الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْأُمُّ بِفَسَادِ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى ابْنَتِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَمْ يُمْكِنْ اخْتِيَارُهَا، وَالْبِنْتُ لَا تَحْرُمُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا، فَتَعَيَّنَ النِّكَاحُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُخْتَيْنِ
(5458)
الْفَصْلُ الثَّانِي: إذَا دَخَلَ بِهِمَا، حَرُمَتَا عَلَى التَّأْبِيدِ، الْأُمُّ لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ، وَالْبِنْتُ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا قَالَ. ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعْ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ. وَإِنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ وَحْدَهَا، فَكَذَلِكَ؛ أَنَّ الْبِنْتَ تَكُونُ رَبِيبَتَهُ مَدْخُولًا بِأُمِّهَا، وَالْأُمُّ حَرُمَتْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى ابْنَتِهَا
وَإِنْ دَخَلَ بِالْبِنْتِ وَحْدَهَا، ثَبَتَ نِكَاحُهَا، وَفَسَدَ نِكَاحُ أُمِّهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا. وَلَوْ لَمْ تُسْلِمْ مَعَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا، كَانَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتَا مَعَهُ مَعًا؛ فَإِنْ كَانَتْ الْمُسْلِمَةُ هِيَ الْأُمَّ، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتَ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِأُمِّهَا، ثَبَتَ نِكَاحُهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِأُمِّهَا، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَلَوْ أَسْلَمَ وَلَهُ جَارِيَتَانِ، إحْدَاهُمَا أُمُّ الْأُخْرَى، وَقَدْ وَطِئَهُمَا جَمِيعًا حَرُمَتَا عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا، حَرُمْت الْأُخْرَى عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَمْ تَحْرُمْ الْمَوْطُوءَةُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، فَلَهُ وَطْءُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، فَإِذَا وَطِئَهَا، حَرُمَتْ الْأُخْرَى عَلَى التَّأْبِيد. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة أسلم عَبْدٌ وَتَحْتَهُ زَوْجَتَانِ قَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَأَسْلَمَتَا فِي الْعِدَّةِ]
(5459)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ، وَتَحْتَهُ زَوْجَتَانِ، قَدْ دَخَلَ بِهِمَا، فَأَسْلَمَتَا فِي الْعِدَّةِ، فَهُمَا زَوْجَتَاهُ، وَلَوْ كُنَّ أَكْثَرَ، اخْتَارَ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْعَبْدِ فِيمَا زَادَ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ حُكْمُ الْحُرِّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ، فَإِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ زَوْجَتَانِ، فَأَسْلَمَتَا مَعَهُ، أَوْ فِي عِدَّتِهِمَا، لَزِمَ نِكَاحُهُمَا، حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ، أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً؛ لِأَنَّ لَهُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي ابْتِدَاءِ نِكَاحِهِ، فَكَذَلِكَ فِي اخْتِيَارِهِ
وَإِنْ كُنَّ أَكْثَرَ، اخْتَارَ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ، أَيَّتَهُنَّ شَاءَ، عَلَى مَا مَضَى فِي الْحُرِّ، فَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّتَانِ وَأَمَتَانِ، فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْحُرَّتَيْنِ أَوْ الْأَمَتَيْنِ، أَوْ حُرَّةً، وَأَمَةً، وَلَيْسَ لِلْحُرَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ مَعَهُ الْخِيَارُ فِي فِرَاقِهِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِنِكَاحِهِ وَهُوَ عَبْدٌ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ رِقُّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَلَا تَجَدَّدَتْ حُرِّيَّتُهَا بِذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارُ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مَعِيبًا تَعْلَمُ عَيْبَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا، أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ عَيْبٌ تَجَدَّدَتْ أَحْكَامُهُ بِالْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ الرِّقَّ لَمْ يَزُلْ عَيْبًا وَنَقْصًا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ نَقْصُهُ بِالْإِسْلَامِ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ
(5460)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ حَرَائِرَ، فَأُعْتِقَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ، أَوْ أَسْلَمْنَ قَبْلَهُ، ثُمَّ أُعْتِقَ، ثُمَّ أَسْلَمَ، لَزِمَهُ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَرْبَعُ فِي وَقْتِ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمْ، فَإِنَّهُ حُرُّ. فَأَمَّا إنْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، ثُمَّ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إلَّا اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَ ثَبَتَ لَهُ الِاخْتِيَارُ، وَهُوَ حَالُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَتَغَيُّرُ حَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ، كَمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، ثُمَّ أَيْسَرَ. وَلَوْ أَسْلَمَ مَعَهُ اثْنَتَانِ، ثُمَّ أَعْتَقَ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ لَمْ يَخْتَرْ إلَّا اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِإِسْلَامِ الْأُولَيَيْنِ
(5461)
فَصْلٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا، فَأَسْلَمْنَ، وَأَعْتَقْنَ قَبْلَ إسْلَامِهِ، فَلَهُنَّ فَسْخُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُنَّ عَتَقْنَ تَحْتَ عَبْدٍ، وَإِنَّمَا مَلَكْنَ الْفَسْخَ وَإِنْ كُنَّ جَارِيَاتٍ إلَى بَيْنُونَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْلِمُ فَيَقْطَعُ جَرَيَانَهُنَّ إلَى الْبَيْنُونَةِ، فَإِذَا فَسَخْنَ وَلَمْ يُسْلِمْ الزَّوْجُ، بِنَّ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ مِنْ حِينَ أَسْلَمْنَ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ، بِنَّ لِفَسْخِ النِّكَاحِ، وَعَلَيْهِنَّ عِدَّةُ الْحَرَائِرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُنَّ هَاهُنَا وَجَبَتْ عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ وَهُنَّ حَرَائِرُ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا عَتَقْنَ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ الزَّوْجُ تَلَافِيَ النِّكَاحِ فِيهَا، فَأَشْبَهْنَ الرَّجْعِيَّةَ
فَإِنْ أَخَّرْنَ الْفَسْخَ حَتَّى أَسْلَمَ الزَّوْجُ، لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ حَقُّهُنَّ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُنَّ لِلْفَسْخِ اعْتِمَادٌ عَلَى جَرَيَانِهِنَّ لِبَيْنُونَةٍ، فَلَمْ يَتَضَمَّنْ الرِّضَى بِالنِّكَاحِ كَالرَّجْعِيَّةِ إذَا أُعْتِقَتْ وَأَخَّرَتْ الْفَسْخَ، وَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُنَّ، ثُمَّ أَعْتَقْنَ، فَاخْتَرْنَ الْفَسْخَ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُنَّ إمَاءٌ عَتَقْنَ تَحْتَ عَبْدٍ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا خِيَارَ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِنَّ إلَى الْفَسْخِ، لِكَوْنِهِ يَحْصُلُ بِإِقَامَتِهِنَّ عَلَى الشِّرْكِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَلَيْسَ بِصَحِيحِ؛ فَإِنَّ السَّبَبَ مُتَحَقِّقٌ، وَقَدْ يَبْدُو لَهُنَّ الْإِسْلَامُ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِنَّ
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا أَسْلَمْنَ اخْتَرْنَ الْفَسْخَ. قُلْنَا: يَتَضَرَّرْنَ بِطُولِ الْعِدَّةِ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ حِينِ الْفَسْخِ، وَلِذَلِكَ مَلَكْنَ الْفَسْخَ فِيمَا إذَا أَسْلَمْنَ وَعَتَقْنَ قَبْلَهُ. فَأَمَّا إنْ اخْتَرْنَ الْمُقَامَ، وَقُلْنَ: قَدْ رَضِينَا بِالزَّوْجِ. فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُنَّ؛ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَصِحُّ فِيهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ، فَصَحَّ فِيهَا اخْتِيَارُ الْإِقَامَةِ، كَحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُنَّ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُنَّ لِلْإِقَامَةِ ضِدٌّ لِلْحَالَةِ الَّتِي هُنَّ عَلَيْهَا، وَهِيَ جَرَيَانُهُنَّ إلَى الْبَيْنُونَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ الرَّجْعِيَّةُ، فَرَاجَعَهَا الزَّوْجُ حَالَ رِدَّتِهَا. وَهَذَا يَبْطُلُ بِمَا إذَا قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقُ. ثُمَّ عَتَقَتْ، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا.