الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ تَعْلِيقُ الرَّجْعَة عَلَى شَرْطٍ]
(6088)
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ عَلَى شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ مَقْصُودٍ، فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ، وَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك إنْ شِئْت. لَمْ يَصِحَّ كَذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَقَدْ رَاجَعْتُك. لَمْ يَصِحَّ كَذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ الرَّجْعَةَ، فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَإِنْ قَالَ: إنْ قَدِمَ أَبُوك، فَقَدْ رَاجَعْتُك. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ. (6089) فَصْلٌ: فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الرِّدَّةِ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ صَحِيحُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الرِّدَّةِ، كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَقْرِيرُ النِّكَاحِ، وَالرِّدَّةَ تُنَافِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قُلْنَا: تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ. لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ. فَالرَّجْعَةُ مَوْقُوفَةٌ، إنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ ارْتَجَعَهَا فِي نِكَاحِهِ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ إمْسَاكٍ، فَلَمْ تَمْنَعْ مِنْهُ الرِّدَّةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فِي الْعِدَّةِ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الرَّجْعَةِ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ. وَاخْتِيَارُ أَبِي حَامِدٍ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ قَدْ ارْتَجَعْتُك]
(6090)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِذَا قَالَ: قَدْ ارْتَجَعْتُك. فَقَالَتْ: قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِك. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا، فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا فِيهَا، قُبِلَ قَوْلُهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] . قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: هُوَ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ. فَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ، لَمْ يُحْرِجْنَ بِكِتْمَانِهِ، وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ تَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهِ، كَالنِّيَّةِ مِنْ الْإِنْسَانِ فِيمَا تُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ، أَوْ أَمْرٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى التَّابِعِيِّ قَبُولُ خَبَرِ الصَّحَابِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَأَمَّا مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ تَدَّعِيَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْقُرُوءِ، هَلْ هِيَ الْحَيْضُ أَوْ الْأَطْهَارُ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ الْحَيْضُ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَقَلُّ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا مَعَ آخِرِ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ ثَلَاثَةَ عَشْرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً،
ثُمَّ تَطْهُرَ لَحْظَةً، لِيُعْرَفَ بِهَا انْقِطَاعُ الْحَيْضِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اللَّحْظَةُ مِنْ عِدَّتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا، لِمَعْرِفَةِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا، وَلَوْ صَادَفَتْهَا رَجْعَتُهُ لَمْ تَصِحَّ.
وَمَنْ اعْتَبَرَ الْغُسْلَ فِي قَضَاء الْعِدَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَقْتٍ يُمْكِنُ الْغُسْلُ فِيهِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ الْحَيْضُ، وَالطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَأَقَلُّ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ تَزِيدُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي الطُّهْرَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ. وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ طُهْرِهَا، فَتَحْتَسِبُ بِهَا قُرْءًا، ثُمَّ تَحْتَسِبُ طُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَبَيْنَهُمَا حَيْضَتَانِ يَوْمَيْنِ، فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لَحْظَةً، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا. زِدْنَا عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي الطُّهْرَيْنِ، فَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَتِسْعَةَ عَشَرِ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَبِأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَبِسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ. فَمَتَى ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا عِنْدَ أَحَدٍ فِيمَا أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا. وَإِنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ شُرَيْحًا قَالَ: إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ، وَجَاءَتْ بِبَيِّنَةِ مِنْ النِّسَاءِ الْعُدُولِ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا، مِمَّنْ يُرْضَى صِدْقُهُ وَعَدْلُهُ، أَنَّهَا رَأَتْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ مِنْ الطَّمْثِ، وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَتُصَلِّي، فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: قالون. وَمَعْنَاهُ بِالرُّومِيَّةِ: أَصَبْت أَوْ أَحْسَنْت.
فَأَخَذَ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي الشَّهْرِ. فَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ فِي أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ، صَدَّقَهَا، عَلَى حَدِيثِ:«إنَّ الْمَرْأَةَ اُؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا» . وَلِأَنَّ حَيْضَهَا فِي الشَّهْرِ ثَلَاثُ حِيَضٍ يَنْدُرُ جِدًّا، فَرُجِّحَ بِبَيِّنَةٍ وَلَا يَنْدُرُ فِيمَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ كَنُدْرَتِهِ فِيهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَقَالَ: الشَّافِعِيِّ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِدَّةٌ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَثَلَاثُ حِيَضٍ تِسْعَةُ أَيَّامٍ، وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا.
وَالْخِلَافُ فِي هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ، وَفِي الْقُرُوءِ مَا هِيَ، وَقَدْ سَبَقَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ قَبُولُ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ بَيِّنَتَهَا عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي شَهْرٍ. وَلَوْلَا تَصَوُّرُهُ لَمَا قُبِلَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا سُمِعَتْ فِيهِ دَعْوًى، وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ. فَأَمَّا إنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا، وَلَا يُصْغَى إلَى بَيِّنَتِهَا؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ كَذِبَهَا. فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا حَتَّى أَتَى عَلَيْهَا مَا يُمْكِنُ صِدْقُهَا فِيهِ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا الْمَرْدُودَةِ، لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي مُحَالًا، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كُلِّهَا، أَوْ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْهَا، قُبِلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ صِدْقُهَا. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَاسِقَةِ وَالْمَرْضِيَّةِ، وَالْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ؛ لِأَنَّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ، كَإِخْبَارِهِ عَنْ بَيِّنَةٍ فِيمَا تُعْتَبَرُ فِيهِ بَيِّنَةٌ.
الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ تَدَّعِيَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَلَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ تَدَّعِيَ وَضْعَ الْوَلَدِ لِتَمَامٍ، أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ قَبْلَ كَمَالِهِ، فَإِنْ ادَّعَتْ وَضْعَهُ لِتَمَامٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ إمْكَانِ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْمُلُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ إمْكَانِ الْوَطْءِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ سَقْطٍ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مَا أَتَى عَلَيْهِ ثَمَانُونَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ يَكُونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ الثَّمَانِينَ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُضْغَةً بِحَالٍ. وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ، أَنْ تَدَّعِيَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيهِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا؛ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَتَهَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: طَلَّقْتُكِ فِي شَوَّالٍ. فَتَقُولَ هِيَ: بَلْ فِي ذِي الْحِجَّةِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُهَا، فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَلَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ، قُبِلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تُقِرُّ عَلَى نَفْسِهَا بِمَا هُوَ أَغْلَظُ. وَلَوْ انْعَكَسَتْ الدَّعْوَى، فَقَالَ: طَلَّقْتُك فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَلِي رَجْعَتُك. فَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقْتَنِي فِي شَوَّالٍ، فَلَا رَجْعَةَ لَك.
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ نِكَاحِهِ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، فِي إثْبَاتِ الطَّلَاقِ وَنَفْيِهِ فَكَذَلِكَ فِي وَقْتِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهَا. فَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ: عَلَيْهَا الْيَمِينُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ.