الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يَبْطُلُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ فِي هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا لَازِمًا، وَهَذَا يُوجِبُ جَوَازَهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا، أَوْ إنْ جِئْتنِي بِالْمَهْرِ فِي وَقْتِ كَذَا فَقَدْ وَقَفَ النِّكَاحَ عَلَى شَرْطٍ وَلَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عَلَى شَرْطٍ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَنَحْوُهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ.
[فَصْلٌ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الصَّدَاقِ خَاصَّةً]
(5325)
فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الصَّدَاقِ خَاصَّةً لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْفَرِدُ عَنْ ذِكْرِ الصَّدَاقِ، وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ حَرَامًا أَوْ فَاسِدًا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ، فَلَأَنْ لَا يَفْسُدَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِيهِ أَوْلَى، وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ إذَا فَسَدَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ فَسَدَ الْآخَرُ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَفِي الصَّدَاقِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: يَصِحُّ الصَّدَاقُ، وَيَبْطُلُ شَرْطُ الْخِيَارِ، كَمَا يَفْسُدُ الشَّرْطُ فِي النِّكَاحِ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الصَّدَاقِ عَقْدٌ مُنْفَرِدٌ يَجْرِي مَجْرَى الْأَثْمَانِ، فَثَبَتَ فِيهِ الْخِيَارُ كَالْبِيَاعَاتِ. وَالثَّالِثُ: يَبْطُلُ الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى شَيْءٍ.
[مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا]
(5326)
قَالَ: (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحَهَا وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ قَالَ: فَخَطَبْت امْرَأَةً، فَكُنْت أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا، فَتَزَوَّجْتُهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سِوَى هَذَا؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، فَكَانَ لِلْعَاقِدِ النَّظَرُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَالنَّظَرِ إلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا بِإِذْنِهَا وَغَيْرِ إذْنِهَا.
لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالنَّظَرِ وَأَطْلَقَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ:" فَكُنْت أَتَخَبَّأُ لَهَا " وَفِي حَدِيثٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ أَبَوَيْهَا فِي النَّظَرِ إلَيْهَا، فَكَرِهَا، فَأَذِنَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ، فَبَقِيَتْ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرَ تَلَذُّذٍ وَشَهْوَةٍ، وَلَا لِرِيبَةٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
صَالِحٍ
يَنْظُرُ إلَى الْوَجْهِ وَلَا يَكُونُ عَنْ طَرِيقِ لَذَّةٍ وَلَهُ أَنْ يُرَدِّدَ النَّظَرَ إلَيْهَا، وَيَتَأَمَّلَ مَحَاسِنَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ. (5327) فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، وَمَوْضِعُ النَّظَرِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا لَا يَظْهَرُ عَادَةً وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ وَعَنْ دَاوُد أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى جَمِيعِهَا، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عليه السلام اُنْظُرْ إلَيْهَا وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْوَجْهُ، وَبَاطِنُ الْكَفِّ.
وَلِأَنَّ النَّظَرَ مُحَرَّمٌ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، فَيَخْتَصُّ بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا. وَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ سُمِّيَ نَاظِرًا إلَيْهِ، وَمَنْ رَآهُ وَعَلَيْهِ أَثْوَابُهُ سُمِّيَ رَائِيًا لَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4]{وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 36] فَأَمَّا مَا يَظْهَرُ غَالِبًا سِوَى الْوَجْهِ، كَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا تُظْهِرُهُ الْمَرْأَةُ فِي مَنْزِلِهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فَلَمْ يُبَحْ النَّظَرُ إلَيْهِ، كَاَلَّذِي لَا يَظْهَرُ، فَإِنَّ عَبْد اللَّه رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ.
فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالثَّانِيَةُ: لَهُ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا، وَإِلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا، مِنْ يَدٍ أَوْ جِسْمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا عِنْدَ الْخِطْبَةِ حَاسِرَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْظُرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَوَجْهُ جَوَازِ النَّظَرِ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا، عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ مَا يَظْهَرُ عَادَةً إذْ لَا يُمْكِنُ إفْرَادُ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي الظُّهُورِ؛ وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ غَالِبًا، فَأُبِيحَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَالْوَجْهِ.
وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا بِأَمْرِ الشَّارِعِ، فَأُبِيحَ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى ذَلِكَ، كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَةَ عَلِيٍّ فَذَكَرَ مِنْهَا صِغَرًا، فَقَالُوا لَهُ: إنَّمَا رَدَّك فَعَاوِدْهُ، فَقَالَ: نُرْسِلُ بِهَا إلَيْك تَنْظُرُ إلَيْهَا فَرَضِيَهَا، فَكَشَفَ عَنْ سَاقِهَا. فَقَالَتْ: أَرْسِلْ، فَلَوْلَا أَنَّك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَلَطَمْت عَيْنَك.