الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النوافل
(فأما نافلة الليل، قال أبو حنيفة رحمة الله: إن صلى ثماني ركعات بتسليمة جاز، ويكوه الزيادة على ذلك. ثم قال: ودليل الكرامة أنه عليه الصلاة والسلام لم يزد على ذلك، مع حرصه على النوافل. ولولا الكرامة لزاد تعليماً للجواز).
ظاهر كلامه أنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: "أنه تنقل في الليل بست ركعات بتسليمة، وثمان ركعات بتسليمة". وهو غير صحيح، ولم يرد عنه صلي الله عليه وسلم أنه زاد في الليل ولا في النهار على أربع ركعات بتسليمة. وإنما ورد عنه في الوتر أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها. ثبت عنه ذلك في "الصحيحين". وورد عه أيضا الإيتار بسبع بتسليمة، وتسع بتسليمة في "صحيح مسلم" وغيره.
قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار": فكان من حجة الذين جعلوا له أن يصلي بالليل ثمانياً لا يفصل بينهن بتسليم حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "أنه كان
يصلي بالليل إحدى عشرة، منها الوتر بثلاث".
فقيل لهم: فقد روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: "أنه كان يسلم بين كل اثنتين منهن". وهذا الباب إنما يؤخذ من جهة التوقيف والإتباع لما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وأمر به، وفعلة أصحابه من بعده. فلم نجد عنه من فعلة ولا من قوله أنه أباح أن يصلي في الليل بتكبيرة أكثر من ركعتين، وبذلك نأخذ، وهو أصح القولين في ذلك. انتهى كلام الطحاوي.
وقوله: (مع حرصه على النوافل).
لا حاصل له، لأنه لا يلزم من احرص على النوافل ترك الفصل بين الركعات.
وقوله: ("وكان عليه الصلاة والسلام يواظب علي الأربع في الضحى". ولأنه أدوم تحريمة فيكون أكثر مشقة، وأزيد فضيلة. ولهذا لو نذر أن يصلي أربعاً بتسليمة لا يخرج عنه بتسليمتين، وعلى القلب يخرج).
في دعوى المواظبة من النبي صلي الله عليه وسلم على الأربع في صلاة الضحى نظر. بل في صلاة الضحى نفسها، هل كان يواظب عليها النبي صلي الله عليه وسلم أم لا).
فإن حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه: "كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي أربعاً ويزيد ما شاء الله"، رواه مسلم وغيره، يدل على المواظبة.
لكن روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى، وأني لأسبحها".
وروى أيضا من حديث مورق العجلي: [قال]: قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت فالنبي صلي الله عليه وسلم؟ قال: لا أخاله.
وذكر أيضا عن ابن ليلى قال: ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي
الضحى غير أم هانئ فإنها قالت: "إن النبي صلي الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة، فاغتسل وصلى ثمان ركعات. فلم أر [صلاة] قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود".
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ فقالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبة". ولهذا اختلف الناس فيها:
فذهب طائفة إلى استحبابها لما ورد من الأحاديث في فضلها.
وذهب طائفة إلى أحاديث الترك، ورجحتها من جهة [صحة]
إسنادها، وعمل الصحابة بموجبها.
وذهبت طائفة إلى استحباب فعلها غباً عملاً بموجب الأحاديث كلها.
وذهبت طائفة إلى أنها إنما تفعل لسبب؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم صلاها يوم الفتح لأجل الفتح. وكان الأمراء يصلونها عند الفتح، ويسمونها صلاة الفتح، كما روي عن خالد بن الوليد أنه صلاها لما فتح الحيرة ثمان ركعات لم يسلم فيهن.
وصلاته صلي الله عليه وسلم في بيت عتبان بن مالك لسبب، وهو أنه سأل من النبي صلي الله عليه وسلم أن يصلي في مكان في بيتة يتخذه مصلى، لأنه كان قد أنكر بصره فصلى في ذلك الوقت لأجل ذلك، كما حكى القصة البخاري وغيره.
وقالت عائشة رضي الله عنها: "أنه ما كان يصليها إلا إذا قدم من مغيبة"، فكانت لأجل القدوم من السفر، وكذلك عند إتيانه مسجد قباء،
قالوا: وإنما ندب إلها ولم يواظب عليها لأنه كان يستغني عنها بقيام الليل، وهي كالبدل عنة. قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} . فالحاصل أن مواظبة النبي صلي الله عليه وسلم عليها لم يثبت.
وقد عورض قول الأصحاب: أنها أدوم تحريمة، فيكون أكثر مشقة وأزيد فضيلة، بأن في الفصل زيادة تسليم، وتحريمة، واستفتاح، وتعوذ.
وقد أجاب السروجي عن هذا الاعتراض بجواب فيه نظر. وهو أنه قال: التسليم للخروج من العبادة فلا اعتبار به.
وجوابه أنه عبادة، إن لم يكن فرضاً فهو واجب أجره عظيم، فكيف يقول: لا اعتبار به؟!.
ثم قال: وتكبيرة الإحرام يقوم مقامها تكبيرة القيام إلى الثالثة.
وجوابه: أن تكبيرة الإحرام شرط، أو ركن، فكيف يقوم مقامها غيرها من التكبيرات وهي سنة؟!.
وما تقرب العبد إلى ربه بمثل أداء ما افترض عليه ..
ثم قال: وفي الاستفتاح والتعوذ خلاف.
وجوابه أن ذلك حجة عليه لا له؛ لأنه لو كان حكمهما واحد لم يختلف فيه. كيف والأكثر على أنه لا يأتي به في الشفع الثاني إلا أن يكون مفصولاً.
وقوله: ولهذا لو نذر أن يصلي أربعة بتسليمة لا يخرج عه بتسليمتين، وعلى القلب / يخرج.
هذا الحكم من ثمرات هذا القول، وإلا فمن يقول الفصل أفضل يمنعه. وكأن المصنف ساقه للاستيضاح لا للإلزام.