الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا، أَنَّهَا وَقَّعَتْ طَلَاقًا مَأْذُونًا فِيهِ، وَغَيْرَهُ، فَوَقَعَ الْمَأْذُونُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك. فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَضَرَائِرَهَا. فَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك. فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمُنْجَزِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ. وَحُكْمُ تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ، كَحُكْمِهَا فِيمَا مَا ذَكَرْنَاهُ كُلِّهِ.
[فَصْلٌ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقَ السُّنَّةِ قَالَتْ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا]
(5896)
فَصْلٌ: نَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ إذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقَ السُّنَّةِ. قَالَتْ: قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا. هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا. إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِلَفْظٍ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا سِيَّمَا وَطَلَاقُ السُّنَّةِ فِي الصَّحِيحِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ.
[فَصْلٌ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا بِعِوَضِ]
(5897)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا بِعِوَضٍ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَا عِوَضَ لَهُ، فِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيمَا جَعَلَ لَهَا، وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْوَطْءِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَتْ امْرَأَتُهُ: اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي، وَأُعْطِيك عَبْدِي هَذَا. قَبَضَ الْعَبْدَ، وَجَعَلَ أَمَرَهَا بِيَدِهَا، فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا لَمْ يَطَأْهَا أَوْ يَنْقُضْهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَالتَّوْكِيلُ لَا يَلْزَمُ بِدُخُولِ الْعِوَضِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّمْلِيكُ بَعُوضٍ لَا يَلْزَمُ، مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبُولُ كَالْبَيْعِ.
[فَصْلٌ اخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ وَأَمْرُك بِيَدِك]
(5898)
فَصْلٌ: إذَا اخْتَلَفَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ وَأَمْرُك بِيَدِك. وَقَالَتْ: بَلْ نَوَيْت. كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ جَوَابَ سُؤَالٍ، أَوْ مَعَهَا دَلَالَةُ حَالٍ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ تَنْوِ الطَّلَاقَ بِاخْتِيَارِ نَفْسِك. وَقَالَتْ: بَلْ نَوَيْت. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي. وَأَنْكَرَ وُجُودَ الِاخْتِيَارِ مِنْهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ، وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُهُ عِلْمُهُ، وَيُمْكِنُهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، فَادَّعَتْهُ، فَأَنْكَرَهُ.
[فَصْلٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَى حَرَامٌ وَأَطْلَقَ]
(5899)
فَصْلٌ: إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَأَطْلَقَ، فَهُوَ ظِهَارٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَيْسَ بِيَمِينٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ يَمِينٌ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم. وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ الضَّحَّاكِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالُوا فِي الْحَرَامِ: يَمِينٌ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] .
ثُمَّ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحَلَالِ، أَشْبَهَ تَحْرِيمَ الْأَمَةِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلزَّوْجَةِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، فَوَجَبَتْ بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي. فَأَمَّا إنْ نَوَى غَيْرَ الظِّهَارِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، أَنَّهُ ظِهَارٌ، نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُ ظِهَارٌ؛ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالْبَتِّيُّ. رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الْحَرَامِ، أَنَّهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِهَا، فَكَانَ ظِهَارًا، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
وَعَنْ أَحْمَدَ؛ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ، كَانَ طَلَاقًا. وَقَالَ: إذَا قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا، وَلَا أُفْتِي بِهِ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا نَوَاهُ. وَنَقَلَ عَنْهُ الْبَغَوِيّ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك. فَقَالَتْ: أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ. فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ. فَجَعَلَهُ مِنْهَا كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، فَكَذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَلَاقُ ثَلَاثٍ؛ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى.
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ نَوْعُ تَحْرِيمٍ، فَصَحَّ أَنْ يُكَنَّى بِهِ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ مَعَهُ، لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ. وَنَوَى بِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ إذَا قُلْنَا: إنَّ الرَّجْعَةَ مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا تَحْرُمُ بِهِ الزَّوْجَةُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، فَحُمِلَ عَلَى الْيَقِينِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا. فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَالزُّهْرِيِّ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ هُوَ كَاذِبٌ فِيهِ. وَهَذَا يَبْطُلُ بِالظِّهَارِ؛ فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ، وَقَدْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَلِأَنَّ هَذَا إيقَاعٌ لِلطَّلَاقِ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: أَنْتِ بَائِنٌ. أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إذَا نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا. فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: إنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَنَوَى يَمِينًا، ثُمَّ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، قَالَ: هُوَ يَمِينٌ، وَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ.