المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل قوله: (لهما أن النذر سبب، فيظهر الوجوب في حق الخلف، - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ٢

[ابن أبي العز]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل في القراءة

- ‌باب الإمامة

- ‌باب الحدث في الصلاة

- ‌باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها

- ‌فصل

- ‌باب الوتر

- ‌باب النوافل

- ‌فصل في القراءة

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌باب قضاء الفوائت

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة المريض

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب الجمعة

- ‌باب العيدين

- ‌فصل في تكبيرات في التشريق

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب الاستسقاء

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب الجنائز

- ‌فصل في الكفن

- ‌فصل في الصلاة على الميت

- ‌فصل في حمل الجنازة

- ‌فصل في الدفن

- ‌باب الشهيد

- ‌باب الصلاة في الكعبة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب صدقة السوائم

- ‌فصل في الإبل

- ‌فصل في البقر

- ‌فصل في الغنم

- ‌فصل في الخيل

- ‌فصل

- ‌باب زكاة المال

- ‌فصل في الذهب

- ‌فصل في العروض

- ‌باب فيمن يمر على العاشر

- ‌باب المعدن والركاز

- ‌باب زكاة الزروع والثمار

- ‌باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌كتاب الصوم

- ‌باب ما يوجب القضاء والكفارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يوجبه على نفسه

- ‌باب الاعتكاف

الفصل: ‌ ‌فصل قوله: (لهما أن النذر سبب، فيظهر الوجوب في حق الخلف،

‌فصل

قوله: (لهما أن النذر سبب، فيظهر الوجوب في حق الخلف، وفي هذه المسألة السبب إدراك العدة فيقدر بقدر ما أدرك).

قول محمد رحمه الله هو الراجح؛ لأنه لا يلزم بالنذر إلا ما يقدر على أدائه، فكأنه قيده بقوله: إن عشت، ولا قدرة بدون إدراك العدة، والقول بأن سبب يظهر حكمه في حق الخلف، يكفي في جوابه المنع، وقوله: وفي هذه المسألة السبب إدراك العدة، حقه أن يزيد: إن اختار التأخير.

ص: 931

قوله: (والشيخ الفاني الذي لا يقدر على الصيام يفطر ويطعم لكل يوم مسكيناً كما يطعم في الكفارات، والأصل فيه قوله تعالي: {وعلى الذين يطيقونه فدية} قيل: معناه لا يطيقونه).

لا خلاف في إباحة الإفطار للشيخ والعجوز العاجزين عن الصوم، ولكن اختلف أهل العلم في وجوب الفدية عليهما بالإطعام عن كل يوم مسكيناً، فروي عن علي وابن عباس وغيرهما وجوب الفدية، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، ومذهب

ص: 932

مالك وغيره وهو أحد قولي الشافعي عدم وجود الفدية، واختاره ابن المنذر والطحاوي وغيرهما.

قال السروجي: ودليله قوي، فإن أصحابنا أوجبوا الفدية على الشيخ الهرم الذي لا يستطيع الصوم أصلاً، فمن لا يجب عليه الصوم أصلاً كيف يكون له بدل؟ وأقوي من هذا أن المسافر أبيح له الفطر/ مع القدرة على الصوم للمشقة فلو مات على حالة لا يجب عليه الفدية، والذي لا قدرة له على الصوم أصلاً أولى بعدم وجوب الفدية فهذا واضح كما تري. انتهى

ص: 933

وقوله: (والأصل فيه قوله تعالي: {وعلى الذين يطيقونه} قيل: معناه لا يطيقونه).

هذا التقدير على قوله من قال من النحاة بتقدير "لا" في مثل قوله تعالي: {يبين الله لكم أن تضلوا} والمبرد وغيره يأبون ذلك ويقدرون فيه: كراهة أن تضلوا، وقولهم أولى؛ لأن تقدير العامل المناسب ألوى من تقدير حرف النفي، مع أنه ليس قوله:{وعلي الذين يطيقون} نظير قوله: {يبين الله لكم أن تضلوا} لأن هنا قرينة تدل على المقدر وهي قوله: {يبين الله لكم} وليس في قوله: {وعلى الذين يطيقونه} ما يدل عليه ولا يجوز في مثله تقدير ما لا يدل عليه من اللفظ دليل، وإلا لم يثق أحد بنص مثبت لاحتمال أن تكون "لا" مقدرة فيه، وقيل: معناه كانوا يطيقونه - أي في حال الشباب - فعجزوا عنه بعد الكبر، والآخر ظاهر الضعف.

وأقوي منه ما روي البخاري في صحيحة عن عطاء أنه سمع ابن عباس

ص: 934

يقرأ {وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين} قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما بمنسوخة، هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً" مع أن هذه القراءة يمكن أن ترد إلى معني القراءة الأخرى، فإن معني {يطوقونه} يكلفونه، وأكثر السف على أن الآية منسوخة، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية" {وعلي الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت هذه الآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} " متفق

ص: 935

عليه، وأخرجه البخاري أيضاً عن ابن عمر، وأخرج أيضاً عن عبد الرحمن بن أبي ليل عن أصحاب محمد أنهم قالوا ذلك، وحكي البغوي عن قتادة أنها خاصة في الشيخ الكبير الذي يطيق الصوم لكنه يشق عليه، رخص له في أن يفطر ويفدي ثم نسخ، وحكي أيضاً عن الحسن أن هذا في المريض الذي به ما يقع اسم المرض وهو مستطع للصوم خير بين أن يصوم وبين أن يفكر ويفدي ثم نسخ، وإذا عرف فالمسألة مسألة نزاع بين الصحابة رضي الله عنهم.

ص: 936

ومن ادعى النسخ معه زيادة غثبات، كيف وهو قول جمهور الصحابة؟ ولعل قول ابن عباس رضي الله عنهما عن اجتهاد، وقول غيره عن نقل وهو الظاهر، فإن النسخ كان قبل ابن عباس رضي الله عنهما.

قوله: (ومن مات وعليه قضاء رمضان فأوصي به أطعم عنه وليه لكل يوم مسكيناً) إلى قوله: (ولا يصوم عنه الولي لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد").

ورد في الإطعام حديث ابن عباس الذي رواه النسائي وأبو داود وحديث ابن عمر رواه ابن ماجه والنسائي، أيضاً وكلاهما

ص: 937

معلول، وقال النسائي عن حديث ابن عمر: الصحيح أنه موقوف علي ابن عمر، انتهي، وقد حكي البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما:"أنه أمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء، فقال: صلي عنها"، وقال ابن عباس نحوه، وقوله -صلي الله عليه وسلم-:"لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد" في حديث ابن عباس المذكور، وفي "الموطأ" أن مالكاً بلغه ان ابن عمر كان يسأل:"هل يصوم أحد عن أحد، أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد"، وفي "الصحيحين" وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-

ص: 938

"من مات وعليه صوم، صام عنه وليه"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"جاءت امرأة إلى رسول الله -صلي الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليه صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان علي أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم، قال: فصومي/ عن أمك" وفي رواية قال: "جاء رجل إلى النبي -صلي الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضية؟

قال: نعم: قال: فدين لاله أحق أن يقضي"، وفي صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال: "بينا أنا جالس عند رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إذا أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها مات، فقالك وجب أجرك

ص: 939

وردها عليك الميراث، فقالت: يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهرين أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحجَّ قط أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها".

وقد قال أحمد وغيره: يصوم الولي، لكن خصَّه بالمنذور، وقال طاوس، وقتادة والحسن، والزهري في رواية، وأبو ثور، وداود بن علي: يصوم عنه وليه ولم يخصوه بالنذر، وهو قول الشافعي القديم، قال النووي: وهو المختار، ويظهر قوة هذا القول لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"من مات وعليه صوم صام عنه وليه" وهذا الحديث يخص عموم قوله: "لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد" إن صحَّ، ولو ثبت أنه سببه السؤال عن صوم النذر فالعبرة لعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ص: 940

وقوله: (فصار كالشيخ الفاني).

في ثبوت الفدية في حق الشيخ الفاني نظر كما تقدم فلا يصح القياس عليه إلا بعد ثبوته.

وقوله: (والصلاة كالصوم باستحسان المشايخ) وفيه نظر؛ فإن حكم الفدية في الصوم تقدَّم الكلام عليه، وقوله عليه السلام:" من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" متفق عليه، يقتضي أن لا يقضى عنه ولا يطعم عنه لها لقوله:"لا كفارة لها إلا ذلك"، وقد تقدم ذكر ما حكاه البخاري عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم في أمر الصلاة، وحكى الطحاوي عن الأوزاعي:"إن مات وعليه صلاة يقضيها عنه وليه بعد موته في النذر" وهي رواية .....

ص: 941

حرب عن أحمد ورجحها بعض أصحابه، والذين قالوا: إن الولي يقضي عن الميت الصوم أو الصلاة اختلفوا، فذهب أهل الظاهر إلى وجوب القضاء على الولي، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يستحب له القضاء عنه، ويجوز أن يصوم عنده عن الميت غير وليه، لكن في اشتراط إذن الولي روايتان عنه، وبقيه التفريع على ذلك معروف في كتبهم.

ويرد ما فهمه أهل الظاهر من الوجوب من قوله -صلي الله عليه وسلم-: "فدين الله أحق أن يقضي"، أن دين الميت لا يجب على الورثة قضاؤه، ولكن يقضي من تركته وإن لم يكن له تركة وتبرع الوارث بقضائه قبل منه، فكذلك إذا تبرع بغير دين العباد يقبل منه ويكون أولى وأحق، والله أعلم.

فتلخص مما تقدم أن في قضاء الصوم المنذور والمفروض والصلاة المنذورة

ص: 942

عن الميت خلافاً بين العلماء، ولا خلاف بينهم في مشروعية قضاء الحج والزكاة وإن كان أبو حنيفة يشترط الإيصاء بهما ويعتبرهما من الثلث لا في كل التركة، ولا خلاف بينهم في عدم مشروعية قضاء الصلاة الفائتة عنهم، وإنما اختلفوا في مشروعية الإطعام عنها، ووجه ذلك - والله أعلم- أن مشروعية القضاء رحمة من الله وإحسان خص به أصحاب الأعذار لأنهم يستأهلون بذلك بخلاف العاصي المتمرد، وذلك لا يتأتي في حق تارك الصلاة المفروضة فإنه إن تركها عمداً فلا شك في عصيانه ولهذا كان الراجح عدم شرع القضاء في حق حالة الحياة كما تقدم، وإن كان تركها لنوم أو نسيان فإنه يجب عليه الصلاة إذا ذكرها، فإن أخرها بعد الذكر من غير عذر

ص: 943

صار بمنزلة تارك الصلاة عن وقتها من غير عذر، وإن أخرها لعذر ثم مات قبل زوال العذر فهذا لم يجب عليه فعلها قبل موته فلا يجب بعد موته.

أما الصوم، فالمريض والمسافر والحائض يشرع لهم القضاء على التراخي فإذا ماتوا قبل القضاء كان لهم عذر يستأهلون، ولأجله شرع القضاء عنهم، وكذلك الزكاة والحج لأنه متي أتي به كان إيتاء بالواجب فكان لهم عذر من / هذا الوجه، وإن كان التأخير في ذلك كله لا يجوز إلا علي وجه لا يؤدي إلى التفويت.

قوله: (ألا تري أنه لو كان مقيماً في أول اليوم ثم سافر لا يباح له الفطر ترجيحاً لجانب الإقامة).

مذهب الإمام أحمد وإسحاق والشعبي أنه يفطر، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقالوا: إن حدوث السفر كحدوث المرض. وترجيح جانب الإقامة ينبغي أن يفيد الأفضلية دون الوجوب، لئلا يلزم منه وجوب الصوم على من ثبت له حكم السفر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في رمضان إلى حنين، والناس مختلفون فصائم

ص: 944

ومفطر، فلما استوي على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته أو راحته، ثم نظر الناس، فقال المفطرون للصوام أو أفطروا" رواه البخاري.

وعن محمد بن كعب قال: "أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً، وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب سفره، ودعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ فقال: سنة ثم ركب" أخرجه الترمذي.

وعن منصور الكلبي: "أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق إلي قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه أناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال: والله

ص: 945

لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن إني أراه: إن قوماص رغبوا عن هدي رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وأصحابه، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك" رواه أبو داود، ولم يرد ما يخالف هذا حتى يرجح جانب الإقامة.

قوله: (ولنا أن السبب قد وجد وهو الشهر والأهلية بالذمة، وفي الوجوب فائدة وهو صيرورته مطلوباً على وجه لا يحرج في أدائه، بخلاف المستوعب لأنه يحرج في الأداء فلا فائدة، وتمامه في "الخلافيات").

ص: 946

كل هذا يمكن أن يقال مثله في حق الكافر والصبي ولم يفرقوا في الخلافيات بينهم بفرق مسلم، بل المجنون أولى بعدم القضاء من الكافر والصبي، لأن الكافر يعاقب على تركه في الآخرة إن لم يسلم، والصبي يؤمر بالصوم تخلقاً فكانا من أهل الصوم في الجملة بخلاف المجنون.

قوله: (وفي هبة النصاب - يعني من الفقير - وجدت به القرية على ما مر في الزكاة).

لم يتقدم في الزكاة هبة النصاب من الفقير، وإنما تقدم قوله: ومن تصدق بالنصاب ولم ينوها سقطت، وهو مشكل على من يجعلها متعلقة بالذمة، ولكن أشكل منه إذا وهب النصاب من الفقير بغير نية التقرب إلى الله كيف يقال: إن وجدت نية القربة ولم توجد؟ والأعمال بالنيات.

قوله: (ولنا أنه وجب قضاء لحق الوقت أصلاً لا خلفاً).

ص: 947

يعني الإمساك للمسافر إذا قدم، أو الحائض إذا طهرت في أثناء النهار، وهو مشكل لأنه لم يرد به نص، وقياسه على ما ورد به النص في يوم عاشوراء، وهو أنه عليه السلام:"أمر رجلاً من أسلم: أن أذن في الناس، من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء" متفق عليه، لا يقوي؛ لأنه لم يرد هناك أمر لمن كان أكل بالقضاء، فكان ذلك الإمساك هو الواجب، وهنا الواجب صوم يوم آخر بالنص والإجماع في حق من كان أكل، ومن لم يكن أكل ونوى الصوم قبل نصف النهار فيه خلاف معروف؛ فيقوي القول باستحباب الإمساك لا بوجوبه والحالة هذه.

قوله: (وفيه قال عمر رضي الله عنه: "ما تجانفنا لإثم، وقضاء يوم علينا يسير").

ص: 948

يعني في الإفطار على ظن فاسد في غروب الشمس. [عن خالد بن] أسلم: "أن عمر رضي الله عنه أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأي أنه قد أمسي وغابت الشمس، فجاء رجل فقال: يأ أمير المؤمنين طلعت الشمس! فقال عرم: الخطب/ يسير وقد اجتهدنا" أخرجه مالك في "الموطأ" فإن قيل: قال مالك رحمه الله: يريد بقوله: "الخطب يسير" القضاء فيما نري، قيل: من مذهبه الفكر بالخطأ والنسيان، فحمل كلام عمر علي ذلك اجتهاداً منه، ولهذا قال: فيما نري، وذكر ابن أبي شيبة في مصنفة:"وقضاء يوم يسير"، ولم يثبت هذه الزيادة، وروي البيهقي عن

ص: 949

عمر رضي الله عنه:"لا نبالي والله ونقضي يوماً مكانه".

وروي عنه: "والله لا نقضيه وما تجانفنا لإثم" وروي ابن المنذر عن عمر القضاء وعدمه أيضاً، وفي "صحيح البخاري" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أفطرنا يوماً من رمضان في غيم في عهد رسول الله -صلي الله عليه وسلم- ثم طلعت الشمس" وهذا يدل على شيئين: أنه لا يستحب مع الغيم التأخير إلى أن يتقين الغروب فإنهم لم يفعلوا ذلك، ولم يأمرهم به النبي-صلي الله عليه وسلم-، والصحابة مع نبيهم أعلم وأطوع لله ولرسوله ممن جاء بعدهم، وقد روي البيهقي بالإسناد الصحيح عن عمرو بن ميمون وهو من كبار التابعين قال: "كان أصحاب محمد رضي الله عنهم أعجل الناس إفطاراً وأبطؤهم

ص: 950

سحوراً".

والثاني: أنه لا يجب القضاء فإن النبي -صلي الله عليه وسلم- لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك ولنقل كما نقل فطرهم، فإن قيل: فقد قيل لهشام بن عروة: أمروا بالقضاء؟ قال: أو بد من القضاء، قيل: هشام قال ذلك برأيه لم يرو ذلك في الحديث ويدل على أنه لم يكن عنده بذلك علم أن معمراً روي عنه قال: سمعت هشاماً قال: لا أدري أقضوا أم لا، ذكر هذا وهذا عنه البخاري.

ص: 951

والنص قد ورد في حق الناسي، والفرق بينه وبين المخطئ محل نظر، وقد ذكر كثير من الأصحاب في تعليل عدم الإفطار بالأكل ناسياً أن الصوم عبارة عن الإمساك مقروناً بالنية وضده الأكل مع النية ولم يوجد، ولأنه لا يؤمن وقوع مثله في القضاء فيؤدي إلى الحرج المنفي بالكتاب والسنة، وهذا التعليل يشمل الخطأ والنسيان.

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "ثلاث من أخلاق المرسلين؛ تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، والسواك").

ص: 952

أخرجه البيهقي من حديث ابن عمر ولم يذكر السواك وإنما ذكر بدله وضع اليمني على اليسري في الصلاة، ولفظه أنه عليه السلام قال:"إنا معاشر الأنبياء أمرنا بتعجيل الفطر وتأخير السحور، ووضع اليمني على اليسري في الصلاة"، قال البيهقي: صحيح، عن عائشة قالت:"ثلاث من النبوة؛ تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمني على اليسرى في الصلاة"، وروي ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء موقوفاً عليه نحوه.

والأدلة على تعجيل الفطر وتأخير السحور ثابتة في "الصحيحين" وغيرهما، وكون ذلك من السنة.

ص: 953

وأما كونه سنة الأنبياء ففيه نظر؛ فإن ثبت في "الصحيح" أنهم في ابتداء الإسلام كانوا لا يأكلون ولا يجامعون بعد النوم حتى نزل قوله تعالي: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ، وقال -صلي الله عليه وسلم-:"فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكله السحر"، و"كان النبي -صلي الله عليه وسلم- يعجبه متابعة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء" فالظاهر أنه لم يكن السحور

ص: 954

مشروعاً قبل الإسلام، أو كان مشروعاً لبعض الأنبياء دون بعض.

قوله: (إلا أنه إذا شك في الفجر، ومعناه، تساوي الظنين).

في عبارته شيء وهو أن الظن رجحان الاعتقاد والراجح يقابله المرجوح، فلا يتصور أن يتساوي الرجحان، ويستعمل الظن في اليقين أيضاً، ولا يتصور تقابل اليقينيين.

ومراده تساوي الاعتقادين أو الأمارتين ونحو ذلك.

قوله: (ومن أكل في رمضان ناسياً فظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك

ص: 955

متعمداً عليه القضاء دون الكفارة؛ لأن الاشتباه استند إلى القياس فتحقق الشبهة)، إلى أن قال:(لو احتجم فظن أن ذلك يفطر ثم أكل بعد ذلك متعمدا ًعليه القضاء والكفارة، لأن الظن ما استند إلى دليل شرعي في حقه).

هذا مبني على أن الإفطار بالحجامة على خلاف القياس، وقد تقدم أنه على وفق القياس الصحيح/؛ لأن إخراج الدم بمنزله إخراج الطعام بالاستقاء، وبمنزلة إخراج المني بالمباشرة، وبغيرها على الصحيح، وبمنزلة دم الحيض والنفاس، فهذا القياس إن لم يكن أعلى من قياس الناس على العامد فلا يكون دونه، كيف وهو مؤيد بالنص الدال على صحته وفساد ذلك القياس.

قوله: (ولو بلغه الحديث واعتمده (يعني حديث "أفطر الحاجم

ص: 956

والمحجوم) (فكذلك عند محمد رحمة الله).

يعني أنه لا كفارة عليه إذا احتجم ثم أكل على ظن أن الحجامة فطرته معتمداً على الحديث.

(لأن قول الرسول لا ينزل عن قول المفتي).

في العبارة مسامحة، بل هي خطأ والأمر أعظم من ذلك! (وعن أبي يوسف خلاف ذلك) - يعني عليه الكفارة- (لأن على العامي الاقتداء بالفقهاء لعدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الأحاديث).

في تعليه نظر فإن المسألة إذا كانت مسألة نزاع بين العلماء، وقد بلغ العامي الحديث الذي احتج به الفريقين فأخذ به كيف يقال في هذا إنه غير معذور؟ فإن قيل: هو منسوخ، فقد تقدم أن المنسوخ ما يظن أنه يعارضه.

ومن سمع الحديث الصحيح فعمل به وهو منسوخ فهو معذور إلى أن يبلغه الناسخ، ولا يقال لمن سمع الحديث الصحيح: لا تعمل به حتى تعرضه

ص: 957

على رأي فلان دون رأي فلان، وإنما يقال له: انظر هل هو منسوخ أم لا؟ أما إذا كان الحديث قد اختلف في نسخه كما في هذه المسألة فالعامل به في غاية العذر، وإن تطرق الاحتمال إلى خطأ المفتي أقوى من تطرق الاحتمال إلى نسخ ما يسمعه من الحديث. قال أبو عمر بن عبد البر لما ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تستقبلوا القبلة بغائظ ولا بول ولا تستدبروها): قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله.

وهكذا يجب على كل من بلغه شيء يستعمله على عمومه حتى يثبت عنده ما يخصه أو ينسخه، انتهى.

وقال الشافعي رحمة الله: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها يقول أحد. وأيضاً فإن المنسوخ من السنة في غاية القلة، وقد جمعه ابن الجوزي في ورقات وقال: إنه أفرد فيها قدر ما صح نسخة أو احتمل، وأعرض عما لا وجه لنسخه ولا احتمال، وقال: فمن سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس فيها فهاتيك دعوى. ثم قال: وقد

ص: 958

تدبرته فإذا هو أحد وعشرون حديثاً. وذكرها.

وإذا كان العامي يسوغ له الأخذ بقول المفتي بل يجب عليه مع احتمال خطأ المفتي، كيف لا يسوغ له الأخذ بالحديث إذا فهم معناه وإن احتمل النسخ؟ ولو كانت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان وفلان لكان قولهم شرطاً في العمل بها وهذا من أبطل الباطل. وقد أقام الله الحجة برسوله دون آحاد الأمة. ولا يفرض احتمال خطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به بعد فهمه إلا وأضعاف أضعافه حاصل لمن أفتى بتقليد من لا يعلم خطؤه من صوابه، ويجوز عليه التناقض والاختلال، ويقول القول ويرجع عنه، ويحكى عنه في المسألة عدة أقوال.

وهذا كله فيمن له نوع أهلية؛ أما إذا لم يكن له أهلية قط ففرضه ما قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} . وإذا جاز اعتماد المستفتي على ما يكتبه له المفتي من كلامه أو كلام شيخه وإن علا فلأن يجوز اعتماد الرجل على ما كتب الثقات من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالجواز. وإذا قدر أنه لم يفهم الحديث [فكما لو لم يفهم] فتوى المفتي فيسأل من يعرفه

ص: 959

معناه كما يسأل منم يعرفه جواب المفتي.

قوله: ([وإذا عرف تأويله تجب الكفارة لانتفاء الشبهة، وقول الأوزاعي لا يورث الشبهة لمخالفته القياس]).

[تقدم أن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم عند الإمام أحمد، وإسحاق ابن راهويه، ومحمد بن خزيمة، وعطاء، والأوزاعي، ومسروق، والحسن، وابن سيرين، وابن المنذر، وعبد الرحمن بن مهدي. وتقدم ذكر ما استدلوا به من السنة، والقياس الصحيح، فكيف يكون قول هؤلاء] مع هذا الدليل لا يورث الشبهة وهو موافق للقياس غير مخالف له كما تقدم؟!

قوله: (وإذا جومعت النائمة أو المجنونة وهي صائمة عليها القضاء دون الكفارة، وقال/ زفر والشافعي: لا قضاء عليهما اعتباراً بالناسي، والعذر أبلغ لعدم القصد. ولنا أن النسيان يغلب وجوده وهذا نادر).

قولهما رواية عن أبي حنيفة ذكرها في (خزانة الأكمل) وهو الظاهر لأن

ص: 960

الشارع لم يعتبر فوت الركن من غير قصد كما في الناسي، وهذا أولى منه. ورده بأن النسيان يغلب وجوده وهذا نادر فيه نظر؛ فإن النادر إذا وجد صار كالغالب فيأخذ حكمه.

ص: 961