الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإمامة
(الجماعة سنة مؤكدة لقوله عليه الصلاة والسلام: "الجماعة من سنن الهدى، لا يتخلف عنها الإ منافق").
قال السروجي: إنه من قول ابن مسعود، لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورفعه خطأ. انتهى.
وقد استدل بهذا الحديث من قال بفرضيتها؛ فإن لفظ الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم. وما من
رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله بكل خطوة يخطوها حسنة، وبرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة. ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف" رواه مسلم.
ووجه الدلالة أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم، ولا يكون ذلك إلا لترك فريضة أو فعل محرم، وأكد ذلك بقوله:"من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا". وسمى المتخلف عنها تاركًا للسنة التي هي طريقة رسول الله، وشريعته التي شرعها لأمته، وليس المراد السنة التي من شاء فعلها ومن شاء تركها؛ فإن تلك لا يكون تركها ضلالًا ولا من علامات النفاق
وضموا إلى ذلك [أدلة] من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى:{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} الآية ووجه الدلالة أنه أمرهم بصلاة الجماعة معه في حال الخوف، وذلك دليل على وجوبها
حال الخوف، وهو يدل بطريق الأولى على وجوبها حال الأمن
وأيضًا فإنه شرع صلاة الخوف جماعة، وسوغ فيها ما لا يجوز لغير عذر كاستدبار القبلة، والعمل الكثير، فإنه لا يجوز لغير عذر بالاتفاق، وكذلك التخلف عن متابعة الإمام.
قالوا: وهذه الأمور تبطل الصلاة لو فعلت لغير عذر، فلو لم تكن الجماعة واجبة لكان قد التزم فعلًا محظورًا مبطلًا للصلاة، وترك المتابعة الواجبة لأجل سنة، مع أنه كان من الممكن أن يصلوا وحدانًا صلاة تامة، فعلم أنها واجبة، أي فرض.
ومنها: قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآوتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} .
والمراد المقارنة بالفعل، وهي الصلاة جماعة، لأن الأمر بالصلاة قد تقدم، فلابد من فائدة أخرى. وتخصيص الركوع لأن بإدراكه تدرك الصلاة، فمن أدرك الركعة فقد أدرك السجدة.
ومنها حديث أبي هريرة المتفق عليه، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم أنطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".
وفي لفظ: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت
…
" الحديث. وفي المسند وغيره: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأمرت أن تقام الصلاة
…
" الحديث.
فبين العذر في عدم التحريق، وذلك بمنزلة إقامة الحد على الحبلى، وقد قال سبحانه:{ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} الآية. ولا يقال إنما هم بقتلهم لنفاقهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتلهم على الأمور الباطنة، وإنما يعاقبهم على ما يظهر منهم من ترك واجب، أو فعل محرم، ولأنه رتب العقوبة على ترك شهود الصلاة، فيجب ربط الحكم بالسبب الذي ذكره.
ومنها أن أعمى أستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يصلي في بيته فأذن له، فلما ولى دعاه فقال:"هل تسمع النداء؟ " قال: نعم. قال: "أجب الصلاة" رواه مسلم، والنسائي.
والرجل الأعمى هو ابن أم مكتوم كما جاء مصرحًا به في رواية أبي
داود والنسائي أيضًا.
ولا يصح معارضة هذا الحديث بحديث عتبان بن مالك، فإن ذاك قال: يا رسول الله، إن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي. فكان عذره أمرًا زائدًا على مجرد العمى، وهو حيلولة السيول بينه وبين المسجد.
وأجابوا عن احتجاج المسقطين لفرضيتها بتفضيل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده، فقالوا: التفضيل لا يدل على أن المفضول جائز، فقد قال تعالى:{إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم} . والسعي واجب، والبيع لا يجوز.
أو هو محمول على المعذور؛ فإن هذا بمنزلة قوله: "صلاة القاعد على
النصف من صلاة القائم، وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد". والمراد المعذور، وهذا أحد القولين في تفسير هذا الحديث، وهو الصحيح.
والقول الآخر أن المراد النفل دون الفرض، ومن قال هذا القول لزمه أن يجوز تطوع الصحيح مضطجعًا. وقد التزمه بعض المتأخرين. ولكن أكثر العلماء أنكروا ذلك وعدوه بدعة وحدثًا في الإسلام، وقالوا: لا يعرف أن أحدًا قط صلى في الإسلام على جنبه وهو صحيح، ولو كان مشروعًا لفعلوه، أو فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة تبينًا للجواز. فإنه ورد أنه تنفل قاعدًا،
وعلى راحلته، ولم يرد أنه تنفل مضطجعًا.
فإن قيل: قد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر/ كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم".
فالجواب أن هذا الأجل نيته وعجزه عنه. وهذا ومثله يبين أن المعذور يكتب له مثل ثواب الصحيح إذا كانت تينه أن يفعل، وقد عمل ما يقدر عليه، وذلك لا يقتضي أن يكون نفس عمله مثل عمل الصحيح.
وأيضًا فليس كل معذور يكتب له مثل عمل الصحيح، وإنما يكتب له إذا كان يقصد عمل الصحيح ولكن عجز عنه. فالحديث يدل على أن من كانت عادته الصلاة في الجماعة والصلاة قائمًا، ثم ترك ذلك لمرضه فإنه يكتب له ما كان يعمل وهم صحيح مقيم، وكذلك المتطوع. وأما من لم يكن عادته الصلاة في الجماعة ولا الصلاة قائمًا، إذا مرض فصلى وحده، أو صلى قاعدًا فهذا لا يكتب له مثل صلاة المقيم الصحيح.
وأيضًا فهذا التفضيل إنما يكون بين صلاتين صحيحتين، فإن الحديث ما سيق لبيان صحة الصلاة وفسادها، فوجوا القيام والجماعة وسقوطهما يتلقى من أدلة أخر.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "من صلى خلف عائم تقي فكأنما صلى حلف نبي".
قال السروجي: لم أقف عليه في كتب الحديث، لكن معناه قوله صلى الله عليه وسلم:"اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم بينكم وبين ربكم" رواه الدارقطني. انتهى.
وهذا الذي رواه الدارقطني ضعيف، ضعفه البيهقي وغيره. والأول منكر.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام لا بني أبي مليكة: "أذنًا وأقيمًا وليؤمكما أكبر كما سنًا").
قوله: (وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام). يعني صلاة
عائشة بالنساء جماعة.
قال السروجي: وفيه بعد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشر [ة] سنة، هكذا رواه البخاري ومسلم. ثم تزوج عائشة رضي الله عنها وبني بها بالمدينة وهي بنت تسع، فبقيت عنده تسع سنين.
قال صاحب المحيط: صلت بهن العصر، وما تصلي إمامًا إلا بعد بلوغها، فكيف يستقيم حمله على ابتداء الإسلام؟ لكن يمكن أن يقال: إنه
منسوخ وإن لم يكن في ابتداء الإسلام، بل كان ذلك حين كان النساء يحضرن الجماعات ثم نسخت جماعتهن، هكذا قالوا. انتهى ما قال السروجي رحمة الله.
ولقد أنصف إذ قال: هكذا قالوا. فإن هذه عبارة فيها تلويح بضعف هذه المقالة، والأمر كذلك. فما أصعب هذه الدعوى، وأصعب إثباتها! فأين شروط النسخ من وجود معارض مقاوم متأخر؟ وليس النسخ بمجرد الدعوى! ولا يترك لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة صحيحه أبدًا بدعوى إجماع، ولا دعوى نسخ، إلا أن يوجد ناسخ صحيح صريح متأخر نقلته الأمة وحفظته؛ إذ محال على الأمة أن تضيع الناسخ الذي يلزمها حكمه، وتحفظ المنسوخ الذي قد بطل العمل به، ولم يبق من الدين. ولا يجوز أن يقال: يمكن أن يكون منسوخًا، ولا يذكر التاريخ ومن وراه.
وكان النساء يحضرن الجماعات ويصلين جماعة، ولم يمنعن من
ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وبعد وفاته لا يمكن النسخ.
قوله: (أما المرأة فلقوله عليه الصلاة والسلام: "أخروهن من حيث أخرهن الله".
قال السروجي: هذا الحديث مذكور في كتب الفقه، ثم نقل عن شيخه قاضي القضاة، صدر الدين سليمان: أنه كان يعزوه إلى مسند رزين بن معاوية. انتهى.
وذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" وعزاه إلى مسند رزين أيضًا. وقال ابن التركماني: ذكره الطبراني موقوفًا على ابن مسعود.
والعجب أن المصنف رحمه الله ادعى بعد هذا في مسألة المحاذاة أنه من
المشاهير، وهو/ غير ثابت عند أهل الحديث، فضلًا عن شهرته.
قوله: (لأنها عرفت مفسدة بالنص، بخلاف القياس، فيراعي جميع ما ورد به النص).
ليس في مسألة المحاذاة حديث غير الحديث المتقدم، وهو "أخروهن من حيث أخرهن الله".
وفي ثبوته نظر؛ فأين ورد النص بأن تكون الصلاة مشتركة، وأن تكون مطلقة، وأن تكون المرأة من أهل الشهوة، وأن لا يكون بينهما حائل، وأن ينوي المأموم إمامتها، وأن تكون المحاذاة في ركن كامل؟
قوله: (غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة. أما في الفجر والعشاء فهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشتغلون).
الظاهر أن هذا مما يختلف باختلاف الأحوال، وكأن الإمام أبا حنيفة
رحمه الله بني الجواب على ما بلغه من حال فساق زمانه. وأما في زماننا، فأكثر ما ينتشر في وقت العشاء والمغرب يستترون بظلمة الليل؛ فيجب على المفتي النظر في مثل ذلك. ولهذا نظائر تأتي في أماكنها يقول الأصحاب فيها: هذا مما يختلف باختلاف العصر والزمان.
قوله: (ويصلي القائم خلف القاعد. وقال محمد: لا يجوز، وهو القياس لقوة حال القائم، ونحن تركناه بالنص، وهو ما روي "أنه عليه الصلاة والسلام صلى آخر صلاته قاعدًا والقوم خلفه قيام").
قال ابن المنذر: واختلف أهل العلم في الإمام يصلي بالناس جالسًا من علة، فقالت طائفة: يصلون قعودًا، فمن فعل ذلك جابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حضير.
وبه قال أحمد وإسحاق، قال أحمد: كذا قال النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أربعة من الصحابة.
قال أبو بكر: الرابع هو في الخبر الذي رويناه عن قيس بن (قهد)، أن إمامًا لهم اشتكى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكان يؤمنا جالسًا ونحن جلوس، ثم حكى بقية الأقوال، ثم اختار قول أحمد.
ويؤيد ما ثبت في حديث عائشة، وأنس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه لما سقط عن فرس فجحش شقه الأيمن".
وفي رواية: "فانفكت قدمه، فدخل عليه أصحابه يعودونه، فحضرت
الصلاة، فصلى بهم قاعدًا، وصلوا وراءه قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا فصلوا وراءه قعودًا. فلما قضي الصلاة قال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به. فإذا كبر فكبروا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع لله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعدًا فصلوا جلوسًا أجمعين" متفق عليه.
وفي رواية لأبي داود من حديث جابر: "ولا تفعلوا كما تفعل فارس بعظمائها".
ولم يثبت ما ينسخه؛ فإن صلاته التي صلاها في مرض موته جالسًا، اختلفت الصحابة رضي الله عنهم فيها، هل كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام أو أبو بكر رضي الله عنه؟.
فعن أنس رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه أبي بكر قاعدًا".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدًا" رواهما الترمذي وصححهما.
وعن عائشة رضي الله عنها أيضًا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس جالسًا، وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويفتدي الناس بصلاة أبي بكر".
وعنها رضي الله عنها قالت: "من الناس من يقول: كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم-في الصف. ومنهم من يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر". ذكره ابن عبد البر في التمهيد بسنده.
وعن جابر قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره" رواه مسلم.
ومع هذا الاضطراب لا يثبت النسخ.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "من أم قومًا ثم ظهر أنه كان محدثًا، أو جنبًا، أعاد صلاته وأعادوا".
رواه الدارقطني بإسناده عن أبي جابر البياضي، عن ابن المسيب، أنه عليه الصلاة والسلام:"صلى بالناس وهو جنب، فأعاد وأعادوا".
وعن على/ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه صلى بهم ثم انصرف، ثم جاء ورأسه يقطر، فأعاد بهم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه".
قال أبو الفرج: أما الحديث الأول، فقال الدارقطني: هو مرسل وأبو جابر متروك الحديث. وأما الحديثان الأخيران فلا يعرفان. انتهى.
وما رواه المصنف رحمه الله فغير معروف، وإنما روى الإمام أحمد عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبر، ثم أومأ إليهم: أن مكانكم، ثم دخل فخرج ورأسه يقطر، فصلى بهم. فلما قضي الصلاة قال:"إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا".
رواه أبو داود أيضًا، وقال: رواه أيوب، [و] ابن عون، وهشام
عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فكبر ثم أومأ إلى القوم: أن أجلسوا، وذهب فاغتسل)). انتهى.
وهذه الإعادة للتذكر في الصلاة، أما التذكر بعد الصلاة فقد صح عن عمر أنه صلى بالناس وهو جنب ولم يعلم، فأعاد ولم يعيدوا. وكذلك عثمان، ويروى عن علي من قوله، ذكر ذلك في المنتقى في الأحكام.
وزاد ابن المنذر ابن عمر، وحكاه عن الأئمة الثلاثة وغيرهم، واختاره.
ويشهد لذلك حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم)). والله أعلم.
***