الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
(خ م جة حم)، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" إِنَّ اللهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ (2) وفي رواية: (مِائَةَ جُزْءٍ)(3) كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (4)) (5)(أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ ، وَالْإِنْسِ ، وَالْبَهَائِمِ ، وَالْهَوَامِّ)(6)(فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ)(7)(وَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ)(8)(فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا)(9)(وَبِهَا تَعْطِفُ الْوُحُوشُ عَلَى أَوْلَادِهَا)(10)(وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ)(11)(حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ)(12)(وَادَّخَرَ عِنْدَهُ لِأَوْلِيَائِهِ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً)(13)(فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ)(14)(ضَمَّهَا إِلَيْهَا)(15)(فَأَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ)(16)(وَرَحِمَ بِهَا عِبَادَهُ)(17)(فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ)(18)(بِمَا)(19)(عِنْدَ اللهِ مِنْ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ)(20)(أَحَدٌ (21)) (22)(وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ)(23)(بِمَا)(24)(عِنْدَ اللهِ مِنْ الْعَذَابِ)(25)(مَا طَمِعَ فِي الْجَنَّةِ أَحَدٌ ")(26)
(1)[الأنعام: 12]
(2)
قَالَ الْمُهَلَّب: الرَّحْمَة الَّتِي خَلَقَهَا الله لِعِبَادِهِ وَجَعَلَهَا فِي نُفُوسهمْ فِي الدُّنْيَا هِيَ الَّتِي يَتَغَافَرُونَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة التَّبَعَات بَيْنَهمْ ، قَالَ: وَيَجُوز أَنْ يَسْتَعْمِل اللهُ تِلْكَ الرَّحْمَة فِيهِمْ ، فَيَرْحَمهُمْ بِهَا ، سِوَى رَحْمَته الَّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء ، وَهِيَ الَّتِي مِنْ صِفَة ذَاته ، وَلَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا، فَهِيَ الَّتِي يَرْحَمهُمْ بِهَا ، زَائِدًا عَلَى الرَّحْمَة الَّتِي خَلَقَهَا لَهُمْ.
قَالَ: وَيَجُوز أَنْ تَكُون الرَّحْمَة الَّتِي أَمْسَكَهَا عِنْدَ نَفْسه ، هِيَ الَّتِي عِنْدَ مَلَائِكَته الْمُسْتَغْفِرِينَ لِمَنْ فِي الْأَرْض؛ لِأَنَّ اِسْتِغْفَارهمْ لَهُمْ دَالٌّ عَلَى أَنَّ فِي نُفُوسهمْ الرَّحْمَة لِأَهْلِ الْأَرْض.
قُلْت: وَحَاصِل كَلَامه: أَنَّ الرَّحْمَة رَحْمَتَانِ: رَحْمَة مِنْ صِفَة الذَّات ، وَهِيَ لَا تَتَعَدَّد، وَرَحْمَة مِنْ صِفَة الْفِعْل ، وَهِيَ الْمُشَار إِلَيْهَا هُنَا ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي شَيْء مِنْ طُرُق الْحَدِيث أَنَّ الَّتِي عِنْدَ الله رَحْمَة وَاحِدَة ، بَلْ اِتَّفَقَتْ جَمِيع الطُّرُق عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ تِسْعَة وَتِسْعِينَ رَحْمَة، وَزَادَ فِي حَدِيث سَلْمَان أَنَّهُ يُكْمِلهَا يَوْم الْقِيَامَة مِائَة بِالرَّحْمَةِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا، فَتَعَدُّدُ الرَّحْمَة بِالنِّسْبَةِ لِلْخَلْقِ. فتح الباري (17/ 133)
(3)
(م) 2572
(4)
طباقُ الشيءِ: مِلْؤُه.
(5)
(م) 2753
(6)
(م) 2752
(7)
(م) 2752 ، (خ) 5654
(8)
(جة) 4293 ، (م) 2752
(9)
(م) 2753
(10)
(م) 2752 ، (جة) 4293
(11)
(م) 2753
(12)
(م) 2752 ، (خ) 5654
(13)
(حم) 10680 ، (م) 2752 ، انظر صحيح الجامع: 1766
(14)
(م) 2753 ، (حم) 11548
(15)
(حم) 11548 ، وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.
(16)
(م) 2753 ، (حم) 10680
(17)
(م) 2752 ، (جة) 4293
(18)
(خ) 6104 ، (م) 2755
(19)
(حم) 8396
(20)
(خ) 6104 ، (م) 2755
(21)
الْمُرَاد أَنَّ الْكَافِر لَوْ عَلِمَ سَعَة الرَّحْمَة ، لَغَطَّى عَلَى مَا يَعْلَمهُ مِنْ عِظَم الْعَذَاب فَيَحْصُل بِهِ الرَّجَاء.
فالْحَدِيث اِشْتَمَلَ عَلَى الْوَعْد وَالْوَعِيد الْمُقْتَضَيَيْنِ لِلرَّجَاءِ وَالْخَوْف، فَمَنْ عِلْم أَنَّ مِنْ صِفَات الله تَعَالَى الرَّحْمَة لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْحَمَهُ ، وَالِانْتِقَام مِمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ ، لَا يَأمَنُ اِنْتِقَامَه مَنْ يَرْجُو رَحْمَتَه ، وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَتِه مَنْ يَخَافُ اِنْتِقَامَهُ، وَذَلِكَ بَاعِثٌ عَلَى مُجَانَبَة السَّيِّئَة ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَة ، وَمُلَازَمَةِ الطَّاعَة ، وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَة، وهَذِهِ الْكَلِمَة سِيقَتْ لِتَرْغِيبِ الْمُؤْمِن فِي سَعَةِ رَحْمَةِ الله ، الَّتِي لَوْ عَلِمَهَا الْكَافِر الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُخْتَم عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا حَظّ لَهُ فِي الرَّحْمَة ، لَتَطَاوَلَ إِلَيْهَا ، وَلَمْ يَيْأَس مِنْهَا، لِقَطْعِ نَظَره عَنْ الشَّرْط ، مَعَ تَيَقُّنه بِأَنَّهُ عَلَى الْبَاطِل ، وَاسْتِمْرَاره عَلَيْهِ عِنَادًا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَال الْكَافِر ، فَكَيْف لَا يَطْمَع فِيهَا الْمُؤْمِن الَّذِي هَدَاهُ الله لِلْإِيمَانِ؟.
وَالْمَقْصُود مِنْ الْحَدِيث أَنَّ الْمُكَلَّف يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُون بَيْن الْخَوْف وَالرَّجَاء ، حَتَّى لَا يَكُون مُفْرِطًا فِي الرَّجَاء ، بِحَيْثُ يَصِير مِنْ الْمُرْجِئَة الْقَائِلِينَ: لَا يَضُرّ مَعَ الْإِيمَان شَيْء ، وَلَا فِي الْخَوْف ، بِحَيْثُ لَا يَكُون مِنْ الْخَوَارِج وَالْمُعْتَزِلَة ، الْقَائِلِينَ بِتَخْلِيدِ صَاحِب الْكَبِيرَة إِذَا مَاتَ عَنْ غَيْر تَوْبَة فِي النَّار، بَلْ يَكُون وَسَطًا بَيْنهمَا ، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:{يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ، وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57] وَمَنْ تَتَبَّعَ دِين الْإِسْلَام ، وَجَدَ قَوَاعِدَه أُصُولًا وَفُرُوعًا ، كُلَّهَا فِي جَانِب الْوَسَط. فتح الباري (ج 18 / ص 291)
(22)
(م) 2755
(23)
(خ) 6104 ، (م) 2755
(24)
(حم) 8396 ، وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.
(25)
(خ) 6104 ، (م) 2755
(26)
(حم) 8396 ، (م) 2755 ، صَحِيح الْجَامِع: 1766 ، والصحيحة: 1634
(خ م)، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ سَبْيٌ (1) عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي (2)[إِذْ](3) وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ ، فَأَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ (4) فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أَتَرَوْنَ (5) هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ (6)؟ "، فَقُلْنَا: لَا وَاللهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ (7) مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا "(8)
(1) السبي: الأسرى من النساء والأطفال.
(2)
مِنْ الِابْتِغَاء، وَهُوَ: الطَّلَب والبحث عن الشيء.
(3)
(طس) 3011
(4)
عُرِفَ مِنْ سِيَاقِه أَنَّهَا كَانَتْ فَقَدَتْ صَبِيَّهَا ، وَتَضَرَّرَتْ بِاجْتِمَاعِ اللَّبَن فِي ثَدْيهَا، فَكَانَتْ إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا أَرْضَعَتْهُ لِيَخِفَّ عَنْهَا، فَلَمَّا وَجَدَتْ صَبِيَّهَا بِعَيْنِهِ ، أَخَذَتْهُ فَالْتَزَمَتْهُ. فتح الباري - (ج 17 / ص 131)
(5)
أَيْ: أَتَظُنُّونَ؟. فتح الباري - (ج 17 / ص 131)
(6)
فِي الْحَدِيث جَوَاز النَّظَرِ إلَى النِّسَاءِ الْمَسْبِيَّات، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْ النَّظَر إِلَى الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة، بَلْ فِي سِيَاق الْحَدِيث مَا يَقْتَضِي إِذْنَه فِي النَّظَر إِلَيْهَا. فتح الباري - (ج 17 / ص 131)
(7)
كَأَنَّ الْمُرَاد بِالْعِبَادِ هُنَا مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَام، وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ:" مَرَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَر مِنْ أَصْحَابه وَصَبِيّ عَلَى الطَّرِيق، فَلَمَّا رَأَتْ أُمّه الْقَوْم خَشِيَتْ عَلَى وَلَدهَا أَنْ يُوطَأ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَتَقُول: اِبْنِي ، اِبْنِي، وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ، فَقَالَ الْقَوْم: يَا رَسُول الله مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِي اِبْنهَا فِي النَّار، فَقَالَ: وَلَا الله بِطَارِحٍ حَبِيبه فِي النَّار " ، فَالتَّعْبِير بِحَبِيبِهِ يُخْرِج الْكَافِرَ ، وَكَذَا مَنْ شَاءَ إِدْخَالَه مِمَّنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِر، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء ، فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156]
فَهِيَ عَامَّة مِنْ جِهَة الصَّلَاحِيَّة ، وَخَاصَّة بِمَنْ كُتِبَتْ لَهُ. فتح الباري (17/ 131)
(8)
(م) 2754 ، (خ) 5653