الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا عَدَاهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ، وَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا كَانَ مُتَعَيِّنًا فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، كَالْقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ، وَالرِّطْلِ مِنْ زَيْتٍ مِنْ دِنٍّ، لَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ، كَالْمَبِيعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمَبِيعِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَهَذَا أَصِلُ ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخِرَ أَنَّ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ، كَالْمَهْرِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ بَذْلٌ لَا يَنْفَسِخُ السَّبَبُ الَّذِي مُلِكَ بِهِ بِهَلَاكِهِ، فَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هِبَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا صَدَاقَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِيهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا جَازَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا إنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ، وَمَا لَا تَصَرُّفَ لَهَا فِيهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ. وَإِنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ قَبْضَهُ، أَوْ لَمْ يُمَكِّنْهَا مِنْهُ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ فَضَمِنَهُ كَالْغَاصِبِ. وَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا، عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الْغُلَامِ، فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ، فَهُوَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ، فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ جَعَلَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: هُوَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ. إذَا تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَبْطُلْ الصَّدَاقُ بِتَلَفِهِ، وَيَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ تَلَفَ الْعِوَضِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي الْمُعَوَّضِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ رَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ، كَالْمَبِيعِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ هُوَ الْقِيمَةُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مَعَ وُجُودِهَا إذَا تَلِفَتْ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهَا، فَالْوَاجِبُ بَدَلُهَا، كَالْمَغْصُوبِ وَالْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ، وَفَارَقَ الْمَبِيعَ إذَا تَلِفَ فَإِنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ، وَزَالَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ التَّالِفَ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَتْلَفَ بِفِعْلِهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا مِنْهَا، وَيَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ ضَمَانُهُ. وَالثَّانِي، تَلِفَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَضْمَنُهُ لَهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّالِثُ، أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِضَمَانِهِ، وَبَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى الزَّوْجِ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْمُتْلِفِ. الرَّابِعُ، تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ.
[فَصْلٌ طَلَّقَ الْمَرْأَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ]
(5589)
فَصْلٌ: إذَا طَلَّقَ الْمَرْأَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ تَصَرَّفَتْ فِي الصَّدَاقِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا، مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ، فَهَذَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ؛ لِزَوَالِ مِلْكِهَا، وَانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهَا. فَإِنْ عَادَتْ الْعَيْنُ إلَيْهَا قَبْلَ طَلَاقِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي يَدِهَا بِحَالِهَا، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا، وَلَا يَلْزَمُ الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ، لِأَنَّنَا نَمْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَإِنَّ حَقَّ الْوَالِدِ سَقَطَ بِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْوَلَدِ بِكُلِّ حَالٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِبَذْلِهِ، وَالزَّوْجُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَإِذَا وُجِدَ كَانَ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ أَوْلَى.
وَفِي مَعْنَى هَذِهِ التَّصَرُّفَات الرَّهْنُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ، لَكِنَّهُ يُرَادُ لِلْبَيْعِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَفِي الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ إبْطَالٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ، فَلَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ، فَإِنَّهَا تُرَادُ لِلْعِتْقِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ، وَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَجَرَتْ مَجْرَى الرَّهْنِ. فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ إقْبَاضِ الْهِبَةِ أَوْ الرَّهْنِ، أَوْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا تُجْبَرُ عَلَى رَدِّ نِصْفِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَقَدَتْهُ فِي مِلْكِهَا، فَلَمْ تَمْلِكْ إبْطَالَهُ، كَاللَّازِمِ، وَلِأَنَّ مِلْكَهَا قَدْ زَالَ، فَلَمْ تَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهَا. وَالثَّانِي، تُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا زِيَادَةَ فِيهَا.
وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ، كَهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. فَأَمَّا إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ تَقْبِيضِ الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ، وَلُزُومِ الْبَيْعِ، فَلَمْ يَأْخُذْ قِيمَةَ النِّصْفِ حَتَّى فُسِخَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ فِي الْقِيمَةِ. الثَّانِي تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ، كَالْوَصِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَهَذَا لَا يُبْطِلُ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ، وَيَكُونُ وُجُودُ هَذَا التَّصَرُّفِ كَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكَ، وَلَمْ يَمْنَعْ الْمَالِكَ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَمْنَعُ مَنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ الرُّجُوعِ، كَالْإِيدَاعِ وَالْعَارِيَّةِ. فَأَمَّا إنْ دَبَّرَتْهُ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، أَوْ تَعْلِيقُ نِصْفِهِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ، فَلَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ كَالْوَصِيَّةِ.
وَلَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ، بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ مَنْ نِصْفُهُ مُدَبَّرٌ نَقْصٌ، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَرْفَعَ إلَى حَاكِمٍ حَنَفِيٍّ فَيَحْكُمَ بِعِتْقِهِ. وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَدَبَّرَتْهَا، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، إنْ قُلْنَا: تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ فَهِيَ كَالْعَبْدِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُبَاعُ. لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهَا. وَإِنْ كَاتَبَتْ الْأَمَةَ أَوْ الْعَبْدَ، لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ. وَإِنْ اخْتَارَ الرُّجُوعَ، وَقُلْنَا: الْكِتَابَةُ تَمْنَعُ الْبَيْعَ. مَنَعَتْ الرُّجُوعَ.
وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَمْنَعُ