الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَبِهِ قَالَ مَسْرُوقٌ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى الْمَشْرِقِ، فَسُمِّيَ الْجِمَاعُ مِنْ الْمُولِي فَيْئَةً؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى فِعْلِ مَا تَرَكَهُ. وَأَدْنَى الْوَطْءِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الْفَيْئَةُ، أَنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ؛ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ.
وَلَوْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ، لَمْ يَكُنْ فَيْئَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْلُوفٍ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَا يَزُولُ الضَّرَرُ بِفِعْلِهِ.
[فَصْلٌ إذَا فَاءَ فِي الْإِيلَاء]
(6140)
فَصْلٌ: وَإِذَا فَاءَ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] . قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا خَالَفَ النَّاسَ. يَعْنِي قَوْلَ الْحَسَنِ.
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . وَقَالَ سُبْحَانَهُ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ حَالِفٌ حَانِثٌ فِي يَمِينِهِ، فَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ فَرِيضَةٍ ثُمَّ فَعَلَهَا، وَالْمَغْفِرَةُ لَا تُنَافِي الْكَفَّارَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ:«إنِّي وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ كَانَ الْإِيلَاءُ بِتَعْلِيقِ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ]
(6141)
فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ بِتَعْلِيقِ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَقَعَ بِنَفْسِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، وَقَدْ وُجِدَتْ. وَإِنْ كَانَ عَلَى نَذْرٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ صَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَاتِ أَوْ الْمُبَاحَاتِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْن الْوَفَاءِ بِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ، فَهَذَا حُكْمُهُ. وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الثَّلَاثَ بِوَطْئِهَا، لَمْ يُؤْمَرْ بِالْفَيْئَةِ،
وَأُمِرَ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِكَوْنِهَا تَبِينُ مِنْهُ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ، فَيَصِيرُ مُسْتَمْتِعًا بِأَجْنَبِيَّةٍ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: تَجُوزُ الْفَيْئَةُ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ لِلْوَطْءِ، وَتَرْكُ الْوَطْءِ لَيْسَ بِوَطْءٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ، كَهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَاللَّائِقُ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ تَحْرِيمُهُ؛ لَوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ آخِرَ الْوَطْءِ حَصَلَ فِي أَجْنَبِيَّةٍ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَإِنَّ النَّزْعَ يُلْتَذُّ بِهِ كَمَا يُلْتَذُّ بِالْإِيلَاجِ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْوَطْءِ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِي مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ، فَنَزَعَ: أَنَّهُ يُفْطِرُ. وَالتَّحْرِيمُ هَاهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِالْوَطْءِ. وَيُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِ النَّزْعِ وَطْئًا، وَالْمُحَرَّمُ هَاهُنَا الِاسْتِمْتَاعُ، وَالنَّزْعُ اسْتِمْتَاعٌ، فَكَانَ مُحَرَّمًا، وَلِأَنَّ لَمْسَهَا عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ بِهَا مُحَرَّمٌ، فَلَمْسُ الْفَرْجِ بِالْفَرْجِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ ضَرُورَةَ تَرْكِ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ. قُلْنَا: فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الْوَطْءُ إلَّا بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ حَرُمَ ضَرُورَةَ تَرْكِ الْحَرَامِ.
كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ بِلَحْمٍ مُبَاحٍ، لَا يُمْكِنُهُ أَكْلُهُ إلَّا بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، حَرُمَ، وَلَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ، أَوْ امْرَأَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةِ، حَرُمَ الْكُلُّ. الْوَجْهُ الثَّانِي، أَنَّهُ بِالْوَطْءِ يَحْصُلُ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ، وَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ، وَكَمَا يَحْرُمُ إيقَاعُهُ بِلِسَانِهِ، يَحْرُمُ تَحْقِيقُ سَبَبِهِ. الثَّالِثُ، أَنْ يَقَعُ بِهِ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ جَمْعُ الثَّلَاثِ، فَإِنْ وَطِئَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ حِينَ يُولِجُ الْحَشَفَةَ، وَلَا يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَلْبَثَ وَلَا يَتَحَرَّكَ عِنْدَ النَّزْعِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَطْءِ، وَإِنْ لَبِثَ أَوْ تَمَّمَ الْإِيلَاجَ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ مِنْهُ، لِكَوْنِهِ وَطْئًا بَعْضُهُ فِي زَوْجَتِهِ، وَفِي الْمَهْرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا - يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ فِي مَحِلٍّ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَأَوْجَبَ الْمَهْرَ، كَمَا لَوْ أَوْلَجَ بَعْدَ النَّزْعِ.
وَالثَّانِي - لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ تَابَعَ الْإِيلَاجَ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ، فَكَانَ تَابِعًا لَهُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ. وَإِنْ نَزَعَ، ثُمَّ أَوْلَجَ، وَكَانَا جَاهِلَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لَهَا، وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ. وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ، فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ إيلَاجٌ فِي أَجْنَبِيَّةٍ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ وَطِئَهَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مُطَاوِعَةٌ عَلَى الزِّنَا، وَلَا يَلْحَقُهُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا، أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاس، وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَالِمَيْنِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَظِنَّةِ الْخَفَاءِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ مُحَرِّمٌ لِلْمَرْأَةِ.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا، وَالْآخَرُ جَاهِلًا، نُظِرَتْ؛ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَالِمَ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَهَا