الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا أَنَّهُ أَصْدَقَهَا تَحْصِيلَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى رَدِّ عَبْدِهَا الْآبِقِ مِنْ مَكَان مَعْلُومٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ جَعَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ عِوَضًا، وَإِنَّمَا الْعِوَضُ تَحْصِيلُهُ وَتَمْلِيكُهَا إيَّاهُ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُ وَدَفْعُهُ إلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ صَدَاقِهَا إلَيْهَا، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا يَمْلِكُهُ. وَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَيْهِ؛ لِتَلَفِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ طُلِبَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلَهَا قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى قَبْضِ الْمُسَمَّى الْمُتَقَوِّمِ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَعَلَ لَهَا مِثْلِيًّا، فَتَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ، وَجَبَ لَهَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَيْهِ.
[فَصْلٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ]
(5572)
فَصْلٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ؛ صَحَّ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا قَبُولُهَا، قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ. وَلَنَا أَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا أَخْذُ قِيمَتِهِ، كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ عَبْدٌ وَجَبَ صَدَاقًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعِيبًا، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلَا يَلْزَمُ أَخْذُ قِيمَةِ الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا الْأَثْمَانُ أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ، كَمَا أَنَّ الْإِبِلَ أَصْلٌ، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ أَيِّ الْأُصُولِ شَاءَ، فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ قَبُولُهُ لَهَا عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ، فَلَا يُنَاقِضُ بِهَا، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قِيَاسُ الْعِوَضِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْوَاضِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى غَيْرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، ثُمَّ يَنْتَقِضُ بِالْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ.
[فَصْلٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا]
(5573)
فَصْلٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَإِنْ طُلِبَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَلَهَا قِيمَتُهُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ مَعَ إمْكَانِ شِرَائِهِ، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهَا الْعِوَضَ فِي عِتْقِ أَبِيهَا.
[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ إلَّا مَعْلُومًا يَصِحُّ بِمِثْلِهِ الْبَيْعُ]
(5574)
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ إلَّا مَعْلُومًا يَصِحُّ بِمِثْلِهِ الْبَيْعُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ مَجْهُولًا، مَا لَمْ تَزِدْ جَهَالَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَادِمٍ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: يُقَوَّمُ الْخَادِمُ وَسَطًا عَلَى قَدْرِ مَا يَخْدُمُ مِثْلَهَا. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ بَغْلٍ، أَوْ حَيَوَانٍ مِنْ جِنْسٍ مَعْلُومٍ، أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ أَوْ مَرْوِيٍّ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُذْكَرُ جِنْسُهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَهَا الْوَسَطُ. وَكَذَلِكَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ، وَعَشَرَةُ
أَرْطَالِ زَيْتٍ.
وَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ تَزِيدُ عَلَى جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، كَثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ عَلَى حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَيْتٍ، أَوْ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ فِي الْعَامِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ الْوَسَطِ، فَيَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ. وَفِي الْأَوَّلِ يَصِحُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْعَلَائِقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» .
وَهَذَا قَدْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَثْبُتُ فِيهِ الْحَيَوَانُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْمَالَ، فَثَبَتَ مُطْلَقًا كَالدِّيَةِ، وَلِأَنَّ جَهَالَةَ التَّسْمِيَةِ هَا هُنَا أَقَلُّ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِنِسَائِهَا مِمَّنْ يُسَاوِيهَا فِي صِفَاتِهَا وَبَلَدِهَا وَزَمَانِهَا وَنَسَبِهَا، ثُمَّ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ، فَهَاهُنَا مَعَ قِلَّةِ الْجَهْلِ فِيهِ أَوْلَى وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ فِيهِ الْجَهَالَةَ بِحَالٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِحُّ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِهِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ، أَوْ قَمِيصٍ مِنْ قُمْصَانِهِ، أَوْ عِمَامَةٍ مِنْ عَمَائِمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ، لِأَنَّ؛ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِي مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ: جَائِزٌ، فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةَ عَبِيدٍ، تُعْطَى مِنْ أَوْسَطِهِمْ، فَإِنْ تَشَاحَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. قُلْت: وَتَسْتَقِيمُ الْقُرْعَةُ فِي هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ هَا هُنَا يَسِيرَةٌ، وَيُمْكِنُ التَّعْيِينُ بِالْقُرْعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ تَكْثُرُ، فَلَا يَصِحُّ.
وَلَنَا أَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مَجْهُولًا، كَعِوَضِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ، وَكَمَا لَوْ زَادَتْ جَهَالَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِمَّا يَصْلُحُ عِوَضًا، بِدَلِيلِ سَائِرِ مَا لَا يَصْلُحُ، وَأَمَّا الدِّيَةُ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ، لَا بِالْعَقْدِ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ فِي تَقْدِيرِهَا، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ أَصْلًا، ثُمَّ إنَّ الْحَيَوَانَ الثَّابِتَ فِيهَا مَوْصُوفٌ بِسِنِّهِ، مُقَدَّرٌ بِقِيمَتِهِ، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمُطْلَقُ فِي الْأَمْرَيْنِ؟ ثُمَّ لَيْسَتْ عَقْدًا، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّرَاضِي، فَهُوَ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهَا عِوَضٌ فِي عَقْدٍ يُعْتَبَرُ تَرَاضِيهِمَا بِهِ؟ ثُمَّ إنَّ قِيَاسَ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ عَلَى عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةٍ أُخْرَى، أَصَحُّ وَأَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى بَدَلِ مُتْلَفٍ، وَأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا تَجِبُ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَلَا نَصِيرُ إلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، وَلَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَبْدٍ مُطْلَقٍ فَأَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّا نَصِيرُ إلَى تَقْوِيمِهِ، وَلَا نُوجِبُ الْعَبْدَ الْمُطْلَقَ، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُطْلَقِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ دُونَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي الْقَبَائِلِ وَالْقُرَى أَنْ يَكُونَ لِنِسَائِهِمْ مَهْرٌ لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ إلَّا بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ فَحَسْبُ، فَيَكُونُ إذًا مَعْلُومًا، وَالْوَسَطُ مِنْ الْجِنْسِ يَبْعُدُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِ