمر بأمر الغير بلفظ يتناوله، فالظاهر أنه لا نزاع في هذه الصورة في أنه يدخل تحت الأمر، سواء كان ذلك الأمر كلام الغير كما إذا تلي النبي عليه السلام على الأمة:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه} أو نقل أمره بكلام نفسه كقوله: إن الله تعالى يأمركم بكذا.
وسادسها: أن يأمر بأمر نفسه بلفظ يتناوله كقوله: أيها الناس، أو أيها المؤمنون افعلوا كذا فالأقرب أن هذا هو محل النزاع.
فالأكثرون على أنه يدخل، نظرًا لعموم اللفظ، فإن كونه أمرًا لا يصلح معارضًا له.
ولهذا دخل عليه السلام في كثير من أوامره نحو قوله عليه السلام: "إلا من لم يأكل فليصمه ومن أكل فليمسك بقية نهاره".
وقوله: "من قرن الحج إلى العمرة فليطف بهما طوافًا واحدًا" عند من
يقوله به.
وقوله: "من استجمر فليوتر".
وقوله: "من أفطر في نهار رمضان فعليه ما على المظاهر".
فإن قلت: قد اعترفت فيما تقدم أنه يشترط في الأمر العلو أو الاستعلاء، أو المغايرة، فلو كان مأمورًا بأمر نفسه لزم وجود المشروط بدون الشرط وهو محال.
قلت: لا نسلم لزوم ما ذكرتم من المحال، وهذا لأن المأمور بلفظه العام عليه السلام، هو مجموع تلك الأفراد باعتبار كل واحد منها، ومن المعلوم أنه مغاير للأمر / (160/ب)، وحينئذ يتحقق الاستعلاء والعلو أيضًا، ولو اعتبر ذلك بالنسبة لكل واحد من المأمورين وألزم ذلك فذلك غير مسلم، وهذا لأنه يجوز "أن يثبت للمسمى حكمًا ضمنًا ولا يثبت ذلك بطريق الاستقلال ونظائره كثيرة لا تخفى على العاقل وأيضًا فإنه يجوز" أن يدخل تحت خطابه الخبري كقوله تعالى:{والله بكل شيء عليم} ، وكقوله عليه السلام:"لن ينجو أحد بعمله"، ولهذا قيل له عليه السلام:(ولا أنت يا رسول الله) وقرينة كونه مخاطبًا لا يخصصه فكذا هاهنا.
ومنهم من قال: لا يدخل الآمر تحت أمره:
واحتج عليه: بأن شرط الأمر مفقود في حقه، وهو أحد ما ذكرنا من الأمور الثلاثة، فوجب أن لا يجوز أن يكون أمرًا لنفسه، كما لا يجوز أن يكون آمرًا لنفسه بأمر خاص.
وجوابه: منع فقد الشرط وقد عرفت سنده والشيء قد يثبت ضمنًا ولا يثبت استقلالاً.