المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الوتر قوله: (وقالا: سنة لظهور آثار السنن فيه، حيث لا - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ٢

[ابن أبي العز]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل في القراءة

- ‌باب الإمامة

- ‌باب الحدث في الصلاة

- ‌باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها

- ‌فصل

- ‌باب الوتر

- ‌باب النوافل

- ‌فصل في القراءة

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌باب قضاء الفوائت

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة المريض

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب الجمعة

- ‌باب العيدين

- ‌فصل في تكبيرات في التشريق

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب الاستسقاء

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب الجنائز

- ‌فصل في الكفن

- ‌فصل في الصلاة على الميت

- ‌فصل في حمل الجنازة

- ‌فصل في الدفن

- ‌باب الشهيد

- ‌باب الصلاة في الكعبة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب صدقة السوائم

- ‌فصل في الإبل

- ‌فصل في البقر

- ‌فصل في الغنم

- ‌فصل في الخيل

- ‌فصل

- ‌باب زكاة المال

- ‌فصل في الذهب

- ‌فصل في العروض

- ‌باب فيمن يمر على العاشر

- ‌باب المعدن والركاز

- ‌باب زكاة الزروع والثمار

- ‌باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌كتاب الصوم

- ‌باب ما يوجب القضاء والكفارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يوجبه على نفسه

- ‌باب الاعتكاف

الفصل: ‌ ‌باب الوتر قوله: (وقالا: سنة لظهور آثار السنن فيه، حيث لا

‌باب الوتر

قوله: (وقالا: سنة لظهور آثار السنن فيه، حيث لا يكفر جاحده، ولا يؤذن له).

في تعليله نظر؛ فليس كل فرض يكفر جاحده كالقعدة الأخيرة قدر التشهد في آخر الصلاة، فإنها فرض ولا يكفر جاحدها؛ فإن الإمام مالكًا لا يقول بفرضها، وإنما يقول بفرضية القعود قدر إيقاع السلام.

ونحو ذلك مما اختلف العلماء في فرضيته، بخلاف ما وقع الإجماع على القول بفرضيته. وإنما يكفر من جحد شيئًا معلومًا من الدين ضرورة. ولو ساغ الاستدلال بهذا لكان كل ما فيه خلاف يقول المخالف: هذا ليس بفرض لأنه لا يكفر جاحده، ولأن عدم تكفير جاحده لكونه متأولًا لا يمنع من كونه فرضًا، فلا يكفر جاحد فرض متأولًا، كما لا يكفر مثبت فرض متأولًا في محل يقبل التأويل.

ويعكس عليه هذا الدليل فيقال: إنه فرض لأنه لا يكفر مثبته، وكونه لا يؤذن له لا يلزم أنه لا يكون فرضًا؛ لأنه من الممكن أن يقال: إنما لم يشرع فيه

ص: 641

الأذان لأنه لم يشرع فيه الاجتماع.

والأذان لأجل الاجتماع، أو اكتفاء بأذان العشاء لاشتراكهما في الوقت كما يأتي في كلامه.

والتعليل الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم-أوتر على الراحلة، والفرض لا يؤدى على الراحلة لغير ضرورة.

في حديث طلحة، وعبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((خمس صلوات

))، مع قول الله عز وجل:{والصلاة الوسطى} ما يغني

ص: 642

عن مثل هذا التعليل.

وفيما أجاب به لأبي حنيفة عن قوله في الاحتجاج لهما: (حيث لا يكفر جاحده) من قوله: (لأن وجوبه ثبت بالسنة) نظر؛ لأنه لا يلزم من كونه ثبت بالسنة أن لا يكفر جاحده؛ فإن الثابت بالسنة المتواترة يكفر جاحده بالإجماع.

قوله: (ولهذا وجب قضاؤه بالإجماع).

فيه نظر، وكيف يدعي الإجماع في أمر جمهور العلماء على خلافه.

قال السروجي: قال في ((الذخيرة)): يقضي في ظاهر الرواية عن أصحابنا، وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول لا قضاء عليه. وعن محمد أنه قال: أحب إلي أن يقضيه. وأما عند الشافعي وغيره فلا يجب عليه القضاء.

وقال ابن حنبل، وأبو مصعب، ..............................

ص: 643

واللخمي من المالكية: لا يقضي بعد الفجر، وبعد طلوع الشمس لا يقضي عند مالك، وللشافعي قولان فيه، وفي السنن المؤقتة. انتهى.

فأين الإجماع والحالة هذه، مع أنه قد حكى جماعة من الأصحاب، القدوري وغيره أن أبا حنيفة رجع عن القول بفرضية الوتر، فلا فائدة في إتعاب الفكر في ترجيح قول مرجوع عنه بمثل هذا التعليل.

قوله: (وحكى الحسن البصري إجماع المسلمين على الثلاث).

هذا غير صحيح عن الحسن، وإن ثبت عنه فيحتمل أنه أراد الإجماع على

ص: 644

جواز الإيتار بثلاث بتسليمة، فإن الإيتار بثلاث بتسليمتين، أو الإيتار بواحدة من غير تقدم شفع فيه نزاع.

قال ابن المنذر: وقد اختلف أهل العلم في عدد ركعات الوتر، فكان ابن عمر يقول:((الوتر ركعة)). وكان يقول: ((ذلك وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر)).

وممن روينا عنه أنه قال: ((الوتر ركعة))، عثمان بن عفان، وسعد بن مالك، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان،

ص: 645

وأبي موسى الأشعري، وابن الزبير، وعائشة، وفعل ذلك معاذ القاري ومعه رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكر منهم أحد. وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. غير أن مالكًا، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق رأوا أن يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يوتر بركعة. وقالت طائفة: يوتر بثلاث. وممن روي عنه عمر بن الخطاب، وعلي بن

ص: 646

أبي طالب، وأبي بن كعب، وأنس بن مالك، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو إمامة، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال أصحاب الرأي.

ص: 647

وقال الثوري: أعجب إلي ثلاث. وأباحت طائفة الوتر بثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وأحدى عشرة. قال أبو أيوب الأنصاري:"من شاء أوتر بسبع، ومن شاء أوتر بخمس، ومن شاء أوتر بثلاث، ومن شاء أوتر بركعة".

وقال ابن عباس: "إنما هي واحدة، أو خمس، أو سبع، أو أكثر من ذلك، يوتر بما شاء".

وقال سعد بن أبي وقاص: "ثلاث أحب إليَّ من واحدة، وخمس أحب إلي من ثلاث، وسبع أحب إليَّ من خمس".

وروينا عن عائشة أنها قالت: "الوتر سبع، وخمس، والثلاث بتراء".

وروي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: ثلاث أعجب إليَّ من واحدة،

ص: 648

وخمس أحب إلي من ثلاث، وسبع أحب إلي من خمس"

وروينا عن زيد بن ثابت أنه: "كان يوتر بخمس ركعات، لا ينصرف فيها".

وكان سفيان الثوري يقول: "الوتر بثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، واحدى عشرة".

وكان إسحاق يقول: "إن شئت أن توتر بركعة، وإن شئت فثلاث، وإن شئت فخمس، وان شئت فسبع، وان شئت فتسع، لا تسلم إلا في آخرهن إذا فرغت. وان أوترت بإحدى عشرة فسلم في كل ركعتين، ثم أفرد الوتر بركعة".

وقد اختلفَ أهل العلم في الرجل يوتر بركعة ليس قبلها شيء، كأنه صلى العشاء الآخرة، ثم أراد أن يوتر بركعة. فممن روي عنه أنه فعل ذلك عثمان ابن عفان، وسعد بن مالك، ومعاوية. وقال ابن عباس: أصاب، يعني معاوية. وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري، وابن عمر، وابن الزبير.

وبه قال سعيد بن المسيب، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة،

ص: 649

وأبو أيوب. وهذا هو مذهب الشافعي.

وكان مالك يكره ذلك.

قال أبو بكر: أحب إلي أن يصلي المرء ما قضي له من الليل ركعتين ركعتين، ثم يوتر بواحدة، فإن أوتر بواحدة ليس قبلها شيء فهو جائز. انتهى كلام ابن المنذر.

ولا يظن بالحسن البصري أنه يخفى عنه مثل هذا الخلاف، والأحاديث الواردة في الإيتار بواحدة متفق على صحتها في "الصحيحين"، و "السنن"، و "المسانيد" لا مطعن فيها.

وكذلك الإيتار بخس متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها

ص: 650

قالت: "كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرها".

وكذلك الإيتار [بثلاث] متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، لكن ليس في "الصحيحين":"لا يفصل بينهن بسلام"، وإنما / هذه الزيادة ثابتة عنها في سنن النسائي، ومسند أحمد.

ص: 651

والإيتار بالسبع والتسع ثابت في صحيح مسلم وغيره. ولكن في الإيتار يسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة. وفي الإيتار بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة.

وفي رواية للنسائي: "سبع ركعات، لا يقعد إلا في آخرهن".

ولولا قصا الاختصار لسقت الأحاديث الواردة في الوتر كلها هنا.

ولا يظن بالحسن البصري خفاء هذه السنن عنه، إنما أراد - والله أعلم - إن صح هذا النقل عنه - الإجماع على جواز الإيتار بثلاث، لا على وجوبه.

والذي يظهر أن الاختلاف في ترجيح الفصل بين الثلاث وعدمه بمنزلة الاختلاف في ترجيح القران، وترجيح التمتع، وترجيح الإفراد. ويكون الكل سائغاً.

وإلا؛ إذا كان الكل ثابتاً، وليس شيء منه منسوخاً، فلا يجوز ترك شيء منه لمن بلغة. أما من لم يبلغه، أو بلغة وتأوله بتأويل سائغ فهو معذور. ورضي الله عن الأئمة كلهم.

ص: 652

قوله: (لما روي: "أنه عليه الصلاة والسلام قنت في آخر الوتر" وهو بعد الركوع. ولنا ما روي: "أنه عليه الصلاة والسلام قنت قبل الركوع".

لم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يقنت في الوتر، وإنما ثبت عنه أنه قنت في الفجر في وقت يدعو على أحياء من المشركين. وسيأتي الكلام على كونه منسوخاً أم، إن شاء الله تعالى.

قوله: (لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام: "قنت في صلاة الفجر شهراً ثم تركه").

ص: 653

أخرجه الطحاوي عن ابن مسعود، وتكلموا في سنده.

وفي "الصحيحين" وغيرهما، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"قنت رسول الله صلي الله عليه وسلم شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ثم تركة".

قوله: (ولهما أنه منسوخ، فلا متابعة فيه).

قال السروجي: إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر، وبه قال الثوري وأحمد.

ص: 654

قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا ني صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة وبلية فلا بأس به. فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم. ذكره عنه السيد الشريف، صاحب النافع في مجموعه. انتهى.

وجمهور أهل الحديث على أنه غير منسوخ، بل هو مشروع عد النوازل حتى في الصلوات كلها، فإنه ثبت في "الصحيحين" وغيرهما:"أنه قنت شهراً يدعو على رعل، وذكوان، وعصية ثم ترك هذا القنوت".

ثم إنه بعد ذلك بمدة بعد خيبر، وبعد إسلام أبي هريرة قنت، وكان يقول

ص: 655

في قنوته: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"

قال أبو هريرة: وأصبح ذات يوم فلم يدع لهم فذكرت له، فقال:"وما تراهم قد قدموا". ولو كان القنوت قد نسخ لما قنت هذه المرة الثانية.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "قنت رسول الله صلي الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة، يدعو على حي من بني سليم على رعل وذكوان، وعصية، ويؤمن من خلفه". أخرجه الإمام أحمد وأبو داود.

وروى مسلم "أنه صلي الله عليه وسلم قنت في الظهر والعشاء الأخيرة". وفي البخاري عن أنس قال: "كان القنوت في المغرب والفجر". انتهى.

ص: 656

وأكثر قنوته كان في الفجر، ولم يكن يداوم على القنوت لا في الفجر، ولا في غيرها، بل قد ثبت في الصحيحين عن أنس أنه قال:"لم يقنت بعد الركوع إلا شهراً".

والحديث الذي رواه الحاكم وغيره من حديث أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"ما زال يقنت [في الفجر] حتى فارق الدنيا"، إنما في سياقه القنوت قبل الركوع.

وهذا الحدث لو عارض الحديث الصحيح لم يلتفت إليه؛ فإن أبا جعفر الرازي متكلم فيه، فكيف وهو لم يعارضه، وإنما معناه: أنه كان يطيل القيام

ص: 657

في الفجر / قبل الركوع.

وأما أنه كان يدعو في الفجر دائما قبل الركوع أو بعده بدعاء يسمع منه، أو لا يسمع، فهذا باطل قطعاً. وكل من تأمل الأحاديث الصحيحة علم هذا بالضرورة، وعلم أن لو كان واقعاً لنقلته الصحابة رضي الله عنهم، ولما أهملوا قنوته المشروع لنا.

مع أنهم إنما نقلوا قنوته الذي لا يشرع بعينه، وإنما يشرع نظيره؛ فإن دعاءه على أولئك المعينين، ولأولئك المعينين ليس بمشروع، وإنما المشروع نظيره، فيشرع أن يقنت عند النوازل، يدعو للمؤمنين وعلى الكافرين في الفجر وغيرها، وفي الفجر آكد، فإنه تعالى يقول:{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}

وقد كان عمر رضي الله عنه يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه: "اللهم العن كفرة أهل الكتاب" إلى آخره. وكذلك علي رضي الله عنه لما حارب قوماً قنت يدعو عليهم.

وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة. وقول أبي يوسف في متابعة من يقنت في الفخر هو الصحيح. كذلك من

ص: 658

اقتدى بمن لا يقنت في الوتر، أو بمن يقنت فيه بعد الركوع، أو سلم بعد الركعتين منه يتابعه؛ فإن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"لا تختلفوا على أئمتكم".

وقال عليه السلام: "يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وان أخطأوا فلكم وعليهم".

والقنوت في الوتر مختلف فيه بين الصحابة، فحكى ابن المنذر عن ابن مسعود:"أنه كان يقنت في السنة كلها". وحكى عن علي، وأبي بن كعب القنوت في الوتر في النصف الأخير من رمضان فقط. قال: وكان ابن عمر يفعله. وحكي عن ابن عمر ترك القنوت في الوتر أيضاً.

وأخذ بكل قول من هذه الأقوال طائفة من العلماء بعدهم، وسبب اختلافهم فيه - والله أعلم - عدم ثبوته عن النبي صلي الله عليه وسلم نصاً.

ص: 659

فإن حديث الحسن رضي الله عنه، فيه: "علمني رسول الله صلي الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قوت الوتر: اللهم اهدي فيمن هديت

" إلى آخره.

وحديث علي رضي الله عنه فيه: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللهم إي أعوذ برضاك من سخطك

" إلى آخره. رواهما أهل السنن الأربعة، والإمام أحمد. وليس فيها قبل الركوع ولا بعده. ويحتمل أن يكون المراد من آخره بعد التشهد؛ فإنه محل الدعاء بالإجماع.

وحديث أي بن كعب: "أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات، ويقنت قبل الركوع". أخرجه النسائي، وأبو داود، وابن ماجه ..........

ص: 660

وفية كلام، بل عن أحمد أنه قال:"لم يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء". واختار هو القنوت بعد الركوع.

وقال عن حديث الحسن أنه لا يعرف عن رسول الله صلي الله عليه وسلم شيء في القنوت أحسن منه. والذي رواه الحاكم: "أنه عليه السلام قنت قبل الركوع"، إنما كان في صلاة الفجر. وقد تقدم أن معناه أنه كان يطيل القيام. والقنوت له معنى آخر غير الدعاء في الصلاة وطول القيام وهو الطاعة مطلقاً.

قال أهل التفسير في قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِين} : أي مطيعين. قاله الشعبي، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، وطاوس. ويشهد لذلك قوله تعالى: {بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ

ص: 661

قَانِتُون}، وقوله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا} ، وقوله تعالي:{عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ} ، وقوله تعالي:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} ، وقوله تعالي:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} .

وهذه الصفة تكون في السجود أيضا كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} .

وفي الحديث الصحيح: سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت". ولم يرد به طول القيام فقط، بل طول القيام والركوع والسجود كما كانت صلاة النبي صلي الله عليه وسلم معتدلة، إذا أطال القيام أطال الركوع / والسجود. وسمي إطالة القيام في الصلاة قنوتاً لأنه يطيل فيه الطاعة. والقنوت الذي هو الدعاء في الوتر والفجر عرف خاص. وقد تقدم ما في فصل الثلاث بالتسليم من الخلاف.

وقال السروجي: اقتدي حنفي المذهب بمن يرى الوتر سنة يجوز؛ لضعف

ص: 662

دليل وجوبه. ذكره في "مختصر البحر المحيط". انتهى.

وقال أبو بكر الرازي: اقتدى الحنفي بمن يسلم على الركعتين، يجوز في الوتر، ويصلي معه بقية الوتر؛ لأن إمامة لم يخرج بسلامة عنده، لأنه مجتهد فيه، كما لو اقتدى بإمام قد رعف وهو يعتقد أن طهارته باقية؛ لأنه مجتهد فيه، فطهارته باقية في حقه.

قوله: (وقيل يقعد تحقيقاً للمخالفة).

فيه نظر، فقد نهينا عن مخالفة الأئمة. قال عليه الصلاة والسلام:"لا تختلفوا على أئمتكم".

وقال عليه الصلاة والسلام: "إ نما جعل الإمام ليؤتم به".

واتفق المسلمون على أن المأموم يفعل لأجل الائتمام ما لا يسوغ له أن يفعله منفرداً، كالمسبوق إذا أدرك راكعاً كبر وركع معه، واعتد له بتلك الركعة. وان أدركه ساجداً كبر وسجد معه، ولم يعتد له بتلك الركعة، ثم

ص: 663

إنه يتشهد معه عقيب الأوتار. ولو فعل ذلك منفرداً عمداً لم يجز بالاتفاق. وكذلك المؤتم لا يسجد لسهوه، ويسجد لسهو الإمام.

قوله: (وإذا علم المقتدي، منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجزئه الاقتداء به).

حكي عن أبي يوسف رحمة الله: أنه صلى خلف الرشيد وقد رآه احتجم، وأفتاه مالك أنه لا يتوضأ.

وقد تقدم قول أبي بكر الرازي أنه لو اقتدى بإمام قد رعف، وهو يعتقد أن طهارته باقية صح اقتداؤه، وقال: لأنه مجتهد فيه، فطهارته باقية في حقه.

وهذا هو الحق، يشهد له ما وواه البخاري في صحيحة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:"يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وان أخطأوا فلكم وعليهم". فقد صرح بأن الإمام أذا أخطأ كان خطؤه عليه.

وغاية هذه المسائل أن يكون الإمام فيها مخطئاً، وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم أن خطأه عليه دون المأموم.

ص: 664

وبهذا يظهر الجواب عن قولهم: إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام، فإذا علم بطلان صلاته كانت الصلاة خلفه كالصلاة خلف المحدث المتعمد الصلاة مع حدثه.

وهذا القياس فاسد، وذلك أن المأموم يعلم أن الإمام مجتهد، إن أصاب فله أجران، وان أخطأ فله أجر، وخطؤه مغفور. وإذا كان يعلم أنه لا إثم عليه فممتنع أن يعتقد بطلان صلاته، ولعله هو المخطئ.

وان كانا مقلدين فالكلام في حق الإمامين اللذين قلداهما. إن أحدهما صاحب أجرين، والآخر صاحب أجر مغفور له. وما زال الصحابة رضي الله عنهم يصلي بعضهم خلف بعض مع تنازعهم في مسائل الاجتهاد.

ولو قيل لهذا المأموم: أنت تقول إن صلاة هذا الإمام باطلة بمنزلة من صلي بغير طهارة، وهو يعلم ذلك تجتنبه وتفسقه؟ لقال: لا.

ولو قيل له: هل هو مأجور على هذه الصلاة، قد برئت ذمته من الطلب بها؟ لقال: نعم.

وسر المسألة أن ما تركوه إن لم يكن واجباً في نفس الأمر، فلم يتركوا واجباً. وان كان واجبا فقد سقط عنهم باجتهاد هم الذي استفرغوا فيه وسعهم، وبلغوا فيه إلى حد يعجزون معه عن معرفة الوجوب، فسقط عنهم

ص: 665

ما عجزوا عن معرفته، كما يسقط الواجب بالعجز عن فعلة.

ولازم هذا القول الذي ذكره المصنف، أن أهل المذهب الواحد لا يصلي بعضهم خلف بعض، حتى لا يصلي أبو يوسف خلف محمد، ولا محمد خلفه، ولا يصليان خلف أبي حنيفة، ولا يقلد بعضهم في مسألة خلف من يقلد الآخر في خلافها.

فإن أبا يوسف يعتبر في انتقاض الطهارة بالقيء المتفرق المجلس، ومحمد السبب. وأبي يوسف يرى انتقاض الطهارة بقيء البلغم، وخالفه أبو حنيفة ومحمد.

ومحمد لا يرى انتقاض الطهارة بقيء الدم السائل حتى يكون ملء الفم، وخالفه أبو حنيفة، وأبو يوسف.

وزفر يرى نقض الطهارة بقليل الدم، وأبو حنيفة وأبي يوسف ومحمد اعتبروا السيلان. وهذا يؤدي إلى الافتراق، وقد نهينا عنه.

قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} . وقال تعالى:

ص: 666

{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} . وقال تعالي: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} .

وروى ابن ماجه عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء فعلية ولا عليهم".

ومن تمسك في هذه المسألة وأشباهها بقوله: "الإمام ضامن" أجيب ببقية الحديث، وإن كان روي:"الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين" أخرجه أحمد، والترمذي، وأبي داود من حديث أبي هريرة، وليس فيه تلك الزيادة. فتلك الزيادة قد أخرجها أحمد،

ص: 667

والبخاري وحدها، وهي أصح وأصرح في الدلالة كما تقدم.

وأما ما ذكره صاحب المحيط، وقاضي خان، وغيرهما أنه إنما يصح الاقتداء بالشافعية إذا كان الإمام يحتاط في مواضع الخلاف؛ بأن لا ينحرف عن القبلة، ولا يكون متعصباً، ولا شاكاً في .............................

ص: 668

إيمانه، بأن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، فظاهره أنهم اعتقدوا أن في مذهب الشافعي من يعتقد الصلاة إلى غير القبلة، ومن يشك في إيمانه.

وهذا غلط، فإن القبلة الشافعي وأصحابه هي القبلة عنا سائر المسلمين، ولكن كان قد حصل ببخارى نزع في قبلة بخارى خاصة، وذلك لا يتعلق بالمذاهب. وكذلك ليس للشافعي في الأيمان قول يخالف قول الأمة وأئمتها. وليس فيهم من كان يشك في إيمانه، واستثناء من كان يستثني من الملف في إيمانه إنما هو للتحقيق، بمنزلة قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ

ص: 669

الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ}. وقو له عليه السلام: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"، أو من الكاملين الأيمان، المذكورين في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} إلي قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} .

قوله: (المختار في القنوت الإخفاء لأنه دعاء).

نقل السغناقي والكاكي في شرحهما عن شيخ الإسلام أنه قال: لا إشكال في المنفرد أنه يخافت، وفي الإمام اختلف المشايخ. انتهى.

والذي ينبغي: أن يفعل هذا تارة، وهدا تارة؛ فإن الدعاء وان كان الأصل فيه الإخفاء فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يجهر بالدعاء حين يقنت، حتى سمع أصحابه ما كان يقول في دعائه، ونقلوه كما تقام ذكره، خصوصا إذا كان وراءه جاهل يحتاج إلى التعليم.

ص: 670