الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقْتًا مَعْلُومًا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا لَمْ تَجِبْ. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ إنَّهَا إنْ لَمْ تَجِبْ، فَقَدْ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهَا، كَنَفَقَةِ الصَّبِيِّ، بِخِلَافِ عِوَضِ مَا يُتْلِفُهُ.
[مَسْأَلَةٌ خَالَعَتْهُ بِمُحْرِمِ وَهُمَا كَافِرَانِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَسْلِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا]
(5809)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ خَالَعَتْهُ بِمُحَرَّمٍ، وَهُمَا كَافِرَانِ، فَقَبَضَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ الْكُفَّارِ جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَوْ أَهْلَ حَرْبٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الطَّلَاقَ، مَلَكَ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهِ، كَالْمُسْلِمِ، فَإِنْ تَخَالَعَا بِعِوَضٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا وَتَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ، أَمْضَى ذَلِكَ عَلَيْهِمَا كَالْمُسْلِمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِمُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَا، وَتَرَافَعَا إلَيْنَا، أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَمْضَى ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يُعَوَّضْ لَهُ، وَلَمْ يَرُدَّهُ، وَلَا يَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ تَبَايَعَا خَمْرًا أَوْ تَقَابَضَا ثُمَّ أَسْلَمَا.
وَإِنْ كَانَ إسْلَامُهُمَا أَوْ تَرَافُعُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، لَمْ يُمْضِهِ الْحَاكِمُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِقْبَاضِهِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لَمُسْلِمٍ أَوْ مِنْ مُسْلِمٍ، فَلَا يَأْمُرُ الْحَاكِمُ بِإِقْبَاضِهِ. قَالَ الْقَاضِي، فِي " الْجَامِعِ ": وَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ مِنْهَا بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، كَالْمُسْلِمَيْنِ إذَا تَخَالَعَا بِخَمْرٍ وَقَالَ، فِي " الْمُجَرَّدِ ": يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فَاسِدٌ، فَيَرْجِعُ إلَى قِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ؛ لَأَنْ تَخْصِيصَهُ حَالَةَ الْقَبْضِ بِنَفْيِ الرُّجُوعِ، يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ عَدَمِ الْقَبْضِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ، أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَعْتَقِدُ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالًا، فَإِذَا رَضِيَ بِهِ عِوَضًا، فَقَدْ رَضِيَ بِالْخُلْعِ بِغَيْرِ مَالٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَالْمُشْرِكُ يَعْتَقِدُهُ مَالًا، فَلَمْ يَرْضَ بِالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَيَكُونُ الْعِوَضُ وَاجِبًا لَهُ، كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى حُرٍّ يَظُنُّهُ عَبْدًا، أَوْ خَمْرٍ يَظُنُّهُ خَلًّا.
إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ الْعِوَضُ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا. وَعَلَى مَا عَلَّلْنَا بِهِ يَقْتَضِي وُجُوبَ قِيمَةِ مَا سَمَّى لَهَا، عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَالًا، فَإِنَّهُ رَضِيَ بِمَالِيَّةِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ لَهُ قَدْرُهُ مِنْ الْمَالِ، كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى خَمْرٍ يَظُنُّهُ خَلًّا. وَإِنْ حَصَلَ الْقَبْضُ فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ، سَقَطَ مَا قَبَضَ، وَفِيمَا لَمْ يَقْبِضْ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] .
[فَصْل التَّوْكِيلُ فِي الْخُلْعِ]
(5810)
فَصْلٌ: وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْخُلْعِ، مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَمِنْ أَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا. وَكُلُّ مَنْ صَحَّ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْخُلْعِ لِنَفْسِهِ، جَازَ تَوْكِيلُهُ وَوَكَالَتُهُ؛ حُرًّا؛ كَانَ أَوْ عَبْدًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا،
مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ رَشِيدًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ الْخُلْعَ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا وَمُوَكِّلًا فِيهِ، كَالْحُرِّ الرَّشِيدِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. يَكُونُ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ اسْتِدْعَاءُ الْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَتَقْدِيرُ الْعِوَضِ، وَتَسْلِيمُهُ. وَتَوْكِيلُ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ شَرْطُ الْعِوَضِ، وَقَبْضُهُ، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ.
وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ مَعَ تَقْدِيرِ الْعِوَضِ، وَمِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَصَحَّ كَذَلِكَ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ. وَالْمُسْتَحَبُّ التَّقْدِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ مِنْ الْغَرَرِ، وَأَسْهَلُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الِاجْتِهَادِ. فَإِنْ وَكَّلَ الزَّوْجُ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ: الْحَالُ الْأَوَّلُ، أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ الْعِوَضَ، فَخَالَعَ بِهِ أَوْ بِمَا زَادَ، صَحَّ، وَلَزِمَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَإِنْ خَالَعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛: أَحَدُهُمَا، لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي خُلْعِ امْرَأَةٍ فَخَالَعَ أُخْرَى، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْخُلْعِ بِهَذَا الْعِوَضِ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَالثَّانِي، يَصِحُّ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي قَدْرِ الْعِوَضِ لَا تُبْطِلُ الْخُلْعَ، كَحَالَةِ الْإِطْلَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
وَأَمَّا إنْ خَالَفَ فِي الْجِنْسِ، مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْخُلْعِ عَلَى دَرَاهِمَ، فَخَالَعَ عَلَى عَبْدٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ يَأْمُرَهُ بِالْخُلْعِ حَالًّا، فَخَالَعَ بِعِوَضٍ نَسِيئَةً، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُوَكِّلِهِ فِي جِنْسِ الْعِوَضِ، فَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ، كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ مَا خَالَعَ بِهِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلَا الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدُ السَّبَبُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ. وَفَارَقَ الْمُخَالَفَةَ فِي الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَبْرُهُ بِالرُّجُوعِ بِالنَّقْصِ عَلَى الْوَكِيلِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَ الْوَكِيلَ الْقَدْرُ الَّذِي أُذِنَ فِيهِ، وَيَكُونَ لَهُ مَا خَالَعَ، قِيَاسًا عَلَى الْمُخَالَفَةِ فِي الْقَدْرِ، وَهَذَا يَبْطُلُ بِالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ هَذَا خُلْعٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُ فِي شَيْءٍ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَمْلِكَ عِوَضًا مَا مَلَّكَتْهُ إيَّاهُ الْمَرْأَةُ، وَلَا قَصَدَ هُوَ تَمَلُّكَهُ، وَتَنْخَلِعُ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ لَزِمَهَا لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ فِي الْقَدْرِ، فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ فِيهَا أَيْضًا، لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالْحَالُ الثَّانِي، إذَا أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْخُلْعَ بِمَهْرِهَا الْمُسَمَّى حَالًّا مِنْ جِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ خَالَعَ بِذَلِكَ فَمَا زَادَ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَإِنْ خَالَعَ بِدُونِهِ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيمَا إذَا قَدَّرَ لَهُ الْعِوَضَ فَخَالَعَ بِدُونِهِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَسْقُطَ الْمُسَمَّى، وَيَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَعَ بِمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ. وَالثَّانِي، أَنْ يَتَخَيَّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ قَبُولِ الْعِوَضِ نَاقِصًا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ، وَبَيْنَ رَدِّهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ. وَإِنْ خَالَعَ