الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الخوف
قوله: (والأصل فيه رواية ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف على الصفة التي قلنا).
فيه نظر، فإنه ذكر في صفة صلاة الخوف أن الطائفة الأولى يقضون ركعتهم بغير قراءة وأن الطائفة الثانية يقضون ركعتهم بقراءة وليس ذلك في حديث ابن مسعود ولا غيره، وإنما ذلك خرجه الأصحاب على أصلهم في الفرق بين اللاحق والمسبوق وقالوا: المسبوق من أدرك آخر صلاة الإمام، واللاحق من أدرك أول صلاة الإمام، والمسبوق يقرأ في قضاء ما سبق به، واللاحق لا يقرأ في قضاء ما بقى عليه من الصلاة، وقالوا: لأنه خلف الإمام حكمًا، والمؤتم لا يقرأ خلف الإمام.
فقوله: (على الصفة التي قلنا) يوهم أن ما ذكره من قراءة هؤلاء، وعدم قراءة هؤلاء في حديث ابن مسعود وليس الأمر كذلك.
قوله: (وأبو يوسف وإن أنكر شرعيتها في زماننا فهو محجوج عليه بما روينا).
الذي روى في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف على الصفة التي ذكرها، وذلك لا يكون حجة على أبي يوسف فإنه يقول: إنها كانت مشروعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان هو الإمام. لقوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} الآية، فلا يكون فعله صلى الله عليه وسلم على أي صفة كان حجة على أبي يوسف، وإنما الحجة عليه إقامة الصحابة لصلاة
الخوف بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهم أخبر بمعنى القرآن ممن بعدهم، فقد فهموا من قوله تعالى:{وإذا كنت فيهم} أن المراد هو أو من يقوم مقامه. كما في قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} .
قوله: (لما روى أنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بالطائفتين ركعتين ركعتين).
قال السروجي: لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الظهر في الحضر بكل طائفة ركعتين ركعتين كما ذكره في الكتاب لكن في حديث جابر في
ذات الرقاع أنه عليه السلام صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان، متفق عليه ..
قوله: (ولا يقاتلون في حال الصلاة فإن فعلوا بطلت صلاتهم لأنه عليه الصلاة والسلام شغل عن أربع صلوات يوم الخندق، ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها).
تقدم أن الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما شغل يوم الخندق عن صلاة العصر وحدها، ولم يكن تركها لاشتغاله بالقتال وهو ذاكرها، وإنما لاشتغاله بالمحاربة نسي الصلاة.
فإن في الصحيحين وغيرهما عن جابر رضي الله عنه: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما صليتها"، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة فتوضأنا، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب".
فقوله: (والله ما صليتها) دليل على أن تركها كان نسياناً لأن الذاكر/ للشيء لا يقول: والله ما فعلته، وإنما يقول ذلك إذا ذكره بعد نسيان، وإن لم يثبت أن التأخير كان للنسيان فهو يحتمله فيسقط الاستدلال. فالصلاة في الوقت فرض بحسب الوسع والإمكان ولا يؤخى الصلاة ليصليها بعد الوقت كاملة كالمريض، والخائف، والعاري، وعادم المطهر للنجاسة، وكذلك عادم المطهر للحدث كما تقدم.
وكما أن المشي والانصراف عن القبلة في حالة الخوف لا يمنع بقاء الصلاة فكذلك القتال. فالصلاة في الوقت وإن كانت ناقصة خير من تفويت الصلاة، والصلاة بعد الوقت وإن كانت كاملة.
***