الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
(خ م ت حم)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ (2) إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ، قَالَ أَوْ لَمْ تُؤْمِنْ؟، قَالَ بَلَى ، وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (3)} (4) وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا ، لَقَدْ كَانَ لَيَأوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (5) (إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ) (6)(قَالَ: قَدْ كَانَ يَأوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، وَلَكِنَّهُ عَنَى عَشِيرَتَهُ (7) فَمَا بَعَثَ اللهُ بَعْدَهُ نَبِيًّا ، إلَّا فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ) (8) (وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ) (9) (ثُمَّ أَتَانِي الدَّاعِي لَأَجَبْتُهُ) (10) (ثُمَّ قَرَأَ:{فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ، إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} (11)) (12)(قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ (13) وَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ) (14).
(1)[هود: 79، 80]
(2)
اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَاد بِالشَّكِّ هُنَا، فَحَمَلَهُ بَعْضهمْ عَلَى ظَاهِره ، وَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْل النُّبُوَّة.
وَحَمَلَهُ أَيْضًا الطَّبَرِيُّ عَلَى ظَاهِره وَجَعَلَ سَبَبه حُصُولَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَان، لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَقِرّ ، وَلَا زَلْزَلَتْ الْإِيمَان الثَّابِت، وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَعَبْد بْنُ حُمَيْدٍ ، وَابْن أَبِي حَاتِم ، وَالْحَاكِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: أَرْجَى آيَة فِي الْقُرْآن: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} الْآيَة، قَالَ اِبْن عَبَّاس: هَذَا لِمَا يَعْرِض فِي الصُّدُور ، وَيُوَسْوِس بِهِ الشَّيْطَان، فَرَضِيَ اللهُ مِنْ إِبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم بِأَنْ قَالَ: بَلَى.
وَمِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه.
وَمِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه.
وَهَذِهِ طُرُق يَشُدّ بَعْضهَا بَعْضًا ، وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ عَطَاءٌ ، فَرَوَى ابْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ هَذِهِ الْآيَة ، فَقَالَ: دَخَلَ قَلْبَ إِبْرَاهِيمَ بَعْضُ مَا يَدْخُلُ قُلُوبَ النَّاسِ ، فَقَالَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: كَانَ سَبَب ذَلِكَ أَنَّ نُمْرُودَ لَمَّا قَالَ لَهُ: مَا رَبُّك؟ ، قَالَ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَذَكَرَ مَا قَصَّ اللهُ مِمَّا جَرَى بَيْنهمَا، فَسَأَلَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ رَبَّه أَنْ يُرِيَه كَيْفِيَّةَ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى ، مِنْ غَيْر شَكّ مِنْهُ فِي الْقُدْرَة، وَلَكِنْ أَحَبَّ ذَلِكَ وَاشْتَاقَ إِلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُه بِحُصُولِ مَا أَرَادَهُ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ اِبْن إِسْحَاق.
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْله صلى الله عليه وسلم " نَحْنُ أَحَقّ بِالشَّكِّ " فَقَالَ بَعْضهمْ: مَعْنَاهُ نَحْنُ أَشَدُّ اِشْتِيَاقًا إِلَى رُؤْيَة ذَلِكَ مِنْ إِبْرَاهِيم.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِذَا لَمْ نَشُكَّ نَحْنُ ، فَإِبْرَاهِيم أَوْلَى أَنْ لَا يَشُكَّ، أَيْ: لَوْ كَانَ الشَّكُّ مُتَطَرِّقًا إِلَى الْأَنْبِيَاء ، لَكُنْتُ أَنَا أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَشُكَّ ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ ، وَإِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ تَوَاضُعًا مِنْهُ، أَوْ مِنْ قَبْل أَنْ يُعْلِمهُ الله بِأَنَّهُ أَفْضَل مِنْ إِبْرَاهِيم، وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيث أَنَس عِنْد مُسْلِم " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا خَيْر الْبَرِّيَّة، قَالَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيم ".
وَقِيلَ: إِنَّ سَبَب هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ ، قَالَ بَعْض النَّاس: شَكَّ إِبْرَاهِيمُ ، وَلَمْ يَشُكَّ نَبِيُّنَا ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيم.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ " نَحْنُ " أُمَّتَهُ الَّذِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الشَّكُّ ، وَأَخْرَجَهُ هُوَ مِنْهُ ، بِدَلَالَةِ الْعِصْمَة.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ شَكٌّ ، أَنَا أَوْلَى بِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَكٍّ ، إِنَّمَا هُوَ طَلَبٌ لِمَزِيدِ الْبَيَان.
وَحَكَى بَعْض عُلَمَاء الْعَرَبِيَّة أَنَّ أَفْعَل رُبَّمَا جَاءَتْ لِنَفْيِ الْمَعْنَى عَنْ الشَّيْئَيْنِ ، نَحْو قَوْله تَعَالَى {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} أَيْ: لَا خَيْرَ فِي الْفَرِيقَيْنِ، فَعَلَى هَذَا ، فَمَعْنَى قَوْله " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيم "، أَيْ: لَا شَكَّ عِنْدنَا جَمِيعًا.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة: وَمَحْمَلُ قَوْلِ عَطَاء: دَخَلَ قَلْبَ إِبْرَاهِيمَ بَعْضُ مَا يَدْخُلُ قُلُوبَ النَّاسِ. أَيْ: مِنْ طَلَبِ الْمُعَايَنَة.
قَالَ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى نَفْيِ الشَّكّ، وَالْمُرَاد بِالشَّكِّ فِيهِ: الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا تَثْبُت، وَأَمَّا الشَّكُّ الْمُصْطَلَحُ ، وَهُوَ التَّوَقُّفُ بَيْن الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْر مَزِيَّة لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَر ، فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْ الْخَلِيلِ قَطْعًا ، لِأَنَّهُ يَبْعُدُ وُقُوعه مِمَّنْ رَسَخَ الْإِيمَان فِي قَلْبه ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَلَغَ رُتْبَة النُّبُوَّة؟.
قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّؤَالَ لَمَّا وَقَعَ بِـ {كَيْفَ} دَلَّ عَلَى حَالِ شَيْءٍ مِنْ مَوْجُودٍ مُقَرَّرٍ عِنْد السَّائِل وَالْمَسْئُول، كَمَا تَقُول: كَيْفَ عَلِمَ فُلَانٌ؟ ، فَـ {كَيْفَ} فِي الْآيَة سُؤَالٌ عَنْ هَيْئَةِ الْإِحْيَاء ، لَا عَنْ نَفْسِ الْإِحْيَاء ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ مُقَرَّر.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِنَّمَا صَارَ أَحَقَّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ لِمَا عَانَى مِنْ تَكْذِيب قَوْمه ، وَرَدّهمْ عَلَيْهِ ، وَتَعَجُّبِهِمْ مِنْ أَمْرِ الْبَعْث ، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ أَسْأَلَ مَا سَأَلَ إِبْرَاهِيم لِعَظِيمِ مَا جَرَى لِي مَعَ قَوْمِيَ الْمُنْكِرِينَ لِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وَلِمَعْرِفَتِي بِتَفْضِيلِ الله لِي وَلَكِنْ لَا أَسْأَل فِي ذَلِكَ. فتح الباري - (ج 10 / ص 155)
(3)
أَيْ: لِيَزِيدَ سُكُونًا بِالْمُشَاهَدَةِ الْمُنْضَمَّة إِلَى اِعْتِقَادِ الْقَلْب، لِأَنَّ تَظَاهُرَ الْأَدِلَّة أَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُصَدِّق، وَلَكِنْ لِلْعِيَانِ لَطِيفُ مَعْنَى.
وَقَالَ عِيَاض: لَمْ يَشُكّ إِبْرَاهِيمُ بِأَنَّ اللهَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَلَكِنْ أَرَادَ طُمَأنِينَةَ الْقَلْب وَتَرْك الْمُنَازَعَةِ لِمُشَاهَدَةِ الْإِحْيَاء ، فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْم الْأَوَّل بِوُقُوعِهِ، وَأَرَادَ الْعِلْم الثَّانِي بِكَيْفِيَّتِهِ وَمُشَاهَدَته.
وَيُحْتَمَل أَنَّهُ سَأَلَ زِيَادَةَ الْيَقِين ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوَّل شَكٌّ ، لِأَنَّ الْعُلُومَ قَدْ تَتَفَاوَت فِي قُوَّتهَا ، فَأَرَادَ التَّرَقِّي مِنْ عِلْم الْيَقِين ، إِلَى عَيْن الْيَقِين وَاللهُ أَعْلَمُ. فتح الباري - (ج 10 / ص 155)
(4)
[البقرة/260]
(5)
(خ) 3192 ، (م) 238 - (151) ، (حم) 8262
(6)
(ت) 3116
(7)
يُقَال: إِنَّ قَوْمَ لُوط لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي نَسَبه ، لِأَنَّهُمْ مِنْ سَدُوم وَهِيَ مِنْ الشَّام ، وَكَانَ أَصْلُ إِبْرَاهِيم وَلُوط مِنْ الْعِرَاق، فَلَمَّا هَاجَرَ إِبْرَاهِيم إِلَى الشَّام ، هَاجَرَ مَعَهُ لُوط، فَبَعَثَ اللهُ لُوطًا إِلَى أَهْل سَدُوم ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ لِي مَنَعَة وَأَقَارِب وَعَشِيرَة ، لَكُنْت أَسْتَنْصِر بِهِمْ عَلَيْكُمْ ، لِيَدْفَعُوا عَنْ ضِيفَانِي، وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْض طُرُق هَذَا الْحَدِيث كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد:" قَالَ لُوط: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، قَالَ: فَإِنَّه كَانَ يَأوِي إِلَى رُكْن شَدِيد ، وَلَكِنَّهُ عَنَى عَشِيرَته ، فَمَا بَعَثَ الله نَبِيًّا إِلَّا فِي ذِرْوَة مِنْ قَوْمه ".
زَادَ اِبْن مَرْدُوَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْه " أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْل شُعَيْب: {وَلَوْلَا رَهْطك لَرَجَمْنَاك} .
وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْله " لَقَدْ كَانَ يَأوِي إِلَى رُكْن شَدِيد " أَيْ: إِلَى عَشِيرَته، لَكِنَّهُ لَمْ يَأوِ إِلَيْهِمْ ، وَأَوَى إِلَى الله. اِنْتَهَى.
وَالْأَوَّل أَظْهَر لِمَا بَيَّنَّاهُ. فتح الباري - (ج 10 / ص 162)
(8)
(حم) 10916 ، (ت) 3116 ، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(9)
(خ) 3192
(10)
(خ) 3207 ، (م) 238 - (151) ، (جة) 4026
(11)
[يوسف/50]
(12)
(ت) 3116
(13)
أَيْ: أَسْرَعْت الْإِجَابَة فِي الْخُرُوج مِنْ السِّجْن ، وَلَمَا قَدَّمْتُ طَلَبَ الْبَرَاءَة، فَوَصَفَهُ بِشِدَّةِ الصَّبْر ، حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ بِالْخُرُوجِ.
وَإِنَّمَا قَالَهُ صلى الله عليه وسلم تَوَاضُعًا، وَالتَّوَاضُع لَا يَحُطُّ مَرْتَبَةَ الْكَبِير ، بَلْ يَزِيدهُ رِفْعَة وَجَلَالًا.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ جِنْس قَوْله صلى الله عليه وسلم: " لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ ".
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ قَالَهُ قَبْل أَنْ يَعْلَم أَنَّهُ أَفْضَل مِنْ الْجَمِيع. فتح الباري (10/ 162)
(14)
(حم) 8535 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.