الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الجمعة
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع))).
هذا الحديث ضعيف. قال الإمام أحمد: ليس هذا بحديث، ورواه الأعمش عن سعيد المقبري، ولم يلقه، قال أحمد: الأعمش لم يسمع من
سعيد إنما هو عن علي، وقول عمر يخالفه. وفي ((صحيح البخاري)) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:((إن أول جمعة جمعت بعد جمعة المدينة لجمعة في مسج عبد القيس بجواثا من البحرين)).
وقال أبو داود: وجواثا قرية من قرى البحرين.
قوله: (ولا يجوز إقامتها إلا للسلطان أو لمن أمره السلطان) إلى آخره.
فيه أشكال فيما إذا مات الإمام وحضرت/ الجمعة قبل أن يقام غيره أو نحو ذلك من الأعذار، فإنه روي عن محمد رحمه الله تعالى أنه لا يجوز لأهل المصر أن يقدموا رجلًا يصلي بهم الجمعة حتى يقوم عليهم والٍ آخر غيره.
ويشهد لهذا: أن عليًا رضي الله عنه -صلى العيد وعثمان رضي الله عنه-محصور رواه مالك في الموطأ. وروي أنه صلى بهم الجمعة أيضًا. وقد روي البخاري عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: ((إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج. فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم)).
وقال ابن عبد البر: إن صلاة على-رضي الله عنه -بالناس العيد، وعثمان محصور أصل في كل سبب تخلف الإمام عن حضوره أو خليفته أن على المسلمين إقامة رجل يقوم به. وهذا مذهب مالك، والشافعي، والأوزعي على اختلاف عنه.
ثم قال: ولا يختلف العلماء أن الذي يقيم الجمعة السلطان وأن ذلك سنه مسنونة، وإنما اختلفوا عند نزول ما ذكرنا من موت الإمام، أو قتله، أو عزله، والجمعة قد جاءت.
فذهب أبو حنيفة وأصحابه والأوزعي: إلى أنهم يصلون ظهرا أربعًا.
وقال مالك، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: يصلي بهم بعضهم بخطبة ويجزيهم.
قوله: (ولو خرج الوقت وهو فيها استقبل الظهر).
ينبغي أن يتمها جمعة كما إذا غابت الشمس وهو في صلاة العصر أو طلعت وهو في صلاة الفجر لما تقدم، ولقوله عليه السلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)).
وفي رواية: ((من أدرك ركعة من صلاة مع الإمام)).
وفي أخرى: ((فقد أدرك الصلاة كلها)). أخرجه البخاري ومسلم، ووافقهما الجماعة على الرواية الأولى. وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي-صلى الله عليه وسلم -قال:((من أدرك ركعة من صلاة من صلوات فقد أدركها، إلا أنه يقضي ما فاته)) أخرجه النسائي.
قوله: (وله قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} على الاكتفاء
بالتسبيح ونحوها عن الخطبة نظر، لأن النبي-صلي الله عليه وسلم-فسر الذكر بفعله فيجب الرجوع إلى تفسيره. وأيضًا فليس المراد الخطبة وحدها بل المراد [الصلاة] وما يتعلق بها، فإن الخطبة تابعة للصلاة من مقدمتها وشرائطها، والمقصود الأعظم هو الصلاة بدليل من حضر الخطبة ولم يصل لم يكن متمثلا للأمر، ومن حضر الصلاة وفاته الخطبة كان ممتثلا للأمر إلا أنه مقصر.
يؤيد ذلك أنه تعالى قال في أول الآية: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} ولم يقل إذا نودي للخطبة، ثم قال:{فإذا قضيت الصلاة} وإذا كان النداء إنما هو للصلاة فالسعي إلى ما نودي إليه وهو الصلاة، والخطبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم -ما صلاها بدون الخبة في عمره، فلو أن التسبيحة ونحوها تكفي لفعله ولو مرة تعليمًا للجواز.
وما ذكر عن عثمان رضي الله عنه-أنه قال: الحمد لله فأرتج عليه فنزل وصلى) أنكره ابن العربي وغيره من أهل الأثر.
قوله: (ولا تجب الجمعة على مسافر ولا امرة ولا مريض ولا أعمى ولا عبد، افر ولا المسافر يحرج في الحضور وكذا المريض والأعمى). مذهب
أبي يوسف ومحمد وجوب الجمعة على الأعمى إذا وجد قائدًا، وهو قول جمهور العلماء).
وفي ((جوامع الفقه)) وغيره: ليس على الأعمى حضور الجمعة والجماعات وإن وجد ألف قائد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى. انتهى.
وقول أبي يوسف ومحمد أقوى لحديث أبي هريرة قال: ((أتى رسول الله-صلى الله عليه وسلم -رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم/ أن يرخص له فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب)) أخرجه مسلم والنسائي.
والرجل الأعمى هو ابن أم مكتوم كما جاء مصرحًا به في رواية أبي داود والنسائي أيضًا.
ولفظه: ((أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني ضرير [البصر] شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء؟ قال: فإني لا أجد لك رخصة)).
وفي رواية قال: يا رسول الله، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، وأنا ضرير البصر، فهل تجد لي رخصة؟ قال: تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فحي هلا ولم يرخص له))، وقد استدل به على فرضية الجماعة كما تقدم في باب الإمامة، فالجمعة أولى.
وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا على أربعة؛ عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض)) أخرجه أبو داود.
فدخل الأعمى في هموم المستثنى منه، ولأنه لا حرج عليه في حضور الجمعة بنفسه فكيف إذا وجد قائدًا فإنه لا يخشى عليه أن يتركه قائده فيضيع لأنه في البلد بخلاف الحج. ولم يعلل المصنف لنفي الوجوب عن الأعمى إلا بالحرج، وأي حرج بقى بعد وجود ألف قائد؟ بل قائد واحد كاف. وأكثر العميان يمشون في البلد بلا قائد، فإن الله يجعل ما يذهب من نور بصرهم في نور بصيرتهم، هكذا جرت عادة الله فيهم.
قوله: ((ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك وجازت صلاته، وقال زفر رحمه الله: لا تجزئه؛ لأن عنده الجمعة هي الفريضة أصالة، والظهر كالبدل عنها، ولا مصير إلى البلد مع القدرة على الأصل. (ولنا أن أصل الفرض هو الظهر) في حق الكافة هذا هو الظاهر إلا أنه هو المأمور بإسقاطه بأداء الجمعة. وهذا لأنه متمكن من أداء الظهر بنفسه دون الجمعة لتوقفها على شرائط لا تتم به وحده وعلى التمكن يدور التكليف).
في قوله: (ولنا أن أصل الفرض هو الظهر
…
) إلى آخره نظر. والذي يظهر رجحان قول زفر، وهو قول الشافعي الجديد وأحمد.
وقال مالك: إن صلى في وقت لو سعى إلى الجمعة لأدرك منها ركعة لم تجزه. والدليل على أن الجمعة هي الأصل إذا وجدت شرائطها قوله عليه -الصلاة والسلام-: ((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة؛ عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض)) رواه أبو داود والطبراني والحاكم وصححه.
ولأنه إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع فالفرض هو الجمعة إجماعًا لتوجه الأمر إليه بأدائها.
والقول بأن أصل الفرض الظهر وهو مأمور بإسقاطه بأداء الجمعة فيه نظر؛ فإنه إذا كان المأمور به يوم الجمعة عند وجود الشرط وانتفاء الموانع هو الجمعة لا الظهر كانت الجمعة هي الفرض، وإلا كيف يقال الفرض شيء هو مأمور بخلافه؟!.
وإذا كان الأمر كذلك فمن صلى الظهر في منزله وقد وجدت في حقه شروط الجمعة وانتفاء الموانع آت بخلاف ما أمر به، أما على قول من يقول أن أصل الفرض هو الجمعة فظاهر.
وأما على قول ما يقول إن الأصل الظهر فكذلك أيضًا؛ لأنه مأمور عنده بإسقاطه أداء الجمعة لا بأداء الظهر، فقد أتى بغير ما أمر به على كلا القولين فكانت نفلًا بل معصية لأنه معرض عن الأمر، فصار كمن صلى في وقت آخر غير فرض الوقت فإنه لا يقع عن فرض الوقت، وكمن تنفل في المسجد والصلاة قائمة فإنه يأثم بذلك.
وقوله: (لأنه متمكن من أداء الظهر بنفسه دون الجمعة) لا ينفعه، لأن فرض المسألة فيما إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع فصار متمكنًا من أداء الفرض بنفسه.
وقوله: لتوقفها على شرائط لا تتم به وحده. لا يمنع من توجه الأمر إليه إذا وجدت تلك الشرائط، وإذا كان مأمورًا بأداء الجمعة كانت من فرض الوقت وفرض وقت واحد لا اثنان، فإذا تعين عليه حضور الجمعة تنحى وجود الظهر.
وأيضًا فإن الظهر لو صحت/ لم تبطل بالسعي إلى غيرها؛ لأنها قد
برئت الذمة بها فكيف تعود مشغولة بها؟!.
قوله: (ويكره أن يصلي المعذور الظهر بجماعة يوم الجمعة في المصر، وكذا أهل السجن لما فيه [من] الإخلال بالجمعة إذ هي جامعة للجماعات والمعذور قد يقتدي به غيره بخلاف السواد لأنه لا جمعة عليهم).
فيه نظر وذلك أن صلاتهم جماعة لا يلزم منه الإخلال بالجمعة لأنها غير جامعة لجماعتهم، وكون المعذور قد يقتدي به غيره لا يلزمه منه الكراهة في حقه هو.
وقوله: (وكذا أهل السجن). لا يحتاج إليه لأنهم من أهل الأعذار، وجمهور العلماء على عدم الكراهة. وهو مروي عن ابن مسعود، ذكر ابن المنذر.
قوله: (وإن كان أدركه في التشهد وفي السجود السهو بنى عليها
الجمعة عندهما. وقال محمد: إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية بنى عليها الجمعة، وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر).
يظهر رجحان قول محمد رحمه الله. وهذه المسألة لها نظائر:
أحدها: من أدرك مع الجماعة ما بعد الركوع الأخير.
الثاني: أدرك من العصر أو الفجر أقل من ركعة قبل أن تغرب الشمس أو تطلع.
الثالث: أدرك الكافر أو طهرت الحائض أوفاق المجنون وقد بقي من الوقت ما يسع أقل من ركعة.
الرابع: أدرك المسافر مع المقيم ما بعد الركوع.
الخامس: لو نفر الناس عن الإمام في الجمعة قبل الركوع.
وينبغي في الكل ترجيح القول باعتبار الركعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر إدراك الركعة كما في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) أخرجه الجماعة. وهذا نص عام في جميع إدراك ركعة من الصلاة سواء كان إدراك جماعة أو إدراك وقت. وفي رواية للبخاري ومسلم: ((من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام)) وفي أخرى لهما: ((فقد أدرك الصلاة كلها)).
وللدارقطني من حديثه: ((من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى، ومن لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعًا)).
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((من أدرك من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته)) أخرجه النسائي.
ولم يعلق الشارع بإدراك قدر التكبيرة شيئًا من الأحكام فهو وصف ملغي في نظر الشارع، وإنما علق الأحكام بإدراك الركعة كما تقدم. ولأن الأصحاب يقولون: ما دون الركعة بمحل الرفض، ويقولون: ما دون الركعة لا يسمى صلاة فلا ينبغي أن يعتبر، ولأن من أدرك الإمام بعد الركوع الأخير لا يحسب له ما يأتي بع معه، بل يأتي بالصلاة كلها فكأن وجود إدراكه وعدمه سواء، بخلاف ما إذا أدرك الركوع حيث يحسب له الركعة.
واعتبار أدراك التحريمة لأن الوقت قد يمتد بوقف الشمس فيه بعد كثير، ويرده حديث الدجال فإن اليوم الذي كسنة من أيامه لا يجزي فيه صلاة اليوم
الواحد، بل قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقدر ونصلي، فلو كان امتداد الوقت بوقف الشمس لا يمنع من خروج الوقت لكان يجزي في ذلك اليوم صلاة اليوم الواحد. ولئن كانت الشمس وقفت لسليمان بن داود حتى صلى العصر، فهذا في شريعتنا ناسخ له.
قوله: (لقوله عليه [-الصلاة والسلام-]: ((إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام))).
قال البيهقي: رفعه خطأ فاحش، إنما هو كلام الزهري.
وقول أبي يوسف ومحمد أرجح لقوله عليه السلام: ((إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة: أنصت فقد لغوت)) متفق عليه.
خص النهي بوقت الخطبة ولم يرد شيء يخالفه. والله أعلم.
- * *