المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة المسافر - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ٢

[ابن أبي العز]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل في القراءة

- ‌باب الإمامة

- ‌باب الحدث في الصلاة

- ‌باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها

- ‌فصل

- ‌باب الوتر

- ‌باب النوافل

- ‌فصل في القراءة

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌باب قضاء الفوائت

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة المريض

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب الجمعة

- ‌باب العيدين

- ‌فصل في تكبيرات في التشريق

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب الاستسقاء

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب الجنائز

- ‌فصل في الكفن

- ‌فصل في الصلاة على الميت

- ‌فصل في حمل الجنازة

- ‌فصل في الدفن

- ‌باب الشهيد

- ‌باب الصلاة في الكعبة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب صدقة السوائم

- ‌فصل في الإبل

- ‌فصل في البقر

- ‌فصل في الغنم

- ‌فصل في الخيل

- ‌فصل

- ‌باب زكاة المال

- ‌فصل في الذهب

- ‌فصل في العروض

- ‌باب فيمن يمر على العاشر

- ‌باب المعدن والركاز

- ‌باب زكاة الزروع والثمار

- ‌باب من يجوز دفع الصدقة إليه ومن لا يجوز

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌كتاب الصوم

- ‌باب ما يوجب القضاء والكفارة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يوجبه على نفسه

- ‌باب الاعتكاف

الفصل: ‌باب صلاة المسافر

‌باب صلاة المسافر

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "يمسح المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها" عم الرخصة في الجنس ومن ضرورته عموم التقدير).

في الاستدلال بهذا الحديث على تقدير مدة السفر بثلاثة أيام نظر؛ فإنه يمكن أن تقطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام، والبعيدة في أقل منها، فيكون الأول قد سافر ثلاثة أيام ولا يترخص، والثاني/: قد سافر في أقل منها ويترخص، فقد خرجا من عموم المسافرين، ولأنهم لم يعتبروا السير في الليل، ومدة المسح للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، مع أن القصر قد ورد في أقل من ثلاثة أيام، بل في أقل من يوم.

ص: 723

ولم يقولوا أن أقل ماد الإقامة يوم وليلة. وقل نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تسافر المرأة إلاّ مع زوج أو ذي محرم. وتارة يُقدر، وتارة يطلق، وأقل ما روي في التقدير بريد.

ص: 724

وذلك يدل على أن البريد يكون سفراً كما يكون الثلاثة سفراً، والمسافر قد رخص له في أن يفطر في رمضان وأقل الفطر يوم، ومسافة البريد يذهب إليها الذاهب ويرجع في يوم فيحتاج إلى الفطر والى القصر بخلاف ما دون ذلك، ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام قصر فيما دون ذلك، بل قد كان يذهب إلى مسجد قباء كل سبت راكباً وماشياً ولم يكن يقصر الصلاة لا هو ولا غيره ممن يأتيه؛ إذ لو قصر لنقل إلينا لشدة الحاجة إلى معونة ذلك؛ وقباء عن المدية أكثر من ميل.

ص: 725

وهذا أحد القولين في مذهب أحمد، وهو في القوة كما ترى. قال في المغني: وروي عن جماعة من السلف ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم، قال الأوزاعي:"كان أنس يقصر فيما بينة وبين خمسة فراسخ" وكان قبيصة بن ذؤيب، وهانئ بن كلثوم، وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس.

وروي عن علي رضي الله عنه أنه: "خرج من قصره بالكوفة حتى أتى

ص: 726

النخيلة" فصلى بها الظهر والعمر ركعتين ثم رجع من يومه فقال: أردت أن أعلمكم سنتكم". وعن جبير بن نفير قال: "خرجت مع شرحبيل بن المسط إلى قرية على رأس سبعة عشر ميلاً أو ثمانية عشر ميلاً، فصلى ركعتين، فقلت له! فقال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي [بذي] الحليفة ركعتين، وقال: إنما فعلت كما رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يفعل". ورواه مسلم.

وروي أن دحية الكلبي خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر ثلاثة

ص: 727

أميال في رمضان ثم أنه أفطر معه أناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال:"والله رأيت اليوم أمرًا ما كنت أظن أني أراه!! إن قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول للذين صاموا" رواه أبو داود.

وروى سعيد قال: حدثنا هشيم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخًا قصر الصلاة. وقال أنس: "كان رسول صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين" شعبة الشاك، رواه مسلم وأبو داود، ثم

ص: 728

قال بعد ذلك: ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة؛ لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ولا حجة فيها مع الاختلاف. وقد روي عن ابن عباس، وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا.

ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله.

وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين:

أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي روينا. ولظاهر القرآن لأن

ص: 729

ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض لقوله سبحانه وتعالى:} وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة {. وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية فبقي ظاهر الآية متناولاً كل ضرب في الأرض. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يمسح المسافر ثلاثة أيام" جاء لبيان أكثر مدة المسح فلا يصح الاحتجاج به ها هنا، وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفرًا، فقال:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم".

والثاني: أن التقدير بابه التوقف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، وليس له أصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه.

انتهى ما نقلته عن [ابن] قدامة من المغني. وقال السروجي بعد أن ذكر

ص: 730

بعض كلام ابن حزم في إبطال تقدير مدة السفر: قلت: لعمري إنه لم يبعد فيما قال من المقادير لكن يناقض كلامه، ثم ناقشه في كلامه. ولقد صدق السروجي في قوله أنه لم يبعد فيما قال في ذلك. والظاهرية يعتد بخلافهم على الصحيح، وما زال الأئمة من أصحاب المذاهب يناظرونهم وينصبون معهم الخلاف في كتبهم.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعرفة ومزدلفة ومنى بالمسلمين جميعهم قصرًا وفيهم أهل مكة وغيرهم ولم يأمرهم بالإتمام، ولكن لما صلى بمكة/ قال لهم:"يا أهل مكة أتمو صلاتكم فإنا قوم سفر". فهذا قاله في مكة عام الفتح، لا في منى وعرفات والمزدلفة، ولهذا جوز مالك وأحمد في رواية لأهل مكة

ص: 731

الجمع والقصر بعرفة.

قال ابن عبد البر في "التمهيد": قال مالك: يصلي أهل مكة بعرفة ركعتين ركعتين ما أقاموا، يقصرون الصلاة حتى يرجعوا إلى أهليهم، وأمير الحاج أيضًا كذلك إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى، قال: وعلى ذلك الأمر عندنا، فإذا كان أحد ساكنًا بمنى مقيمًا أتم الصلاة إذا كان بمنى، وعرفة أيضًا كذلك.

قال مالك: وأهل مكة يقصرون الصلاة بمنى، وأهل منى يقصرون الصلاة بعرفة، وأهل عرفة يقصرون بمنى، وهو قول الأوزاعي سواء. ومن حجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه

رضي الله عنهم لم يصلوا في تلك المشاهد كلها إلا ركعتين، وسائر الأمراء لا يصلون هناك إلا ركعتين فعلم أن ذلك سنة الموضع لأن من الأمراء مكيًا وغير مكي. انتهى كلام ابن عبد البر.

وقد ذكر الله السفر مطلقا في قوله تعالى:} ومن كان مريضًا أو على سفر {، وقوله:} وإن كنتم مرضى أو على سفر {.

وقد اضطرب الذين فرقوا بين طول السفر وقصيره في تقديرهم.

ص: 732

قوله: (فقدرناها بمده الطهر لأنهما مدتان موجبتان وهو مأثور عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما والأثر في مثله كالخبر).

يعني مدة الإقامة، وأنها مقدرة بخمسة عشر يوما. قال السروجي: ولنا ما روى أبو حنيفة عن ابن ذر عن مجاهد عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما، أنهما قالا:"إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يومًا وليلة فأكمل صلاتك، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها"، ولم يرو عن غيرهما من السلف خلافه. انتهى. والعجب منه

ص: 733

كيف يقول: ولم يرو من غيرهما من السلف خلافه؟! وهو نفسه قد حكى قبل ذلك عن علي رضي الله عنه وغيره التقدير بعشرة أيام.

وحكى أيضًا عن ابن عمر التقدير باثنى عشر يومًا. وحكى عن غيرهم من السلف ثمانية عشر قولاً. فكيف يقول ولم يرو عن غيرهم من السلف خلافه؟! لولا غفلة لحقته أو هوى حمله.

وفي "المغني": وروي عن علي رضي الله عنه قال "يتم الصلاة الذي يقيم عشرًا، ويقصر الصلاة الذي يقول: أخرج اليوم، أخرج غدًا، شهرًا". وهذا قول محمد بن علي وأبيه، والحسن بن صالح.

وعن ابن عباس قال: "إذا قدمت بلدة فلم تدر متى تخرج؟ فأتم الصلاة، وإن قلت: أخرج اليوم، أخرج غدًا فأقمت عشرًا فلا تتم الصلاة".

ص: 734

وعنه أنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بعض أسفاره تسعة عشر يومًا يصلي ركعتين".

قال ابن عباس: "فنحن إذا قمنا تسع عشرة نصلي ركعتين، وإن زدنا على ذلك أتممنا" رواه البخاري.

وقال الحسن: "صل ركعتين إلا أن تقدم مصرًا فأتم الصلاة وصم". وقالت عائشة رضي الله عنها: "إذا وضعت الزاد والمزاد فأتم الصلاة". انتهى.

وحكى ابن المنذر في "الإشراف" عن ابن عمر تقدير مدة الإقامة باثني عشر يومًا فقال: وهذا آخر أقاويله. فبطل قول السروجي: ولم يرو عن غيرهما من السلف خلافه.

وأما اعتبار أقل مدة الإقامة بأقل مدة الطهر فالكلام في ثبوت أقل مدة

ص: 735

الطهر ولا يصح القياس عليه إلا بعد ثبوته مع أن القياس لا يدخل في المقادير.

قوله: (ولو دخل مصرًا على عزم أن يخرج غدًا، أو بعد غد ولم ينو مدة الإقامة حتى بقي على ذلك سنين قصر؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه الصحيح أقام بأذربيجان ستة أشهر وكان بقصر، وعن جماعة من الصحابة مثل ذلك").

فيه نظر، فإن ابن عمر أقام بأريبجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول.

قال بعضهم: والثلج الذي يبقى في هذه المدة يعلم أنه لا يذوب في أيام قليلة، فلم يكن إقامته هناك على عزم أن يخرج غدًا أو بعد غد، وكذلك لما أقام النبي صلى الله عليه وسلم/ في غزوة الفتح تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة. وأقام بتبوك

ص: 736

عشرين يومًا يقصر الصلاة ومعلوم بالعادة أن ما كان يفعله بمكة وتبوك لم يكن ينقض في ثلاثة أيام أو أربعة حتى يقال: إنه كان يقول أسافر غدًا أو بعد غد. ولم يثبت في تقديره مدة [الإقامة] نص. وأقوال السلف فيه مضطربة كما في تقديره مدة السفر. وإنما النصوص مطلقة.

وإقامة من عزمه الرجوع إلى بلده بعد انقضاء أربه ليست بإقامة مستوطن سواء كان تقديرها بخمسة عشر يومًا أو أقل أو أكثر، والله تعالى أعلم.

قوله: (وإن صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم وأتم المقيمون صلاتهم، لأن المقتدي التزم الموافقة في الركعتين فينفرد في الباقي فينفرد في الباقي كالمسبوق [إلا أنه لا يقرأ في الأصح لأنه مقتد تحريمة لا فعلاً، والفرض صار مؤدي فيتركها

ص: 737

احتياطاً بخلاف المسبوق] لأنه أدرك قراءة نافلة فلم يتأد بها الفرض فكان الإتيان أولى).

في كلامه نظر موضعين، أحدهما: في قوله: (فيتركها احتياطيًا) فإنه ينبغي أن يكون فغل القراءة أحوط هنا وذلك لوجوه.

أحدهما: أن القول بأن القراءة فرض في كل ركعة أقوى دليلًا كما تقدم.

الثاني: أن القراءة خلف الإمام في حالة الإخفاء أقوى دليلًا أيضا تقدم، فكيف بمن قد فارق الإمام.

الثالث: أن اللاحق الذي فاته شيء من صلاة إمامه فقام أتي به بعد فراغ إمامه في جعله وراء الإمام نظر، فكيف بمن صلى مع الإمام كل صلاته ثم قام هو يأتي بما بقي عليه من صلاته كما يفعل المسبوق.

ص: 738

والفرق بأن هذا أدرك تحريمة الإمام والمسبوق لم يدركها فرق غير مؤثر، فإن التحريمة لا تأثير لها في القراءة، وإنما قراءة الإمام قراءة المؤتم، إما في حالة الجهر أو مطلقًا فكان هذا المقيم قد قرأ في الأوليين، وقام يصلي الأخريين فيقرأ فيهما كالمنفرد.

الرابع: أن ذلك مما اختلف فيه العلماء فكانت القراءة أحوط من الترك للخروج من الخلاف.

الموضع الثاني: في قوله: (فكان الإتيان أولى) يعني في حق المسبوق، والمسبوق لو ترك القراءة فيما سبق به تفسد صلاته. فكيف يقول: الإتيان أولى؟ قال في ((الحواشي)): مراده أن جعله منفردًا أولى من جعله مقتديًا. وهذا التأويل غير سديد، فإن قوله: الإتيان أولى لا يكون معناه جعله منفردًا أولى.

قوله: (لأنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا يسافرون ويعودون إلى أوطانهم مقيمين من غير عزم جديد).

فيه نظر، فأن النية عمل القلب وهو إذا دخل وطنه الذي قد استوطنه فالعزم على الإقامة حاصل، ولو كان من عزمه أن يخرج بعد ذلك إلى سفر آخر لا يخرجه ذلك عن أن يكون من عزمه الإقامة. فالحاصل أن العزم القديم على الإقامة في ذلك الوطن مستمر، فلا يتصور تجديده لأن تحصيل الحاصل

ص: 739

محال. ومن خرج من وطنه ومن عزمه العود إليه فعزمه على استيطانه لم ينقطع بذلك الخروج، فكيف يتصور إيجاد ما هو موجود.

قوله: (وهذا لأن الأصل أن الوطن الأصلي يبطل بمثله دون السفر، ووطن الإقامة يبطل بمثله وبالسفر وبالأصلي).

هذا مبني على أن مدة الإقامة أقلها مقدر بخمسة عشر يومًا وقد تقدم ما فيه من الإشكال. وقد حكى السروجي فيها للعلماء ثمانية عشر قولًا.

***

ص: 740