الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ مَسَّهَا، حَتَّى إذَا طَهُرَتْ أُخْرَى، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا» . رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَمِنْهَا، أَنَّهُ عُوقِبَ عَلَى إيقَاعِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُحَرَّمِ بِمَنْعِهِ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ. وَذَكَرَ غَيْرَ هَذَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَهُوَ طَلَاقُ سُنَّةٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَهَذَا مُطَلِّقٌ لِلْعِدَّةِ، فَيَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ. وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. وَلَمْ يَذْكُرُوا تِلْكَ الزِّيَادَةَ» . وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ طُهْرٌ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَ الثَّانِيَ، وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ]
(5819)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، كَانَ أَيْضًا لِلسُّنَّةِ، وَكَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَمْعِ الثَّلَاثِ؛ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَدَاوُد، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالشَّعْبِيِّ «؛ لِأَنَّ عُوَيْمِرَ الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي، فَبِتَّ طَلَاقِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَات. وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ جَازَ تَفْرِيقُهُ، فَجَازَ جَمْعُهُ، كَطَلَاقِ النِّسَاءِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ طَلَاقُ بِدْعَةٍ، مُحَرَّمٌ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،. قَالَ عَلِيٌّ، رضي الله عنه: لَا يُطَلِّقُ أَحَدٌ لِلسُّنَّةِ فَيَنْدَمُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَدَعُهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثَ حَيْض، فَمَتَى شَاءَ رَاجَعَهَا،. وَعَنْ، عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ إذَا أُتِيَ بِرَجُلٍ طَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْجَعَهُ ضَرْبًا.
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا. فَقَالَ: إنَّ عَمَّك عَصَى اللَّهَ، وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ، فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلَى قَوْلِهِ {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] . ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] . وَمَنْ جَمَعَ الثَّلَاثَ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَمْرٌ يَحْدُثُ، وَلَا يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا وَلَا مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا.
وَرَوَى النَّسَائِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ:«أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ . حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَقْتُلُهُ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ: إذَا عَصَيْت رَبَّك، وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: تَتَّخِذُونَ آيَاتِ اللَّهِ هُزْوًا، أَوْ لَعِبًا؟ مَنْ طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ أَلْزَمْنَاهُ ثَلَاثًا، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ» .
وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْبُضْعِ بِقَوْلِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَحُرِّمَ كَالظِّهَارِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُهُ بِالتَّكْفِيرِ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ إلَى رَفْعِهِ بِحَالٍ، وَلِأَنَّهُ ضَرَرٌ وَإِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ وَبِامْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ، وَرُبَّمَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى عَوْدِهِ إلَيْهَا حَرَامًا، أَوْ بِحِيلَةٍ لَا تُزِيلُ التَّحْرِيمَ، وَوُقُوعِ النَّدَمِ، وَخَسَارَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، الَّذِي ضَرَرُهُ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ أَيَّامًا يَسِيرَةً، أَوْ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، الَّذِي ضَرَرُهُ احْتِمَالُ النَّدَمِ بِظُهُورِ الْحَمْلِ؛ فَإِنَّ ضَرَرَ جَمْعِ الثَّلَاثِ يَتَضَاعَفُ عَلَى ذَلِكَ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، فَالتَّحَرِّي ثَمَّ تَنْبِيهٌ عَلَى التَّحْرِيمِ هَاهُنَا، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا فِي عَصْرِهِمْ خِلَافُ قَوْلِهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إجْمَاعًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَغَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّهَا وَقَعَتْ بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِمَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. ثُمَّ إنَّ اللِّعَانَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فَالطَّلَاقُ بَعْدَهُ كَالطَّلَاقِ بَعْدَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالرَّضَاعِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ إنَّمَا حَرُمَ لِمَا يَعْقُبُهُ مِنْ النَّدَمِ، وَيَحْصُلُ بِهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَيَفُوتُ عَلَيْهِ مِنْ حِلِّ نِكَاحِهَا، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ، لِحُصُولِهِ بِاللِّعَانِ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَقَعْ فِيهَا جَمْعُ الثَّلَاثِ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ مُقِرًّا عَلَيْهِ، وَلَا حَضَرَ الْمُطَلِّقُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ لِيُنْكِرَ عَلَيْهِ. عَلَى أَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ، قَدْ جَاءَ فِيهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا مِنْ طَلَاقِهَا، وَحَدِيثُ امْرَأَةِ رُفَاعَةَ جَاءَ فِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَمْعُ الثَّلَاثِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً، ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، إلَّا مَا حَكَيْنَا مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمُوَافَقَةً لِقَوْلِ السَّلَفِ. وَأَمْنًا مِنْ النَّدَمِ، فَإِنَّهُ مَتَى نَدِمَ رَاجَعَهَا، فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَلَهُ نِكَاحُهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ الطَّلَاقِ، مَا يُتْبِعُ رَجُلٌ نَفْسَهُ امْرَأَةً أَبَدًا، يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ يَدَعُهَا، مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثًا، فَمَتَى شَاءَ رَاجَعَهَا. رَوَاهُ النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ، فَلْيُمْهِلْ، حَتَّى إذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ، طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فِي غَيْرِ جِمَاعٍ، ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَا يُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ، فَيَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا وَأَجْرَ رَضَاعِهَا، وَيَنْدَمُهُ اللَّهُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ إلَيْهَا سَبِيلًا.