الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ الْحَالِّ، وَالتَّحْدِيدُ بِالثَّلَاثِ تَحَكُّمٌ لَا يُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَكَوْنُهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ لَا يُوجِبُ جَوَازَ تَأْخِيرِ الْحَقِّ، كَالدُّيُونِ الْحَالَّةِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
[فَصْل قَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ طَلَّقَ الْأُخْرَى قَبْلَ قَسَمَهَا]
(5726)
فَصْلٌ: فَإِنْ قَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ طَلَّقَ الْأُخْرَى قَبْلَ قَسْمِهَا، أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ لَهَا، فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ، بِرَجْعَةٍ أَوْ نِكَاحٍ؛ قَضَى لَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى إيفَاءِ حَقِّهَا، فَلَزِمَهُ، كَالْمُعْسِرِ إذَا أَيْسَرَ بِالدَّيْنِ. فَإِنْ قَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ جَاءَ لِيَقْسِمَ لِلثَّانِيَةِ، فَأَغْلَقَتْ الْبَابَ دُونَهُ، أَوْ مَنَعَتْهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، أَوْ قَالَتْ: لَا تَدْخُلْ عَلَيَّ، أَوْ لَا تَبِتْ عِنْدِي. أَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ.
فَإِنْ عَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْمُطَاوَعَةِ، اسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَقْضِ النَّاشِزَ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّ نَفْسِهَا. وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَأَقَامَ عِنْدَ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الرَّابِعَةِ عَشْرًا؛ لِتَسَاوِيهِنَّ، فَإِنْ نَشَزَتْ إحْدَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَظَلَمَ وَاحِدَةً فَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا، وَأَقَامَ عِنْدَ الِاثْنَتَيْنِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَطَاعَتْهُ النَّاشِزُ، وَأَرَادَ الْقَضَاءَ لِلْمَظْلُومَةِ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُ لَهَا ثَلَاثًا، وَلِلنَّاشِزِ لَيْلَةً خَمْسَةَ أَدْوَارٍ، فَيُكْمِلُ لِلْمَظْلُومَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَيَحْصُلُ لِلنَّاشِزِ خَمْسٌ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، فَقَسَمَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً، وَظَلَمَ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ جَدِيدَةً، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ لِلْمَظْلُومَةِ، فَإِنَّهُ يَخُصُّ الْجَدِيدَةَ بِسَبْعٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَثَلَاثٍ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لِحَقِّ الْعَقْدِ، ثُمَّ يَقْسِمُ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَظْلُومَةِ خَمْسَةَ أَدْوَارٍ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا لِلْمَظْلُومَةِ مِنْ كُلِّ دُورٍ ثَلَاثًا، وَوَاحِدَةً لِلْجَدِيدَةِ.
[فَصْلٌ كَانَتْ امْرَأَتَاهُ فِي بَلَدَيْنِ الْقَسْم بَيْن الزَّوْجَات]
(5727)
فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتَاهُ فِي بَلَدَيْنِ، فَعَلَيْهِ الْعَدْلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْمُبَاعَدَةَ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُمَا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْغَائِبَةِ فِي أَيَّامِهَا، وَإِمَّا أَنْ يُقْدِمَهَا إلَيْهِ، وَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْقُدُومِ مَعَ الْإِمْكَانِ، سَقَطَ حَقُّهَا لِنُشُوزِهَا. وَإِنْ أَحَبَّ الْقَسْمَ بَيْنَهُمَا فِي بَلَدَيْهِمَا، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَةً وَلَيْلَةً، فَيَجْعَلَ الْمُدَّةَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ، كَشَهْرِ وَشَهْرٍ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ، عَلَى حَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ، وَعَلَى حَسَبِ تَقَارُبِ الْبَلَدَيْنِ وَتَبَاعُدِهِمَا.
[فَصْلٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْم لِزَوْجِهَا]
(5728)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِزَوْجِهَا، أَوْ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا، أَوْ لَهُنًّ جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَاهُ، فَإِذَا رَضِيَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُمَا، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، فَإِنْ أَبَتْ الْمَوْهُوبَةُ قَبُولَ الْهِبَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، إنَّمَا مَنَعَتْهُ الْمُزَاحَمَةُ بِحَقِّ صَاحِبَتِهَا، فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِهِبَتِهَا، ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَإِنْ كَرِهَتْ، كَمَا
لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ «سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ وَفِي بَعْضِهِ، فَإِنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا فِي جَمِيعِ زَمَانِهَا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فِي شَيْءٍ، فَقَالَتْ صَفِيَّةُ لِعَائِشَةَ: هَلْ لَك أَنْ تُرْضِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَك يَوْمِي؟ فَأَخَذَتْ خِمَارًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانَ، فرشته لِيَفُوحَ رِيحُهُ، ثُمَّ اخْتَمَرَتْ بِهِ، وَقَعَدَتْ إلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إلَيْك يَا عَائِشَةُ، إنَّهُ لَيْسَ يَوْمَك. قَالَتْ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. فَأَخْبَرَتْهُ بِالْأَمْرِ، فَرَضِيَ عَنْهَا.» فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ وَهَبَتْ لَيْلَتَهَا لِجَمِيعِ ضَرَائِرِهَا، صَارَ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْوَاهِبَةَ.
وَإِنْ وَهَبَتْهَا لِلزَّوْجِ، فَلَهُ جَعْلُهُ لِمَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْبَاقِيَاتِ فِي ذَلِكَ، إنْ شَاءَ جَعَلَهُ لِلْجَمِيعِ، وَإِنْ شَاءَ خَصَّ بِهَا وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ لَبَعْضِهِنَّ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ. وَإِنْ وَهَبَتْهَا لَوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفِعْلِ سَوْدَةَ، جَازَ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ تَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ، وَإِلَى بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِيهَا، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا، إلَّا بِرِضَى الْبَاقِيَاتِ، وَيَجْعَلُهَا لَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ لِلْوَاهِبَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْهُوبَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْوَاهِبَةِ فِي لَيْلَتِهَا، فَلَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لِلْوَاهِبَةِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْخِيرَ حَقِّ غَيْرِهَا، وَتَغْيِيرًا لِلَيْلَتِهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، فَلَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا وَهَبَتْهَا لِلزَّوْجِ، فَآثَرَ بِهَا امْرَأَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخِرُ، إنَّهُ يَجُوزُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّفْرِيقِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ فَائِدَةً، فَلَا يَجُوزُ اطِّرَاحُهَا. وَمَتَى رَجَعَتْ الْوَاهِبَةُ فِي لَيْلَتِهَا، فَلَهَا ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ، وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ. وَلَوْ رَجَعَتْ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، كَانَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَتَمَّ اللَّيْلَةَ، لَمْ يَقْضِ لَهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهَا.
(5729)
فَصْلٌ: فَإِنْ بَذَلَتْ لَيْلَتَهَا بِمَالٍ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي كَوْنِ الزَّوْجِ عِنْدَهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَالٍ، فَلَا يَجُوزُ مُقَابَلَتُهُ بِمَالٍ، فَإِذَا أَخَذَتْ عَلَيْهِ مَالًا، لَزِمَهَا رَدُّهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ لَهَا، لِأَنَّهَا تَرَكَتْهُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَلَمْ يَسْلَمْ لَهَا، وَإِنْ كَانَ عِوَضُهَا غَيْرَ الْمَالِ، مِثْلُ إرْضَاءِ زَوْجِهَا، أَوْ غَيْرِهِ عَنْهَا، جَازَ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ أَرْضَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَفِيَّةَ، وَأَخَذَتْ يَوْمَهَا، وَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْهُ.