الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في القراءة
قوله: (والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار).
قال السرخسي رحمه الله: هذا ضعيف؛ فإنه عليه الصلاة والسلام لم ينقل عنه الاكتفاء بالقراءة في ركعة واحدة في شيء من الصلوات، ولو جاز ذلك لفعله مرة تعليمًا للجواز.
قال السروجي: تضعيفه ضعيف؛ فإنه عليه الصلاة والسلام لم ينقل أيضًا عنه أنه اكتفى بالقراءة في الركعتين من ذوات الأربع والثلاث على وجه يصح، ومع هذا لا يجب فيما عدا الركعتين، وهو موافق للقياس والأصول. انتهى.
وتضعيف السروجي تضعيف السرخسي إنما يتم إذا كان يقول بالاكتفاء بالقراءة في الركعتين، وإن التزم القراءة في كل ركعة يسلم قوله من تضعيف السروجي؛ فإن الله تعالى أمر بالركع والسجود ومع هذا يتكرر مع كل ركعة.
وقد أجيب عن هذا الإشكال بجواب عجيب، وهو أنه عليه السلام بينها في الركعات كلها، وقال في القراءة: "القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين،
وخير بين أن يقرأ ويسبح أو يسكت في الأخريين". وهذا إنما هو من كلام بعض العلماء، لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليعلم.
وكما بين لنا أن الركوع والسجود يتكرر في كل ركعة، بين لنا أن القراءة تتكرر في كل ركعة؛ فإنه لم يرد عنه قط الاكتفاء بالقراءة في بعض الركعات دون البعض. وقد خرج فعله بيانًا لمجمل الكتاب وهو قوله:{وأقيموا الصلاة} . فالتحق به إلا ما خرج من فعله بدليل ثابت عنه.
وكما أن الثانية تكرار للأولى، فالشفع الثاني تكرار للشفع الأول. يوضحه أن السجود يتكرر في كل ركعة مرتين، ولا يجوز الاكتفاء بسجود واحد، ويقال: الأمر لا يقتضي التكرار.
فإن قيل: هذا بينه النبي صلى الله عليه وسلم.
قلنا: وكذلك القراءة بينها النبي صلى الله عليه وسلم، فكما أنه لم يرد عنه أنه اكتفى بسجود واحد في الركعة، كذلك لم يرد عنه أنه اكتفى بالقراءة في الشفع الأول، ولو مرة تعليمًا للجواز.
بل قد قال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته بعد أن أمره بالقراءة وغيرها: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". متفق عليه.
وفي رواية ذكرها البيهقي بإسناد صحيح: "ثم افعل ذلك في كل ركعة".
وفي حديث أبي قتادة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحيانًا ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب" متفق عليه.
وقولهم: إن الثانية تشابه الأولى من كل وجه، قد نمنع بما في الأولى من تكبيرة الإحرام، والتعوذ، والثناء، فإن لم نمنع ذلك من المشابهة لا يمنع
مخالفة الشفع الثاني للأول في السقوط بالسفر، وصفة القراءة وقدرها. وقوله عليه السلام:"لا صلاة إلا بقراءة" يتناول الشفع الثاني.
وقد اعترض على هذا بأن اللفظ عام ولا يمكن إجراؤه على عمومه؛ لأنه بفحواه، يدل على أن كل [ال] صلاة لا تخلو عن القراءة، وأن كل ركن من أركان الصلاة [يسمى صلاة]، فصار كالمجمل.
وهذا فاسد؛ فإن كل ركن لا يسمى صلاة، فلم يبق إلا أن يكون المراد كل ما يطلق عليه أنه صلاة، وهو الركعة. أو صلاة كاملة، وهو الشفع. فإن كان الأول مرادًا فتجب القراءة في كل ركعة، وإن كان الثاني فتجب القراءة في كل شفع، ولم يقولوا به.
ولا يقال: لا يكفر جاحده فلا يكون فرضًا؛ لأن عدم التكفير لأجل الاجتهاد والتأويل. [ولهذا لا يكفر الذي قال بالاكتفاء بالقراءة في ركعة واحدة، [والذي] قال إن القراءة في الصلاة سنة كما يحكى عن
[أبي بكر] الأصم، وغيره. فالمخالف بتأويل لا يكفر إن لم يبين له وجه الصواب، فإذا بين له وجه الصواب وخالف بعد ذلك يفسق، وإن قال: إنه لا يرجع إلى الحق وإن تبين له يكفر.
قوله: (قال: وتفسير قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يصلي بعد صلاة مثلها" يعني ركعتين بقراءة، وركعتين بغير قراءة، فيكون بيان فرضية القراءة في ركعات النفل كلها).
حكى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن إبراهيم قال: قال عمر رضي الله عنه: "لا يصلي بعد صلاة مثلها". وحكى عن ابن مسعود مثله. وعن إبراهيم قال: "كانوا يكرهون أن يصلوا بعد المكتوبة مثلها".
ولا يعرف هذا الحديث مرفوعًا في كتب الحديث.
وذكر الخبازي في "حواشيه" أن هذا التفسير منقول عن عمر، وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم، قال: وقد رفعه بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وأصل الحديث لم يثبت، ولو ثبت لكان في تفسيره بأن المراد أن لا يصلي ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة؛ فيكون بيان فرضية القراءة في ركعات النفل كلها نظر؛ لأن هذا اللفظ وإن كان يحتمل هذا التفسير فهو خلاف الظاهر، فكيف ثبت بمثله الفرضية ولم يثبت؟.
ولا تثبت الفرضية بمجرد الاحتمال مع وجود احتمال معنى آخر أكمل منه، بل هو احتمال ضعيف جدًا؛ لأن الصلاة في قوله:"لا يصلي بعد صلاة مثلها" نكرة في سياق النفي فتعم الثنائية، والثلاثية، والرباعية، فيدل على أنه لا يصلي بعد الفجر ركعتان، ولا بعد المغرب ثلاث، ولا بعد الرباعية أربع، على تقدير أن يكون المراد المماثلة في عدد الركعات. أو يدل على أن الفرض لا يصلى مرتين، لا أن يكون المراد النهي عن رباعية يكون منها ركعتان
بقراءة، وركعتان بغير قراءة.
قوله: (وأكثر المشايخ على أن السنة فيها الختم مرة، فلا يترك لكسل القوم، بخلاف ما بعد التشهد من الدعوات حيث يتركها لأنها ليست بسنة).
فيه نظر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب على التراوح، وإنما صلاها ليالي ثم ترك خشية أن تكتب علينا، فكيف يكون الختم فيها مرة سنة، وهو لم يصلها بالختمة ولا مرة. وإنما يستحب فيها الختم مرة في الشهر كله؛ لأن شهر رمضان شهر القرآن، فيه [أنزل]، وفيه كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرضه على جبريل في كل سنة مرة، وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فيستحب أن يسمع الناس القرآن
فيه، وأولى ما كان ذلك في الصلاة.
وقوله: (بخلاف ما بعد التشهد من الدعوات حيث يتركها لأنها ليست بسنة). غير مسلَّم. والمصنف قال في باب صفة الصلاة، بعد [أن] عد فرائضها:(وما سوى ذلك فهو سنة).
بل قد ذهب طائفة من السلف والخلف على أن الدعاء في آخرها واجب، وأوجبوا الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم آخر الصلاة بقوله:"إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال" رواه مسلم وغيره.
وكان طاوس يأمر من لم يدع به أن يعيد، وهو قول بعض أصحاب أحمد،
وفي حديثِ ابنِ مَسْعُود: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه"، فكيف يقال إن الدعاء في آخر الصلاة ليس بسنة؟!.
قوله: (ولا يصلى الوتر بجماعة في غير شهر رمضان، وعليه إجماع المسلمين).
ذكر في "الذخيرة" أن الاقتداء في الوتر خارج رمضان جائز. انتهى.
ويجب أن يقال: لا يصلى الوتر بجماعة كما يصلى في رمضان، أما لو أن إنسانًا صلى الوتر فاقتدى به آخر صح. فإن الجماعة في الوتر مثلها في سائر السنن. والتطوعات لا يشرع فيها الاجتماع، ولو اجتمعوا فيها لكانوا مبتدعين ينهون عن ذلك.
أما لو صلى إنسانًا تطوعًا في ليل أو نهار فاقتدى به رجل أو امرأة أو صبي على سبيل الاتفاق، لا على سبيل اتخاذ ذلك عادة وطريقة، ولم يخصَّ به مكانًا ولا زمانًا لجاز، كما اقتدى ابن عباس بالنبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل، وكذلك ابن مسعود وغيره.
وكذلك صلاته بأنس وأمه واليتيم في صلاة التطوع، وصلاته في بيت عتبان بن مالك وقت الضحى. فصلاة التطوع أو الوتر في جماعة عارضة لا راتبة جائز. فالذي عليه الإجماع ترك صلاة الوتر في جماعة راتبة في غير شهر رمضان، لا في جماعة عارضة.
* * *