الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصَلِّ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةِ وَزَوَّجَ ابْنَهُ بِنْتَهَا أَوْ أُمَّهَا]
(5385)
فَصْلٌ: وَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَزَوَّجَ ابْنَهُ بِنْتَهَا أَوْ أُمَّهَا، فَزُفَّتْ امْرَأَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ، فَوَطِئَهَا، فَإِنَّ وَطْءَ الْأَوَّلِ يُوجِبُ عَلَيْهِ مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَيُفْسَخُ بِهِ نِكَاحُهَا مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالْوَطْءِ حَلِيلَةَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ، وَيَسْقُطُ بِهِ مَهْرُ الْمَوْطُوءَةِ عَنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا، بِتَمْكِينِهَا مِنْ وَطْئِهَا، وَمُطَاوَعَتِهَا عَلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ لِزَوْجِهَا عَلَى الْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ يَرْجِعُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُشَارِكَةٌ فِي إفْسَادِ نِكَاحِهَا بِالْمُطَاوَعَةِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَى زَوْجِهَا شَيْءٌ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ لِزَوْجِهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ نِكَاحَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، أَشْبَهَ الْمَرْأَةَ تُفْسِدُ نِكَاحَهُ بِالرَّضَاعِ.
وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْوَاطِئِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ امْرَأَتَهُ صَارَتْ أُمًّا لِمَوْطُوءَتِهِ أَوْ بِنْتًا لَهَا، وَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى. فَأَمَّا وَطْءُ الثَّانِي، فَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ خَاصَّةً. فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَوَّلُ، انْفَسَخَ النِّكَاحَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى وَاطِئِهَا، وَلَا يَثْبُتُ رُجُوعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيَجِبُ لِامْرَأَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ.
[مَسْأَلَةٌ حَرَائِرُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحُهُمْ]
(5386)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَحَرَائِرُ نِسَاء أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحُهُمْ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ) لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِحَمْدِ اللَّهِ، اخْتِلَافٌ فِي حِلِّ حَرَائِرِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَحُذَيْفَةُ وَسَلْمَانُ، وَجَابِرٌ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَوَائِلِ أَنَّهُ حَرَّمَ ذَلِكَ. وَرَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ حُذَيْفَةَ، وَطَلْحَةَ، وَالْجَارُودَ بْنَ الْمُعَلَّى، وَأُذَيْنَةَ الْعَبْدِيَّ، تَزَوَّجُوا نِسَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَبِهِ قَالَ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَحَرَّمَتْهُ الْإِمَامِيَّةُ، تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ، {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ، وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5] /إلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] . وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] . فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُمَا مُتَقَدِّمَتَانِ، وَالْآيَةُ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْمَائِدَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ:
لَيْسَ هَذَا نَسْخًا، فَإِنَّ لَفْظَةَ الْمُشْرِكِينَ بِإِطْلَاقِهَا لَا تَتَنَاوَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة: 1] . وَقَالَ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 6] . وَقَالَ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] . وَقَالَ {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 105] .
وَسَائِرُ آيِ الْقُرْآنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ الْمُشْرِكِينَ بِإِطْلَاقِهَا غَيْرُ مُتَنَاوِلَةٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةَ، وَلِأَنَّ مَا احْتَجُّوا بِهِ عَامٌّ فِي كُلِّ كَافِرَةٍ، وَآيَتُنَا خَاصَّةٌ فِي حِلِّ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْخَاصُّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلَّذِينَ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ: طَلِّقُوهُنَّ. فَطَلَّقُوهُنَّ إلَّا حُذَيْفَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: طَلِّقْهَا. قَالَ: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَالَ: هِيَ جَمْرَةٌ، طَلِّقْهَا. قَالَ: تَشْهَدُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ قَالَ: هِيَ جَمْرَةٌ. قَالَ: قَدْ عَلِمْت أَنَّهَا جَمْرَةٌ، وَلَكِنَّهَا لِي حَلَالٌ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ طَلَّقَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا طَلَّقْتهَا حِينَ أَمَرَك عُمَرُ؟ قَالَ: كَرِهْت أَنْ يَرَى النَّاسُ أَنِّي رَكِبْت أَمْرًا لَا يَنْبَغِي لِي. وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَالَ إلَيْهَا قَلْبُهُ فَفَتَنَتْهُ، وَرُبَّمَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَيَمِيلُ إلَيْهَا. (5387) فَصْلٌ: وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ هَذَا حُكْمُهُمْ، هُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] . فَأَهْلُ التَّوْرَاةِ الْيَهُودُ وَالسَّامِرَةُ، وَأَهْلُ الْإِنْجِيلِ النَّصَارَى، وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ مِنْ الْإِفْرِنْجِ وَالْأَرْمَنِ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا الصَّابِئُونَ فَاخْتَلَفَ فِيهِمْ السَّلَفُ كَثِيرًا، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ جِنْسٌ مِنْ النَّصَارَى. وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِيهِمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ. فَهَؤُلَاءِ إذَا يُشْبِهُونَ الْيَهُودَ. وَالصَّحِيحُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يُوَافِقُونَ النَّصَارَى أَوْ الْيَهُودَ فِي أَصِلْ دِينِهِمْ، وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي فُرُوعِهِ، فَهُمْ مِمَّنْ وَافَقُوهُ، وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي أَصِلْ الدِّينِ، فَلَيْسَ هُمْ مِنْهُمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ مِنْ الْكُفَّارِ، مِثْلُ الْمُتَمَسِّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ، وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد، فَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِمْ وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ، وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ، وَيُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِكِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عز وجل، فَأَشْبَهُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى.