الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَ الْحُرَّةِ. وَلَهُ نِكَاحُ أَمَتَيْنِ مَعًا، وَوَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ خَشْيَةَ الْعَنَتِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ. وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً، وَقُلْنَا: لَيْسَتْ الْحُرِّيَّةُ شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْحُرَّةِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لَهُ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا عَدَمُ الْحُرَّةِ، كَالْحُرِّ مَعَ الْحُرَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ عَدَمُ الْحُرَّةِ، لَاشْتُرِطَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، كَمَا فِي حَقِّ الْحُرِّ.
وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: تُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ. وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِبُضْعِ حُرَّةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً، كَالْحُرِّ. وَإِنْ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، صَحَّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ، فَجَازَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، كَالْأَمَتَيْنِ.
[فَصْلٌ إذَا زَنَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ نِكَاحَهَا إلَّا بِشَرْطَيْنِ]
(5409)
فَصْلٌ: وَإِذَا زَنَتْ الْمَرْأَةُ، لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ نِكَاحَهَا إلَّا بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا، فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَى فَقَضَاءُ عِدَّتِهَا بِوَضْعِهِ، وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا قَبْلَ وَضْعِهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الْأُخْرَى قَالَ: يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَيَصِحُّ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، فَلَمْ يُحَرِّمْ النِّكَاحَ، كَمَا لَوْ لَمْ تَحْمِلْ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» . يَعْنِي وَطْءَ الْحَوَامِلِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ» . صَحِيحٌ
، وَهُوَ عَامٌّ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، «أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَمَّا أَصَابَهَا وَجَدَهَا حُبْلَى، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَ لَهَا الصَّدَاقَ، وَجَلَدَهَا مِائَةً.» رَوَاهُ سَعِيدٌ
«. وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مُجِحًّا عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا، كَسَائِرِ الْحَوَامِلِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، وَحُرِّمَ عَلَيْهَا النِّكَاحُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلِأَنَّهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيَكُونَ نِكَاحُهَا بَاطِلًا، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الصَّغِيرِ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْحَامِلِ، فَغَيْرُهَا أَوْلَى، لِأَنَّ وَطْءَ الْحَامِلِ لَا يُفْضِي إلَى اشْتِبَاهِ النَّسَبِ، وَغَيْرُهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا مِنْ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّانِي، فَيُفْضِي إلَى اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، فَكَانَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي الْقُبُلِ، فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ، كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ وَطْءَ الصَّغِيرِ الَّذِي يُمْكِنُ مِنْهُ الْوَطْءُ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ تَتُوبَ مِنْ الزِّنَا، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ رَجُلًا وَامْرَأَةً فِي الزِّنَى، وَحَرَصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَأَبَى الرَّجُلُ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ، فَقَالَ: يَجُوزُ، أَرَأَيْت لَوْ سَرَقَ مِنْ كَرْمٍ، ثُمَّ ابْتَاعَهُ، أَكَانَ يَجُوزُ؟ . وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] /إلَى قَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] .
وَهِيَ قَبْلَ التَّوْبَةِ فِي حُكْمِ الزِّنَى، فَإِذَا تَابَتْ زَالَ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» . وَقَوْلِهِ «التَّوْبَةُ تَمْحُو الْحَوْبَةَ» . وَرُوِيَ «أَنَّ مَرْثَدًا دَخَلَ مَكَّةَ، فَرَأَى امْرَأَةً فَاجِرَةً يُقَال لَهَا عَنَاقٌ، فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا، فَلَمْ يُجِبْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: أَنْكِحُ عَنَاقًا؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] . فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَلَا عَلَيْهِ الْآيَةَ، وَقَالَ: لَا تَنْكِحْهَا» .
وَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُقِيمَةً عَلَى الزِّنَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ تُلْحِقَ بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ، وَتُفْسِدَ فِرَاشَهُ. فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَتَابَهَا. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ، وَلَا تَعَرُّضَ لَهُ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ.