الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِيمَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ الصَّدَاقِ، فَسُمِعَتْ يَمِينُهُ فِيهِ، كَالزَّوْجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى بَلَغَتْ وَعَقَلَتْ، فَالْيَمِينُ عَلَيْهَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ هُوَ لِتَعَذُّرِ الْيَمِينِ مِنْ جِهَتِهَا، فَإِذَا أَمْكَنَ فِي حَقِّهَا، صَارَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا، كَالْوَصِيِّ إذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ قُبِلَ يَمِينُهُ فِيمَا يَحْلِفُ فِيهِ. فَأَمَّا أَبُو الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ، فَلَا تُسْمَعُ مُخَالَفَتُهُ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ قَوْلُهَا مَقْبُولٌ فِي الصَّدَاقِ، وَالْحَقُّ لَهَا دُونَهُ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ صَغِيرَةٍ، إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ فِي بِنْتِ تِسْعٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَوْ زَوَّجُوهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، ثَبَتَ مَهْرُ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، فَالْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ.
[فَصْلٌ أَنْكَرَ الزَّوْجُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ]
(5598)
فَصْلٌ: إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ، وَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ نَظَرْنَا فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ وَجَبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَهِيَ مُقِرَّةٌ بِنَقْصِهَا عَمَّا يَجِبُ لَهَا بِدَعْوَى الزَّوْجِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ، ذَلِكَ وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. فَلَهَا الْمُتْعَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ. قُبِلَ قَوْلُهَا مَا ادَّعَتْ مَهْرَ مِثْلِهَا. هَذَا إذَا طَلَّقَهَا، وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا، فُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهُ. فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ.
[مَسْأَلَة تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ]
(5599)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ إلَّا الْمُتْعَةُ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] وَمَتِّعُوهُنَّ وَرُوِيَ «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ، فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ
مَا قَضَيْت» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَصْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ دُونَ الصَّدَاقِ فَصَحَّ مِنْ غَيْرِهِ ذِكْرُهُ كَالنَّفَقَةِ.
وَسَوَاءٌ تَرَكَا ذِكْرَ الْمَهْرِ، أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ. فَيَقْبَلُهُ كَذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ فِي الْحَالِ، وَلَا فِي الثَّانِي. صَحَّ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّهَا تَكُونُ كَالْمَوْهُوبَةِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ فِيمَا إذَا قَالَ: زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ. فَيَصِحُّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمَا صَحَّ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ، صَحَّ فِي الْأُخْرَى.
وَلَيْسَتْ كَالْمَوْهُوبَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَفْسُدُ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْمُزَوَّجَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ تُسَمَّى مُفَوِّضَةً، بِكَسْرِ الْوَاو وَفَتْحِهَا، فَمِنْ كَسَرَ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ، مِثْلُ مُقَوِّمَةٍ، وَمِنْ فَتَحَ أَضَافَهُ إلَى وَلِيِّهَا. وَمَعْنَى التَّفْوِيضِ الْإِهْمَالُ، كَأَنَّهَا أَهْمَلَتْ أَمْرَ الْمَهْرِ، حَيْثُ لَمْ تُسَمِّهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِر:
لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ
…
وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
يَعْنِي مُهْمَلِينَ.
وَالتَّفْوِيضُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ تَفْوِيضُ بُضْعٍ، وَتَفْوِيضُ مَهْرٍ. فَأَمَّا تَفْوِيضُ الْبُضْعِ، فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، وَفَسَّرْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إطْلَاقُ التَّفْوِيضِ، وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْمَهْرِ، فَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الصَّدَاقَ إلَى رَأْيِ أَحَدِهِمَا، أَوْ رَأْيِ أَجْنَبِيٍّ، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُك عَلَى مَا شِئْت، أَوْ عَلَى حُكْمِك أَوْ عَلَى حُكْمِي، أَوْ حُكْمِهَا، أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ. وَنَحْوِهِ. فَهَذِهِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، فِي ظَاهِرِ