الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة المريض
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن قدرت أن تسجد على الأرض؛ فاسجد وإلا فأومئ برأ سك").
قال السروجي: روى جابر بن عبد الله "أن النبي صلي الله عليه وسلم عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه؛ فأخذه فرمى به، وقال: صل على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك". ذكره البيهقي في سننه الكبير انتهى.
وقال أبو حاتم: في رفعة هذا خطأ، إنما هو عن جابر قوله:"أنه دخل على مريض". وكأنه نقل بالمعنى، وزيد فيه "برأسك".
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "يصلي المريض قائما فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى قفاه، يومئ إيماءً فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه").
لا أصل لهذا في كتب الحديث.
قال ابن التركماني: وللبيهقي عن نافع عن ابن عمر قال: "يصلي المريض مستلقياً على قفاه تلي قدماه القبلة". ولم أره مرفوعاً.
قوله: (إلا أن الأول أولى) إلى آخره.
يعني أن صلاته مستلقياً أولى من صلاته على جنبة لما ذكره من المعنى وفية نظر والعكس أولى، وهو رواية عن أبي حنيفة واختارها بعض أصحابه، لحديث عمران بن حصين:"صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك"، رواه البخاري وأبو داود، وابن ماجه. ورواه النسائي وزاد بعد: "فإن لم تستطع فعلى جنب فإن لم تستطع،
فمستلقياً، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها". وظاهره أنه لا يجوز صلاته على قفاه إلا إذا لم يستطع الصلاة على جنبة، وهو اختيار ابن المنذر.
وما ذكره الشيخ من المعنى يعارضه أن مد الرجلين إلى الشيء فيه إهانة له، ولهذا يكره أن يمد رجليه إلى الكعبة في غير الصلاة حالة العذر والى المصحف، ومد الرجلين إلى الرجل الكبير المعظم يعد من قلة الأدب.
قوله: (فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخرت الصلاة عنه ولا يومئ بعينه، ولا بقلبه، ولا بحاجبيه خلافاً لزفر لما رويناه من قبل).
وفي قوله: (أخرت الصلاة عنه) نظر، لأن ظاهره أن الشارع أخرها عنه وليس كذلك، ويشير بقوله: لما روينا إلى قوله: فيما رواه في أوائل الباب: "وإلا فأومئ برأسك"، ولم يرد ذكر الرأس في حديث مرفوع ثابت، وإنما [في] حديث جابر:"وإلا فأومئ إيماء". وإنما جاء ذكر الرأس في الإيماء عن ابن عمر.
قال البيهقي: وقد روي ذلك مرفوعا وليس بشيء. وقد قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، وقال عليه السلام: {وما أمرتكم به فافعلوا
منه ما استطعتم"، أخرجاه في "الصحيحين". فيظهر قوة قول زفر في الإيماء بالعين والقلب، والحاجب، وهو مروي عن أبي يوسف أيضاً كما هو مذهب الأئمة الثلاثة؛ فإنه استطاعة مثله، وليس فيه نصب الأبدال بالرأي بل بإطلاق النص؛ فإن تقييد الإيماء بالرأس لم يثبت مرفوعاً كما تقدم، والمأمور به إقامة الصلاة في وقتها بحسب الاستطاعة لا خارج الوقت.
قوله: (وإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزمه القيام، ويصلي قاعداً يومئ إيماء، لأن ركنية القيام للتوصل به إلى السجدة لما فيه من نهاية التعظيم، وإذا كان / لا يتعقبه السجود لا يكون ركناً؛ فيتخير والأفضل هو الإيماء قاعداً لأنه أشبه بالسجود).
فيه نظر في مواضع، أحدها: قوله: (ولم يلزمه القيام)؛ فإنه يرد عليه قوله عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب"، أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي.
وزاد النسائي: "فإن لم تستطع فمستلقياً، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها". وهذا مستطيع للقيام فيجب عليه بالنص؛ فإن النص غير مقيد بالقدرة علي الركوع والسجود، وهو قول زفر والأئمة الثلاثة.
الموضع الثاني: قوله: (لأن ركنية القيام يتوسل به إلى السجدة)؛ فإن ذلك غير مسلم، بل القيام ركن مستقل مراد لذاته، وترتيب الركوع عليه، وفي ترتيب السجود على الركوع رعاية حسن الترتيب، فلا يخرج بذلك عن أن يراد لنفسه، وإن كان السجود أبلغ منه في التعظيم لكن لا يلزم منه أنه لم يشرع إلا للتوسل به إلى السجود، بل هذا القول مجرد الدعوى. وقوله:(لما فيه من نهاية التعظيم) لا يدل على أن القيام وسيلة غير مقصود.
الموضع الثالث: قوله: (وإذا كان لا يتعقبه السجود لا يكون ركناً)؛ فإن هذا القول مجرد دعوى يكفي في جوابها المنع، ويردها أن القيام مشروع في صلاة الجنازة وإن لم يتعقبه ركوع ولا سجود، بل قال: لو لم يرفع رأسه من الركوع لصحت صلاته على قول أبي حنيفة ومحمد.
الموضع الرابع: قوله: (والأفضل هو الإيماء قاعداً لأنه أشبه بالسجود)؛ فإنه لا يلزم منه ترك القيام بل يقوم ثم إذا جاء أوان السجود قعد وأومأ بالسجود من تعود.
وقوله: (وله أن الغالب فيها دوران الرأس وهو كالمتحقق).
فيه إشكال؛ وهو أن دوران الرأس بسبب ركوب السفينة يكون في بعض الناس دون البعض، فإن من الناس من لا يتأثر لركوب السفينة فلم يكن مظنة تصلح أن يدار الحكم إليها، كالنوم والسفر.
وإذا لم يكن المس بشهوة ناقضاً للوضوء عنده مع كونه مظنة خروج المذي، فإذ كل فحل يمذي، وأدار الحكم هناك على خروج المذي حقيقة لا على مظنته فهاهنا أولى أن يدار الحكم على حقيقة دوران الرأس أو على غلبة الظن. وقد قال عليه الصلاة والسلام: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً
…
" الحديث، أخرجه البخاري وغيره. وهذا مستطيع القيام فلا يجوز له أن يصلي قاعداً.
وقد روى الدارقطني، والحاكم، أبو عبد الله النيسابوري "أن النبي صلي الله عليه وسلم سئل كيف أصلي في السفينة؟ قال: صلِّ قائماً إلا أن تخاف الغرق". وقال الحاكم: علي شرط مسلم.
وذكر الدارقطني أن السائل جعفر بن أبي طالب لما هاجر إلى الحبشة.