الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذ قد عرفت ما ذكرنا: عرفت أن الحد الأول مما لا بأس فيه، ولكن بعد حذف القيد الأخير، وأنه حد عموم الشمول، دون حد عموم البدل ظاهرا، إذ الاستغراق غير مستعمل فيه، وهذا يصلح أن يكون فرقا بين العام والمستغرق بحسب اللغة.
وأن الحد الثاني: بتقدير صحته يتناول عموم الشمول والبدل، لما تقدم من الدلالة على شيئين أعم من أن يكون بطريق الشمول أو بطريق البدلية، فإن أردت تصحيحه فأبدل "الشيئين""بمسميين"، وإن أردت أن تختص بعموم للشمول فزد بعد "معا" ولا حاجة إلى قيد "أن يكون بحسب وضع واحد" لأن المشترك وما له حقيقة ومجاز عموم على رأي الجماهير أيضا لكن بطريق البدلية، ولا يخفى عليك تصحيح الثالث والرابع مما تقدم.
المسألة الثانية
[هل العموم من خواص الألفاظ في الاصطلاح واللغة أو لا
؟]
لا نعرف خلافا في أن العموم من خواص الألفاظ، بحسب اصطلاح أهل هذا الفن، وهذا فإن الأصولي إذا أطلق لفظ العام لم يفهم منه إلا اللفظ.
واختلفوا: في أنه هل هو من خواصه بحسب اللغة أم لا؟
فذهب الجمهور إلى أنه من خواصه بحسب اللغة أيضا وأنه لا عموم في المعاني.
وذهب الباقون: إلى أنه ليس من خواصه، بل يعرض للمعاني كما يعرض للفظ.
محتجين بأن العرب قد وصفت المعاني بالعموم حيث قالت: عمهم الخصب، والمطر، والخير، وعمهم القحط.
وتقول: أيضا عم الملك الناس بالعطا والإحسان، ويقال: الوجود يعم العرض والجوهر، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
أجاب الأكثرون عنه بأن تلك الاستعمالات مجازات، لأن العموم غير
متصور فيها، لأن العموم إنما يتصور فيما يكون متحدا مع اتحاده يكون شاملا لأمور عديدة، وذلك فيما ذكروه من الصور غير متصور، لأن المطر المختص بأرض قوم غير الذي اختص بأرض الآخرين، وكذلك الخصب الموجود في بلد غير الخصب الذي في البلد الآخر، وكذا العطا المختص لشخص غير المختص بالآخر، وكذا وجود السواد غير وجود البياض، وليس في الوجود وجود واحد يشملها، بخلاف الرجال مثلا، فإنه لفظ واحد يشتمل جميع من سمى بالرجل، وإذا كان كذلك تعين أن يكون الاستعمال مجازا ووجه التجوز المشابهة، فإن مثل الشيء كثيرا ما يشتبه بالشيء.
واعلم أن هذا الجواب غاية ما يقتضيه / (201/ب) أن لا يثبت بذلك الاستعمال مذهب الخصم، لكن لا يلزم منه إبطال كون العموم من عوارض المعاني أيضا، فإنه لا يلزم من عدم تصور اتصاف بعض المعاني بالعموم عدم تصور اتصاف مطلق المعاني بذلك، كما لا يلزم من عدم تصور اتصاف بعض الأسامي كأسماء الأعلام بذلك، عدم تصور اتصاف مطلق الأسامي بذلك، والنافي يجب عليه أن يذكر على النفي دليلا ولا يكفيه القدح في دليل المثبت، فإن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول.
ومما تقدم يعرف ضعف استدلالهم، وهو أنه لو كان حقيقة في المعنى لا
طرد ولكنه غير مطرد، فإن المعاني الجزئية نحو الفعل المخصوص غير موصوفة بكونها عامة ألبتة، ويمكن أن يتمسك بالأصل بعد القدح في الدليل، وهو أن كان دليلا عاما لكن لا بأس به في هذا المصنف.
واعلم أن الحق: هو التفصيل، بين المعاني الموجودة في الخارج، وبين المعاني الكلية الموجودة في الأذهان.
فإن عنوا بقولهم: المعاني غير موصوفة بالعموم، المعاني الموجودة في الخارج، فهو حق، لأن كل ماله وجود في الخارج، فإنه لابد وأن يكون متخصصا بمحل وحال مخصوص ومتخصصا بعوارض لا توجد في غيره، وعند ذلك يستحيل أن يكون شاملا لأمور عديدة.
وإن عنوا به: مطلق المعاني سواء كانت ذهنية أو خارجية.
فهو باطل، فإن المعاني الكلية الذهنية عامة بمعني إنها معني واحد متناول لأمور كثيرة، ولا يجرى هذا التفصيل في اللفظ إذ اللفظ لا وجود له في الخارج، وأما تخصيص وجوده باللسان لا يمنع من حمله ودلالته على كل مسمياته.
تنبيه:
اعلم أن اللفظ الدال على تلك الماهية الكلية فقط من غير أن يدل على شيء