الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَلْحَقُ بِالِانْتِظَارِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَيَذْهَبُ الْخَاطِبُ، وَمَنْ لَا يَصِلُ الْكِتَابُ مِنْهُ أَبْعَدُ، وَمَنْ هُوَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ فِي مُكَاتَبَتِهِ.
وَالتَّوَسُّطُ أَوْلَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَقَوْلِ الْقَاضِي، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: مِنْ الرَّيِّ إلَى بَغْدَادَ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الرَّقَّةِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يُشْبِهَانِ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الْغَيْبَةِ الَّتِي يُزَوِّجُ فِيهَا الْحَاكِمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسَافَةُ الْقَصْرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ قَرِيبًا. وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ، أَنَّهُ يُنْتَظَرُ وَيُرَاسَلُ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ يُوَكِّلَ.
فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْقَرِيبُ مَحْبُوسًا، أَوْ أَسِيرًا فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، لَا تُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ، فَهُوَ كَالْبَعِيدِ، فَإِنَّ الْبُعْدَ لَمْ يُعْتَبَرْ لِعَيْنِهِ، بَلْ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى التَّزْوِيجِ بِنَظَرِهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ هَاهُنَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ غَائِبًا لَا يُعْلَمُ أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قَرِيبٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ، فَهُوَ كَالْبَعِيدِ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتِرَاطُ الْكَفَاءَةِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ]
(5189)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا زُوِّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي اشْتِرَاطِ الْكَفَاءَةِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا شَرْطٌ لَهُ. قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَشْرَبُ الشَّرَابَ: مَا هُوَ بِكُفْءٍ لَهَا، يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ: لَوْ كَانَ الْمُتَزَوِّجُ حَائِكًا فَرَّقْت بَيْنَهُمَا؛ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه: لِأَمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ، إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: خَرَجَ سَلْمَانُ وَجَرِيرٌ فِي سَفَرٍ، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَقَالَ جَرِيرٌ لِسَلْمَانِ: تَقَدَّمْ أَنْتَ. قَالَ سَلْمَانُ: بَلْ أَنْتَ تَقَدَّمْ، فَإِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ، وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُكُمْ، إنَّ اللَّهَ فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَهُ فِيكُمْ. وَلِأَنَّ التَّزْوِيجَ، مَعَ فَقْدِ الْكَفَاءَةِ، تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ مَنْ يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تُنْكِحُوا النِّسَاءَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ، وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: هَذَا ضَعِيفٌ، لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي النِّكَاحِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ عَوْنٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها. إنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ ابْنَةَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. «وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلَاهُ، فَنَكَحَهَا بِأَمْرِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
«وَزَوَّجَ أَبَاهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ابْنَةَ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةَ.» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِأُخْتِهِ: أُنْشِدُك اللَّهَ أَنْ تَتَزَوَّجِي مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ رُومِيًّا، أَوْ أَسْوَدَ حَبَشِيًّا. وَلِأَنَّ الْكَفَاءَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا حَقًّا لِلْمَرْأَةِ، أَوْ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ لَهُمَا، فَلَمْ يُشْتَرَطْ وُجُودُهَا، كَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَافُوخِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا بَنِي بَيَاضَةَ، أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ، وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَهُ، وَأَنْكَرَهُ إنْكَارًا شَدِيدًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ، وَمَا رُوِيَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِيهَا حَقًّا، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهُمْ فَلَهُ الْفَسْخُ
وَلِذَلِكَ لَمَّا زَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ مِنْ ابْنِ أَخِيهِ، لِيَرْفَعَ بِهَا خَسِيسَتَهُ، جَعَلَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخِيَارَ، فَأَجَازَتْ مَا صَنَعَ أَبُوهَا. وَلَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ.
فَإِذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِهَا، فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا حَالَ الْعَقْدِ، فَإِنْ عَدِمَتْ بَعْدَهُ، لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ النِّكَاحِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لَدَى الْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً حَالَ الْعَقْدِ، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، عَلَى مَا مَضَى. فَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ شَرْطًا. فَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ كُلُّهُمْ، صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بَعْضُهُمْ، فَهَلْ يَقَعُ الْعَقْدُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ صَحِيحًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا، هُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقٌّ لِجَمِيعِهِمْ، وَالْعَاقِدُ مُتَصَرِّفٌ فِيهَا بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ.
وَالثَّانِيَةُ، هُوَ صَحِيحٌ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي رَفَعَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْئِهَا خَيَّرَهَا، وَلَمْ يُبْطِلْ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ. وَلِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِالْإِذْنِ، وَالنَّقْصُ الْمَوْجُودُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ