الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صدقة الفطر
قوله: (أما وجوبها فلقوله عليه الصلاة والسلام في خطبته: "أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير" رواه ثعلبة بن صير العدوي، أو] ابن أبي [صُعير العُذري).
رواه أبو داود والدارقطني. وهو حديث مضطرب الإسناد والمتن، وقد تكلم فيه الإمام أحمد وغيره وضعفوه. وفي بعض طرقه لم يذكر البر،
وفي بعضها ذكره مقدرًا بصاع.
وفي بعضها بصاع بين كل اثنين. وفي بعضها: «غني أو فقير» ، وفي بعضها زيادة على ذلك:«أما غنيكم، فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد عليه أكثر مما أعطى» . ولولا خوف الإطالة لذكرت ما في إسناده من الاضطراب. ولا يصح الاحتجاج به لمن يشترط في الوجوب ملك مقدار النصاب؛ لأن
فيه «وأما فقيركم فيرد عليه أكثر مما أعطى» . ولا يجوز أخذ بعض الحديث وترك بعضه. ولكن أدلة وجوب صدقة الفطر، وتقدير البر بنصف صاع كثيرة غير هذا الحديث.
قوله: (لأن السبب رأس يلي عليه ويمونه).
في زيادة شرط الولاية نظر؛ فإنه لم يرد فيه شيء من السنة. وورد في اعتبار المؤنة ما رواه الدارقطني «أنه عليه السلام أمر بصدقة الفطر عن الصغير، والكبير، والحر، والعبد ممن يمونون» .
وذكر في الإمام عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه أن النبي صلى الله عليه وسلم «فرض صدقة الفطر عن الكبير والصغير، والذكر والأنثى ممن يمونون» .
قوله: (وعندنا وجوبها على المولى بسببه كالزكاة فيؤدى إلى الثنا). يعني صدقة الفطر عن عبده للتجارة.
قال السروجي: يرد هنا على أبي حنيفة سؤال، فإنه لا يرى ضم ثمن السوائم التي زكيت إلى ما معه من الدراهم فيكتفي بحولها لأجل الثنا في الصدقة، وأوجب ضم ثمن العبد الذي أدى صدقة فطره إلى ما معه من الدراهم، وفرق بأن صدقة الفطر يجب عن عبد الخدمة من غير اعتبار المالية حتى وجبت بسبب الحر، والمدبر، وأم الولد من غير اعتبار الحول حتى لو ملك عبدًا قبل طلوع فجر يوم الفطر تجب فطرته. فإذا اختلف السبب كيف يؤدى إلى الثنا؟!.
قال: والذي يمكن أن يقال في الجواب: أنا لو أخذنا صدقة الفطر عن عبيد التجارة لأخذنا عن عين واحدة في وقت واحد أو سنة واحدة بخلاف ضم ثمنه فإن الأخذ من بدله، وصدقة الفطر من عينه مع اختلاف السبب، وفي ثمن الإبل المزكاة البدل قائم مقام المبدل لاتحاد جهة الزكاة فافترقا. انتهى.
وفي جوابه نظر فإن البدل قائم مقام المبدل، والأخذ ليس من العين بل عنها، والثنا إنما يكون عند اتحاد الجهة، وهنا الجهة مختلفة فإن سبب زكاة العبد ملك النصاب النامي وذلك باعتبار ماليته، وسبب صدقة فطره مؤنته إياه، أو مؤنته والولاية عليه عند أبي حنيفة، واختلاف السبب بمنزلة اختلاف العين فانتفى الثنا.
قوله: (ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي»
…
الحديث).
قال الدارقطني: تفرد به سلام الطويل وهو متروك. وإنما يروى من فعل ابن عمر رضي الله عنهما. انتهى.
ولم يثبت عن ابن عمر أيضًا، وفي آخر حديث ابن عمر الثابت في «الصحيحين»:«على كل حر وعبد وذكر وأنثى/ من المسلمين» .
فإن قيل: ذكر الترمذي: أن مالكًا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله: «من المسلمين» . قيل: ليس كذلك بل وافقه الضحاك في رواية مسلم. وعمر بن نافع في رواية البخاري وقد وافقه ....................
غيرهما أيضًا.
وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس ما يبعد صحة ما ذكره المصنف عنه، وهو أنه قال:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي مقبولة، ومن آداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» . قال في المغني: إسناده حسن.
قوله: (وقال الشافعي: على من له الملك). يعني صدقة فطر العبد المبيع بشرط الخيار.
وهذا الكلام مشكل فإنه لا خلاف أن صدقة فطر العبد على من له الملك، ولكن الملك في مدة الخيار لمن؟ فعنه أنه لمن له الخيار كقول زفر، وعنه أنه
موقوف كقول أصحابنا. هذا إذا كان الخيار لأحدهما، فإن كان الخيار لهما فالملك للبائع. فالحاصل أن نصب الخلاف مع الشافعي بهذه العبارة لا يفيد.
قوله: (وقال أبو يوسف: خمسة أرطال وثلث رطل، وهو قول الشافعي رحمه الله لقوله عليه الصلاة والسلام: «صاعنا أصغر الصيعان»).
هذا الحديث منكر لا أصل له، وقول أبي يوسف قول أكثر العلماء منهم الأئمة الثلاثة.
ورجوع أبي يوسف إلى قول الإمام مالك رحمه الله لما اجتمع به في المدينة الشريفة مشهور، ذكره البيهقي من حديث الحسين بن الوليد القرشي قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج فقال: أريد أن أفتح عليكم بابًا من العلم أهمني، ففصحت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع؛ فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لهم: ما حجتكم في ذلك؟ قالوا: نأتيك بالحجة غدًا.
فلما أصبحت أتاني نحوٌ من خمسين شيخًا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجلٍ منهم الصاع تحت ردائه، كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت فإذا هي سواء. قال: فعيرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير، فرأيت أمرًا قويًا. فقد تركت قول أبي حنيفة في الصاع، وأخذت بقول أهل المدينة. انتهى.
ولم يثبت في تقدير الصاع بثمانية أرطال بالعراقي ما يقاوم ما ثبت فيه أنه
خمسة أرطال وثلث بالعراقي. والغلط في مثله إلى أهل العراق أقرب منه إلى أهل المدينة، فأهل المدينة أخبر من غيرهم بصاعهم، وأهل العراق أخبر من غيرهم بقفيزهم، وأهل الشام أخبر من غيرهم بمدهم، وأهل مصر أخبر من غيرهم بويبتهم وإردبهم، وأمثال ذلك كثيرة.
قوله: (فإن قدموها على يوم الفطر جاز؛ لأنه أدى بعدما تقرر السبب، فأشبه التعجيل في الزكاة، ولا تفصيل بين مدة ومدة هو الصحيح).
في تصحيح نظر. وقد اختلف المشايخ في مدة جواز التعجيل، فقال خلف بن أيوب: بعد دخول شهر رمضان لا قبله، وهو قول الشافعي.
وقال نوح بن [أبي] مريم: يجوز تعجيلها في النصف الأخير من رمضان. وقال بعضهم: في العشر الأخير. وقال: الكرخي: قبل الفطر بيوم أو يومين. وهو قول أحمد ومالك. ويظهر رجحان هذا القول لحديث ابن عباس المتقدم ((إنها طهرة للصائم من الرفث وااللغو وطعمة للمساكين، ومن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)). وما يقرب من الشيء يأخذ حكمه.
وفي آخر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) رواه البخاري. وهذا إشارة إلى جميعهم فيشبه الإجماع.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم)) يعني السؤال يوم الفطر، والفطر وإن كان شرطًا لكنه في قوة السبب؛ لأنها تضاف إليه يقال: صدفة الفطر ويتكرر بتكرره وذلك أمارة السببية.
والمعنى المقصود منها إغناء الفقير عن السؤال يوم العيد، وهذا لا يحصل بالصدقة قبله بزمان طويل، ولا بالصدقة بعده، وإن كانت القربة/ فيها معقولة المعنى وهي سد خلة المحتاج فالمراد إغناؤه عن السؤال في يوم العيد تكميلًا لسروره فيه. والله أعلم.
* * *