الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الطَّلَاقِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى مَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْعِبَادَاتُ مِنْ النِّيَّةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي طَلْقَتَيْنِ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً لَصَارَ شَاكًّا فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَلَا تُفِيدُهُ الرَّجْعَةُ.
[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً طَلَّقَ أَمْ ثَلَاثًا]
(6037)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا طَلَّقَ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً طَلَّقَ أَمْ ثَلَاثًا اعْتَزَلَهَا وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ وَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ كَمْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِلتَّحْرِيمِ شَاكٌّ فِي التَّحْلِيلِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ وَشَكَّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ لَفَظَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَا يَدْرِي وَاحِدَةً أَمْ ثَلَاثًا؟ قَالَ: أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي تَيَقَّنَهُ طَلَاقٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ تَبْقَى أَحْكَامُ الْمُطَلِّقِ دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ إبَاحَةِ الرَّجْعَةِ.
وَإِذَا رَاجَعَ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَحُقُوقُ الزَّوْجِيَّةِ قَالَ الْخِرَقِيِّ: وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَقَوْلُهُمَا: تَيَقَّنَ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ بِالطَّلَاقِ وَشَكَّ فِي رَفْعِهِ بِالرَّجْعَةِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ وَشَكَّ فِي مَوْضِعِهَا فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ بِغَسْلِ مَوْضِعٍ مِنْ الثَّوْبِ وَلَا يَزُولُ إلَّا بِغَسْلِ جَمِيعِهِ وَفَارَقَ لُزُومَ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَهَا وَظَاهِرُ قَوْلِ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا حَلَّتْ لَهُ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُتَعَلِّقَ بِمَا يَنْفِيهِ يَزُولُ بِالرَّجْعَةِ يَقِينًا فَإِنَّ التَّحْرِيمَ أَنْوَاعٌ؛ تَحْرِيمٌ تُزِيلُهُ الرَّجْعَةُ وَتَحْرِيمٌ يُزِيلُهُ نِكَاحٌ جَدِيدٌ وَتَحْرِيمٌ يُزِيلُهُ نِكَاحٌ بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ وَمَنْ تَيَقَّنَ الْأَدْنَى لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْأَعْلَى كَمَنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ لَا يَثْبُت فِيهِ حُكْمُ الْأَكْبَرِ وَيَزُولُ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، وَيُخَالِفُ الثَّوْبَ فَإِنَّ غَسْلَ بَعْضِهِ لَا يَرْفَعُ مَا تَيَقَّنَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَتَيَقَّنَ نَجَاسَةَ كُمِّ الثَّوْبِ وَيَشُكَّ فِي نَجَاسَةِ سَائِرِهِ فَإِنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِيهِ يَزُولُ بِغَسْلِ الْكُمِّ وَحْدَهَا كَذَا هَاهُنَا وَيُمْكِنُ مَنْعُ حُصُولِ التَّحْرِيمِ هَاهُنَا وَمَنْعُ يَقِينِهِ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ مُبَاحَةٌ لِزَوْجِهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَمَا هُوَ إذًا مُتَيَقِّنٌ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ شَاكٌّ فِيهِ مُتَيَقِّنٌ لِلْإِبَاحَةِ.
[فَصْلٌ رَأَى رَجُلَانِ طَائِرًا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ غُرَابٌ وَحَلَفَ الْآخَرُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ حَمَامٌ]
(6038)
فَصْلٌ: إذَا رَأَى رَجُلَانِ طَائِرًا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ غُرَابٌ وَحَلَفَ الْآخَرُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ حَمَامٌ فَطَارَ وَلَمْ يَعْلَمَا لَمْ يُحْكَمْ بِحِنْثِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ يَقِينَ النِّكَاحِ ثَابِتٌ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَإِنْ ادَّعَتْ
امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا حِنْثَهُ فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ وَالْيَقِينَ فِي جَانِبِهِ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ وَاحِدًا فَقَالَ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَنِسَاؤُهُ طَوَالِقُ وَإِنْ كَانَ حَمَامًا فَعَبِيدُهُ أَحْرَارٌ أَوْ قَالَ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَزَيْنَبُ طَالِقٌ وَإِنْ كَانَ حَمَامًا فَهِنْدُ طَالِقٌ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ لَمْ يُحْكَمْ بِحِنْثِهِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِلنِّكَاحِ شَاكٌّ فِي الْحِنْثِ فَلَا يَزُولُ عَنْ يَقِينِ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ بِالشَّكِّ
فَأَمَّا إنْ قَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَارَ وَلَمْ يَعْلَمَا فَقَدْ حَنِثَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ فِي حَقِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ بَلْ تَبْقَى فِي حَقِّهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقِينُ نِكَاحِهِ بَاقٍ وَوُقُوعُ طَلَاقِهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَأَمَّا الْوَطْءُ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَانِثٌ بِيَقِينٍ، وَامْرَأَتُهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ أَشْكَلَ فَحَرُمَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ حَنِثَ فِي إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَحْرُمُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْءُ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِبَقَاءِ نِكَاحِهِ وَلَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ وَفَارَقَ الْحَانِثَ فِي إحْدَى امْرَأَتَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ زَوَالُ نِكَاحِهِ عَنْ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ قُلْنَا: إنَّمَا تَحَقَّقَ حِنْثُهُ فِي وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَبِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مُفْرَدَةٍ فَيَقِينُ نِكَاحِهَا بَاقٍ وَطَلَاقُهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ لَكِنْ لَمَّا تَحَقَّقْنَا أَنَّ إحْدَاهُمَا حَرَامٌ وَلَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهَا حَرُمَتَا عَلَيْهِ جَمِيعًا
وَكَذَلِكَ هَاهُنَا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ قَدْ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَيْهِمَا وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ تَنَجَّسَ أَحَدُ الْإِنَاءَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَا لِرَجُلَيْنِ أَوْ لَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَالَ مَكْحُولٌ: يُحْمَلُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَمَالَ إلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَلِمَ الْحَالَ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوَ هَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُ صِدْقُهُ فِيمَا ادَّعَاهُ وَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْحَانِثُ طَلُقَتْ زَوْجَتَاهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا
وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا حَنِثَ وَحْدَهُ، وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ الْحِنْثَ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهَلْ يَحْلِفُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
(6039)
فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، فَطَارَ وَلَمْ يَعْلَمَا لَمْ نَحْكُمْ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ، فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ حِنْثَ نَفْسِهِ عَتَقَ الَّذِي اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ حِنْثَ نَفْسِهِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِحِنْثِ صَاحِبِهِ وَإِقْرَارٌ بِعِتْقِ الَّذِي اشْتَرَاهُ.
وَإِذَا اشْتَرَى مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إنْكَارٌ وَلَا اعْتِرَافٌ فَقَدْ صَارَ الْعَبْدَانِ فِي يَدِهِ وَأَحَدُهُمَا