الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا كَانَتْ فِي عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بَائِنَةً فِي بَيْتِهَا مَعَ عِيَالِهَا اسْتَأْمَرَهَا. قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي الْبِنْتِ. بِقَوْلِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ، خَالَفَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ، فَإِنَّ الْخَنْسَاءَ ابْنَةَ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، رَوَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهُ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالْقَوْلِ بِهِ، لَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُ إلَّا الْحَسَنَ، وَكَانَتْ الْخَنْسَاءُ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ، وَكَانَتْ تَحْتَ أُنَيْسٌ بْنِ قَتَادَةَ، فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ، فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَكَرِهَتْهُ، وَشَكَتْ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا، وَنَكَحَتْ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» . وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» رَوَاهُمَا النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.
وَلِأَنَّهَا رَشِيدَةٌ عَالِمَةٌ بِالْمَقْصُودِ مِنْ النِّكَاحِ مُخْتَبَرَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ إجْبَارُهَا عَلَيْهِ، كَالرَّجُلِ. الْقِسْمُ الثَّانِي، الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ، وَفِي تَزْوِيجِهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ بَطَّةَ، وَالْقَاضِي، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ الْإِجْبَارَ يَخْتَلِفُ بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ، لَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَهَذِهِ ثَيِّبٌ، وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهَا فَائِدَةً، وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ فَتَخْتَارَ لِنَفْسِهَا وَيُعْتَبَرَ إذْنُهَا، فَوَجَبَ التَّأْخِيرُ، بِخِلَافِ الْبِكْرِ. الْوَجْهُ الثَّانِي، أَنَّ لِأَبِيهَا تَزْوِيجَهَا، وَلَا يَسْتَأْمِرُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ، فَجَازَ إجْبَارُهَا كَالْبِكْرِ وَالْغُلَامِ
يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ بِالثُّيُوبَةِ عَلَى مَا حَصَلَ لِلْغُلَامِ بِالذُّكُورِيَّةِ، ثُمَّ الْغُلَامُ يُجْبَرُ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَكَذَا هَذِهِ، وَالْأَخْبَارُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْكَبِيرَةِ، فَإِنَّهُ جَعَلَهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالصَّغِيرَةُ لَا حَقَّ لَهَا. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَةَ تِسْعِ سِنِينَ يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا بِإِذْنِهَا، وَمَنْ دُونَ ذَلِكَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبِكْرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ]
(5206)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ، وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ) . أَمَّا الثَّيِّبُ، فَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ إذْنَهَا الْكَلَامُ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ اللِّسَانَ هُوَ الْمُعَبِّرُ عَمَّا فِي الْقَلْبِ،
وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِذْنُ، غَيْرَ أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ أُقِيمَ فِيهَا الصَّمْتُ مُقَامَهُ لِعَارِضٍ. وَأَمَّا الْبِكْرُ فَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْوَلِيِّ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: فِي صَمْتِهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَبِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَكُونُ إذْنًا؛ لِأَنَّ الصُّمَاتَ عَدَمُ الْإِذْنِ، فَلَا يَكُونُ إذْنًا، وَلِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ الرِّضَا وَالْحَيَاءَ وَغَيْرِهِمَا، فَلَا يَكُونُ إذْنًا، كَمَا فِي حَقِّ الثَّيِّبِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِهِ فِي حَقِّ الْأَبِ، لِأَنَّ رِضَاءَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ
وَهَذَا شُذُوذٌ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، يُصَانُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إضَافَتِهِ إلَيْهِ، وَجَعْلِهِ مَذْهَبًا لَهُ، مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَتْبَعْ النَّاسِ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُعَرِّجُ مُنْصِفٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:«يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِي. قَالَ: رِضَاهَا صُمَاتُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَفِي رِوَايَةٍ: «وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ، فَصَمْتُهَا إقْرَارُهَا» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا» . وَهَذَا صَرِيحٌ فِي غَيْرِ ذَاتِ الْأَبِ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ رِضَاهَا صَمْتُهَا» . وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. وَلِأَنَّ الْحَيَاءَ عُقْلَةٌ عَلَى لِسَانِهَا، يَمْنَعُهَا النُّطْقَ بِالْإِذْنِ، وَلَا تَسْتَحْيِي مِنْ إبَائِهَا وَامْتِنَاعِهَا، فَإِذَا سَكَتَتْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لِرِضَاهَا، فَاكْتُفِيَ بِهِ
وَمَا ذَكَرُوهُ يُفْضِي إلَى أَنْ لَا يَكُونَ صُمَاتُهَا إذْنًا فِي حَقِّ الْأَبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ، فَيَكُونُ إذًا رَدًّا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْكُلِّيَّةِ، وَاطِّرَاحًا لِلْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ الْجَلِيَّةِ، وَخَرْقًا لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ الْمَرْضِيَّةِ.
(5207)
فَصْلٌ: فَإِنْ نَطَقَتْ بِالْإِذْنِ، فَهُوَ أَبْلَغُ وَأَتَمُّ فِي الْإِذْنِ مِنْ صَمْتِهَا، وَإِنْ بَكَتْ أَوْ ضَحِكَتْ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ سُكُوتِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ بَكَتْ فَلَيْسَ بِإِذْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَلَيْسَ بِصَمْتٍ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْحَدِيثِ.